تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد

اشارة

سرشناسه : فاضل موحدی لنکرانی، محمد، - 1310

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد/ محمد الموحدی اللنکرانی الشهیر بالفاضل

مشخصات نشر : قم: جماعه المدرسین بقم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = - 1368.

فروست : (جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، دفتر انتشارات اسلامی ;502)

شابک : بها:1900ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول 1418ق = 1376): 10000 ریال

یادداشت : کتابنامه بصورت زیرنویس

عنوان دیگر : شرح تحریر الوسیله

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. شرح

شناسه افزوده : جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1368

رده بندی دیویی : 3422/297

شماره کتابشناسی ملی : م 68-852

[المدخل]

بسمه تعالى

هذا شرح كتاب الوقف و جملة من الكتب التي تعدّ من كتاب «تفصيل الشريعة» في شرح تحرير الوسيلة؛ للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف، و أنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه و عن والديه، و كان تاريخ الشروع السادس من شهر صفر الخير من شهور سنة 1422، و أرجو من اللّٰه تعالى إتمام هذا الشرح و شرح الكتب التي لم تشرح بعد، بحقّ أوليائه الطاهرين و الأئمّة المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين، سيّما وليّ اللّٰه الأعظم روحي و أرواح العالمين له الفداء.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 9

[كتاب الوقف و أخواته]

اشارة

كتاب الوقف و أخواته

[القول في الوقف]

اشارة

و هو تحبيس العين و تسبيل المنفعة. و فيه فضل كثير و ثواب جزيل، ففي الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنّة هدىً سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته، و ولد صالح يدعو له» «1»، و بمضمونه روايات (1).

______________________________

(1) الوقف الذي يعبّر عنه بالصدقة الجارية كما في الرواية المذكورة في المتن، بل في غالب الروايات كما ذكره السيّد في الملحقات «2»، و توصيف الصدقة بهذه الصفة أعني الجارية يوجب امتيازها عن الصدقة المصطلحة التي هي عبارة عن الهبة مع قصد القربة، كما مرّ في كتاب الهبة، و لا مانع من التعبير عن الوقف بالصدقة، كما أنّه قد استعملت الصدقة في الكتاب في الزكاة في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ «3» إلخ، و من هذه الجهة تنقسم الصدقة إلى الصدقة الواجبة، و الصدقة المستحبّة.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 56 ح 1، أمالي الصدوق: 87 ح 56، تحف العقول: 363، التهذيب: 9/ 232 ح 909، و عنها الوسائل: 19/ 171، كتاب الوقوف و الصدقات ب 1 ح 1.

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 184.

(3) سورة التوبة: 9/ 60.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 10

[مسألة 1: يعتبر في الوقف الصيغة]

مسألة 1: يعتبر في الوقف الصيغة؛ و هي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور، مثل: «وقفت» و «حبست» و «سبّلت» بل و «تصدّقت» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته، كقوله: «صدقة مؤبّدة لا تُباع و لا توهب» و نحو ذلك، و كذا مثل: «جعلت أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبّلة على كذا»، و لا يعتبر فيه العربيّة و لا الماضويّة، بل

يكفي الجملة الاسميّة، مثل: «هذا وقف» أو

______________________________

و كيف كان، فالوقف عبارة عن تحبيس العين و تسبيل المنفعة أو إطلاقها، و قد وقع هذا التعبير في الرواية النبويّة «1»، و فيه فضل كثير و ثواب جزيل. و الظاهر أنّه لا فرق فيه بين الوقف العامّ و الوقف الخاصّ؛ لإطلاق مثل الرواية المذكورة في المتن و إن كان بينهما فرق من جهة بعض الأحكام، كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدس سره صاحب كفاية الأُصول في رسالته في الوقف بعد أن حكى عن جماعة من الفقهاء في تعريف الوقف أنّه تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، و عن جماعة اخرى أنّه عقدٌ ثمرته تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة، قال: و ليس هذا خلافاً في حقيقته؛ لما حقّقنا في البحث و غيره أنّ الأصحاب في تعاريفهم في سائر الأبواب إنّما هم بصدد شرح الاسم كاللغوي لا الحدّ أو الرسم، و كيف كان، فهو حبس خاصّ، و هو المطلق منه المقابل للحبس لا مطلقه الشامل لهما، و التفاوت بينهما إنّما يكون بالمرتبة، كما يكون بين الإيجاب و الاستحباب إلخ «2».

قلت: إنّ التعبير بأنّه عقد، يتوقّف على اعتبار القبول فيه، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى عدم الاعتبار «3»، من دون فرق بين الوقف العامّ و الوقف الخاصّ، فانتظر.

______________________________

(1) سنن ابن ماجة: 4/ 63 ح 2397، السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 135 ح 12126 و 22127.

(2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني، أوّل كتاب الوقف.

(3) في ص 15 16.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 11

«هذه محبسة أو مسبّلة» (1).

[مسألة 2: لا بدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة]

مسألة 2: لا بدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين و عبادة المسلمين

صحّ، لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه، و الظاهر كفاية قوله: «جعلته مسجداً» و إن لم يذكر ما يدلّ على وقفه و حبسه، و الأحوط أن يقول: «وقفته مسجداً» أو «.. على أن يكون مسجداً» (2).

______________________________

(1) يعتبر في الوقف الصيغة الخاصّة، لا بمعنى عدم وقوعه بالمعاطاة، فإنّه يجي ء في المسألة الثالثة كفاية المعاطاة في الجملة، بل بمعنى أنّه إذا أراد الإنشاء باللفظ يعتبر فيه ذلك؛ و هي كلّ لفظ دلّ على إنشاء المعنى المذكور، كالأمثلة المذكورة في المتن، و لا يعتبر فيه العربيّة و الماضويّة، بل تكفي الجملة الاسمية، كالأمثلة المذكورة في المتن و مثلها، كالتعبير بأنّها صدقة جارية للعلماء، أو الفقراء، أو لخصوص الأولاد؛ و ذلك لعدم الدليل على اعتبار لفظ خاصّ، فيكفي كلّ ما له ظهور عرفيّ في ذلك؛ فإنّك عرفت أنّ المعتمد عند العقلاء هي أصالة الظهور، و هي أعمّ من أصالة الحقيقة، فقوله: «رأيت أسداً يرمي» ظاهر في الرجل الشجاع و إن لم يكن حقيقة فيه.

(2) لا بدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة؛ فإنّه عنوان خاصّ لا يتحقّق إلّا بقصده و لو فرضنا عدم اعتبار التأبيد فيه، كاستئجار الأرض لأن يعمل مسجداً، على ما ذكره السيّد في العروة في كتاب الإجارة «1»، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين صحّ، لكن لم يصر به مسجداً، كما هو المتداول في زماننا هذا في

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 506، كتاب الإجارة، مسألة 3331.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 12

[مسألة 3: الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد]

مسألة 3: الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد، و المقابر، و الطرق و الشوارع، و القناطر، و الرباطات المعدّة لنزول المسافرين، و الأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها

أو ثمرها، بل و مثل البواري للمساجد، و القناديل للمشاهد، و أشباه ذلك، و بالجملة: ما كان محبساً على مصلحة عامّة، فلو بنى بناءً بعنوان المسجديّة و أذن في الصلاة فيه للعموم و صلّى فيه بعض الناس كفى في وقفه و صيرورته مسجداً. و كذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين و خلّى بينها و بينهم و أذن إذناً عامّاً للدفن فيها، فدفنوا فيها بعض الأموات، أو بنى قنطرة و خلّى بينها و بين العابرين فشرعوا في العبور عليها، و هكذا (1).

______________________________

مملكتنا من تأسيس أمكنة كبيرة لصلاة الجمعة التي يجتمع فيها عدد كثير نوعاً يعبّرون عنها بالمصلّي باعتبار وقوع صلاة الجمعة فيها، و هذه الأمكنة و إن كانت موقوفة على صلاة الجمعة أو مطلقاً، لكنّها لا تكون مسجداً، و لا يترتّب عليها أحكام المسجديّة من عدم جواز التنجيس، و عدم مكث الجنب فيها، و غيرهما من أحكام المسجد؛ و السرّ فيه عدم كون عنوان المسجدية مأخوذاً في وقفه و حبسه، و لذا ترى أنّ المتشرّعة يفرّقون بين تلك الأمكنة و بين المساجد، كالتفريق بين المسجد و الحسينية، فتدبّر.

(1) و الدليل على كفاية المعاطاة في مثل الأمثلة المذكورة في المتن ممّا كان محبساً على مصلحة عامّة أنّه لا دليل على اعتبار الإنشاء بالصيغة مثل الألفاظ المتقدّمة، بل يكفي الإنشاء الفعلي؛ بأن بني بناءً بعنوان المسجديّة و أذن في الصلاة فيه.

نعم، ذكر السيّد في الملحقات أنّ ظاهر العلماء على اشتراط الصيغة في الوقف،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 13

[مسألة 4: ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجديّة]

مسألة 4: ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجديّة؛ بأن نوى ببنائه و تعميره

أن يكون مسجداً، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد و بنى فيها بتلك النيّة. و أمّا إذا كان له بناء مملوك كدار أو خان فنوى أن يكون مسجداً و صرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه يشكل الاكتفاء به. و كذا الحال في مثل الرباط و القنطرة (2).

______________________________

و أنّه بدونها غير صحيح، و لكنّه قوّى نفسه الاكتفاء بالمعاطاة «1»، كما هو المحكيّ عن ابن إدريس «2»، و الشهيد في الذكرى «3» في المسجد و لو مع عدم إجراء الصيغة؛ لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة.

و الظاهر عدم اختصاص ذلك بالمسجد، بل يجري في مثله من الأُمور المذكورة في المتن.

و أمّا ما يظهر منه من اعتبار صلاة بعض الناس فيما بناه بعنوان المسجدية، أو دفن بعض الأموات فيما لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين، أو العبور على القنطرة فيما لو بنى قنطرة فالظاهر أنّه لا دليل عليه، بل الظاهر كفاية البناء أو التعيين بقصد العناوين المذكورة و التخلية بينها و بين الناس في الاستفادة المناسبة و إن لم تتحقّق بالفعل، و إلّا يلزم شبه الدور، فإنّ جواز الاستفادة متوقّف على الوقفيّة، فلو كان العكس يلزم الدور، فتدبّر.

(2) الغرض من هذه المسألة بيان أنّ ما ذكرنا في المسألة السابقة من كفاية

______________________________

(1) ملحقات العروة: 2/ 189 مسألة 1.

(2) السرائر: 1/ 280.

(3) ذكرى الشيعة: 3/ 133.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 14

[مسألة 5: لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف. و في جريان الفضوليّة فيه خلاف]

مسألة 5: لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف. و في جريان الفضوليّة فيه خلاف و إشكال لا يبعد جريانها فيه، لكن الأحوط خلافه (1).

______________________________

المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء و إحداثها

بقصد المسجديّة؛ كأن كان له أرض مملوك، أو حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد و بنى فيها بتلك النيّة. أمّا إذا كان له بناء مملوك قد أحدث بغير هذا العنوان كدار أو خان فنوى أن يكون مسجداً و صرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه، فقد استشكل في المتن في الاكتفاء به.

و لعلّ السرّ في الإشكال أنّ تعيّنه للوقفيّة بعنوان المسجديّة إمّا أن يكون لأجل النيّة، أو بضميمة صرف الناس بالصلاة فيه، و الأوّل لا يوجب التعيّن لاحتياج الوقف إلى الصيغة و لو قلنا بالاكتفاء مقامها بالمعاطاة، فإنّ مجرّد النيّة لا يوجب ذلك، و صرف الناس بالصلاة فيه لازم أعمّ من المسجديّة، و من الممكن أن يريد صلاة الناس في داره من غير أن تكون مسجداً، و هذا بخلاف ما إذا كان أصل الإحداث بقصد المسجديّة، خصوصاً مع الصرف المذكور، و هكذا الحال في مثل الرباط و القنطرة.

هذا، و لكن الظاهر الجواز خصوصاً في الصورة المذكورة؛ لتقوّم عنوان المسجدية بالقصد، و إلّا فالبناء من حيث هو لا دلالة له على ذلك، فأيّ فرق بين الإحداث و تغيير النيّة في مثل الدار و الخان، كما لا يخفى.

(1) نفى الإشكال عن جواز التوكيل في الوقف؛ سواء كانت دائرة التوكيل متّسعة شاملة لأصل إحداث البناء بهذا العنوان، أم غير متّسعة، كما إذا كانت في إنشاء صيغة الوقف، أو إجراء المعاطاة فيه؛ لعدم الدليل على لزوم المباشرة، كما أنّه

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 15

[مسألة 6: الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة]

مسألة 6: الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة، كالمساجد و المقابر و القناطر و نحوها، و كذا الوقف على العناوين الكلّية، كالوقف على الفقراء و الفقهاء و

نحوهما، و أمّا الوقف الخاصّ كالوقف على الذرّية فالأحوط اعتباره فيه، فيقبله الموقوف عليهم، و يكفي قبول الموجودين، و لا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده، و إن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم، لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً، و القائم به الحاكم أو المنصوب من قبله (1).

______________________________

لا تلزم المباشرة في إحداث البناء بلا إشكال، و قد وقع الخلاف و الإشكال في جريان الفضوليّة فيه، و قد نفى البُعد عن جريانها، و لكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلاف ذلك، و الظاهر أنّ الحكم يدور مدار أنّ صحّة الفضولي في مواردها كالبيع و النكاح و مثلهما، هل تكون على وفق القاعدة، كما هو الظاهر فتجري في المقام؛ لعدم خصوصيّة مقتضية للمنع، أو على خلاف القاعدة، فيقتصر في مواردها على المتيقّن، و هو غير المقام بشهادة الاختلاف؟ و الوجه في الاحتياط المذكور واضح غير خفيّ.

(1) قد وقع الخلاف بينهم في اعتبار القبول في الوقف مطلقاً، و عدم اعتباره كذلك، و التفصيل بين الوقف الخاصّ و بين الوقف العامّ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني، و قد قوّى في المتن عدم الاعتبار مطلقاً، و احتاط الاعتبار كذلك، و الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار القبول في الوقف و كونه من العقود المفتقرة إلى إيجاب و قبول، خصوصاً في الوقف على الجهات و المصالح العامّة، و الوقف على العناوين

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 16

[مسألة 7: الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ]

مسألة 7: الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ و إن

______________________________

الكلّية كالفقراء و الفقهاء مثلًا.

و دعوى أنّه من المعلوم أنّه لا تدخل

العين أو المنفعة في ملك الغير بسبب اختياري ابتداءً من غير قبول، يدفعها أنّ كون السبب اختياريّاً محتاجاً إلى القبول أوّل الكلام، فلِمَ لا يكون غير اختياري كالإرث؟ مع أنّه من الواضح عدم اعتبار الطبقة اللاحقة في الوقف الخاصّ الذين يوجدون بعداً، خصوصاً مع موت الواقف و عدم وجوده في ذلك الزمان، مع أنّه لا فرق بينهم و بين الطبقة السابقة من هذه الجهة أصلًا.

مضافاً إلى خلوّ الأخبار المشتملة على أوقاف الأئمّة عليهم السلام عن ذكر القبول.

و منها: ما اشتهر عن مولى الموحِّدين عليه أفضل صلوات المصلّين في قصّة «عين ينبع» من أنّها صدقة بتّة بتلًا في حجيج بيت اللّٰه، و عابري سبيل اللّٰه، لا تباع و لا توهب و لا تورث «1».

هذا، و لكن ذكر المحقّق الخراساني قدس سره أنّ الذي تقتضيه الأُصول اعتبار القبول؛ لعدم نهوض أمارة معتبرة أو أصل مقبول على عدم اعتباره، و الأصل عدم حصول الأثر بلا قبول «2». ثمّ إنّه على تقدير اعتبار القبول أو رعاية الاحتياط يكون المتصدّي له في الأوقاف العامّة هو الحاكم أو المنصوب من قبله، و في الوقف الخاصّ هو الموقوف عليهم، و إن كانوا جميعاً صغاراً أو فيهم صغار يقوم بذلك وليّهم الشرعي، كما في سائر الموارد.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 54 ح 9، التهذيب: 9/ 148 ح 609، و عنهما الوسائل: 19/ 186، كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 2.

(2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني، أوّل كتاب الوقف.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 17

كان الأحوط اعتباره مطلقاً (1).

[مسألة 8: يشترط في صحّة الوقف القبض، و يعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف]

مسألة 8: يشترط في صحّة الوقف القبض، و يعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم، و يكفي قبض الطبقة

الأُولى عن بقيّة الطبقات، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأُولى عمّن سيوجد، و لو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه، و لو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره. و أمّا الوقف على الجهات العامّة و المصالح كالمساجد و ما وقف عليها، فإن جعل الواقف له قيّماً و متولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم، و الأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل، و مع عدم القيّم تعيّن الحاكم.

______________________________

(1) المشهور اشتراط القربة في صحّة الوقف، و لكن قوّى في المتن تبعاً للسيّد في الملحقات و جماعة عدم الاشتراط «1»؛ للإطلاقات و لصحّته من الكافر، و إطلاق الصدقة عليه مع أنّه يعتبر فيها قصد القربة إنّما هو باعتبار الأفراد التي يقصد فيها القربة، و لا يلزم أن يكون جميع أفراده كذلك، بل ربما لا يلائم الاعتبار مع الوقف الخاصّ الذي يكون المقصود منه حبس العين الموقوفة لانتفاع جميع الطبقات بها، كالوقف على الأولاد مثلًا، و قد أيّد عدم الاعتبار بما في الأخبار من انتفاع الميّت بالولد الصالح «2»، مع أنّه لم يقصد القربة نوعاً في طلبه، بل كان المقصود لذّة النفس أو أصل حصول الأولاد.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 186 مسألة 3، الدروس الشرعيّة: 2/ 264، مسالك الأفهام: 5/ 350 و 408- 409، الروضة البهيّة: 3/ 164 165، مفاتيح الشرائع: 3/ 207.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 171 175، كتاب الوقوف و الصدقات ب 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 18

و كذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء و الطلبة، و هل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان؛ بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلًا؟ لعلّ الأقوى ذلك فيما

إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار و الحجّاج للركوب إلى زائر و حاجّ فركبها. نعم، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة و الثمرة من دون استيلاء على العين، فإذا وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شي ء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: في أصل اعتبار القبض في صحّة الوقف و عدمه، و قد ادّعي أنّه لا خلاف في شرطيّته، و يدلّ عليه صحيحة صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقف الضيعة، ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟ فقال: إن كان وقفها لولده و لغيرهم ثمّ جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها، و إن كانوا صغاراً و قد شرط ولايتها لهم حتّى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها، و إن كانوا كباراً لم يسلّمها إليهم و لم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها؛ لأنّهم لا يحوزونها عنه و قد بلغوا «1».

و ما ورد عنه عليه السلام في جواب مسائل محمّد بن عثمان العمري من قوله عليه السلام: و أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا، و ما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، و كلّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه، احتاج أو لم

______________________________

(1) الكافي: 7/ 37 ح 36، الفقيه: 4/ 178 ح 626، التهذيب: 9/ 134 ح 566، الاستبصار: 4/

102 ح 392، و عنها الوسائل: 19/ 180، كتاب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 19

..........

______________________________

يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه إلى أن قال: و أمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة و يسلّمها من قيّم يقوم فيها و يعمّرها و يؤدّي من دخلها خراجها و مؤنتها، و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا، فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها، إنّما لا يجوز ذلك لغيره «1».

و ما دلّ على أنّه لو مات الواقف قبل القبض يرجع الوقف ميراثاً «2».

فلا ينبغي الإشكال في أصل الشرطيّة، و الظاهر أنّ مدخليّته في الصحّة إنّما هي على سبيل الإجازة بناءً على كونها ناقلة. و يدلّ عليه الوجه الأخير و إن كان لا دلالة للروايتين على ذلك، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب ذلك أيضاً.

الثانية: أنّه لا بدّ أن يكون القبض بإذن الواقف كما هو المشهور «3»، و عن صاحب الكفاية التوقّف «4»؛ لعدم الدليل، و يدلّ على المشهور ظهور الرواية المتقدّمة في ذلك، حيث إنّه نسب التسليم فيها إلى صاحب الوقف، و لكن في صحيحة محمّد بن مسلم، و خبر عبيد بن زرارة وقع التعبير بقوله عليه السلام: إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث «5»، و في صحيحة صفوان المتقدّمة قوله عليه السلام: و لم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه. فإنّ ظاهره جواز المخاصمة مع الواقف للقبض، و مقتضى أصالة عدم ترتّب الأثر هو اعتباره، و كيف كان، فالمسألة مشكلة.

______________________________

(1) كمال الدّين: 520 ح 49، الاحتجاج: 2/ 558 رقم 351، و عنهما الوسائل: 19/ 182، كتاب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 8.

(2) مثل رواية

عبيد بن زرارة و محمّد بن مسلم الآتيتين.

(3) الحدائق الناضرة: 22/ 147، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 182.

(4) كفاية الأحكام: 140.

(5) الكافي: 7/ 31 ح 7، التهذيب: 9/ 135 ح 569 وص 137 ح 577، الاستبصار: 4/ 101 ح 387 وص 102 ح 390، الفقيه: 4/ 182 ح 639، و عنها الوسائل: 19/ 178، كتاب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1 وص 180 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 20

..........

______________________________

الثالثة: في المتصدّي للقبض، و في المتن أنّه في الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم، و يكفي قبض الطبقة الأُولى عن بقيّة الطبقات، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأُولى عمّن سيوجد، و وجه الاكتفاء أنّ بقاء الوقف بالنسبة إلى جميع الطبقات لا يلائم مع اعتبار قبض الجميع، خصوصاً مع أنّ الواقف لا يكون موجوداً نوعاً، و لو كان في الموجودين صغير أو صغار قام الوليّ مقامه، كما في سائر الموارد.

و لو تحقّق القبض من بعض الموجودين دون البعض الآخر فالظاهر عدم بطلان الوقف بالإضافة إلى الجميع، بل يصحّ بالنسبة إلى من قبض دونه، كما في بيع مال نفسه مع مال غيره في فرض عدم إذنه و إجازته أصلًا.

و أمّا بالنسبة إلى الوقف العامّ؛ أعمّ من الوقف على المصالح العامّة و على العناوين الكلّية، فإن جعل له متولّياً فالمعتبر هو قبضه، و لا مجال لاحتمال الاكتفاء بقبض الحاكم في هذه الصورة. نعم، في صورة عدم جعل المتولّي يتعيّن قبض الحاكم؛ لأنّه لا يحتمل اعتبار قبض غيره، و قد قوّى في المتن في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء مثلًا الاكتفاء بقبض بعض أفراد ذلك العنوان، كفقير واحد إذا سلّمه إليه لاستيفاء ما يستحقّه، كدارٍ

سلّمها إلى فقير في صورة الوقف لسكونة الفقراء لأن ينتفع بها بهذا العنوان.

الرابعة: أنّه لا بدّ في تحقّق القبض من الاستيلاء على العين الموقوفة و كونها تحت يده و باختياره، فلو وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي إعطاء شي ء من ثمرته بل جميع الثمر لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده و استيلائه، بل لا بدّ من جعله تحت استيلاء الموقوف عليهم، كما أنّ الأمر بالنسبة إلى وليّ العامّ أو الخاصّ كذلك، و السرّ في الجميع عدم صدق القبض بدون الاستيلاء، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 21

[مسألة 9: لو وقف مسجداً أو مقبرةً كفى في القبض صلاة واحدة فيه]

مسألة 9: لو وقف مسجداً أو مقبرةً كفى في القبض صلاة واحدة فيه، أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف و بعنوان التسليم و القبض (1).

[مسألة 10: لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده]

مسألة 10: لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده و كذا كل

______________________________

(1) الاكتفاء بذلك هو المشهور، بل المدعى عليه الإجماع «1»، و لعل وجهه صدق عنوان القبض بذلك. نعم، بناء على اعتبار كون القبض بإذن الواقف يعتبر إذنه بهذا العنوان، أي بعنوان التسليم و القبض، و هذا إنما يلائم بناء على ما قواه سابقا من كفاية التسليم إلى بعض أفراد الكلي بعنوان الاستحقاق، كمسألة الدار المتقدّمة الموقوفة لسكنى الفقراء، و أمّا بناءً على لزوم قبض المتولّي أوّلًا، و الحاكم الشرعي ثانياً، و تعيّن الثاني عند عدم الأوّل فلا يستقيم ذلك، إلّا أن يقال بكفاية كليهما في القبض، و هو غير بعيد.

و حكى السيّد في الملحقات أنّه ذكر غير واحد أنّه لا يكفي؛ لأنّ الموقوف عليه هو الجنس، و لا يتحقّق قبضه إلّا بقبض جميع أفراده، و لذا لا يكفي في الزكاة قبض بعض المستحقّين عن غيره، بخلاف الحاكم الشرعي، فإنّه يكفي قبضه عن الجميع. و أورد عليه بمنع توقّف قبض الجنس على قبض جميع أفراده، بل يصدق بقبض البعض «2».

أقول: إلّا أن يقال بالفرق بين الجنس و العموم، فإنّ الأوّل يتحقّق بالفرد دون الثاني، و عليه فيتحقّق الفرق بين الوقف على جنس الفقير أو على عموم الفقراء، فالأحوط ما ذكرنا من قبض الحاكم مع عدم المتولّي.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 190 مسألة 7.

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 190 مسألة 8.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 22

وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت

يده لم يحتج إلى قبض حادث جديد، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه، بل لا يخلو من وجه (1).

______________________________

(1) لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان في يده، و كذا كلّ وليّ بالإضافة إلى المولّى عليه إذا وقف هكذا لم يحتج إلى قبض جديد بعد ما كان تحت استيلائه و في يده، و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في الرجل يتصدّق على ولده و قد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز؛ لأنّ والده هو الذي يلي أمره «1».

و رواية عليّ بن جعفر: إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنّها جائزة «2» بناءً على شمول الصدقة أو اختصاصها بالوقف، و كون المراد من الجواز هو المضيّ و اللزوم. و ظاهر الروايتين أنّه يكفي في الجواز و المضيّ مجرّد كون الواقف هو الأب، و الموقوف عليه ولده الصغير أو أولاده كذلك، لكن في المتن جعل الاحتياط في أن يقصد كون قبضه عنه، بل نفى خلوّه عن الوجه، و الظاهر أنّ المراد أن يقصد كون بقاء الاستيلاء على العين الموقوفة بعنوان المولّى عليه، و إلّا فالقبض و الإقباض حقيقة لا يعقل هنا، لاتّحاد الشخص، و أمّا نفي خلوّه عن الوجه، فلما تقدّم من اعتبار القبض في صحّة الوقف، و لكن يمكن أن يقال بدلالة الروايتين على الاستثناء كما لا يبعد، بل عن كاشف الغطاء: لو نوى الخلاف فالأقوى الجواز «3»، فالظاهر عدم تماميّة الوجه.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 31 ح 7، التهذيب: 9/ 135 ح 569، الاستبصار: 4/ 101 ح 387، و عنها الوسائل: 19/ 178،

كتاب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 195 ح 411، و عنه الوسائل: 19/ 236، كتاب الهبات ب 5 ح 5، و بحار الأنوار: 10/ 289.

(3) كشف الغطاء: 4/ 251.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 23

[مسألة 11: لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف]

مسألة 11: لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية مثلًا لم يحتج إلى قبض جديد؛ بأن يستردّها ثمّ يقبضها. نعم، لا بدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف، و الأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفيّة (1).

[مسألة 12: فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي]

مسألة 12: فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي كالوقف على الجهات العامّة لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر، و يكفي ما هو حاصل، و الأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف (2).

______________________________

(1) لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية، بل بصورة الغصب غير الجائز لم يحتج إلى قبض جديد؛ بأن يستردّها الواقف ثمّ يقبضها. نعم، لا بدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف؛ لما مرّ من اعتبار الإذن في القبض، و جعل في المتن أنّ الاحتياط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية، و السرّ فيه مدخليّة هذا العنوان في موارد لزوم القبض، ضرورة أنّ الواقف لو أقبضه بعنوان العارية مثلًا لا يكفي ذلك في القبض الذي هو شرط الوقف، كما لا يخفى.

(2) فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي كالوقف على الجهات العامّة لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر، بل لا يعقل كما عرفت، و جعل في المتن الاحتياط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف، و الظاهر أنّ المراد تغيير النيّة بالإضافة إلى العين الموقوفة، فإنّه كان مستولياً عليها بما أنّها لنفسه، و الآن يكون استيلاؤه بعنوان التولية، و الموقوف عليهم من الجهات العامّة، كما إذا صار متولّياً من ناحية واقف غير نفسه، و إلّا فلا يعقل القبض كما عرفت؛ لأنّه

تحصيل الحاصل، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 24

[مسألة 13: لا يشترط في القبض الفوريّة]

مسألة 13: لا يشترط في القبض الفوريّة، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى، و تمّ الوقف من حين القبض (1).

[مسألة 14: لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف]

مسألة 14: لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و كان ميراثاً (2).

______________________________

(1) ما تقدّم من الدليل على اعتبار القبض في صحّة الوقف إنّما كان مفاده مجرّد ذلك، و أمّا فوريّة القبض فلا دليل عليها، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى، و يتوقّف تماميّة الوقف على القبض، اللّهمَّ إلّا أن يقال: إنّه لو كان الفصل بينهما طويلًا غايته بحيث لا يرى العرف الارتباط بينهما أصلًا لا يبعد أن يقال بالعدم. نعم، مقتضى الإطلاق في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّ أولاده الكبار إذا لم يقبضوا حتّى يموت الصحّة ما دامت الحياة و إن كان الفصل طويلًا جدّاً.

(2) لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و كان ميراثاً؛ لأنّ المفروض مدخليّة القبض في الصحّة و عدم إمكان تحقّقه بعد الموت؛ لاشتراط مقرونيّته بإذن الواقف، و يدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة.

و كذا يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال في رجل تصدّق على وُلدٍ له قد أدركوا، قال: إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز؛ لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره، و قال: لا يرجع في الصدقة إذا تصدّق بها ابتغاء وجه اللّٰه «1» فإنّ ذيل الرواية و إن كان مربوطاً بالصدقة

______________________________

(1) التهذيب: 9/ 137 ح 577، الاستبصار: 4/ 102 ح 390، الفقيه: 4/ 182 ح 639، و عنها الوسائل: 19/ 180، كتاب الوقوف و الصدقات ب 4

ح 5، و قد تقدّمت قطعة منه في ص 19.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 25

[مسألة 15: يشترط في الوقف الدوام]

مسألة 15: يشترط في الوقف الدوام؛ بمعنى عدم توقيته بمدّة، فلو قال: «وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً، و في صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان. نعم، لو قصد به الحبس صح (1).

______________________________

بالمعنى الأخصّ بقرينة قوله عليه السلام: «إذا تصدّق بها ابتغاء وجه اللّٰه» إلّا أنّ صدرها إمّا خاصّ بالوقف، أو الأعمّ منه و من الصدقة.

و لا وجه لما عن المسالك من احتمال اختصاصه بالثاني «1»، مع أنّ المشهور اشتراط القربة في الوقف «2»، مع أنّ الصدقة الاصطلاحية إنّما يكون عدم جواز الرجوع فيها في صورة القبض، مضافاً إلى احتمال أن يكون الذيل رواية مستقلّة.

(1) يشترط في الوقف الدوام، بمعنى عدم توقيته بمدّة، فلو قال: «وقفت هذا البستان على الفقراء [إلى سنة]» بطل بعنوان الوقفيّة.

و الدليل عليه هو الإجماع المدّعى فيما حكي عن جماعة «3»، و ربّما يستدلّ عليه بالأخبار المتضمّنة لأوقاف الأئمّة عليهم السلام «4»، فإنّها مشتملة على التأبيد، لكنّها لا دلالة فيها على انحصار الوقف بذلك، إلّا أن يقال: إنّ التأبيد معتبر في مفهوم الوقف في مقابل أخواته من السكنى، و العمرى، و الرقبى، و ذكر السيّد في الملحقات: العمدة الإجماع إن تمّ «5»، و هو مشعر بالترديد في تحقّق الإجماع، و عليه فلو قرنه بمدّة لا

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 5/ 359.

(2) مفتاح الكرامة: 9/ 15، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 186 مسألة 3.

(3) الخلاف: 3/ 542 543 مسألة 8، غنية النزوع: 298، السرائر: 3/ 156 157.

(4) الوسائل: 19/ 173 174، كتاب الوقوف و الصدقات ب 1 ح 6 10 وص 186

و 187 ب 6 ح 2 و 4 وص 198 204 ب 10.

(5) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 192، الشرط الثاني.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 26

..........

______________________________

يكون وقفاً، و في صحّته حبساً مع عدم كون المقصود الحبس تأمّل. نعم، لو كان المقصود الحبس يصحّ ذلك، و هنا بعض الروايات لا بدّ من ملاحظتها.

الأُولى: صحيحة ابن مهزيار قال: قلت له: روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام: أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة، و كلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة، و أنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام، فكتب عليه السلام: هكذا هو عندي «1». و دلالتها على أنّ الصحّة و البطلان راجعان إلى أصل الوقف بلحاظ التوقيت إلى وقت معلوم و عدمه ظاهرة، لكن لا يعلم أنّ المراد هو الوقف الاصطلاحي في مقابل مثل الحبس.

الثانية: صحيحة الصفّار «قال: كتبت إلى أبي محمَّد عليه السلام أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة، و إذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضي، قال قوم: إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّٰه الأرض و من عليها، و قال آخرون: هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا، و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّٰه الأرض و من عليها، و الذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف، و لم يذكر أحداً، فما الذي يصحّ من ذلك؟ و ما الذي يبطل؟ فوقّع عليه السلام: الوقوف بحسب

ما يوقفها [أهلها «2»] إن شاء اللّٰه «3».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 36 ح 31، الفقيه: 4/ 176 ح 622، التهذيب: 9/ 132 ح 561، الاستبصار: 4/ 99 ح 383، و عنها الوسائل: 19/ 192، كتاب الوقوف و الصدقات ب 7 ح 1.

(2) من الحدائق الناضرة: 22/ 136، و لكن كلمة أهلها وردت في المكتوب الآخر للصفّار، الوسائل: 19/ 175 ح 1.

(3) التهذيب: 9/ 132 ح 562، الاستبصار: 4/ 100 ح 384، و عنهما الوسائل: 19/ 192، كتاب الوقوف و الصدقات ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 27

[مسألة 16: لو وقف على من ينقرض]

مسألة 16: لو وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً و لم يذكر المصرف بعد انقراضهم، ففي صحّته وقفاً أو حبساً، أو بطلانه رأساً أقوال، و الأقوى هو الأوّل، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر؛ بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض و الانقطاع، و ينقضي بعد ذلك و يرجع إلى الواقف أو ورثته، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع (1).

______________________________

و هذه الرواية مرتبطة بالخصوصيّات المرعيّة في الموقوف عليه من حيث التعرّض له و عدمه و من جهات اخرى، فلا ارتباط لها بالمقام.

(1) قد وقع الخلاف فيما لو وقف على من ينقرض، كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن، أو بطون ممّن ينقرض غالباً و لم يذكر المصرف بعدهم، ففي صحّته وقفاً كما هو المشهور «1»، أو حبساً كما حكي عن جماعة «2»، أو بطلانه رأساً كما نسب إلى قائل غير معلوم «11»، أقوال مختلفة، و على تقدير صحّته يعبّر عنه بالوقف المنقطع الآخر.

و العمدة في المسألة ملاحظة اعتبار الدوام

في الوقف و عدمه، و قد عرفت دعوى الإجماع على الأوّل، و هي على فرض تماميّتها كما عرفت الترديد فيها من مثل السيّد في الملحقات إنّما هي في مقابل الموقّت إلى مدّة، لا مثل المقام.

______________________________

(1) غاية المرام: 2/ 374، الحدائق الناضرة: 22/ 137، رياض المسائل: 9/ 288 289.

(2) مختصر النافع: 255، إرشاد الأذهان: 1/ 452، قواعد الأحكام: 2/ 388، الدروس الشرعيّة: 2/ 264، الروضة البهيّة: 3/ 169.

(11) نقل هذا القول في المبسوط: 3/ 292 و الخلاف: 3/ 543 مسألة 9.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 28

..........

______________________________

و ظاهر الصحيحة الاولى من الصحيحتين المتقدّمتين في المسألة السابقة عدم اعتبار الدوام لو أبقينا الوقف فيها على ظاهره المقابل للحبس، بل ظاهر الصحيحة الثانية أيضاً كذلك، كما أنّ قوله عليه السلام في الجواب فيها: «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» دالّ على ذلك.

و دعوى أنّ انقطاع الآخر مستلزم لعود الملكيّة إلى الواقف أو وارثه و هو مخالف للأصل مع الشكّ، مدفوعة بمنع استلزام الوقف للخروج عن الملك، بل هو لازم التأبيد، و في غيره لا دليل على الخروج، و عنوان الوقف معناه الركود و حبس العين لا الخروج عن الملكيّة، مع أنّ الخروج عن الملك في مدّة خاصّة لا مانع منه، كما في باب الإجارة المستلزمة لخروج ملك المنفعة في مدّة معلومة و عوده إلى المالك بعدها، فالعمدة ما ذكرنا من دعوى الإجماع على اعتبار الدوام في الوقف، و قد عرفت أنّه غير معلوم، خصوصاً مع عدم التعرّض للشرط المذكور في كلام بعض «1»، و المناقشة فيه في كلام بعض آخر «2»، أو الاستشكال فيه كما في كلام بعض ثالث «3».

ثمّ إنّه حكي عن مختلف العلّامة قدس سره

الاستدلال على الصحّة وقفاً بأنّ الوقف نوع تمليك و صدقة، فيتبع اختيار المالك في التخصيص و غيره، و بأنّ تمليك الأخير ليس شرطاً في تمليك الأوّل، و إلّا لزم تقدّم المعلول على العلّة، و بالخبر الوارد في وصيّة فاطمة عليها السلام «4»، حيث جعلت أمر صدقاتها إلى أولادها، مع احتمال

______________________________

(1) كالمفيد في المقنعة: 652 656.

(2) مسالك الأفهام: 5/ 354 355.

(3) مفاتيح الشرائع: 3/ 207.

(4) الكافي: 7/ 48 ح 5، الفقيه: 4/ 180 ح 632، التهذيب: 9/ 144 ح 603، و عنها الوسائل: 19/ 198، كتاب الوقوف و الصدقات ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 29

[مسألة 17: الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف]

مسألة 17: الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف، و أمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل، بخلاف الحبس، فإنّه باق معه على ملك الحابس و يورّث، و يجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلّا التصرّفات الناقلة، فإنّها لا تجوز، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع (1).

______________________________

الانقراض «1»، و الكلّ قابل للنقاش كما لا يخفى.

كما أنّه ربما يستدلّ على البطلان بأنّ الوقف مقتضاه التأبيد، فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول، فلا يصحّ، كما لو وقف على مجهول في الابتداء «2». و ظهر جوابه ممّا تقدّم.

و انقدح من جميع ما ذكرنا صحّته وقفاً و إن كان منقطع الآخر، و لازم ما ذكر الرجوع إلى الواقف أو ورثته بعد الانقراض كما في المتن، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر الوجه في قوله فيه: «بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع» فتدبّر جيّداً.

(1) الظاهر أنّ استلزام الوقف المؤبّد لزوال

ملك الواقف ليس لأجل الوقف، بل لأجل التأبيد المأخوذ فيه، فإنّ الأبديّة لا تجتمع مع بقاء الملكيّة؛ لعدم ترتّب أثر من آثار الملكيّة على العين الموقوفة، و منه يظهر أنّ الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته بعنوان الوقفيّة لا يكون موجباً لزوال الملك أصلًا. و أمّا الحبس فالملك فيه باق على ملك الحابس، و يجوز له مطلق التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المحبس

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 6/ 264 266 مسألة 37.

(2) مختلف الشيعة: 6/ 264 266 مسألة 37.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 30

[مسألة 18: لو انقرض الموقوف عليه و رجع إلى ورثة الواقف]

مسألة 18: لو انقرض الموقوف عليه و رجع إلى ورثة الواقف، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان: أظهرهما الأوّل، و تظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد و أولاده، ثمّ مات الواقف عن ولدين، و مات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي، و على الأوّل يشاركه ابن أخيه (1).

______________________________

عليه المنفعة. و أمّا التصرّفات الناقلة فإنّها غير جائزة، ضرورة استلزامها لجواز المنقول إليه استيفاء المنفعة، و هو لا يجتمع مع الحبس الموجب للجواز.

و يمكن أن يقال بأنّ الحبس لا يزيد على الإجارة، فإذا آجر المالك ملكه خمسين سنة تصحّ الإجارة و يجوز للمؤجر التصرّفات الناقلة، خصوصاً مع علم المنقول إليه بذلك، فالجمع بين التصرّف الناقل للعين، و بين عدم جواز استيفاء المنقول إليه من المنفعة ممكن. نعم، قد عرفت أنّ في المؤبّد يوجب الخروج عن الملكيّة و إن لم يكن الوقف بنفسه مستلزماً لذلك، و سيأتي في مسائل الحبس إن شاء اللّٰه تعالى أنّه لو حبسه على سبيل من سبل الخير و محالّ العبادات، مثل الكعبة

المعظّمة و المساجد و المشاهد المشرّفة، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه و لا يعود إلى المالك أو وارثه «1»، فالبقاء على ملك الحابس مطلقاً ممنوع، فانتظر.

(1) لو فرض انقراض الموقوف عليه في الوقف المنقطع الآخر و الرجوع إلى ورثة الواقف مع عدمه، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت، أو حين الانقراض؟ في المسألة قولان، استظهر في المتن الأوّل، و لعلّ الوجه فيه عدم استلزام الوقف

______________________________

(1) في ص 113 114 مسألة 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 31

[مسألة 19: من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام]

مسألة 19: من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره، كما إذا وقف على زيد و أولاده، و بعد انقراضهم على الكنائس و البيع مثلًا، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه، دون غيره (1).

______________________________

للخروج عن الملك إلّا في الوقف المؤبّد، و في المقام لم يخرج عن ملك الواقف، غاية الأمر أنّه لا بدّ أن يكون تحت اختيار الموقوف لاستفادة المنفعة، فإذا فرض انقراضهم فلا محالة ترجع إلى الوارث حال الموت، كما إذا آجر العين ثمّ مات المؤجر في أثناء مدّة الإجارة، فإنّ العين المستأجرة ترجع إلى الوارث حال الموت لا انقضاء مدّة الإجارة.

و تظهر الثمرة كما في المتن فيما لو وقف على من ينقرض كزيد و أولاده، ثمّ مات الواقف عن ولدين، و مات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض، ثمّ انقرض، فعلى ما استظهره في المتن يشارك الولد ابن أخيه، بخلاف القول الآخر، فإنّه يرجع عليه إلى الولد الباقي، كما لا يخفى.

(1) ليس الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته منحصراً بما إذا انقرض الموقوف

عليه، بل من مصاديقه ما إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الأُولى ممّن يصحّ الوقف عليه، و في الطبقة الثانية ممّن لا يصحّ الوقف عليه، فإنّ عدم الصحّة بمنزلة الانقراض، كالمثال المذكور في المتن من الوقف على زيد و أولاده، و بعد انقراضهم على البيع و الكنائس، فإنّه كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى لا يصحّ الوقف على مثلهما، و عدم الصحّة بمنزلة الانقراض الذي يلازم كون الوقف منقطع الآخر، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 32

[مسألة 20: الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف]

مسألة 20: الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة، و لا يترك هذا الاحتياط. و إن كان بحكم الشرع؛ بأن وقف أوّلًا على ما لا يصحّ الوقف عليه، ثمّ على غيره، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ. و كذا في المنقطع الوسط، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه، بخلافه في الأوّل و الآخر، فيصحّ على الظاهر في الطرفين، و الأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل، و الوسط في الثاني (1).

______________________________

(1) قد فصّل في المتن في الوقف المنقطع الأوّل بين ما كان الانقطاع مستنداً إلى جعل الواقف، كما إذا وقفه قبل مجي ء الشهر الكذائي بأنّه إذا جاء رأس ذلك الشهر فهو وقف، و بين ما كان الانقطاع مستنداً بحكم الشرع؛ بأن وقف أوّلًا على ما لا يصحّ الوقف عليه، ثمّ على غيره ممّن يصحّ، فاحتاط البطلان في الفرض الأوّل، كما أنّه احتاط و نهى عن ترك هذا الاحتياط بالإضافة إلى تجديد الصيغة، و استظهر الصحّة بالنسبة إلى خصوص من يصحّ في الفرض الثاني.

و

الوجه في التفصيل أنّه ربما لا يكاد أن يجتمع الوقف مع العلم باستناد الانقطاع إلى جعله، كما في مثال الشهر المزبور، فالأحوط عند إرادة الوقف تجديد الصيغة عند مجي ء رأس الشهر المزبور، و هذا بخلاف ما إذا كان بحكم الشرع، فإنّ عدم الصحّة بالإضافة إلى الطبقة الأُولى التي لا يصحّ الوقف عليها شرعاً لا ينافي قصد الوقفيّة، و التبعيض في مفاده مضافاً إلى أنّه لا دليل على الارتباط و الاتّصال غير عزيز و إن احتاط استحباباً في الذيل بتجديده عند انقراض الأوّل.

و هكذا الحال بالنسبة إلى الوقف المنقطع الوسط، كما إذا كان الموقوف عليه في

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 33

[مسألة 21: لو وقف على جهة أو غيرها و شرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى]

مسألة 21: لو وقف على جهة أو غيرها و شرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى، و مرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه، و يدخل في منقطع الآخر. و إذا مات الواقف، فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً، و إلّا بقي على وقفيّته (1).

______________________________

الوسط غير صالح للوقف عليه، فاستظهر فيه الصحّة بالإضافة إلى الطرفين، و احتاط بالتجديد عند انقراض الثاني الذي لا يصحّ الوقف عليه.

و الوجه في الاستظهار المزبور أنّه لا مجال للإشكال فيه من جهة التبعيض؛ لأنّه لا دليل على الارتباط و الاتّصال، لكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي بالنسبة إلى تجديد الصيغة بعد انقراض الموقوف عليه المتوسّط الذي لا يصحّ الوقف عليه، كما لا يخفى.

(1) إذا وقف و شرط عوده إليه عند حاجته بنحو شرط النتيجة، فالأكثر على صحّة الوقف و الشرط «1»، و حكي عن المرتضى دعوى الإجماع عليه «2» و جماعة على بطلانه من الأصل «3»، و منهم: ابن إدريس مع دعواه

الإجماع عليه «4» و عن ثالث صحّته بنحو الحبس لا الوقف «5».

و قد قوّى في المتن القول الأوّل؛ لأنّه مضافاً إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «6» و إلى

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 6/ 255 مسألة 27، رياض المسائل: 9/ 296 297، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 202.

(2) الانتصار: 468 469.

(3) المبسوط: 2/ 81 و ج 3/ 300، المختصر النافع: 255، الوسيلة: 370.

(4) السرائر: 3/ 156 157.

(5) شرائع الإسلام: 2/ 217، قواعد الأحكام: 2/ 389، التنقيح الرائع: 2/ 305 306.

(6) سورة المائدة: 5/ 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 34

..........

______________________________

قوله عليه السلام في الرواية المتقدّمة: «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّٰه» «7» مرجع هذا الشرط إلى كونه وقفاً ما لم يحتجّ إليه، فيدخل في منقطع الآخر، و بعد عروض الحاجة يرجع إليه، و يصير ميراثاً، و لو فرض عدم عروض الحاجة يبقى على وقفيّته.

و يؤيّده ما حكي عن أمير المؤمنين عليه السلام في قصّة «ينبع» من جعله وقفاً ما دام لم يحتج الحسن و الحسين عليهما السلام «8». و لا فرق بين حاجة نفسه و حاجة غيره.

لكنّه استدلّ على القول بالبطلان بخبر إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحقّ به، ترى ذلك له و قد جعله للّٰه يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثاً، أو يمضي صدقة؟ قال: يرجع ميراثاً على أهله «1».

و حكي عن المسالك أنّه نقله هكذا: إن احتجت إلى شي ء من مالي أو من غلّته فإنّي أحقّ به، إله ذلك و قد جعله للّٰه، و

كيف يكون حاله إذا هلك الرجل أ يرجع ميراثاً؟ إلى آخره «2».

و بخبره الآخر عنه عليه السلام أيضاً «3»، مع أنّا ذكرنا مراراً عدم تعدّد الرواية في مثل هذه الموارد، و لكن من المحتمل قويّاً عدم بطلان الوقف بل صحّة الشرط، و كون

______________________________

(7) في ص 26.

(8) الكافي: 7/ 49 ح 7، التهذيب: 9/ 146 ح 608، و عنهما الوسائل: 19/ 199، كتاب الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3.

(1) التهذيب: 9/ 135 ح 568، و عنه الوسائل: 19/ 177، كتاب الوقوف و الصدقات ب 3 ح 3.

(2) مسالك الأفهام: 5/ 365.

(3) التهذيب: 9/ 146 ح 607.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 35

[مسألة 22: يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط]

مسألة 22: يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول كمجي ء زيد أو على غير حاصل يقينيّ الحصول فيما بعد، كما إذا قال: «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل على الأحوط. نعم، لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل، سواء علم بحصوله أم لا، كما إذا قال: «وقفت إن كان اليوم جمعة» و كان كذلك (1).

______________________________

الرجوع ميراثاً إنّما هو لأجل عروض الحاجة و تحقّق الشرط، و يؤيّده التعبير بالرجوع الدالّ على أصل الصحّة.

و قد استدلّ للبطلان بوجوه أُخر ضعيفة لا مجال لذكرها.

(1) المشهور اعتبار التنجيز «1»، و في الجواهر بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه «2»، و عن الحدائق: إنّي لم أقف عليه في جملة من كتب المتقدّمين، منها: كتاب النهاية للشيخ و المبسوط، و السرائر لابن إدريس، و كذا المقنعة للشيخ المفيد قدس سره «3»، فلو علّق على شرط كقدوم زيد، أو صفة كمجي ء رأس الشهر لم يصحّ، و لا دليل عليه

بالخصوص، كما اعترف به صاحب المسالك «4»، و حينئذٍ فإن تحقّق الإجماع فهو، و إلّا فهو مشكل.

نعم، ادّعى صاحب الجواهر أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها حال وقوعها «5»، و هو أيضاً مشكل، و لذا ذكر سيّد العروة في الملحقات أنّ

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 22/ 142، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 196.

(2) جواهر الكلام: 28/ 55 و 63.

(3) الحدائق الناضرة: 22/ 142.

(4) مسالك الأفهام: 5/ 357.

(5) جواهر الكلام: 28/ 63.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 36

..........

______________________________

الأحوط مراعاة الاحتياط كما في المتن. نعم، لو علّق على أمر محقّق الوقوع حال الإنشاء مع العلم به، كما إذا قال: «وقفت إن كان هذا يوم الجمعة» مع العلم بأنّه يوم الجمعة صحّ، بل لا ينبغي الإشكال و إن نقل عن بعض بطلانه أيضاً «1»؛ لأنّه بصورة التعليق، بل استظهر الصحّة مع عدم العلم أيضاً، فلو قال: «وقفت على أولاد زيد إن كانوا عدولًا» مع عدالتهم، غاية الأمر عدم علمه بذلك، فإنّه لم يتأخّر الأثر حينئذٍ، ثمّ قال: «وقفت إن جاء زيد» أنّه يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن يكون على نحو الشرط المتأخّر على وجه الكشف، فإذا كان يجي ء في الواقع يكون وقفاً من الأوّل.

ثانيها: أن يكون على نحو الواجب المعلّق؛ بأن يكون المراد إنشاء الملكيّة حين المجي ء، و لازمه عدم جواز التصرّف بوجه آخر قبله لو علم بمجيئه؛ لأنّه إنشاء وقفيّته في ذلك الوقت.

ثالثها: أن يكون على نحو الواجب المشروط على نحو الوصيّة، بمعنى حصول الوقفيّة بعد ذلك لا حين الإنشاء، و إشكال تأخير الأثر عن السبب إنّما يرد في الوجه الأخير دون الأوّلين، أمّا الأوّل: فواضح، و أمّا الثاني: فلأنّ المنشأ الوقفيّة حين المجي ء، و قد

حصلت حين الإنشاء «2».

قلت: و الظاهر أنّ المنسبق إلى الذهن من الوجوه الثلاثة هو الوجه الأخير الذي يستلزم تأخير الأثر عن السبب، و الظاهر بملاحظة دعوى الإجماع و إن كانت غير ثابتة، و بملاحظة أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها

______________________________

(1) الناقل هو صاحب الجواهر في ج 28 ص 63.

(2) ملحقات العروة: 2/ 196.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 37

[مسألة 23: لو قال: «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة بالوقف صحّ]

مسألة 23: لو قال: «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة بالوقف صحّ، و إلّا بطل (1).

[مسألة 24: من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه، فلو وقف على نفسه لم يصحّ]

مسألة 24: من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه، فلو وقف على نفسه لم يصحّ، و لو وقف على نفسه و غيره، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره. و إن كان بنحو الترتيب، فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل، و إن كان بالعكس فمنقطع الآخر، و إن كان على غيره ثمّ نفسه، ثمّ غيره فمنقطع الوسط، و قد مرّ حكم الصور (2).

______________________________

حال وقوعها لزوم مراعاة الاحتياط، من دون فرق بين التعليق على أمر مجهول الحصول، بل متوقّعة، كمجي ء زيد، أو أمر يقينيّ الحصول مع فرض عدم حصوله فعلًا، كمجي ء رأس الشهر. و أمّا في صورة حصوله و تحقّقه سواء كان معلوماً أو مجهولًا، فالظاهر الصحّة و عدم لزوم مراعاة الاحتياط، خلافاً لما حكي عن بعض، نظراً إلى أنّه بصورة التعليق كما مرّ.

(1) لو قال: «هو وقف بعد موتي» فإن كان المفهوم منه عرفاً أنّه أوصى بالوقف صحّ، و إلّا بطل، و الظاهر أنّ المراد الفرق بين صورة شرط الفعل و شرط النتيجة، و الوجه في صحّة الأوّل أنّه وصيّة بأن يوقف و لا مانع منه، بخلاف الثاني؛ لأنّ الوقف يحتاج إلى سبب، كما عرفت.

(2) بلا خلاف كما عن جماعة «1»، أو الإجماع كما عن جماعة أُخرى «2»، و ربما

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 5/ 361، مفاتيح الشرائع: 3/ 211، الحدائق الناضرة: 22/ 155، رياض المسائل: 9/ 292.

(2) السرائر: 3/ 155، التنقيح الرائع: 2/ 305.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 38

..........

______________________________

يستدلّ عليه ببعض الأخبار، مثل:

مكاتبة عليّ بن سليمان

بن رشيد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك ليس لي ولد و لي ضياع ورثتها عن أبي، و بعضها استفدتها و لا آمن الحدثان، فإن لم يكن لي ولد و حدث بي حدث فما ترى جعلت فداك، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني و المستضعفين، أو أبيعها و أتصدّق بثمنها عليهم في حياتي؟ فإنّي أتخوّف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي، فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيّام حياتي أم لا؟ فكتب عليه السلام: فهمت كتابك في أمر ضياعك، فليس لك أن تأكل منها من الصدقة، فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة، فبع و تصدّق ببعض ثمنها في حياتك، و إن تصدّقت أمسكت لنفسك ما يقوتك، مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه السلام «1».

و خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، عن أبيه أنّ رجلًا تصدّق بدار له و هو ساكن فيها، فقال: الحين أُخرج منها «2».

و لكن نوقش في دلالة الخبر؛ بأنّ مقتضاه وجوب الخروج عن الدار بعد أن أوقفها على غيره، و لا دلالة له على عدم جواز الوقف لنفسه، و في دلالة المكاتبة بأنّ المراد أنّه إذا وقف على الفقراء لا يجوز أن يأكل منه ما دام حياته، و لا دلالة فيها على عدم جواز أن يجعل شيئاً من الوقف لنفسه مدّة حياته.

فالعمدة في دليل المنع كما أفاده السيّد في الملحقات الإجماع «3»، و لازمه

______________________________

(1) الكافي: 7/ 37 ح 33، الفقيه: 4/ 177 ح 623، التهذيب: 9/ 129 ح 554، و عنها الوسائل: 19/ 176، كتاب الوقوف و الصدقات ب 3 ح 1.

(2) التهذيب: 9/ 138 ح 582، الاستبصار: 4/

103 ح 394، و عنهما الوسائل: 19/ 178، كتاب الوقوف و الصدقات ب 3 ح 4.

(3) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 197.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 39

[مسألة 25: لو وقف على غيره كأولاده، أو الفقراء مثلًا و شرط أن يقضي ديونه]

مسألة 25: لو وقف على غيره كأولاده، أو الفقراء مثلًا و شرط أن يقضي ديونه، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق الماليّة، كالزكاة و الخمس، أو ينفق عليه من غلّة الوقف، لم يصحّ و بطل الوقف، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن، و كذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه و إدرار مئونته إلى آخر عمرة، أو إلى مدّة معيّنة، و كذا بين تعيين المئونة و عدمه. هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه، و أمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم؛ بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف. ثمّ إنّ في صورة بطلان

______________________________

الاقتصار على القدر المتيقّن منه، و إلّا فمقتضى العموم الوارد في الوقف و العمومات الواردة في عموم العقود هو الجواز.

ثمّ إنّه على تقدير القول بالمنع، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره، و إن كان بنحو الترتيب يتصوّر فيه الأنواع الثلاثة في الوقف المنقطع، و يجري فيه حكم كلّ واحد منها كما لا يخفى. نعم، في صورة التشريك كما لو وقف على نفسه و الفقراء قيل ببطلانه، و قيل: يكون تمامه للفقراء، و قيل ببطلانه في نصفه، و قيل ببطلانه في ربعه «1»، و قد قوّى السيّد فيها أنّه إن أراد التوزيع بطل في نصفه و صحّ في نصفه للفقراء، و إن كان مراده

بيان المصرف صحّ في تمامه للفقراء؛ إذ مع كونه له و للفقراء على وجه بيان المصرف يمكن دفع تمامه للفقراء «2»، كما أنّه احتمل في صورة إرادة التوزيع أن يكون تمامه للفقراء، فتدبّر.

______________________________

(1) المسالك: 5/ 362، الحدائق الناضرة: 22/ 159 160، رياض المسائل: 9/ 294، مفتاح الكرامة: 9/ 30.

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 198.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 40

الشرط تختلف الصور، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ، كما لو شرك نفسه مع غيره، و في بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل، فيصحّ على الظاهر فيما بعده، لكنّ الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه (1).

______________________________

(1) قد فرض في هذه المسألة صورتين:

الاولى: أنّه لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلًا و شرط أن يقضي ديونه، أو ما عليه من الحقوق الماليّة الشرعيّة كالزكاة و الخمس، أو ينفق عليه من غلّة الوقف بحيث كان الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه أيضاً، فالمشهور بطلان الشرط و الوقف «1»؛ سواء شرط أداء دين معيّن، أو أطلق الدين، و سواء شرط إدرار مئونته إلى آخر عمرة، أو إلى مدّة معيّنة، و كذا لا فرق بين تعيين المئونة و عدمه، و الوجه في البطلان كون هذا الشرط منافياً لمقتضى الوقف، إذ مقتضاه خروجه عن العين و المنفعة.

و ربما يقال: بأنّ غاية الأمر أن يكون الشرط فاسداً، و الشرط الفاسد لا يكون مفسداً، و التحقيق أنّه في هذه الصورة يرجع إلى الوقف لنفسه، و هو باطل بمقتضى ما مرّ.

الثانية: أن لا يكون الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه، بل بعد فرض صيرورة جميع المنافع ملكاً للموقوف عليهم يشترط عليهم أداء ديونه، أو مثله من المنافع

بنحو شرط الفعل، فقد قوّى فيها في المتن الصحّة؛ لأنّه لم يدخل نفسه في الموقوف عليهم بوجه، و أولى بالصحّة ما لو كان قصده استثناء مقدار ديونه من منافع

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 22/ 160، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 198.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 41

[مسألة 26: لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز]

مسألة 26: لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز، و كذا لو شرط إدرار مئونة أهله و عياله و إن كان ممّن يجب نفقته عليه حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه، و إلّا رجع إلى الوقف على النفس (1).

[مسألة 27: لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف و بقيت الإجارة على حالها]

مسألة 27: لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف و بقيت الإجارة على حالها، و كان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة، فإن انفسخت بالفسخ أو الإقالة بعد تماميّة الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر دون

______________________________

الوقف التي يكون ملكاً للموقوف عليه.

ثمّ إنّه ذكر أنّ في صورة بطلان الشرط يمكن أن يقال في بعض صورها بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ، كما لو شرك نفسه مع غيره، و في بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل، فيصحّ على الظاهر بالنسبة إلى ما بعد، و احتاط استحباباً بإجراء الصيغة في مواردها، و لا يخفى وجهه.

(1) لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز؛ لما حكي من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله في خبر أحمد، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام «1»، مع أنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى الوقف، و كذا لو شرط إدرار مئونة أهله و عياله و إن كان ممّن تجب نفقته عليه، حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه، فلا تسقط بالشرط الكذائي عن الواقف الذي هو الزوج، و إذا كان بعنوان تلك النفقة يرجع إلى الوقف على النفس، و قد مرّ أنّه غير جائز.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 363 ح 1301، الكافي: 7/ 47 ح 1، و عنهما بحار الأنوار: 22/ 296، 297 ح 2 و 6 و

ج 43/ 236 ح 5 و ج 103/ 183 ح 10.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 42

الموقوف عليهم (1).

[مسألة 28: لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة]

مسألة 28: لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة، كالمساجد و المدارس و القناطر و الخانات المعدّة لنزول المسافرين و نحوها. و أمّا الوقف على العناوين العامّة كفقراء المحلّ مثلًا إذا كان الواقف داخلًا في العنوان حين الوقف، أو صار داخلًا فيه فيما بعد، فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه، و يقصد خروجه عنه، و من ذلك ما لو وقف شيئاً على ذرّيّة أبيه أو جدّه إن كان المقصود البسط و التوزيع، كما هو الشائع المتعارف فيه.

و إن كان المراد بيان المصرف كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء و الزوّار و الحجّاج و نحوهم فلا إشكال في خروجه و عدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه، و أمّا لو قصد الإطلاق و العموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع، و الأحوط خلافه، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج،

______________________________

(1) لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف و بقيت الإجارة على حالها، و كان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة؛ لعدم منافاتها للوقف؛ لأنّ الغرض منها تمليك المنافع في مدّة معيّنة، و الغرض من الوقف تمليك العين أو تحبيسها، و لا يكون بينهما منافاة، كما لو آجر العين من واحد ثمّ باعها من شخص آخر. نعم، بعد تماميّة الوقف لو انفسخت الإجارة بالفسخ كما لو فرض جعل خيار الشرط لنفسه، أو بالإقالة، و اللازم في كلتا الصورتين رجوع المنفعة إلى

آخر مدّة الإجارة إلى الموجب و هو الواقف المؤجر، دون الموقوف عليهم.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 43

و هو أولى به ممّن قصد الدخول (1).

______________________________

(1) قد فرض في هذه المسألة صورتين:

الاولى: الوقف على الجهات العامّة كالأمثلة المذكورة في المتن، و في هذه الصورة نفى الإشكال عن جواز انتفاع شخص الواقف من تلك الجهات؛ لأنّ هذا الانتفاع لا يعدّ من الوقف بنحو التشريك، بل من البعيد جدّاً أن لا يجوز لواقف المسجد أن يصلّي في ذلك المسجد و يجوز لغيره ذلك، كما لا يخفى.

و ألحق بذلك في ذيل كلامه ما إذا وقف شيئاً على ذرّية أبيه أو جدّه، فيما إذا كان المراد بيان المصرف و لم يقصد خروجه، بل قصد العموم و الإطلاق، فقد قوّى جواز الانتفاع به لنفسه، بل اكتفى في جوازه بعدم قصد خروج نفسه و أنّه أولى ممّن قصد الدخول؛ لأنّه أبعد من الوقف لنفسه و لو بنحو الشركة، و إن جعل الاحتياط في خلافه.

الثانية: ما إذا كان وقفاً على العناوين و كان مشمولًا لها من حين الوقف، أو داخلًا فيه فيما بعد، و فصّل في هذه الصورة بين ما إذا كان المراد التوزيع عليهم، فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع، بل اللازم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه و يقصد خروجه، و إن كان المراد بيان المصرف دون التوزيع و التقسيم، فإنّه يجوز له الاستفادة منه إذا لم يكن قاصداً لخروج نفسه.

و الفرق بين هذا الفرض و فرض الوقف على ذرّية أبيه أو جدّه مثلًا أنّ الغالب المتعارف هناك قصد التوزيع و التقسيم، و أنّ الغالب المتعارف هنا بيان المصرف و عدم قصد

خروج نفسه، و الضابطة في الصورتين ما أشرنا إليه من عدم الدخول في دائرة الوقف، بحيث ينطبق عليه الوقف لنفسه و لو بنحو الشركة، و أولى ما كان بُعدُه عن هذه الدائرة أزيد و عدم ارتباطه بها أكثر، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 44

[مسألة 29: يعتبر في الواقف البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه]

مسألة 29: يعتبر في الواقف البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه، فلا يصحّ وقف الصبيّ و إن بلغ عشراً على الأقوى. نعم، حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه كما يأتي، فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه (1).

[مسألة 30: لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً، فيصحّ وقف الكافر فيما يصحّ من المسلم على الأقوى]

مسألة 30: لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً، فيصحّ وقف الكافر فيما يصحّ من المسلم على الأقوى، و فيما يصحّ منه على مذهبه إقراراً له على مذهبه (2).

______________________________

(1) أمّا اعتبار ما عدا البلوغ من الأُمور الأُخر في العقود المشتملة على الحقوق الماليّة مطابقةً أو التزاماً كما في باب النكاح الدائم فلا إشكال فيه، إنّما الإشكال في الوصيّة للصبيّ بناءً على صحّتها إذا بلغ عشراً كما سيأتي، من جهة دلالة دليل صحّته على الصبي البالغ عشراً إذا وقف، و عدم دلالته.

و قد فصّل في المتن بين ما إذا صدر الوقف عن الصبي كذلك، فلا دلالة لدليل الصحّة على صحّة وقفه في هذا السنّ أيضاً؛ لعدم الملازمة بين الأمرين، و بين ما إذا كان الصادر عنه الوصيّة بالوقف في ذلك السنّ، فمقتضى إطلاق أدلّة صحّة الوصيّة الشمول للوصيّة بالوقف، و لا دليل على تقييدها، و لا ملازمة بين صحّة الوصيّة بالوقف، و بين نفس الوقف كما هو ظاهر، و لذا فرّع عليه في المتن أنّه إن أوصى بالوقف صحّ وقف الوصيّ عنه.

(2) أمّا عدم اعتبار الإسلام في الواقف فيما يصحّ من المسلم، فلعدم اعتبار قصد القربة في الوقف غير المتمشّى من الكافر على ما مرّ «1»، و أمّا عدم اعتباره فيه فيما

______________________________

(1) في ص 17.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 45

[مسألة 31: يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً مملوكة يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به]

مسألة 31: يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً مملوكة يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به، غير متعلّق لحقّ الغير المانع من التصرّف، و يمكن قبضه، فلا يصحّ وقف المنافع، و لا الديون، و لا ما لا يملك مطلقاً كالحرّ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير، و لا ما

لا انتفاع به إلّا بإتلافه كالأطعمة و الفواكه، و لا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو و القمار، و يلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر، أو الدكّان لحرزها أو بيعها، و كذا لا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ؛ لعدم الاعتداد ببقائها، و لا العين المرهونة، و لا ما لا يمكن قبضه كالدابّة الشاردة. و يصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بالشرائط، كالأراضي، و الدور، و العقار، و الثياب، و السلاح، و الآلات المباحة، و الأشجار، و المصاحف، و الكتب، و الحليّ، و صنوف الحيوان؛ حتّى الكلب المملوك و السنّور و نحوها (1).

______________________________

يصحّ على مذهبه، فلقاعدة الإلزام المبحوث عنها في الكتب المعدّة لبيان القواعد الفقهية، و مستندها الروايات الكثيرة الدالّة على إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، بناءً على الشمول للكافر أيضاً، و عدم الاختصاص بالعامّة «1».

(1) يعتبر في الموقوف أعني ما يصلح للوقف أُمور:

الأوّل: أن يكون عيناً، فلا يصحّ وقف المنافع و لا الديون؛ لعدم صدق حبس العين و تسبيل المنفعة فيهما كما لا يخفى، و نظير ذلك ما تقدّم في كتاب المضاربة «2» من

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 167 174.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المضاربة مسألة 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 46

..........

______________________________

اعتبار أن يكون رأس المال المرتبط بالمالك عيناً في مقابل المنفعة و الدين و إن تقدّم بعض المناقشات هناك، لكن الظاهر أنّه لا مناقشة في المقام لما ذكر.

الثاني: أن يكون مملوكة، فلا يصحّ وقف ما لا يملك مطلقاً كالخمر، أو لا يملكه المسلم كالخنزير إذا كان الواقف مسلماً، و

إلّا فقد تقدّم في المسألة السابقة صحّة وقف الكافر فيما يصحّ منه إقراراً له على مذهبه، كما هو مقتضى قاعدة الإلزام.

الثالث: أن يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به، فلا يصحّ وقف ما لا انتفاع به إلّا بإتلافه، كالأطعمة و الفواكه.

الرابع: أن يكون ذلك الانتفاع محلّلًا، فلا يصحّ وقف ما يكون منفعته العقلائيّة منحصرة بالمحرّم، كآلات القمار مثلًا، و ذكر في المتن أنّه يلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة و إن لم يكن منافعه مطلقاً كذلك، كوقف الدابّة لحمل الخمر، أو الدكّان لحرزها أو بيعها، و توصيف بقاء العين بكونه بقاءً معتدّاً به إنّما هو لإخراج وقف ريحانة للشمّ؛ لعدم الاعتداد ببقائها.

الخامس: أن لا تكون العين متعلّقة لحقّ الغير، و لأجله يكون التصرّف فيها ممنوعاً، كما لو فرض أن تكون مرهونة؛ لأنّ الرهن مانع من التصرّف فيها، و لذا يتوقّف صحّة بيع الراهن لها على إجازة المرتهن، كما قد قرّر في محلّه «1».

السادس: أن يكون ممّا يمكن قبضه، فلا يصحّ وقف ما لا يمكن، كالدابّة الشاردة.

و مع اجتماع هذه الشرائط يصحّ الوقف في جميع الأُمور؛ سواء كانت مثل الكتب و المصاحف، أو مثل الدور و العقار، أو مثل الثياب و السلاح و الآلات المباحة، أو مثل الأشجار، أو مثل الحليّ، أو مثل صنوف الحيوانات حتّى الكلب المعلَّم و غيرها.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 9، كتاب الرهن مسألة 19، مسالك الأفهام: 4/ 47.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 47

[مسألة 32: لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا ينتفع بها فعلًا]

مسألة 32: لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا ينتفع بها فعلًا، بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع و لو بعد مدّة، فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة و الأُصول المغروسة التي لا تثمر

إلّا بعد سنين (1).

[مسألة 33: المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة]

مسألة 33: المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة، فتشمل النماءات و الثمرات، فيصحّ وقف الأشجار لثمرها، و الشاة لصوفها و لبنها و نتاجها (2).

[مسألة 34: ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين]

مسألة 34: ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين: الوقف الخاصّ؛ و هو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده و ذرّيّته، أو على زيد و ذرّيّته. و الوقف العامّ؛ و هو ما كان على جهة و مصلحة عامّة،

______________________________

(1) لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا ينتفع بها بالفعل و بعد الوقف بلا فصل، ضرورة أنّه يكفي وقف الأشجار المثمرة في الفصول التي لا ثمرة لها أصلًا، نظراً إلى أنّ الثمرة لها وقت مخصوص، كالصيف في مقابل الشتاء، و من هذه الجهة يكفي كون العين الموقوفة معرضاً للانتفاع و لو بعد مدّة، فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة و الأُصول المغروسة التي لا تثمر إلّا بعد سنين؛ لعدم الفرق كما لا يخفى.

(2) المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة، فتشمل النماءات و الثمرات، و عليه فيصحّ وقف الأشجار لثمرها و لو في فصل الشتاء الذي لا يكون للأشجار ثمرة، مع أنّه لا تصحّ إجارتها في ذلك الفصل، كما أنّه يصحّ وقف الشاة لصوفها و لبنها و نتاجها، مع أنّه لا تصحّ إعارتها لذلك.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 48

كالمساجد و القناطر و الخانات، أو على عنوان عامّ، كالفقراء و الأيتام و نحوهما (1).

[مسألة 35: يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف]

مسألة 35: يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف، فلا يصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم و من سيوجد بعد، و كذا الحمل قبل أن يولد، و المراد بكونه ابتداءً أن يكون هو الطبقة الاولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة، فلو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود؛ بأن يجعل طبقة ثانية، أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث شاركه عند وجوده،

صحّ بلا إشكال، كما إذا وقف على أولاده الموجودين و من سيولد له على التشريك أو الترتيب، بل لا يلزم أن يكون في كلّ زمان وجود الموقوف عليه و ولادته، فلو وقف على ولده الموجود و على ولد ولده بعده، و مات الولد قبل ولادة ولده،

______________________________

(1) ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين:

أحدهما: الوقف الخاصّ؛ و هو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده و ذرّيته، أو على زيد و ذرّيته.

ثانيهما: الوقف العام، و هو على صورتين:

الاولى: ما كان على جهة و مصلحة عامّة، كالمساجد و القناطر و الخانات.

الثانية: ما كان على عنوان عامّ، كالفقراء و الأيتام و نحوهما، من دون فرق بين أن يكون الموقوف عليه مطلق عنوان الفقراء، أو فقراء بلده، أو قبيله مخصوصة، كما أنّ الظاهر أنّه في الصورة الأُولى يمكن التعميم مطلقاً، و يمكن التخصيص ببعض الخصوصيّات، كما إذا وقف الخانات لزوّار بعض المشاهد المشرّفة، إلّا أن يقال برجوعه في هذه الصورة إلى الصورة الثانية، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 49

فالظاهر صحّته، و يكون الموقوف عليه بعد موته الحمل، فما لا يصحّ الوقف عليه هو المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعيّة (1).

______________________________

(1) لا إشكال في عدم صحّة الوقف على المعدوم الذي لا يمكن وجوده بعد ذلك أيضاً، كما لو وقف داراً لزيد لسكناه باعتقاد أنّه موجود فتبيّن موته قبل ذلك، و أمّا إذا وقف على من سيوجد من أولاده فظاهرهم الإجماع على عدم جوازه أيضاً «1»، و أمّا الوقف على الحمل فربما يستدلّ على عدم جوازه بأنّ الوقف تمليك و لا يعقل تمليك المعدوم، فإنّ الملكية صفة وجوديّة تستدعي محلّاً موجوداً، و لذا

لا تصحّ الوصيّة للمعدوم.

و أُورد على هذا الدليل أوّلًا: بعدم تماميّته في الحمل، فإنّه موجود، و دعوى عدم قابليّته للملكيّة كما ترى، و اشتراط صلاحيّته للإرث بتولّده حيّاً و لذا لا يرث في غير هذه الصورة إنّما هو للدليل الخاصّ، لا لعدم القابلية للملكيّة.

و ثانياً: بورود النقض عليهم بما إذا كان تبعاً لموجود، فإنّهم يحكمون بجوازه، مع أنّ تمليك المعدوم لو كان غير معقول لا يكون فرق بين الاستقلال و التبعيّة.

و ثالثاً: بأنّه لا فرق في المعقولية و عدمها بين كون المالك معدوماً أو المملوك، مع أنّهم يجوّزون تمليك الكلّي في الذمّة، مع أنّه ليس شيئاً موجوداً في الخارج، و يجوّزون تمليك المنافع و ليست موجودة، بل تستوفي شيئاً فشيئاً.

و رابعاً: أنّ الملكيّة من الأُمور الاعتبارية، و ليست كالسواد و البياض المحتاجين إلى محلّ خارجيّ، بل يكفيه المحلّ الاعتباري، بل جميع الأحكام كذلك، من دون فرق بين الأحكام التكليفيّة و الوضعيّة.

______________________________

(1) غنية النزوع: 297، السرائر: 3/ 156، رياض المسائل: 9/ 309، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 208.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 50

[مسألة 36: لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان]

مسألة 36: لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلًا في بعض الأزمان، فلو وقف بستاناً مثلًا على فقراء البلد و لم يكن في زمان الوقف فقير فيه لكن سيوجد صحّ الوقف، و لم يكن من منقطع الأوّل، كما أنّه مع فقده بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط، بل هو باق على وقفيّته، فيحفظ غلّته إلى أن يوجد (1).

[مسألة 37: يشترط في الموقوف عليه التعيين]

مسألة 37: يشترط في الموقوف عليه التعيين، فلو وقف على أحد

______________________________

و خامساً: أنّ الوقف ليس تمليكاً، بل هو إيقاف، و الظاهر أنّه لا إشكال في جواز الوقف على الحجّاج و الزوّار مع عدم وجود زائر أو حاجّ حين الوقف، كما سيأتي في المسألة اللّاحقة، فإن تمّ الإجماع على عدم صحّة الوقف على المعدوم الذي سيوجد، و إلّا فالأقوى صحّته، و الإجماع على تقديره لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام؛ لأنّهم يعلّلون بهذا التعليل العليل، و توجيه عدم الصحّة من طريق اعتبار القبض في الصحّة ممنوع بعدم اشتراط الفوريّة في القبض، و بإمكان قبض الحاكم أو المتولّي.

(1) قد عرفت أنّه لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ تحقّق المصداق له في كلّ زمان الشامل لزمان الوقف، بل كما مرّ في مسألة الوقف على الحجّاج و الزوّار لا يعتبر وجود زائر أو حاجّ حين الوقف، بل يكفي إمكان وجوده فعلًا في بعض الأزمان، فلو وقف بستاناً مثلًا على فقراء البلد و لم يكن في زمن الوقف فقير في البلد، لكن سيوجد بعداً فالوقف صحيح و لم يكن من منقطع الأوّل الذي قلنا بعدم صحّته، كما أنّه لو كان موجوداً حال الوقف و فقد بعده لا

يكون من منقطع الوسط، بل هو باق على وقفيّته، فاللازم حفظ غلّته إلى أن يوجد، و المفروض تحقّقه.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 51

الشخصين أو أحد المسجدين لم يصحّ (1).

[مسألة 38: الظاهر صحّة الوقف على الذمّي و المرتدّ لا عن فطرة]

مسألة 38: الظاهر صحّة الوقف على الذمّي و المرتدّ لا عن فطرة، سيّما إذا كان رحماً، و أمّا الكافر الحربي و المرتدّ عن فطرة فمحلّ تأمّل (2).

______________________________

(1) بلا خلاف «1»، بل ربما يدّعى فيه الإجماع «2»، فإن تمّ، و إلّا فلا دليل عليه سوى دعوى انصراف أدلّة الوقف، مع أنّها ممنوعة، و ربما يعلّل بعدم معقوليّة تمليك أحد الشخصين بنحو الإبهام و الترديد؛ لأنّ الملكيّة تحتاج إلى محلّ معيّن، كالسواد و البياض، و يرد عليه منع عدم المعقوليّة، و قد صرّحوا بجواز الوصيّة بأحد الشيئين، و كون المراد مفهوم أحدهما الصادق على كليهما فلا وجه له، إذ هو عنوان كلّي انتزاعيّ لا يتعلّق به الأغراض، و لعلّه لما ذكر استظهر السيّد في الملحقات أنّه لا إشكال في صحّة الوقف كذلك، و يصرف منافعه في أحد الشخصين أو أحد المسجدين، و يكون المتولّي مخيّراً بينهما حينئذٍ «3»، و عليه فلا وجه لما في المتن من الحكم بعدم الصحّة، كما لا يخفى.

(2) في جواز وقف المسلم على الكافر و عدمه مع قطع النظر عن الجهات الأُخر، كالإعانة على المعاصي التي ستجي ء أقوال: ثالثها: الجواز في الرحم دون غيره، رابعها: الجواز في الأبوين دون غيرهما، خامسها: الجواز في الذمّي دون الحربي، و إليه يرجع ما في المتن.

أمّا أصل الجواز في الجملة فيدلّ عليه عمومات الوقف و إطلاقاته، خصوصاً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 28/ 50 51، غنية النزوع: 297، مسالك الأفهام: 5/ 350 351.

(2) السرائر: 3/ 156 157.

(3)

ملحقات العروة الوثقى: 2/ 213، الشرط الثالث.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 52

[مسألة 39: لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة و ما فيه إعانة على المعصية]

مسألة 39: لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة و ما فيه إعانة على المعصية، كمعونة الزنا و قطع الطريق و كتابة كتب الضلال، و كالوقف على البيع و الكنائس و بيوت النيران لجهة عمارتها و خدمتها و فرشها و معلّقاتها و غيرها. نعم، يصحّ وقف الكافر عليها (1).

______________________________

مع عدم اعتبار قصد القربة و إمكان مراعاته مع فرض الاعتبار.

و لكن في مقابلها قوله تعالى لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ «1» و الظاهر أنّه لا دلالة له على المنع إلّا من جهة كون الموادّة للمحادّة، و المفروض في المقام خلافه، و لذا لا يحرم مجالستهم و الإحسان إليهم لا من هذه الجهة.

و أمّا التأمّل في الكافر الحربي و المرتدّ عن فطرة فلأجل وجوب قتله و لو مع إذن الحاكم، و هو لا يجتمع عرفاً مع الوقف عليه. و لا وجه لما قيل من عدم صلاحيّته للملكيّة، لكون ماله فيئاً للمسلمين أو منتقلًا إلى الورثة «2»؛ لأنّه إنّما هو بالإضافة إلى الأموال التي اكتسبها قبل ذلك، و أمّا الأموال التي حصّلها بعد الارتداد مثلًا فلا، مع أنّ الوقف لا يكون مستلزماً للتمليك، كما مرّ.

(1) لا يصحّ الوقف من المسلم على الجهات المحرّمة و ما فيه إعانة على المعصية، كمعونة الزنا و سائر الأمثلة المذكورة في المتن؛ لحرمته و استلزام الحرمة الفساد، و هذا بخلاف الوقف على من يعلم أنّه يصرف منافع الموقوفة في الزنا أو شرب الخمر مثلًا؛ لأنّه كالبيع ممّن يعلم أنّه يصنع المبيع خمراً؛ فإنّ الظاهر

أنّه لا دليل على

______________________________

(1) سورة المجادلة: 58/ 22.

(2) مسالك الأفهام: 5/ 332، الحدائق الناضرة: 22/ 194.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 53

[مسألة 40: لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين]

مسألة 40: لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين، بل الظاهر أنّه لو كان الواقف شيعيّاً انصرف إلى فقراء الشيعة، و لو وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى اليهود، و النصارى إلى النصارى، و هكذا، بل الظاهر أنّه لو كان الواقف مخالفاً انصرف إلى فقراء أهل السنّة. نعم، الظاهر أنّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي، و الشافعي إلى الشافعي، و هكذا (1).

[مسألة 41: لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة معدودة]

مسألة 41: لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة معدودة كما لو وقف على فقراء محلّة أو قرية صغيرة توزّع منافع الوقف على الجميع، و إن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة، فتوزّع على جماعة

______________________________

حرمته و فساده. نعم، هذا كلّه بالإضافة إلى وقف المسلم، و أمّا وقف الكافر فقد عرفت أنّه يصحّ منه ما لا منع فيه على مذهبه.

(1) لو كان الواقف مسلماً و الموقوف عليه الفقراء، أو فقراء البلد، ينصرف إلى خصوص فقراء المسلمين عموماً، أو بلده. و لو كان الواقف شيعيّاً انصرف إلى خصوص فقراء الشيعة المتّحدين مع الواقف في المذهب، و لأجله لو كان الواقف كافراً انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى اليهود، و النصارى إلى النصارى و هكذا، كما أنّه لو كان الواقف مسلماً غير شيعيّ انصرف إلى فقراء السنّة، و لكن الظاهر أنّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب من المذاهب الأربعة؛ لجواز الأخذ بكلّ واحد منها عندهم، و لذا لا يختصّ فيما إذا كان الواقف شيعيّاً بمن يكون متّحداً معه في مرجع التقليد، و هذا ظاهر.

تفصيل الشريعة

- الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 54

معتدّ بها بحسب مقدار المنفعة (1).

[مسألة 42: لو وقف على فقراء قبيلة كبني فلان]

مسألة 42: لو وقف على فقراء قبيلة كبني فلان و كانوا متفرّقين لم يقتصر على الحاضرين، بل يجب تتبّع الغائبين و حفظ حصّتهم للإيصال إليهم، و لو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان و عدم الحرج على الأحوط. نعم، لو كان عدد فقراء القبيلة غير محصور، كبني هاشم جاز الاقتصار على الحاضرين، كما أنّ الوقف لو كان على الجهة جاز اختصاص الحاضرين به، و لا يجب الاستقصاء (2).

______________________________

(1) لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة معدودة كفقراء محلّة أو قرية صغيرة توزّع منافع الوقف على الجميع؛ اقتضاءً لكون الجميع موقوفاً عليه من ناحية، و إمكان التوزيع من ناحية أُخرى. و إن لم تكن منحصرة في أفراد محصورة معدودة، كفقراء الشيعة أو المسلمين لا يجب الاستيعاب؛ لعدم إمكانه أوّلًا، و ظهور كون المراد في مثل ذلك بيان المصرف لا التوزيع، و لكن نهى عن ترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي بالمقدار الممكن مع كثرة المنفعة، فتوزّع مع ملاحظة الجهتين.

(2) لو وقف على فقراء قبيلة كبني فلان، فتارةً يكون عددهم محصوراً، و أُخرى غير محصور.

ففي الصورة الأُولى: يجب الاستقصاء؛ سواء كانوا جميعاً حاضرين أو متفرّقين، غاية الأمر أنّه في الفرض الثاني يجب تتبّع الغائبين و حفظ حصّتهم للإيصال إليهم، و لو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان و عدم الحرج على الأحوط اللزومي، لكن يحتمل أن يكون تفرّقهم مع علم الواقف به

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 55

[مسألة 43: لو وقف على المسلمين كان لمن أقرّ بالشهادتين]

مسألة 43: لو وقف على المسلمين كان لمن أقرّ بالشهادتين إذا كان الواقف ممّن يرى أنّ غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين، و لو وقف الإماميّ على المؤمنين اختصّ بالاثني عشرية، و كذا لو

وقف على الشيعة (1).

[مسألة 44: لو وقف في سبيل اللّٰه يصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى الثواب]

مسألة 44: لو وقف في سبيل اللّٰه يصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى

______________________________

قرينة على الاختصاص بالحاضرين أو بيان المصرف.

و في الصورة الثانية: كبني هاشم جاز الاقتصار على الحاضرين، كما أنّه لو كان الوقف على الجهة جاز اختصاص الحاضرين به، و لا يجب الاستقصاء بوجه؛ لما ذكر من وجود القرينة على بيان المصرف و عدم لزوم الاستقصاء مع عدم إمكانه نوعاً.

(1) لو وقف شيئاً على المسلمين و عنوانهم يكون المراد من الموقوف عليهم كلّ من أقرّ بالشهادتين: الشهادة بالوحدانية، و الشهادة بالرسالة، من دون فرق بين فرق المسلمين و اختلاف مذاهبهم، إلّا إذا كان الواقف ممّن لا يرى غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين، كما نراه مع الأسف الشديد بالإضافة إلى الفرقة الضالّة المضلّة الوهابيّة بالنسبة إلى الشيعة، سيّما الإماميّة منهم، فلم يمض إلّا سنين متعدّدة من خطبة خطيب الجمعة في الروضة النبوية، حيث دعا أن يعود الشيعة إلى الإسلام من الكفر و الضلالة، غفلةً منه عن معنى الكفر، و الجمود على ما انتقل إليه من رؤساء الوهابيّة و أركانهم الخبيثة، و الحكم في بقيّة فروع المسألة واضح و إن كانت الشيعة أعمّ من الإماميّة؛ لشمولها لكلّ من شائع عليّاً و لو كان كيسانيّاً أو زيديّاً أو فطحيّاً أو واقفيّاً، إلّا أنّ الظاهر الانصراف إلى الإمامية الاثني عشرية.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 56

الثواب، و كذلك لو وقف في وجوه البرّ (1).

[مسألة 45: لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف]

مسألة 45: لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف، و لو وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبيّاً على كيفيّة طبقات الإرث (2).

[مسألة 46: لو وقف على أولاده اشترك الذكر و الأُنثى و الخنثى]

مسألة 46: لو وقف على أولاده اشترك الذكر و الأُنثى و الخنثى، و يقسّم بينهم على السواء، و لو وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين و البنات، ذكورهم و إناثهم بالسّوية (3).

______________________________

(1) لو وقف في سبيل اللّٰه فاللازم صرف منافع العين الموقوفة في كلّ ما يكون مترتّباً عليه الثواب و موجباً لثبوت الأجر في الآخرة، و كذلك لو وقف في وجوه البرّ، و لا يختصّ بالجهاد خصوصاً الثاني.

(2) لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع في تشخيص ذلك هو العرف، و لا تنحصر الأرحام بالرحم الذي تجب صلته أو يحرم قطعه، على ما هو المقرّر في محلّ هذا البحث، و لو وقف على عنوان الأقرب فالأقرب كان ترتيبيّاً على كيفيّة طبقات الإرث، عملًا بقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* «1» و من الواضح حينئذٍ اشتراك أولاد الابن مع أولاد البنت في صورة عدمهما.

(3) لو وقف على أولاده من غير تخصيص لأحدهم بخصوصيّة زائدة اشترك الجميع فيه بالسويّة، من غير فرق بين الذكر و الأُنثى و الخنثى، و لو وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين و البنات، و لا وجه لما يقال:

______________________________

(1) سورة الأنفال: 8/ 75.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 57

[مسألة 47: لو قال: «وقفت على ذرّيّتي» عمّ البنين و البنات و أولادهم بلا واسطة و معها]

مسألة 47: لو قال: «وقفت على ذرّيّتي» عمّ البنين و البنات و أولادهم بلا واسطة و معها، ذكوراً و إناثاً، و تشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة، و يكون على الرؤوس بالسويّة، و كذا لو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي» فإنّ الظاهر منهما التعميم لجميع الطبقات أيضاً. نعم، لو قال: «وقفت على أولادي ثمّ على الفقراء» أو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي، ثمّ على الفقراء»،

فلا يبعد أن يختصّ بالبطن الأوّل في الأوّل، و بالبطنين في الثاني، خصوصاً في الصورة الأُولى (1).______________________________

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد «1»

فإنّ الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، و في زيارة جميع الأئمّة عليهم السلام مخاطباً لهم ب «السلام عليك يا ابن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله».

و قد ذكرنا في كتاب الخمس أنّه لا إشكال في ذلك و إن كانت سيادة الحسنين عليهما السلام إنّما هي لأجل أبيهما المكرّم علي أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّ السيادة تتوقّف على الانتساب بالأب و لا تعمّ الانتساب بالأُمّ، فإنّ أبا الفضل العبّاس عليه السلام و كذا محمّد بن الحنفيّة كانا سيّدين و لم يكونا ابنا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، و كذا العبّاس عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله، و يوجد في زماننا هذا بعض السادات العبّاسيّين، و كان بعضهم من أعاظم العلماء «2».

(1) لو قال: «وقفت على ذرّيتي» أو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي» و اقتصر على ذلك، فإنّ الظاهر التعميم لجميع الطبقات في عرض واحد،

______________________________

(1) خزانة الأدب: 1/ 444، شرح شواهد المغني: 2/ 848.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 254 257.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 58

[مسألة 48: لو قال: «وقفت على أولادي نسلًا بعد نسل و بطناً بعد بطن»]

مسألة 48: لو قال: «وقفت على أولادي نسلًا بعد نسل و بطناً بعد بطن»، فالظاهر المتبادر منه عرفاً أنّه وقف ترتيبٍ، فلا يشارك الولد أباه، و لا ابن الأخ عمّه (1).

[مسألة 49: لو علم من الخارج وقفيّة شي ء على الذرّية]

مسألة 49: لو علم من الخارج وقفيّة شي ء على الذرّية، و لم يعلم أنّه وقف تشريك أو ترتيب، فالظاهر فيما عدا قسمة الطبقة الأُولى الرجوع إلى القرعة (2).

______________________________

من دون فرق بين الذكور و الإناث، و كذا من دون فرق بين صورة ثبوت الواسطة أو عدمها، و يكون على الرؤوس بالسويّة، و هذا بخلاف ما لو لم يقتصر على ذلك، بل قال مثلًا: «وقفت على أولادي، ثمّ على الفقراء» أو قال: «وقفت على أولادي، و أولاد أولادي، ثمّ على الفقراء» فقد نفى البُعد في المتن عن الاختصاص بخصوص البطن الأوّل في الأوّل، و بخصوص البطنين في الثاني؛ لأنّه على تقدير كون المراد الأعمّ لم يكن مجال لذكر الفقراء بعد تسلسل البطون نوعاً.

(1) لو قال: «وقفت على أولادي نسلًا بعد نسل و بطناً بعد بطن» كما هو الشائع في الأوقاف الخاصّة المرتبطة بالأولاد، فقد استظهر في المتن مستنداً إلى التبادر عند العرف أنّه وقف ترتيبٍ، أي لا يشارك أولاد الأولاد مع الأولاد بلا واسطة، بل يختصّ في الدرجة الأُولى بهم، من دون فرق بين الذكور و الإناث، و ما دام يكون واحد منهم موجوداً لا تصل النوبة إلى الطبقة اللّاحقة، و عليه فلا يشارك الولد أباه، و لا ابن الأخ عمّه؛ لاختلاف الطبقتين كما لا يخفى.

(2) لو كان شي ء معلوم الوقفيّة على الذرّية إجمالًا، و لم يعلم أنّه وقف تشريكٍ أو ترتيبٍ، فلا إشكال في استحقاق الطبقة الأُولى قسمتها الخاصّة به على

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان

و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 59

[مسألة 50: لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلًا بعد نسل»]

مسألة 50: لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلًا بعد نسل» يختصّ بالذكور من الذكور في جميع الطبقات، و لا يشمل الذكور من الإناث (1).

[مسألة 51: لو كان الوقف ترتّبيّاً كانت الكيفيّة تابعة لجعل الواقف]

مسألة 51: لو كان الوقف ترتّبيّاً كانت الكيفيّة تابعة لجعل الواقف، فتارة جعل الترتيب بين الطبقة السابقة و اللاحقة، و يراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه، و لا ابن الأخ عمّه و عمّته، و لا ابن الأُخت خاله و خالته. و أُخرى جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كلّ طبقة و أبنائهم، فإذا كانت إخوة و لبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء ما دام حياة الآباء، فإذا توفّي الآباء شارك الأولاد أعمامهم، و له أن يجعل الترتيب على أيّ نحو شاء و يتّبع (2).

______________________________

كلا التقديرين، و اللازم الرجوع فيما عداها إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل «1»، خصوصاً في الحقوق الماليّة على تقدير عدم اختصاص القرعة بها، و التحقيق في محلّه الذي هو البحث عن القواعد الفقهية.

(1) لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلًا بعد نسل» ففي المتن يختصّ بالذكور من الذكور في جميع الطبقات، أمّا الاختصاص بالذكور للتصريح به في صيغة الوقف. و أمّا عدم الشمول للذكور من الإناث، فلأنّ الظاهر من قوله: «نسلًا بعد نسل» هو أن تكون القرابة بالذكوريّة، و مع وساطتها فلا يشمل الذكور من الإناث. نعم، لو لم يكن الموقوف عليه مقيّداً بالذكور لكان اللازم الالتزام بشركة البنات أوّلًا، و عدم اختصاص الواسطة بخصوص المذكّر ثانياً، كما لا يخفى.

(2) مقتضى كون الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها كما في الرواية

______________________________

(1) روضة المتّقين: 6/ 215، الخلاف: 6/ 399 مسألة 24، تذكرة الفقهاء: 3/ 271، العناوين: 1/ 351.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و

النذور،الكفارات،الصيد، ص: 60

[مسألة 52: لو قال: «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة»]

مسألة 52: لو قال: «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة» فإذا مات أحدهم و كان له ولد فنصيبه لولده، و لو مات أحدهم و له ولد يكون نصيبه له. و لو تعدّد الولد يقسّم نصيبه بينهم على الرؤوس، و إذا مات من لا ولد له فنصيبه

______________________________

المتقدّمة «1» أنّه لو كان الوقف ترتيبيّاً يكون تابعاً لجعل الواقف.

فتارةً: يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة و الطبقة اللّاحقة، و يراعى الأقرب فالأقرب، كالترتيب في باب الإرث. غاية الأمر اختلاف سهم الذكور مع سهم الإناث هناك دون هنا، و لكنّ الملاك في أصل أخذ السهم الأقربيّة فالأقربيّة، و عليه فلا يشارك الولد أباه، و لا ابن الأخ عمّه و عمّته، و لا ابن الأُخت خاله و خالته.

و أُخرى: يجعل الترتيب بين الأبناء من كلّ طبقة و آبائهم، فإذا كانت هناك إخوة و لهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء ما دام حياة الأب، فإذا توفّي بعض الآباء شارك الأولاد أعمامهم.

و ثالثة: يجعل الترتيب بصورة ثالثة، كما إذا قدّم البنين في كلّ طبقة على البنات فيها، و بعد انقراض البنين يقوم مقامهم البنات، و بالجملة له أن يجعل الترتيب على أيّ نحوٍ شاء و يتّبع، و لا يكون تابعاً لمسألة الإرث بوجه، بل الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، كما عرفت، و منه يظهر أنّه لو أراد التفضيل في بعض الطبقات بالإضافة إلى البعض، كما إذا كان الولد الذكور روحانيّاً مشتغلًا بالعلوم الحوزويّة له ذلك. و إن كان هذا التفضيل غير مرعيّ في باب الإرث بوجه، فهو شبيه النذر من هذه الجهة، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 26.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 61

لمن كان في طبقته، و

لا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده (1).

[مسألة 53: لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا يشمل غيرهم]

مسألة 53: لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا يشمل غيرهم، كعلماء الطبّ و النجوم و الحكمة (2).

[مسألة 54: لو وقف على أهل مشهد كالنجف مثلًا اختصّ بالمتوطّنين و المجاورين]

مسألة 54: لو وقف على أهل مشهد كالنجف مثلًا اختصّ بالمتوطّنين و المجاورين، و لا يشمل الزوّار و المتردّدين (3).

______________________________

(1) لو قال: «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة» فغاية مفاده أنّه مع اجتماع الأب و الولد لا تصل النوبة إلى الولد ما دام الأب حيّاً، و مع فرض موته يقوم مقامه و يأخذ نصيبه، و إذا كان الولد متعدّداً يقسّم بينهم على الرؤوس. نعم، إذا لم يكن للميّت ولد فنصيبه لمن كان في طبقته، و لا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده بعد موته، و ليس مفاده أنّه مع وجود فرد واحد من الطبقة الاولى لا تصل النوبة إلى من مات والده، و هذا بخلاف ما عرفت من أنّه في صورة الوقف على الأولاد نسلًا بعد نسل لا ينتقل إلى الولد و لو كان واحد من الطبقة الأُولى موجوداً، فتأمّل فإنّ في العبارة تكراراً بلا وجه.

(2) لو وقف على عنوان العلماء انصرف إلى الفقهاء و علماء الشريعة، أعمّ من المتمحّضين فيها، أو غيرهم ممّن كان عالماً بغير علم الشريعة أيضاً، و لا يشمل المعنى اللغوي العامّ الشامل لكلّ عالم و لو في الرياضيّات و الطب، و حتّى الفلسفة و الحكمة مع عدم العلم بالشريعة، بل و حتّى العالم بالتفسير فقط من دون أن يكون فقيهاً، و إن كان القرآن مشتملًا على كثير من آيات الأحكام، فتدبّر، إلّا أن يقال: إنّ التدبّر فيها حقّ التدبّر لا ينفكّ عن العلم بالفقه و الشريعة، كما لا يخفى.

(3) لو وقف على أهل مشهد من المشاهد المشرّفة كالنجف مثلًا يختصّ

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 62

[مسألة 55: لو وقف على المشتغلين في النجف مثلًا من أهل بلد كطهران، أو غيره]

مسألة 55: لو وقف على المشتغلين في النجف مثلًا من أهل بلد كطهران، أو غيره، اختصّ بمن هاجر من بلده إليه للاشتغال، و لا يشمل من جعله وطناً له معرضاً عن بلده (1).

______________________________

بالمتوطّنين فيه، أعمّ ممّن كان ذلك المشهد وطنه الأصلي، أو اتّخذه وطناً و كان وطناً مستجداً له، كالمجاورين الذين لا يكون أصلهم من ذلك المشهد، و لا يشمل عنوان الموقوف عليه الزوّار و المتردّدين.

نعم، هل يدور الحكم مدار التوطّن الذي تكون الصلاة معه تامّة؛ و هي الإقامة بقصد التوطّن الدائمي بعنوان وطنه الجديد، أو بعنوان أحد الوطنين بالإضافة إلى ذي وطنين، أو الإقامة بمقدار كثير يصدق معه التوطّن كالإقامة ثلاثين سنة، أو أنّ الحكم لا يدور مدار ذلك، بل يعمّ من كان قاصداً للإقامة في مدّة التحصيل التي لا تزيد على عشر سنوات نوعاً؟ الظاهر هو الأوّل، فإنّ بعض المشتغلين في النجف لأجل التحصيل في الحوزة العلمية لا يصدق عليه أهل النجف و لو كانت إقامته أزيد من عشر سنوات، و ليس المقام مثل ما ذكر في الحجّ من أنّ الإقامة سنتين يوجب انقلاب الفريضة من حجّ التمتّع إلى القرآن و الإفراد.

(1) لو وقف على خصوص المشتغلين في النجف مثلًا بالعلوم الحوزويّة من أهل محلّ خاصّ و بلد مخصوص كطهران، أو غيره، تختصّ منافع العين الموقوفة بمن هاجر من ذلك البلد إلى النجف لخصوص الاشتغال، و لا تعمّ كلّ من جعل النجف وطناً له معرضاً عن بلده و إن لم يكن ذلك للاشتغال بالعلوم الحوزويّة، بل لأجل اختيار المجاورة لقبر سيِّد الموحِّدين أمير المؤمنين عليه و على أولاده أفضل صلوات المصلّين؛ لفرض عدم الاشتغال

بتلك العلوم مثلًا.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 63

[مسألة 56: لو وقف على مسجد فمع الإطلاق صرفت منافعه في تعميره وضوئه و فرشه و خادمه]

مسألة 56: لو وقف على مسجد فمع الإطلاق صرفت منافعه في تعميره وضوئه و فرشه و خادمه، و لو زاد شي ء يعطى لإمامه (1).

[مسألة 57: لو وقف على مشهد يصرف في تعميره و ضوئه و خدّامه]

مسألة 57: لو وقف على مشهد يصرف في تعميره و ضوئه و خدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة به (2).

______________________________

(1) لو وقف على مسجد، فمع الإطلاق و عدم ذكر جهة خاصّة يصرف منافعه في تعميره لو احتاج إلى التعمير وضوئه و فرشه و خادمه، و في المتن: و لو زاد شي ء يعطى لإمامه؛ لأنّه أيضاً من شؤون المسجد و إن لم يكن في عرض سائر الشؤون؛ لأنّ ارتباطه بها أكثر من غيره. نعم، في صورة الزيادة يكون الإيتاء إلى الإمام كالصرف في شؤون المسجد.

(2) لو وقف على مشهد، فمع الإطلاق كذلك و عدم ذكر جهة خاصّة يصرف في تعميره و ضوئه و الخدمة المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة به، كتنظيفه و إخراج النفايات منه.

نعم، في هذه الأزمنة في مسألة النذر على المشاهد لو كان المنذور أصحاب تلك المشاهد، كأمير المؤمنين و الحسين عليهما السلام يجوز له دفع المنذور إلى الفقراء من الطلبة و غيرهم بنيّة التصدّق عنهم و وصول الثواب إليهم عليهم السلام و لو كان المنذور نفس تلك المشاهد، فالظاهر بملاحظة أنّه لا يصرف في تعمير المشهد و غيره من قبل المتصدّين لحفظ تلك البقاع المقدّسة، بل يستفاد منها للأُمور غير المرتبطة بالمشاهد ممّا يرون مصلحة لأنفسهم، فالظاهر أيضاً جواز الدفع إلى الفقراء المذكورين بنيّة الإمام الذي صاحب المشهد، أو ابنه عليه السلام كأبي الفضل العبّاس، و عدم جواز صرفه في مشهد آخر كما لا يخفى، بل يتعيّن ذلك؛ لعدم إمكان طريق للوصول إليه غير ذلك.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و

النذور،الكفارات،الصيد، ص: 64

[مسألة 58: لو وقف على سيّد الشهداء عليه السلام يصرف في إقامة تعزيته]

مسألة 58: لو وقف على سيّد الشهداء عليه السلام يصرف في إقامة تعزيته؛ من اجرة القارئ و ما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين و غيرهم (1).

[مسألة 59: لا إشكال في أنّه بعد تماميّة الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلًا]

مسألة 59: لا إشكال في أنّه بعد تماميّة الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلًا، أو إدخال من كان خارجاً إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف، و هل يصحّ ذلك إذا شرطه؟ لا يبعد عدم الجواز مطلقاً، لا إدخالًا و لا إخراجاً، فلو شرط ذلك بطل شرطه، بل الوقف على إشكال، و مثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد. نعم، لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد، و بعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صحّ بلا إشكال (2).

______________________________

(1) لو وقف على سيّد الشهداء عليه السلام يصرف في إقامة تعزيته من اجرة المبلِّغ و المدّاح و ما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين و غيرهم، و من هذا القبيل ما هو الشائع من الإطعام بعد تماميّة مجلس العزاء، و هذا بخلاف النذر على الإمام عليه السلام، حيث إنّك عرفت أنّه يجوز أن يتصدّق به عنه لفقراء الشيعة، و لا يتعيّن عليه صرفه فيما يتعلّق بمشهده عليه السلام.

(2) في هذه المسألة صورتان:

الاولى: ما إذا كان الوقف مطلقاً لم يشترط في ضمنه إدخال بعض الأفراد في الموقوف عليهم، أو إخراج بعض عنه، و أراد بعد تماميّة الوقف الإدخال أو الإخراج، و الحكم في هذه الصورة أنّه لا يجوز ذلك؛ لأنّه يخرج الموقوف بتماميّة الوقف عن اختيار الواقف و لو جعل نفسه متولّياً، فإنّ شأن المتولّي إجراء الوقف كما هو و النظارة في مصالحه و مفاسده و التقسيم بين

الموقوف عليهم، لا التغيير في

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 65

[مسألة 60: لو علم وقفيّة شي ء و لم يعلم مصرفه و لو من جهة نسيانه]

مسألة 60: لو علم وقفيّة شي ء و لم يعلم مصرفه و لو من جهة نسيانه، فإن كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يصرف في المتيقّن، كما إذا لم يدر أنّه وقف على الفقراء أو الفقهاء، فيقتصر على مورد تصادق العنوانين. و إن كانت

______________________________

عنوان الوقف، و الظاهر أنّه لا إشكال في ذلك.

الثانية: ما إذا اشترط الإدخال أو الإخراج في ضمن عقد الوقف، و في هذه الصورة يقع الكلام أوّلًا: في فساد هذا الشرط و عدمه، و أُخرى: في كونه موجباً لبطلان عقد الوقف و عدمه، أمّا من الجهة الأُولى: فقد نفى البُعد عن عدم الجواز مطلقاً، لا إدخالًا و لا إخراجاً، و لعلّه لأجل كونه منافياً لمقتضى عقد الوقف الذي هو مشاركة الجميع و عدم مشاركة غيرهم. نعم، لا مانع من إدخال البعض أو إخراجه في نفس عقد الوقف؛ لأنّ مرجعه إلى تضييق دائرة الموقوف عليه أو توسعتهم، و أمّا الإدخال أو الإخراج بعد التماميّة كما هو المفروض فلا، و أمّا من الجهة الثانية: فقد حكم ببطلان أصل الوقف على إشكال، و لعلّه لأجل ما ذكر من المنافاة، و إن كان فساد الشرط لا يستلزم فساد العقد مطلقاً.

و قد أفاد في ذيل هذه الصورة أنّه يكون مثل ذلك في بطلان الشرط و بطلان أصل العقد على إشكال ما لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد، و في الحقيقة مرجع ذلك إلى شرط الإدخال و الإخراج، فتأمّل.

و أمّا لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد، و بعد ذلك كان الوقف على من سيوجد فقد حكم بصحّته و نفى الإشكال

فيه، و الظاهر أنّ مراده من هذا الفرض كون الجماعة الموجودين موقوفاً عليهم إلى زمان وجود من سيوجد، و بعد ذلك كان الوقف على من سيوجد، و إن كانت الجماعة الموجودون حال الوقف باقية بأجمعهم أو ببعض، و إلّا فلا فرق بينه، و بين مسألة البطون المتقدّمة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 66

متباينة، فإن كان الاحتمال بين أُمور محصورة، كما إذا لم يدر أنّه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني، أو فقراء هذا البلد أو ذاك، يقرع و يعمل بها. و إن كان بين أُمور غير محصورة، فإن كان بين عناوين و أشخاص غير محصورة؛ كما علم أنّه وقف على ذرّيّة أحد أفراد المملكة الفلانية، و لا طريق إلى معرفته، كانت منافعه بحكم مجهول المالك، فيتصدّق بها بإذن الحاكم على الأحوط، و الأولى أن لا يخرج التصدّق عن المحتملات مع كونها مورداً له. و إن كان مردّداً بين الجهات غير المحصورة، كما علم أنّه وقف على جهة من الجهات و لم يعلم أنّها مسجد، أو مشهد، أو قنطرة، أو تعزية سيِّد الشهداء عليه السلام، أو إعانة الزوّار، و هكذا، تصرف المنافع في وجوه البرّ بشرط عدم الخروج عن مورد المحتملات (1).

______________________________

(1) لو علم وقفيّة شي ء إجمالًا و لم يعلم مصرفه و لو من جهة نسيانه ففيها فروض:

الأوّل: ما إذا كانت المحتملات قابلة للتصادق لأجل عدم تباينها و إمكان اجتماعها، كما إذا لم يدر أنّه وقف على الفقراء أو الفقهاء، و في هذا الفرض يقتصر على مورد تصادق العنوانين، كالفقيه الفقير على ما في المثال؛ لكونه الموقوف عليه متيقّناً، و هذا واضح.

الثاني: ما إذا كانت متباينة و كان الاحتمال بين

الأُمور المحصورة، كما إذا لم يدر أنّه وقف على المسجد الفلاني، أو المشهد الفلاني، أو فقراء هذا البلد أو ذاك البلد، ففي المتن يقرع و يعمل بها، و الوجه فيه أنّه مثل تردّد مالٍ بين زيد و عمرو في لزوم الرجوع إلى القرعة، خصوصاً في الحقوق الماليّة؛ لئلّا يضيع حقّ واحد، و لا مجال لقاعدة العدل و الإنصاف.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 67

[مسألة 61: لو كان للعين الموقوفة منافع متجددة و ثمرات متنوّعة]

مسألة 61: لو كان للعين الموقوفة منافع متجددة و ثمرات متنوّعة، يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف، ففي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدّدة و لبنها و نتاجها و غيرها، و في الشجر و النخل ثمرهما و منفعة الاستظلال بهما، و السعف و الأغصان و الأوراق اليابسة، بل و غيرها ممّا قطعت للإصلاح، و كذا فروخهما و غير ذلك، و هل يجوز في الوقف التخصيص ببعض المنافع حتّى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض؟ الأقوى ذلك (1).

______________________________

الثالث: ما إذا كانت المحتملات متباينة و كان الاحتمال بين أُمور غير محصورة، فإن كان بين عناوين غير محصورة، أو أشخاص كذلك، كما إذا علم أنّه وقف على ذرّية أحد أفراد المملكة الفلانيّة، و لا طريق إلى معرفته كما هو المفروض، فإنّه لا مجال حينئذٍ للقرعة بعد كون العناوين أو الأشخاص غير محصورة و تكون المنافع حينئذٍ بحكم مجهول المالك، فيتصدّق بها عنه بإذن الحاكم على الأحوط الجاري في التصدّق في جميع موارد مجهول المالك، لكنّ الأولى أن لا يخرج التصدّق عن المحتملات مع كونها مورداً له، كذرّية أحد أفراد تلك المملكة بشرط كونه فقيراً واجداً لشرائط التصدّق به.

و إن كان مردّداً بين جهات غير محصورة، كالمثال المذكور في المتن، فاللازم صرف

المنافع في أحد وجوه البرّ مع اعتبار عدم الخروج عن مورد جميع المحتملات؛ لأنّه لا يكون طريق لتأمين نظر الواقف أقرب من هذا الطريق، فتدبّر جيّداً.

(1) لو كان الوقف مطلقاً و كان للعين الموقوفة منافع متجدّدة و ثمرات متنوّعة عرضاً أو طولًا يملك الموقوف عليهم جميعها؛ لعدم التخصيص ببعض دون بعض،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 68

[مسألة 62: لو وقف على مصلحة فبطل رسمها]

مسألة 62: لو وقف على مصلحة فبطل رسمها، كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت و لم يمكن تعميرها، أو لم تحتج إلى مصرف؛ لانقطاع من يصلّي في المسجد، و الطلبة، و المارّة، و لم يرج العود، صرف الوقف في وجوه البرّ، و الأحوط صرفه في مصلحة أُخرى من جنس تلك المصلحة، و مع التعذّر يراعى الأقرب فالأقرب منها (1).

[مسألة 63: إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجديّة، فتجري عليه أحكامها إلّا في بعض الفروض]

مسألة 63: إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجديّة، فتجري عليه أحكامها إلّا في بعض الفروض. و كذا لو خربت القرية التي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجديّة (2).

______________________________

كالأمثلة المذكورة في المتن، و هل يجوز في الوقف التخصيص ببعض المنافع مع تعدّدها و تكثّرها حتّى يكون للموقوف عليهم خصوص ذلك البعض دون الآخر؟ قد قوّى في المتن ذلك، نظراً إلى ما مرّ مراراً من أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، و لم يدلّ دليل على عدم إمكان التفكيك، كما أنّه يجوز وقف دارٍ باستثناء بعض بيوتها كما لا يخفى. نعم، لو استثنى المنفعة العقلائيّة المقصودة نوعاً الوحيدة، كاستثناء ثمرة الشجرة في وقفها، لا يبعد أن يقال بعدم الجواز؛ لأنّ الجمع بين وقفها و بين استثناء ثمرتها لعلّه غير ممكن.

(1) لو وقف على مصلحة فبطل رسمها كالأمثلة المذكورة في المتن، فمع الخراب و عدم إمكان التعمير، أو عدم الاحتياج إلى مصرف، صرف الوقف في وجوه البرّ، و مقتضى الاحتياط الصرف في مصلحة أُخرى من جنس تلك المصلحة، و مع التعذّر أو التعدّد يراعى الأقرب منها فالأقرب، و الوجه فيه واضح.

(2) إذا خرب المسجد لأجل الزلزلة و نحوها لم تخرج عرصته من المسجديّة،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 69

[مسألة 64: لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم]

مسألة 64: لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن أطلق فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً و نحوها يملكون منافعها، فلهم استنماؤها، فيقسّمون بينهم ما حصل منها بإجارة و غيرها على حسب ما قرّره الواقف من الكمّية و الكيفيّة، و إن لم يقرّر كيفيّة في القسمة يقسّمونه بينهم بالسّوية. و إن وقفها عليهم لسكناهم

فهو وقف انتفاع، و يتعيّن لهم ذلك، و ليس لهم إجارتها، و حينئذٍ إن كفت لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها، و ليس لبعضهم أن يستقلّ به و يمنع غيره. و إن وقع بينهم تشاح في اختيار الحجر، فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن، كان نظره و تعيينه هو المتّبع، و مع عدمه كانت القرعة هي المرجع، و لو سكن بعضهم و لم يسكنها بعض فليس له مطالبة الساكن بأُجرة حصّته إن لم يكن مانعاً عنه، بل هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي. و إن لم تكف لسكنى الجميع، فإن تسالموا على المهاياة أو غيرها فهو، و إلّا كان المتّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين

______________________________

فتجري عليه أحكامها إلّا في بعض الفروض؛ و هو ما إذا وقع في وسط الشارع مثلًا فخرب لأجل الضرورة، أو من قبل الحكومة الجائرة، فإنّه في هذا الفرض يخرج عن عنوان المسجديّة بنظر العرف، و لا تجري على عرصته أحكام المسجديّة من حرمة لبث الجنب فيها، و كذا غيرها، ففي الحقيقة لا يكون في مثل هذا الفرض عنوان المسجديّة باقياً حتّى تجري عليه أحكامها و يصرف الوقف فيه.

نعم، إذا خرب المسجد لأجل الزلزلة و نحوها، أو خربت القرية التي هو فيها، فالعرصة و إن كانت باقية على عنوان المسجديّة، إلّا أنّه مع عدم إمكان التعمير، أو عدم الاحتياج إلى المصرف، يصرف الوقف في وجوه البرّ كما عرفته، و قد ذكرنا مقتضى الاحتياط في المسألة السابقة، فراجع.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 70

الساكن، و مع فقده فالمرجع القرعة، فمن خرج اسمه يسكن، و ليس لمن لم يسكن مطالبته بأُجرة حصّته (1).

______________________________

(1) لو وقف داراً

على مطلق أولاده أو خصوص المحتاجين منهم، فتارة: يطلق الوقف، و أُخرى: يوقفها لسكناهم، فالفرض الأوّل: وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً أو نحوها، و لازمه أن يصير الموقوف عليه مالكاً للمنفعة، و لهم استنماؤها، فيقسّمون بينهم ما حصل منها بإجارة و غيرها على حسب ما قرّره الواقف من الكيفيّة و الكمّية، و مع عدم التقرير يقسّمونها بينهم بالسّوية، و هذا نظير ما إذا ملك المنفعة جماعة بإجارة و لم يشترط عليهم الاستفادة بالمباشرة، فإنّه يجوز لهم الإجارة و تقسيم مال الإجارة بنسبة الملكيّة للمنفعة.

و الفرض الثاني: وقف انتفاع لا يجوز للموقوف عليه الإجارة؛ لعدم الملكية للمنفعة، بل غاية الأمر جواز الاستفادة منها، فالفرق بين الفرضين هو الفرق بين الإجارة و العارية، و حينئذٍ إن كانت الدار كافية لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها، و ليس لبعضهم أن يستقلّ به و يمنع غيره، و إن وقع بينهم تنازع في اختيار بيوت الدار، كما إذا أراد أحد السكونة في البيت الشرقي دون الغربي، و أراد الآخر أيضاً ذلك، فإن كانت للدار الموقوفة متولّياً من قبل الواقف فنظره هو المتّبع في التعيين، و إن لم تكن كذلك فالمتّبع هي القرعة الواردة في تزاحم الحقوق.

و لو سكن بعضهم في هذا الفرض في الدار، و لم يسكنها بعض آخر مع صلاحيتها لسكنى الجميع كما هو المفروض، فإن كانت العلّة لعدم سكونة البعض غير الساكن هو منع الساكن عنه، فعليه أُجرة حصّة غير الساكن، و إن كانت العلّة أمراً آخر لا ارتباط له بالساكن فليس عليه اجرة حصّته.

و إن لم تكف الدار لسكنى الجميع، و المفروض عدم جواز الإجارة؛ لعدم ملكية

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و

النذور،الكفارات،الصيد، ص: 71

[مسألة 65: الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر لا يكون للموقوف عليهم]

مسألة 65: الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر لا يكون للموقوف عليهم، بل هو باق على ملك الواقف، و كذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل. نعم، في الصوف على الشاة و اللبن في ضرعها إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

الموقوف عليهم للمنفعة، بل الغاية ملك الانتفاع و هو غير ممكن بالإضافة إلى الجميع في عرض واحد، فالمتّبع مع عدم التسالم هو نظر المتولّي أو الرجوع إلى القرعة، كما عرفت، فمن خرج اسمه يسكن، و ليس للآخر مطالبة اجرة حصّته، لما مرّ.

(1) الغرض من هذه المسألة بيان الفرق بين الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر و الحمل الموجود حال وقف الحامل، و بين الثمرة و الحمل المتجدّدين بعد الوقف، و أنّ الثاني للموقوف عليهم دون الأوّل.

أمّا الثاني: فواضح؛ لأنّه الغرض من الوقف و المقصود من الإيقاف.

و أمّا الأوّل: فالظاهر أنّ الوجه فيه الانصراف و كونه تبعاً للعين الموقوفة في البقاء على ملك الواقف، و لا يبعد أن يقال بالفرق بين الثمرة و الحمل في أوائل تحقّقهما و بينهما في غيرها، بالبقاء على ملك الواقف في الثاني دون الأوّل؛ لأنّ التبعيّة محفوظة في الأوّل دون الثاني.

نعم، في المتن استشكل في الصوف على الشاة و اللبن في الضرع، ثمّ نهى عن ترك الاحتياط، و الوجه في الاستشكال أنّ الصوف و اللبن ليسا كالثمرة و الحمل، بل هما تابعان، خصوصاً الأوّل، كما أنّ الوجه في النهي عن ترك الاحتياط الذي يتحقّق لا محالة بالتصالح هو الدوران بين الواقف و الموقوف عليه، و لا مجال في مثله للقرعة بعد كون الشبهة بالإضافة إلى الحكم الشرعي لا الموضوع الخارجي.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد،

ص: 72

[مسألة 66: لو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي»]

مسألة 66: لو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي» شمل جميع البطون كما مرّ، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو الذكورة أو الأُنوثة أو غير ذلك يكون هو المتّبع، و لو أطلق فمقتضاه التشريك و الشمول للذكور و الإناث و المساواة و عدم التفضيل، و لو قال: «وقفت على أولادي، ثمّ على أولاد أولادي» أفاد الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد قطعاً، و أمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم، إلّا إذا قامت القرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد، و أنّ ذكر الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد، من باب المثال، و المقصود الترتيب في سلسلة الأولاد، و أنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف (1).

______________________________

(1) لو قال: «وقفت على أولادي و أولاد أولادي» أي مع العطف بالواو شمل جميع البطون كما مرّ «1»، فلو أطلق فمقتضاه التشريك و الشمول للذكور و الإناث و المساواة و عدم التفضيل، و لو لم يطلق بل اشترط الترتيب أو التشريك أو التفضيل، أو الذكورة أو الأُنوثة أو غير ذلك، يكون هو المتّبع؛ لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و لو قال: «وقفت على أولادي، ثمّ على أولاد أولادي» أي مع العطف بثمّ الظاهر في الترتيب، فإن كان مجرّد هذا التعبير و لم تقم قرينة على عدم الترتيب يشترك أولاد الأولاد مع أولادهم؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه العطف بثمّ هو الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد، و أمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة

______________________________

(1) في ص 57 58.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 73

[مسألة 67: لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد تماميّته يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة]

مسألة 67: لا ينبغي الإشكال في أنّ

الوقف بعد تماميّته يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة، إلّا في منقطع الآخر الذي مرّ التأمّل في بعض أقسامه، كما لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات العامّة، كالمساجد و المشاهد و القناطر و الخانات و المقابر و المدارس، و كذا أوقاف المساجد و المشاهد و أشباه ذلك لا يملكها أحد، بل هو فكّ الملك و تسبيل المنافع على جهات معيّنة.

و أمّا الوقف الخاصّ، كالوقف على الأولاد، و الوقف العامّ على العناوين العامّة، كالفقراء و العلماء و نحوهما، فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبة أحد، سواء كان وقف منفعة؛ بأن وقف ليكون منافع الوقف لهم، فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة و غير ذلك، أو وقف انتفاع، كما إذا وقف الدار لسكنى ذرّيّته، أو الخان لسكنى الفقراء، أو يملك الموقوف عليهم رقبته ملكاً غير طلق مطلقاً، أو تفصيل بين وقف المنفعة و وقف الانتفاع،

______________________________

على الترتيب، بل يشترك أولاد الأولاد مع أولادهم، فبالنسبة إلى الأولاد و أولاد الأولاد يكون العطف المذكور دالّاً على الترتيب، و أمّا بالنسبة إلى البطون فثبوت الترتيب تابع للظهور الناشئ عن قيام القرينة، فتدبّر.

و إن قامت قرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد، و أنّ ذكر الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد إنّما هو من باب المثال، و المقصود الترتيب في سلسلة الأولاد، و أنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف، فاللازم الأخذ به، و الضابط ما أشرنا إليه مراراً من أنّ أصالة الظهور المعتمد عليها عند العقلاء أعمّ من أصالة الحقيقة، و اللازم الأخذ بها و إن كان على خلاف الحقيقة، بل على سبيل

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 74

فالثاني كالوقف على الجهات

العامّة دون الأوّل، أو بين الوقف الخاصّ، فيملك الموقوف عليه ملكاً غير طلق، و الوقف العامّ فكالوقف على الجهات؟ وجوه، لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف في جميع أقسامه إيقاف العين لدرّ المنفعة على الموقوف عليه، فلا تصير العين ملكاً لهم، و تخرج عن ملك الواقف إلّا في بعض صور المنقطع الآخر كما مرّ (1).

______________________________

المجاز و المسامحة.

(1) لا ينبغي الارتياب في أنّ الوقف بعد صحّته و تماميّته يوجب بالإضافة إلى المالك الواقف زوال ملكه عن العين الموقوفة، إلّا في منقطع الآخر الذي مرّ الإشكال في بعض أقسامه «1».

و أمّا الوقف على الجهات العامّة كالأمثلة المذكورة في المتن، و كذا أوقافها كأوقاف المساجد و المشاهد و أشباه ذلك فلا يملكها أحد، بل هو فكّ الملك و تسبيل المنافع على جهات خاصّة معيّنة.

و أمّا الوقف الخاصّ، كالوقف على الأولاد، و الوقف على العناوين العامّة، كالفقراء و العلماء، فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبة أحد؟ فيه وجوه و احتمالات:

الأوّل: عدم ملك أحد من مصاديق ذلك العنوان للرقبة، من دون فرق بين ما إذا كان وقف منفعة؛ بأن كان الغرض من الوقف كون المنافع ملكاً للموقوف عليه، فيجوز لهم الاستيفاء بأنفسهم، أو بالإجارة، أو ببيع الثمرة، أو وقف انتفاع، كما إذا وقف الدار لسكنى ذرّيته، أو الخان لسكنى الفقراء، و قد عرفت أنّ الفرق بين

______________________________

(1) في ص 27 31.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 75

[مسألة 68: لا يجوز تغيير الوقف و إبطال رسمه و إزالة عنوانه و لو إلى عنوان آخر]

مسألة 68: لا يجوز تغيير الوقف و إبطال رسمه و إزالة عنوانه و لو إلى عنوان آخر، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس. نعم، لو كان الوقف وقف منفعة و صار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها

في الغاية، لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة، كما إذا صار البستان من جهة انقطاع الماء عنه

______________________________

وقف المنفعة و وقف الانتفاع هو الفرق بين الإجارة و العارية «1».

الثاني: ملكيّة الموقوف عليهم للرقبة ملكاً غير طلق لا يجوز لهم البيع و الصلح و الهبة و أمثال ذلك، من دون فرق بين وقف المنفعة و وقف الانتفاع.

الثالث: التفصيل بين وقف المنفعة و وقف الانتفاع، فالثاني كالوقف على الجهات العامّة كالمساجد و القناطر و مثلهما، دون الأوّل، فإنّه يصير ملكاً للموقوف عليهم ملكاً غير طلق في الأوّل دون الثاني، بل هو كالوقف على الجهات العامّة.

الرابع: التفصيل بين الوقف الخاص كالوقف على الأولاد، فيصير الموقوف عليهم مالكاً للرقبة ملكاً غير طلق، و بين الوقف العامّ، فهو كالوقف على الجهات العامّة لا يملكها أحد.

و قد نفى البعد في المتن من أن يكون اعتبار الوقف في جميع فروضه و أقسامه جعل العين راكدة محبّسة لدرّ المنافع على الموقوف عليهم، فلا تصير العين ملكاً لهم، و تخرج عن ملك الواقف إلّا في بعض صور المنقطع الآخر، و قد مرّ. و هو الأنسب بحقيقة الوقف و تعريفه على ما تقدّم في أوّل الكتاب.

______________________________

(1) في ص 70.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 76

أو لعارض آخر لم ينتفع به، بخلاف ما إذا جعل داراً أو خاناً (1).

[مسألة 69: لو خرب الوقف و انهدم و زال عنوانه، كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره]

مسألة 69: لو خرب الوقف و انهدم و زال عنوانه، كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره، و الدار تهدّمت حيطانها و عفت آثارها، فإن أمكن تعميره و إعادة عنوانه و لو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة و نحوها لزم و تعيّن على الأحوط، و إلّا ففي خروج العرصة عن الوقفيّة و عدمه، فيُستنمى منها بوجه

آخر و لو بزرع و نحوه وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، و الأحوط أن تجعل وقفاً و يجعل مصرفه و كيفيّاته على حسب الوقف الأوّل (2).

______________________________

(1) لا يجوز تغيير الوقف و إبطال رسمه و إزالة عنوانه و لو بالتبديل إلى عنوان آخر و إن كان أكثر منفعة و أزيد استفادة، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس. نعم، لو كان الوقف وقف منفعة و صار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية، فقد نفى البُعد عن جواز تبديله إلى عنوان آخر له منفعة معتدّ بها، كالمثال المذكور في المتن الواقع نظيره في بلدة قم بالنسبة إلى كثير من الأراضي الزراعية، أو البساتين الموقوفة لكريمة أهل البيت بنت موسى بن جعفر عليهم السلام، حيث إنّها لصيرورتها قليلة المنفعة أو لانقطاع الماء عنها لوقوعها في أواسط البلد قد غيّر عنوانها بجعلها دوراً و دكاكين مثلًا.

(2) لو خرب الوقف بسبب الزلزلة مثلًا و انهدم و زال عنوانه، كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره، و الدار تهدّمت حيطانها و عفت آثارها، فتارةً يمكن تعميره و إعادة عنوانه و لو بصرف حاصله الذي حصل بالإجارة و نحوها، و أُخرى لا يمكن ذلك.

ففي الصورة الأُولى: لزم و تعيّن على الأحوط؛ لأنّ اللازم حفظها مع الإمكان، و إلّا يلزم الخروج عن الوقف مع التخريب و لو عمداً و إن كان مخالفة للحكم

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 77

[مسألة 70: إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و الاستنماء منها]

مسألة 70: إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و الاستنماء منها، فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو، و إلّا يصرف فيها من نمائها على الأحوط مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم، و الأحوط لهم الرضا

بذلك، و لو توقّف بقاؤها على بيع بعضها جاز (1).

______________________________

التكليفي، و مستلزمة لمنع شرعي، مع أنّ الواضح خلافه.

و في الصورة الثانية: ففي خروج العرصة عن الوقفية و عدمه فيُستنمى منها بوجه آخر و لو بزرع و نحوها، فيه وجهان بل قولان، و قد قوّى في المتن الثاني، و لعلّه لأجل عدم تحقّق ما يوجب خروج العرصة عن الوقفية؛ لأنّ دخولها لم يكن تابعاً لسائر الأُمور المعتبرة في الموقوفة، فإذا وقف داراً فكأنّه وقف العرصة و الحيطان و البيوت، فمع انهدام ما عدا العنوان الأوّل لا يستلزمه خروجه عن الوقفيّة إلّا في مثل ما إذا صار جزءاً لشارع أو زقاق بحيث لا يكون عند العرف شيئاً مستقلا، كما في ما عرفت من خراب المسجد «1»، لكن مقتضى الاحتياط في غير مورد الاستثناء أن تجعل العرصة وقفاً ثانياً، و تجعل مصرفه و كيفيّاته على حسب الوقف الأوّل.

(1) إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و الاستنماء منها، بحيث لو لم تعمّر ينتفى الاستنماء أو تقلّ، فمع عدم تعيين الواقف ما يصرف في هذا المجال يصرف فيه من نمائها على الأحوط، كما في المتن، و السرّ فيه مدخليّة ذلك في بقاء العين و تسبيل المنفعة المقصودة العقلائية، لكن الاحتياط في رضا الورثة بذلك، و وجه الحكم الأخير واضح.

______________________________

(1) في ص 68 69.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 78

[مسألة 71: الأوقاف على الجهات العامّة لا يجوز بيعها بلا إشكال]

مسألة 71: الأوقاف على الجهات العامّة التي مرّ «1» أنّها لا يملكها أحد كالمساجد و المشاهد و المدارس و المقابر و القناطر و نحوها، لا يجوز بيعها بلا إشكال في مثل الأوّلين، و على الأحوط في غيره و إن آل إلى ما آل، حتّى

عند خرابها و اندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلًا، بل تبقى على حالها، هذا بالنسبة إلى أعيانها، و أمّا ما يتعلّق بها من الآلات و الفرش و ثياب الضرائح و أشباه ذلك، فما دام يمكن الانتفاع بها باقية على حالها لا يجوز بيعها، و إن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الذي أُعدّت له بغير ذلك الانتفاع الذي أعدّت له بقيت على حالها أيضاً، فالفرش المتعلّقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الافتراش بها في ذلك المحلّ بقيت على حالها فيه، و لو فرض استغناؤه عن الافتراش بالمرّة، لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد مثلًا تجعل ستراً لذلك المحلّ، و لو فرض استغناء المحلّ عنها بالمرّة، بحيث لا يترتّب على إمساكها و إبقائها فيه إلّا الضياع و الضرر و التلف، تجعل في محلّ آخر مماثل له؛ بأن تجعل ما للمسجد لمسجد آخر، و ما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يكن المماثل أو استغنى عنها بالمرّة جعلت في المصالح العامّة.

هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها، و أمّا لو فرض أنّه لا يمكن الانتفاع بها إلّا ببيعها و كانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت و تلفت بيعت و صرف ثمنها في ذلك المحلّ إن احتاج إليه، و إلّا ففي المماثل، ثمّ المصالح حسب ما مرّ «2» (1).

______________________________

(1) الحكم في هذه المسألة إجمالًا ظاهر، و لكن ينبغي التنبيه على بعض الأُمور

______________________________

(1) في مسألة 67.

(2) في مسألة 62.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 79

..........

______________________________

الأوّل: إنّ نفي الإشكال عن عدم جواز البيع في مثل المساجد و المشاهد و ظاهره عدم جواز البيع حتّى في مثل ما إذا خرجتا

عن هذين العنوانين بالمرّة، كما إذا وقع المسجد في وسط الشارع و خرب لأجل ذلك فلأجل عدم الاختصاص بشخص خاصّ حتّى يكون هو المالك و غيره المشتري، فإنّ نسبتهما إلى جميع الناس على حدٍّ سواء، و لو كان المسجد مبنيّاً في محلّ خاصّ من قرية خاصّة أو محلّة كذلك، و أمّا في غيرهما من الأوقاف على الجهات العامّة كالمدارس و القناطر فالحكم و إن كان كذلك، لكن ليس بذلك الوضوح، بل مقتضى الاحتياط اللزومي ذلك.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد؛ ص: 79

الثاني: إنّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى الأعيان، و أمّا ما يتعلّق بهذه العناوين من الآلات و الفرش و ثياب الضرائح و أشباه ذلك، فما دام يمكن الانتفاع بها، فإن أمكن ذلك مع بقائها على حالها لا يجوز بيعها؛ لأنّ المفروض إمكان الصرف في الموقوفة مع البقاء على الحال، كما أنّه إن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الذي أُعدّت له بقيت على حالها أيضاً، كما لو فرض إمكان الافتراش بها في ذلك المحلّ بقيت على حالها فيه، و لو فرض الاستغناء عن الفرش بالمرّة، لكن يمكن الاستفادة منه في الوقاية من الحرّ أو البرد يستفاد منه ذلك، و لو فرض الاستغناء عنه بالمرّة حتّى في الوقاية المذكورة، و لم يترتّب على إمساكها و إبقائها في المحلّ الأصلي إلّا الضياع و الضرر و التلف، تجعل في محلّ آخر مماثل له كالمسجد أو المشهد، فإن لم يكن مماثل في البين أو استغنى عنها بالمرّة جعلت في المصالح العامّة.

الثالث: أنّه

لو فرض عدم الإمكان بها إلّا ببيعها؛ لأنّها لو بقيت على حالها ضاعت أو تلفت، ففي هذه الصورة يجوز بيعها و صرف ثمنها في ذلك المحلّ مع الاحتياج، و إلّا ففي المصالح العامّة، و لا تصل النوبة إلى الصرف في خصوص محلّ مماثل؛ لأنّ المفروض عدم بقاء العين الموقوفة للضياع أو التلف.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 80

[مسألة 72: كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف، الظاهر أنّه لا يجوز إجارتها]

مسألة 72: كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف، الظاهر أنّه لا يجوز إجارتها، و لو غصبها غاصب و استوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن فلا يبعد أن تكون عليه اجرة المثل في مثل المدارس و الخانات و الحمّامات، دون المساجد و المشاهد و المقابر و القناطر و نحوها، و لو أتلف أعيانها متلف فالظاهر ضمانه، فيؤخذ منه القيمة و تصرف في بدل التالف و مثله (1).

______________________________

(1) كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف على الجهات العامّة، فالظاهر أنّه لا تجوز إجارتها؛ لعدم ملكيّة المنفعة بوجه. و لو غصبها غاصب و استوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها، كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن، ففي المتن نفى البعد عن ثبوت اجرة المثل عليه في مثل المدارس و الخانات، دون مثل المساجد و المشاهد، فهنا أمران:

أحدهما: أصل ثبوت اجرة المثل في الجملة، و لعلّ الوجه أنّ جواز استيفاء المنفعة في الأوقاف المذكورة إنّما هو منحصر بالمقصودة منها، و أمّا غيره فلا، فلا بدّ مع الاستيفاء من ثبوت اجرة المثل؛ لعدم ثبوت الضمان في المنافع بغيرها.

ثانيهما: التفصيل بين الأُمور المذكورة في المتن، و الظاهر أنّ الوجه فيه هو عدم اعتبار الأُجرة في مثل المسجد و المشهد دون مثل

الخانات و الحمّامات، فإنّه تصحّ إجارتهما في صورة عدم الوقف، فيكشف ذلك عن اعتبار الأُجرة بالنسبة إلى مثلهما، و ممّا ذكرنا يظهر ثبوت ضمان العين مع إتلاف أعيانها؛ لاقتضاء قاعدة على اليد «1»

______________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل: 7/ 248 ح 20107، سنن ابن ماجة: 3/ 147 ح 2400، سنن الترمذي: 3/ 566 ح 1269، السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 495 ح 11713، الخلاف: 3/ 409 مسألة 22، عوالي اللئالي: 2/ 345 ح 10، و عنه مستدرك الوسائل: 17/ 88، كتاب الغصب ب 1 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 81

[مسألة 73: الأوقاف الخاصّة]

اشارة

مسألة 73: الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد، و الأوقاف العامّة التي كانت على العناوين العامّة كالفقراء،

[لا يجوز بيعها و نقلها بأحد النواقل إلّا لعروض بعض العوارض و طروّ بعض الطوارئ]
اشارة

لا يجوز بيعها و نقلها بأحد النواقل إلّا لعروض بعض العوارض و طروّ بعض الطوارئ، و هي أُمور:

[الأوّل: ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاولى]

الأوّل: ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاولى، و لا الانتفاع بها إلّا ببيعها و الانتفاع بثمنها، كالحيوان المذبوح، و الجذع البالي، و الحصير الخلق، فتباع و يشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم، و الأحوط لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.

[الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به]

الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به، بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة، بشرط أن لا يرجى العود كما مرّ، كما إذا انهدمت الدار و اندرس البستان فصار عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلّا بمقدار جزئيّ جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما، لكن لو بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار، أو بستان آخر، أو ملك آخر تساوي منفعته منفعة الدار أو البستان، أو تقرب منها، أو تكون معتدّاً بها. و لو فرض أنّه على تقدير بيعها لا يشترى بثمنها إلّا ما يكون منفعتها كمنفعتها باقية على حالها أو قريب منها لم يجز بيعها، و تبقى على حالها.

[الثالث: ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر]

الثالث: ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر، مثل قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج أو المخارج، أو وقوع الخلاف بين أربابه، أو حصول ضرورة أو حاجة لهم، أو غير ذلك، فلا مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى.

______________________________

و مثلها ذلك. غاية الأمر أنّه لا بدّ من صرف القيمة المأخوذة منه في بدل التالف أو مثله، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 82

[الرابع: ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس]

الرابع: ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس، و لا ينحسم ذلك إلّا ببيعه، فيباع و يقسّم ثمنه بينهم. نعم، لو فرض أنّه يرتفع الاختلاف ببيعه و صرف الثمن في شراء عين أُخرى، أو تبديل العين الموقوفة بالأُخرى تعيّن ذلك، فتشترى بالثمن عين أُخرى أو يبدّل بآخر، فيجعل وقفاً و يبقى لسائر البطون، و المتولّي للبيع في الصور المذكورة و للتبديل و لشراء عين اخرى هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولٍّ منصوب من قبل الواقف (1).

______________________________

(1) الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد، و الأوقاف العامّة التي مثلها كالأوقاف على العناوين العامّة لا الجهات لا يجوز التصرّف الناقل كالبيع و الصلح و الهبة و نحوها فيها كالجهات العامّة. نعم، قد يعرض في الأوّلين بعض العوارض المجوّزة لذلك، و أمّا في الثالثة فلا معنى للنقل فيها أصلًا، و أمّا تلك العوارض فهي عبارة عن أحد أُمور أربعة:

الأوّل: ما إذا خربت العين الموقوفة بحيث لا يمكن إعادتها إلى الحالة الأُولى، و لا الانتفاع بها إلّا ببيعها و الانتفاع بثمنها، كالأمثلة المذكورة في المتن، فإنّها تباع في هذه الحالة و يشترى بثمنها ما ينتفع به

الموقوف عليهم؛ لأنّ الأمر يدور بين إبقائها إلى أن يتلف بنفسها، و بين إتلاف البطن الموجود إيّاها، و بين تبديلها بما يبقى مراعاةً لحقّ البطون، و من المعلوم أولويّة الأخير، و الأحوط بل الأقوى حفظاً لغرض الواقف و رعايةً لنظره مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة، فيشترى بثمن البستان المخروبة بستان أصغر و أقلّ منه قابل للانتفاع.

الثاني: أن يسقط عن الانتفاع المعتدّ به بسبب الخراب أو غيره على وجه لا

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 83

..........

______________________________

يرجى عوده و يحكم في العرف أنّه خرج عن الانتفاع، كما إذا انهدمت الدار و صارت عرصة يمكن إجارتها بمقدار جزئيّ يكون بحكم العدم بنظر العرف.

و قد استظهر من المشهور عدم الجواز في هذه الصورة «1»، حيث علّقوا الجواز على عدم إمكان الانتفاع به، إلّا أن يقال بأنّ مقصودهم عدم إمكان الانتفاع المعتدّ به، و أمّا إذا قلّت منفعته لا إلى حدّ يلحق بالعدم عند العرف، فلا دليل على الجواز.

و ما اشتهر من التبديل بالأحسن «2» فالظاهر أنّه لا يسوّغ البيع بنفس هذا العنوان، و من الواضح أنّه في صورة البيع و الاشتراء بثمنه ما يعادله إذا كان نفعه مثل الأوّل أو أقلّ منه لا يجوز قطعاً.

نعم، حكي عن المفيد جواز البيع في هذه الصورة التي يكون بيعه و شراء عين اخرى عوضه أعود و أنفع للموقوف عليهم «3».

لكن التحقيق عدم الجواز، وفاقاً للأكثر «4»؛ لعدم الدليل على الجواز إلّا خبر جعفر بن حنان (حيّان خ ل)، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، حيث إنّ في آخره قال الراوي: قلت: فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج

______________________________

(1) الحدائق الناضرة:

22/ 256، الانتصار: 468 470، جامع المقاصد: 4/ 97، مسالك الأفهام: 3/ 170 و ج 5/ 400، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم): 4/ 71 و 78.

(2) المهذب: 2/ 92، النهاية: 600، المراسم العلويّة: 200، نزهة الناظر لابن سعيد: 74، تذكرة الفقهاء: 10/ 41.

(3) انظر المقنعة: 652، و حكى عنه الشهيد في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 2/ 24.

(4) مختلف الشيعة: 6/ 257 مسألة 29، إيضاح الفوائد: 2/ 392، الحدائق الناضرة: 18/ 446 447، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 255، السرائر: 3/ 153، شرائع الإسلام: 2/ 220، كشف الرموز: 2/ 54، قواعد الأحكام: 2/ 395، التنقيح الرائع: 2/ 330، مهذّب البارع: 3/ 64، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: 2/ 383 385، الروضة البهيّة: 3/ 255.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 84

..........

______________________________

من الغلّة؟ قال: نعم إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيراً لهم باعوا «1».

و خبر الحميري: أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام: جعلني اللّٰه فداك روي عن الصادق عليه السلام [في بيع الوقف «2»] خبر مأثور: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه؟ فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟ و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب عليه السلام: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، و إذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرّقين، إن شاء اللّٰه «3».

و قد أفاد السيّد في الملحقات بعد نقل الخبرين: أنّ العمل بهما مع مخالفة الأكثر، بل عدم

القائل إلّا المفيد قدس سره مشكل، مع أنّ الظاهر من الأوّل كفاية عدم كفاية الغلّة، و من الثاني الجواز مع رضاهم مطلقاً، و لم يقل بهما أحد، و أيضاً ظاهرهما جواز البيع من دون أن يشترى بعوضه، و هذا مناف لحقّ البطون، فاللازم الإعراض عنهما مع ضعفهما و عدم الجابر، أو حملهما على الوصية و نحوها «4».

الثالث: ما إذا اشترط الواقف في وقفه عند حدوث أمر مثل الأُمور المذكورة في المتن، فقد قوّى في المتن أنّه لا مانع من البيع أو مثله عند حدوث ذلك الأمر.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 35 ح 29، الفقيه: 4/ 179 ح 630، التهذيب: 9/ 133 ح 565، الاستبصار: 4/ 99 ح 382، و عنها الوسائل: 19/ 190، كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8.

(2) من الاحتجاج.

(3) الاحتجاج: 2/ 584، و عنه وسائل الشيعة: 19/ 191، كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 9، و بحار الأنوار: 53/ 166.

(4) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 256.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 85

..........

______________________________

و الأصل في ذلك ما في الصحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام في كيفيّة وقف ماله في عين «ينبع» و فيه: فإن أراد يعني الحسن عليه السلام أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء و لا حرج عليه فيه، و إن شاء جعله سرى الملك، و إنّ ولد عليّ عليه السلام و مواليهم و أموالهم إلى الحسن بن علي عليهما السلام، و إن كانت دار الحسن بن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه، و إن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثاً في سبيل اللّٰه، و

ثلثاً في بني هاشم و بني المطّلب، و يجعل الثلث في آل أبي طالب، إلى آخره «1».

الرابع: ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس، و لا يرتفع الاختلاف ببيعه و صرف الثمن في شراء عين اخرى بدل العين الموقوفة أو تبديلها بها، فيجوز بيعها حينئذٍ و تقسيم ثمنها بينهم.

و ربما يستدلّ على ذلك بخبر عليّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام-: إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس، و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقفة، فكتب إليّ: أعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ، و إنّ ذلك رأيي إن شاء اللّٰه، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له. قال: و كتبت إليه: إنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافاً شديداً، و أنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته؟

______________________________

(1) الكافي: 7/ 49 ح 7، التهذيب: 9/ 146 ح 608، و عنهما الوسائل: 19/ 199، كتاب الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 86

..........

______________________________

فكتب بخطّه إليّ: و أعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس «1».

و قد أُورد على الاستدلال بهما بإيرادات:

منها: احتمال كون المراد تلف مال الوقف و نفوس الموقوف

عليهم، لا مطلق الأموال و مطلق النفوس.

و منها: عدم ظهورهما في الوقف المؤبّد الذي هو محلّ البحث؛ لعدم ذكر الأعقاب.

و منها: احتمال أن يكون مورد السؤال قبل تماميّة الوقف؛ لعدم الإقباض، و يؤيّده كون البائع هو الواقف، و لو كان بعد تماميّته كان الأمر إلى الناظر أو الموقوف عليه.

و منها: أنّ الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين، مع أنّه مناف لحقّ البطون و لقول المجوّزين.

و بالجملة: فالاستدلال لهذا الأمر للجواز في مقابل أدلّة المنع مشكل.

قلت: هذه الإيرادات و إن كانت قابلة للنقاش بل الجواب، إلّا أنّ الظاهر أنّ ملاحظة نفس عنوان الموضوع تكفي في الحكم بالجواز؛ لأنّ في دوران الأمر بين جواز بيع الوقف، و بين تحقّق تلف الأموال و الأنفس بسبب الاختلاف نوعاً لا شكّ في أنّ الترجيح مع الأوّل، و لا حاجة إلى ما يدلّ على الجواز.

ثمّ إنّ هاهنا بعض الأُمور الذي قيل بجواز بيع الوقف معه، كزوال عنوان لاحظه الواقف في الوقفيّة، كما إذا وقف بستاناً مع لحاظ البستانيّة في عنوان الوقف، نظراً إلى أنّه إذا خرج عن هذا العنوان بطل كونه وقفاً، و قد حكي عن المحقّق الشيخ

______________________________

(1) الكافي: 7/ 36 ح 30، الفقيه: 4/ 178 ح 628، التهذيب: 9/ 130 ح 557، الاستبصار: 4/ 98 ح 381، و عنها الوسائل: 19/ 187 189، كتاب الوقوف و الصدقات: ب 6 ح 5 و 6.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 87

..........

______________________________

الأعظم الأنصاري قدس سره أنّه لا وجه للبطلان؛ لأنّه إن أُريد ب «العنوان» ما جعل مفعولًا في قوله: «وقفت هذا البستان» فلا شكّ في أنّه ليس إلّا كقوله: «بعت هذا البستان» أو «وهبته» و إن أُريد به شي ء آخر

فهو خارج عن مصطلح أهل العرف و العلم، و لا بدّ من بيان المراد منه، هل يراد ما اشترط لفظاً، أو قصداً في الموضوع زيادةً على عنوانه؟ «1» و أُورد عليه بأنّه فرق بين أن يجعل البستان مورداً للوقف أو عنواناً، و هو في قوله: «بعت هذا البستان» بمنزلة: «بعت هذا الشي ء» بخلاف ما إذا جعل عنواناً، كما هو المفروض في الوقف «2».

و أنت خبير بأنّه لا فرق بين بيع البستان و بين وقفه؛ في أنّ زوال العنوان المذكور كما لا يوجب بطلان البيع من رأس؛ لأنّ لازمه تعلّق البيع بجميع أبعاضه من الأراضي و الأشجار و غيرهما، كذلك زوال العنوان المذكور لا يوجب بطلان الوقف؛ لعين ما ذكر، فإنّ يبوسة الأشجار مثلًا إنّما توجب خروج بعض العين الموقوفة عن كونها كذلك، لا بطلان أصل الوقف رأساً، فإنّ يبوسة الأشجار بمنزلة وقوع بعض البستان في وسط الطريق، حيث إنّه لا ملازمة بين جميع الأبعاض كما لا يخفى، فما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره هو الظاهر.

ثمّ إنّ المتصدّي للبيع في موارد جوازه و للتبديل و شراء عين اخرى بدل العين الموقوفة في مورد جوازه هو المتولّي للوقف في صورة وجود المتولّي الذي عيّنه الواقف، و إلّا فالحاكم أو المنصوب من قبله، كما لا يخفى.

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم): 4/ 75 76.

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 254.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 88

[مسألة 74: لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاً على العناوين]

مسألة 74: لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاً على العناوين، أو على الجهات و المصالح العامّة، كالدكاكين و المزارع الموقوفة على الأولاد، أو الفقراء، أو الجهات العامّة، حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة و

نحوها و وصول نفعها إلى الموقوف عليهم، بخلاف ما كان وقف انتفاع، كالدار الموقوفة على سكنى الذرّية، و كالمدرسة و المقبرة و القنطرة و الخانات الموقوفة لنزول المارّة، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال (1).

______________________________

(1) قد عرفت في بعض المسائل السابقة «1» أنّ الوقف على قسمين: وقف منفعة، فيصير الموقوف عليه مالكاً للمنفعة، سواء كان وقفاً خاصّاً، كالوقف على الأولاد، أو وقفاً عامّاً كالفقراء أو الجهات العامّة. و وقف انتفاع لا يملك الموقوف عليه المنفعة بوجه، بل إنّما له حقّ الانتفاع، و قد عرفت «2» من أنّ الفرق بينهما هو الفرق بين الإجارة و العارية، حيث إنّ المستأجر يملك المنفعة، و أمّا المستعير فله حقّ الانتفاع، من دون أن تجوز له الإجارة بوجه أصلًا.

فاعلم أنّ الأمر في المقام أيضاً كذلك، فإذا كان الوقف وقف منفعة تجوز إجارة العين الموقوفة لثبوت ملكية المنفعة، كإجارة المستأجر العين المستأجرة في صورة عدم اشتراط المباشرة و الاستفادة بنفسه، و كذا في صورة الإطلاق لو قيل بانصرافها إلى فرض المباشرة، فإنّه لا مانع في هذه الصورة من إجارة المستأجر بعد كونه مالكاً للمنفعة، و لم يكن قيد المباشرة ملحوظاً بالاشتراط أو بالانصراف إليها عند الإطلاق على احتمال.

______________________________

(1) في ص 70 و 74 75.

(2) في ص 70 و 74 75.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 89

[مسألة 75: لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه و احتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة]

مسألة 75: لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه و احتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه فالأحوط تعميره منها و صرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة، و إن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف

الثمن في التعمير المحتاج إليه. و أمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد. نعم، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير و لو للتوفير (1).

______________________________

و هذا بخلاف ما إذا كان الوقف وقف انتفاع، كالأمثلة المذكورة في المتن، فإنّ الموقوف عليه في هذا النوع من الوقف لم يصر مالكاً للمنفعة، بل له حقّ الانتفاع فقط، فكما أنّه لا تجوز إجارة ما استعاره، كذلك لا تجوز الإجارة هنا في حال من الأحوال، فإنّ الدار الموقوفة على سكنى الذرّية إذا كان الفرد الآخر ذرّية واجداً لشرائط الموقوف عليه، فلا مجال للاستئجار و الإجارة بعد عدم الفرق بين هذا الفرد و سائر الأفراد، و إذا لم يكن واجداً له لا يجوز جعل العين الموقوفة تحت اختياره و استيلائه لينتفع به، كما هو واضح.

(1) لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه لأجل الخراب كما عرفت «1»، و احتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة، ففيه صورتان:

الأُولى: إمكان تعمير ذلك البعض المحتاج إلى التعمير من منافع نفسه، فمقتضى الاحتياط اللازم التعمير من المنافع و صرف ثمن البعض الآخر المبيع لأجل عروض الخراب المجوّز للبيع في اشتراء مثل الموقوفة و إن كان أصغر، كما هو الغالب في مثل هذا الفرض، ففي الحقيقة قد وقع الجمع في هذه الصورة بين التعمير من

______________________________

(1) في ص 82.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 90

[مسألة 76: لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بينهما]

مسألة 76: لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بينهما، فيتصدّيه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف و الموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركة بين

شخصين، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده، بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف و الموقوف عليه مع اتّحاد الواقف، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد، و النصف الآخر على

______________________________

المنافع بالإضافة إلى البعض غير المخروب، و بين اشتراء مثل الموقوفة بثمن البعض المخروب الذي صار جائز البيع.

الثانية: أن لا يمكن تعمير ذلك البعض من منافع نفسه، و قد نفى في المتن البُعد عن أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض المخروب في التعمير المحتاج إليه، حفظاً للعين الموقوفة عن الخراب، و رعايةً لغرض الواقف مع الإمكان. نعم، أفاد في الذيل أمرين:

أحدهما: الصرف للتعمير لا للاحتياج إلى التعمير، بل لمجرّد توفير المنفعة و زيادتها، و قد استبعد الجواز لذلك، و لعلّه لأجل أنّه مع إمكان الصرف في شراء مثل العين الموقوفة حتّى يستفيد به البطون اللاحقة لا وجه للصرف للتعمير لمجرّد التوفير مع ترتّب المنفعة العقلائيّة المقصودة للواقف عليه.

ثانيهما: أنّه لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل العين الموقوفة و لو كان أصغر منها، لا مانع من الصرف في التعمير للتوفير؛ لأنّه مع الدوران بين بقاء الثمن بنفسه أو التقسيم بين أفراد البطن الموجود، و لا محالة ينتفى موضوع الوقف بهذا المقدار، و بين صرفه في تعمير البعض الموجود و لو لتوفير المنفعة الموجب لاستفادة جميع البطون منه بهذا الوصف، يكون الترجيح مع الثاني.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 91

مشهد، و لا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف و الواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً، و لو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف و لا ينحسم إلّا بالقسمة جازت، لكن لا تكون

نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة، و لعلّها ترجع إلى قسمة المنافع، و الظاهر جوازها مطلقاً. و أمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقاً (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع قد وقع التعرّض لها:

الأوّل: أنّه بعد ما عرفت من أنّه يجوز وقف المشاع «1» أيضاً إذا أُريد إفراز حصّة الوقف المشاعة عن الملك الطلق لا إشكال في جواز هذا الإفراز و صحّة التقسيم بحيث صارت كلتا الحصّتين مفروزة، غاية الأمر أنّ المتصدّي لذلك من ناحية مالك الطلق هي نفس المالك، و من ناحية الوقف هو المتولّي أو الموقوف عليه؛ لعدم اختصاص أدلّة صحّة التقسيم بما إذا كان كلاهما طلقين.

الثاني: أنّه لا مانع من التقسيم فيما إذا تعدّد الواقف و الموقوف عليه مع كون الوقف مشاعاً، كما إذا كانت دار مشتركة بين زيد و عمرو، فوقف كلّ منهما حصّته من الدار المشتركة على خصوص أولاد نفسه، ففي هذه الصورة أيضاً يجوز الإفراز لينتفع كلّ من الموقوف عليهم بحصّته الخاصّة و سهمه المفروز؛ لما ذكر في الفرع الأوّل.

الثالث: ما إذا اتّحد الواقف و تعدّد الوقف و الموقوف عليه، كما إذا وقف نصف

______________________________

(1) الخلاف: 3/ 542 مسألة 7، فقه القرآن للراوندي: 2/ 292، السرائر: 3/ 154، المؤتلف من المختلف: 1/ 674 مسألة 7، الجامع للشرائع: 373، تذكرة الفقهاء: 2/ 431، إرشاد الأذهان: 2/ 401، تلخيص الخلاف: 2/ 217، الروضة البهيّة: 3/ 176، جواهر الكلام: 28/ 20.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 92

[مسألة 77: لو آجر الوقف البطن الأوّل و انقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة]

مسألة 77: لو آجر الوقف البطن الأوّل و انقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة، إلّا أن يجيز البطن اللاحق فتصحّ على الأقوى. و لو

آجره المتولّي، فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحّت و نفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف، و لا تحتاج إلى إجازتهم (1).

______________________________

داره مشاعاً على مسجدٍ، و النصف الآخر على مشهدٍ، فإنّه بلحاظ تعدّد الموقوف عليه قد نفى في المتن البُعد من الجواز بحيث صارت حصّة المسجد مفروزة كحصّة المشهد في المثال المذكور، و الوجه فيه ما ذكرنا.

الرابع: لو كان الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه و إن اتّحد الوقف و الواقف، ضرورة عدم اختصاص الحقّ بخصوص البطون الموجودة، بل لو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف و لم ينحسم إلّا بالقسمة جازت القسمة، لكنّها لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة إذا كانت القسمة حقيقيّة راجعة إلى قسمة العين؛ لما ذكرنا.

نعم، لا بأس بقسمة المنافع الجائزة غير المنافية لحقوق البطون اللاحقة، و أمّا قسمة العين فمع تعلّق حقّ الجميع بها فلا تجوز أصلًا، و المفروض ارتفاع التنازع و التخاصم بأصل القسمة، و توقّفه على قسمة العين أحياناً لا يجوّز ذلك؛ لما ذكر، كما لو فرض توقّف ارتفاع النزاع بالتخصيص ببعض الموجودين، فإنّه لا يجوز ذلك.

(1) لو آجر العين الموقوفة فهنا صورتان قابلتان للبحث:

إحداهما: ما إذا كان المؤجر البطن الأوّل و عرض انقراضهم قبل انقضاء مدّة

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 93

[مسألة 78: يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه دائماً]

مسألة 78: يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه دائماً، أو إلى مدّة، مستقلا و مشتركاً مع غيره، و كذا يجوز جعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص، بل يجوز جعل

التولية لشخص و يجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده، و هكذا يقرّر أنّ كلّ متولٍّ يعيّن المتولّي بعده (1).

______________________________

الإجارة، فالقاعدة تقتضي بطلان الإجارة بالإضافة إلى بقيّة المدّة؛ لعدم ملكيّة البطن المؤجر منفعة المدّة الباقية و إن كان الوقف وقف منفعة موجباً لحصول ملكيّتها، كما في المستأجر الذي آجر العين المستأجرة زائدة على مدّة إجارة نفسه، غاية الأمر جريان الفضوليّة و الصحّة على هذا القول بناءً على إجازة المالك الحقيقي في الفرضين.

ثانيتهما: إيجار المتولّي دون البطن الأوّل، و انقراضهم قبل انقضاء مدّة الإجارة، و المستفاد من المتن أنّ الملحوظ في هذه الإجارة الصادرة من المتولّي إن كان مصلحة الوقف فالإجارة نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة؛ لفرض تحقّقها من المتولّي و رعاية المصلحة، كما أنّه إن كان الملحوظ مراعاة البطون اللّاحقة و مصلحتهم دون أصل الوقف تنفذ الإجارة و لا تحتاج إلى الإجازة. و أمّا لو فرض كون النظر في الإيجار إلى مصلحة بعض البطون دون أصل الوقف، و دون جميع البطون فلا، و الوجه فيه كونها متعلّقة لحقّ الجميع. غاية الأمر بطناً بعد بطن، و في الحقيقة في الطول لا في العرض، فلا يصحّ إلّا في الصورتين الأوّلتين، فتدبّر جيّداً.

(1) قد نفى الإشكال و الخلاف «1» في ذلك السيّد في الملحقات، و قال: إنّ خلاف

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 6/ 262 مسألة 34، المقتصر: 210، تبصرة المتعلّمين: 126، الجوهرة في نظم التبصرة: 140، مسالك الأفهام: 5/ 324، التنقيح الرائع: 2/ 307 308، رياض المسائل: 9/ 306، الشرح الصغير: 2/ 241، جواهر الكلام: 28/ 22، مناهج المتّقين: 323.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 94

[مسألة 79: إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف و في ضمن عقده]

مسألة 79: إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع

الوقف و في ضمن عقده، و أمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف، فليس له جعل التولية و لا عزل من جعله متولّياً إلّا إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك؛ بأن جعل التولية لشخص و شرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله (1).

______________________________

ابن إدريس «1» غير محقّق «2»، و هو موافق لقاعدة السلطنة المقتضية للجواز في جميع الفروض المذكورة. نعم، فيما لو لم يعيّن الواقف متولّياً في ضمن صيغة الوقف، فهل التولية له، أو للموقوف عليهم، أو للحاكم، أو يفصّل بين الوقف الخاصّ فللموقوف عليهم، و بين الوقف العامّ فللحاكم؟ وجوه، بل أقوال.

(1) من البديهي أنّ ارتباط الواقف بالعين الموقوفة من جهة الخصوصيّات المأخوذة في الموقوف عليه، و من جهة جعل التولية لنفسه أو لغيره إنّما هو ما دام لم يتمّ صيغة الوقف و لم تتمّ بعد، فله في حين الإيقاع و في ضمن عقده إجراء الأُمور التي منها التولية المبحوث عنها في المقام، و أمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف كغيره، فليس له جعل التولية و لا عزل من جعله متولّياً.

و استثنى من ذلك في المتن ما إذا اشترط في ضمن عقد الوقف لنفسه ذلك؛ بأن جعل التولية لشخص و شرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «3» و كون الشرط في ضمن عقد لازم، فلا مجال لتخيّل أنّ الشرط في ضمن

______________________________

(1) السرائر: 3/ 156.

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 227 مسألة 1.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/ 159، تهذيب الأحكام: 7/ 371 ح 1503، الاستبصار: 3/ 232 ح 833، قضاء الحقوق للصوري: 18 ح 5، عوالي اللئالي: 1/ 218 ح 84 وص 293 ح 173 و

ج 2/ 257 ح 7، و عنها الوسائل: 21/ 276، كتاب النكاح، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4، و بحار الأنوار: 49/ 162 و ج 75/ 96 ح 18 و ج 77/ 167، و مستدرك الوسائل: 13/ 301، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 5 ح 7.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 95

[مسألة 80: لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية و النظر لنفسه]

مسألة 80: لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية و النظر لنفسه، و الأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً. نعم، يعتبر فيه الأمانة و الكفاية، فلا يجوز جعلها خصوصاً في الجهات و المصالح العامّة لمن كان خائناً غير موثوق به، و كذا من ليس له الكفاية في تولية أُمور الوقف، و لا يجوز جعل التولية للمجنون و لا الطفل حتّى المميّز إن أُريد عمل التولية من إجارة الوقف و أمثالها مباشرة، و أمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً فالظاهر جوازه و لو كان غير مميّز، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه، و يقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق (1).

______________________________

غيره لا يجب أو لا يجوز الوفاء به، و إن كان قد عرفت منّا أنّه لا فرق بين الشروط في ضمن العقود اللازمة، و الشروط في ضمن العقود الجائزة من جهة الوجوب، أو جواز الوفاء به ما دام العقد الجائز باقياً بحاله غير منتف موضوعه، فراجع.

(1) لا إشكال كما في المتن في عدم اشتراط العدالة في الواقف إذا جعل التولية لنفسه «1» و إن احتمله في محكيّ المسالك «2»، و نقل فيه قولين في محكيّ الكفاية «3» و الرياض «4»، و أمّا لو جعل التولية لغيره فقد قوّى في

المتن عدم الاعتبار أيضاً،

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 229 مسألة 8، تذكرة الفقهاء: 2/ 441، الشرح الصغير: 2/ 241، جواهر الكلام: 28/ 22، مناهج المتّقين: 323.

(2) مسالك الأفهام: 5/ 325.

(3) كفاية الأحكام: 141.

(4) رياض المسائل: 9/ 307.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 96

..........

______________________________

لكن المحكيّ عن الكفاية أنّ اعتبارها هو المعروف بين الأصحاب، و عن الرياض دعوى حكاية الاتّفاق عليه، و في الحدائق: لا أعرف خلافاً فيه «1»، و لكنّ المحكيّ عن التحرير «2» و صاحب الجواهر عدم الاعتبار «3»، و الظاهر أنّه الأقوى، نظراً إلى أنّه لا دليل على الاعتبار، و ما في وقف أمير المؤمنين عليه السلام من اعتبار الرضى بهديه و إسلامه و أمانته «4» لا يستفاد منه أزيد من اعتبار الأمانة، بل يمكن أن يقال بعدم اجتماع الوقف مع ما فيه من المصالح و المنافع الخاصّة أو العامّة، مع عدم كون المتولّي موثوقاً به بل كان خائناً. نعم، لا مانع من اشتراط العدالة في المتولّي في الصيغة عند عدم تماميّتها و جعله متولّياً، لكنّ البحث في الاعتبار و عدمه.

و لا يجوز جعل التولية للمجنون و لا الطفل مطلقاً إن كان المقصود صدور وظيفة التولية منهما مباشرة؛ بأن يؤجرا الوقف مثلًا؛ لعدم تشخيصهما للصلاح و الفساد نوعاً. نعم، لا بأس بجعل الصبيّ المميّز وكيلًا في إجراء صيغة العقد إن كان عارفاً بها؛ لمشروعيّة عبادات الصبيّ كما حقّقناها في محلّها «5»، و عدم كونه مسلوب العبارة بحيث كانت عبارته كعبارة الحيوان أو الجماد مثلًا، و إن لم يكن المقصود تصدّي التولية بنفسه، فلا مانع من جوازها كذلك؛ بأن يقوم الوليّ مقامه ما دام كونه قاصراً، بل نفى في المتن الجواز عن جعلها

لمجنون متوقّع برؤه كذلك؛ بأن يقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق، ففي الحقيقة يصدر عمل التولية الذي يتوقّع من المتولّي

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 22/ 184.

(2) تحرير الأحكام: 3/ 314.

(3) جواهر الكلام: 28/ 22 23، و كذا قوّى عدم الاعتبار في المناهل: 509.

(4) الكافي: 7/ 49 ح 7، التهذيب: 9/ 146 ح 608، و عنهما الوسائل: 19/ 201 قطعة من ح 3.

(5) القواعد الفقهيّة للمؤلّف أدام اللّٰه ظلّه: 1/ 341 356.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 97

[مسألة 81: لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول]

مسألة 81: لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء كان حاضراً في مجلس العقد، أو غائباً بلغ إليه الخبر و لو بعد وفاة الواقف، و لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب و قبل بعضهم لم يجب القبول على من بعده، و مع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب، و لو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل أم لا؟ قولان، لا يترك الاحتياط بعدم العزل، و معه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم و نصبه (1).

______________________________

من الوليّ إلى أن يرتفع القصور عن المتولّي المنصوب، و لا دليل على عدم جواز ذلك.

(1) لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول؛ لعدم الدليل على الوجوب، من دون فرق بين أن يكون حاضراً في مجلس العقد أو غائباً عنه، و من دون فرق في الفرض الثاني بين بلوغ الخبر إليه حال حياة الواقف أو بلوغه إليه بعد وفاته، و إن كان ربما يحتمل أو يقال بوجوب قبول الوصيّة في هذه الصورة، لكن لا دليل عليه في المقام؛ لأنّه قياس محض.

و لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب؛ بأن يكون زيد مثلًا متولّياً ما دامت حياته، و بعد

وفاته يكون عمرو كذلك، و هكذا، فقبل بعضهم ذلك لا يجب القبول على غيره، و مع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب يجري عليه حكمه، و لو قبل التولية من نصبه الواقف فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل، أو يلزم عليه الإدامة و الاستمرار؟ قد نهى في المتن عن ترك الاحتياط بعدم العزل، و لعلّه لأجل احتمال اللزوم مع قبوله عن إرادة و اختيار، و إذا عزل نفسه يقوم بوظائف المتولّي مع المراجعة إلى الحاكم و نصبه بهذا العنوان؛ لاستصحاب بقاء التولية مع العزل، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط نصب الحاكم له أيضاً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 98

[مسألة 82: لو جعل التولية لاثنين، فإن جعل لكلّ منهما مستقلا استقلّ و لا يلزم عليه مراجعة الآخر]

مسألة 82: لو جعل التولية لاثنين، فإن جعل لكلّ منهما مستقلا استقلّ و لا يلزم عليه مراجعة الآخر، و إذا مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة انفرد الآخر، و إن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال، و كذا لو أطلق و لم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال، فحينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى (1).

[مسألة 83: لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي و شغله فهو المتّبع]

مسألة 83: لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي و شغله فهو المتّبع. و لو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف؛ من تعمير الوقف، و إجارته و تحصيل أُجرته و قسمتها على أربابه، و أداء خراجه، و نحو ذلك، كلّ ذلك على وجه الاحتياط و مراعاة الصلاح، و ليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم. و يجوز أن

______________________________

(1) لو جعل التولية لاثنين فله صورتان:

الاولى: جعل التولية لكلّ منهما مستقلا، و معناه الاستقلال في القيام بالوظائف و عدم لزوم الرجوع إلى الآخر و لو للاستشارة، و في هذه الصورة لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة لا يقدح ذلك في بقاء تولية الآخر و جواز التصرّف انفراداً.

الثانية: جعل التولية لهما بنحو الاجتماع و الاشتراك، فلا يجوز الانفراد بالتصرّف، و عطف على هذه الصورة صورة الإطلاق التي لا تشهد بالاستقلال قرائن الأحوال لظهور الكلام في ذلك، و حينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة في هذه الصورة الثانية بكلا فرضيها ليضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر، و في المتن على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و الوجه فيه أنّ المستفاد من جعل التولية لشخصين أنّ نظر الواقف إلى عدم الاكتفاء بشخص واحد و لو كان في غاية الوثاقة و الأمانة،

فإنّ رعاية المصلحة طبقاً لموافقة شخصين أقرب إلى الواقع، كما هو غير خفيّ.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 99

يجعل الواقف تولية بعض الأُمور لشخص، و بعضها لآخر، فجعل أمر التعمير و تحصيل المنافع مثلًا لأحد، و أمر حفظها و قسمتها على أربابها لآخر، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده و حفظه، و للآخر التصرّفات. و لو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير و تحصيل الفائدة، و أهمل باقي الجهات من الحفظ و القسمة و غيرهما، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب، فيجري عليه حكمه الآتي (1).

______________________________

(1) لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف في الصيغة و في مقام جعل التولية وظيفة المتولّي و شغله، فاللازم متابعته و عدم جواز التعدّي عنه «1».

و لو لم يعيّن، بل أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من الأُمور المذكورة في المتن مع رعاية المصلحة و مراعاة جانب الاحتياط، و ليس لأحد مزاحمته فيه، حتّى الموقوف عليهم، بل و حتّى الواقف، لصيرورته أجنبيّا بعد تماميّة الوقف كما مرّ «2».

و كما يجوز جعل التولية لشخصين بأحد النحوين المذكورين في المسألة السابقة، كذلك يجوز تبعيض التولية؛ بأن يجعل تولية بعض الأُمور لشخص، و البعض الآخر لآخر، كالمثالين المذكورين في المتن؛ لأنّ الأمر بيده؛ لقاعدة السلطنة. و لو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير و تحصيل الفائدة، و أهمل باقي الجهات كالحفظ و القسمة و غيرهما، كان الوقف بالإضافة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب، فيجري عليه حكم الوقف بلا متولٍّ أصلًا، و سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 157، إصباح الشيعة: 347، مسالك الأفهام: 5/ 324.

(2) في ص 64 65.

تفصيل الشريعة -

الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 100

[مسألة 84: لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن]

مسألة 84: لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن، و كان ذلك اجرة عمله، ليس له أزيد منه و إن كان أقلّ من اجرة مثله، و لو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اجرة المثل (1).

[مسألة 85: ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره]

مسألة 85: ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتّى مع عجزه عن التصدّي إلّا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً. نعم، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته إن لم يشترط عليه المباشرة (2).

[مسألة 86: يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي]

مسألة 86: يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقلّ في تصرّفاته، و لا يعتبر إذن الناظر في صحّتها و نفوذها، و إنّما اللازم عليه اطّلاعه، و إن كان

______________________________

(1) لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع؛ سواء كان بمقدار اجرة المثل أو أقلّ أو أكثر تعيّن «1»، و كان ذلك اجرة عمله، عملًا بقاعدة السلطنة و قبول التولية بهذه الكيفيّة، و لو لم يعيّن شيئاً فحيث إنّ عمل المسلم مع الأمر به محترم فالأقرب كما في المتن ثبوت اجرة المثل.

(2) ليس للمتولّي بعد قبول التولية تفويضها إلى غيره مطلقاً، حتّى مع العجز عن التصدّي؛ لعدم ارتباطه بالوقف من هذه الجهة. نعم، له مع حفظ التولية توكيل الغير في بعض ما كان من وظيفته التصدّي له في صورة عدم اشتراط المباشرة عليه، و إلّا فيصير في صورة العجز كالوقف بلا متولٍّ.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 5/ 325 326، الحدائق الناضرة: 22/ 186، رياض المسائل: 9/ 309، الشرح الصغير: 2/ 242.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 101

المقصود إعمال نظره و تصويبه لم يجز له التصرّف إلّا بإذنه و تصويبه، و لو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين (1).

[مسألة 87: لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلًا، ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى]

مسألة 87: لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلًا، ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى. و كذا في الخاصّة فيما يرجع إلى مصلحة الوقف و مراعاة البطون؛ من تعميره، و حفظ الأُصول، و إجارته للبطون اللاحقة. و أمّا بالنسبة إلى تنميته و إصلاحاته الجزئيّة المتوقّف عليها حصول النماء الفعلي كتنقية أنهاره و كريه و حرثه و جمع حاصله و

تقسيمه و أمثال ذلك فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين (2).

______________________________

(1) يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي، و الناظر على نوعين:

الأوّل: الناظر الذي يعبّر عنه بالناظر الاستطلاعي؛ و هو ما كان المقصود مجرّد اطّلاعه على أعمال المتولّي لأجل الاستيثاق، و في هذا النوع يكون المتولّي مستقلا في تصرّفاته، و لا يعتبر إذن الناظر في صحّتها و نفوذها، بل اللازم على المتولّي اطّلاعه و إعلامه بتصرّفه.

الثاني: الناظر الذي يعبّر عنه بالناظر الاستصوابي، و هو ما كان المقصود إعمال نظره و تصويبه لعمل المتولّي، و في هذا النوع لا يجوز له التصرّف مستقلا حتّى مع اطّلاعه، بل لا بدّ من إذنه و تصويبه.

و لو لم يحرز مراد الواقف من جهة جعل الناظر، و أنّه هل على النحو الأوّل أو الثاني؟ فاللازم مراعاة الأمرين من الاطّلاع و الإذن.

(2) إذا لم يعيّن الواقف متولّياً في صيغة الوقف، فهل التولية لنفسه «1»، أو

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء: 2/ 441.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 102

..........

______________________________

للموقوف عليهم «1»، أو للحاكم «2»، أو يفصّل بين الوقف الخاصّ، فللموقوف عليهم، و بين الوقف العامّ فللحاكم؟ «3» أقوال. و ربما تبنى المسألة كما في الملحقات على أنّ العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف، أو تنتقل إلى الموقوف عليهم، أو إلى اللّٰه مطلقاً، أو يفصل بين الخاصّ فتنتقل إليهم، و العامّ فإليه تعالى «4»، فعلى القول بالبقاء تكون التولية للواقف، و على القول بالانتقال إلى الموقوف عليهم مطلقاً أو في الخاصّ فلهم «5»، و على القول بكونه للّٰه فللحاكم «6»، «7».

و الأقوى كما في المتن أنّ التولّي في الأوقاف العامّة الكذائيّة للحاكم، لا للواقف و لا للموقوف عليه، أمّا الواقف، فلخروج الأمر من

يده و صيرورته كالأجنبيّ، و لذا قلنا بعدم جواز جعل التولية بعد تماميّة الوقف، و أمّا الموقوف عليه، فلأنّ الظاهر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به أيضاً، فليس للموجودين امتياز، فلا محيص إلّا عن ثبوت التولية للحاكم الذي يراعي مصلحة جميع البطون، أو المنصوب من قبله، و لأجل ما ذكرنا لا بدّ من الالتزام بثبوت التولية للحاكم، أو المنصوب من قبله في الأوقاف الخاصّة؛ كالوقف على الذرّية بالنسبة إلى ما يرجع إلى مصلحة الوقف و مراعاة البطون مطلقاً؛ من التعمير و حفظ الأُصول و إجارته للبطون اللاحقة.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 324، مختصر النافع: 256، إرشاد الأذهان: 1/ 452، تبصرة المتعلّمين: 126، كنز الفوائد: 2/ 131.

(2) تذكرة الفقهاء: 2/ 441، كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد: 2/ 137.

(3) اللمعة الدمشقيّة: 57، الروضة البهيّة: 3/ 177.

(4) اللمعة الدمشقيّة: 57، الروضة البهيّة: 3/ 177.

(5) شرائع الإسلام: 2/ 214، قواعد الأحكام: 2/ 390.

(6) المبسوط: 3/ 301، تحرير الأحكام: 3/ 314، حاشية شرائع الإسلام: 521، مسالك الافهام: 5/ 324، جامع المقاصد: 9/ 34 35 و 64، الشرح الصغير: 2/ 241.

(7) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 227 مسألة 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 103

[مسألة 88: في الأوقاف التي توليتها للحاكم و منصوبه مع فقدهما]

مسألة 88: في الأوقاف التي توليتها للحاكم و منصوبه مع فقدهما و عدم الوصول إليهما توليتها لعدول المؤمنين (1).

[مسألة 89: لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً]

مسألة 89: لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً، و بين ما إذا عيّن و لم يكن أهلًا لها، أو خرج عن الأهليّة، فإذا جعل للعادل من أولاده و لم يكن بينهم عادل، أو كان ففسق، كان كأن لم ينصب متولّياً (2).

______________________________

و أمّا بالإضافة إلى تنميته و الإصلاحات الجزئية التي يتوقّف عليها حصول النماء الفعلي الذي ينتفع به البطن الموجود فالأمر راجع إلى الموجودين من الموقوف عليهم، من غير فرق بين القول بالملكية و عدمها بعد ثبوت الملكيّة للمنفعة، أو الانتفاع كما عرفت.

(1) لا شبهة في أنّ الأوقاف التي يكون المتولّي لها هو الحاكم، أو المنصوب من قبله تصل النوبة مع فقدهما و عدم إمكان الوصول إليهما عرفاً إلى عدول المؤمنين، كما في سائر الموارد.

(2) لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً أصلًا، كما في الأوقاف العامّة، أو الخاصّة بلحاظ بعض امورها، و بين ما إذا عيّن و لم يكن أهلًا لها، أو خرج عن الأهليّة، كما إذا جعل للعادل من أولاده و لم يكن بينهم عادل، أو كان ففسق، فالحكم مثل ما إذا لم يعيّن متولّياً أصلًا، و هل اللازم على الحاكم في هذه الصورة إذا أراد أن ينصب متولّياً هو نصب عادل لذلك؛ لاعتبار الواقف العدالة و إن لم تكن معتبرة في نفسها في المتولّي كما عرفت «1»، أو يجوز له

______________________________

(1) في ص 95 96.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 104

[مسألة 90: لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلًا]

مسألة 90: لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلًا و لم يكن فيهم إلّا عدل واحد ضمّ الحاكم إليه عدلًا آخر، و أمّا

لو لم يكن فيهم عدل أصلًا فهل اللازم عليه نصب عدلين، أو يكفي نصب واحد أمين؟ أحوطهما الأوّل، و أقواهما الثاني (1).

[مسألة 91: لو احتاج الوقف إلى التعمير و لم يكن ما يصرف فيه]

مسألة 91: لو احتاج الوقف إلى التعمير و لم يكن ما يصرف فيه، يجوز

______________________________

نصب غير العادل إن كان أميناً موثوقاً به؟ يظهر من المسألة التالية أنّ الأحوط عند الماتن الأوّل و إن كان الأقوى الثاني، نظراً إلى عدم اعتبار العدالة و كفاية الأمانة و الوثاقة.

(1) قد وقع التعرّض في هذه المسألة لفرعين:

الأوّل: ما لو جعل الواقف التولية لعدلين من أولاده مثلًا و لم يوجد فيهم إلّا عدل واحد ضمّ الحاكم إليه واحداً آخر عادلًا، و ظاهر المتن اعتبار العدالة في هذه الصورة؛ لأنّ غرض الواقف تعلّق بتولية عدلين، فلا بدّ من أن يكون الآخر الذي ضمّه الحاكم متّصفاً بذلك.

الثاني: الفرع السابق مع عدم وجود عدل في الأولاد أصلًا، و عليه فهل اللازم على الحاكم نصب عدلين؛ لتعلّق غرض الواقف بذلك، أو يكفي نصب واحد أمين كما في صورة عدم التعيين؟ قد جعل الأحوط الثاني و الأقوى الأوّل، و يمكن أن يورد عليه بأنّه ما الفرق بين الفرعين من حيث الحكم؛ بأنّ الذي يضمّ الحاكم إلى المتولّي في الفرع الأوّل لا بدّ أن يكون عادلًا، و قد قوّى في هذا الفرع الاكتفاء بواحد أمين مع تعيين الواقف شخصين عادلين، كما هو المفروض، فلا ينبغي ترك الاحتياط بوجه.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 105

للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء ما في ذمّته بعد ذلك ممّا يرجع إليه، كمنافعه، أو منافع موقوفاته، فيقترض متولّي البستان مثلًا لتعميره بقصد أن يؤدّي دينه من عائداته، و متولّي المسجد أو المشهد أو المقبرة و نحوها بقصد أن

يؤدّيه من عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر. و لو اقترض له و صرفه لا بقصد الأداء منه، أو صرف ماله لا بقصد الاستيفاء منه لم يكن له ذلك بعده (1).

______________________________

(1) لو احتاج الوقف إلى التعمير و لم يكن ما يصرف فيه، يجوز للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء القرض بعد ذلك ممّا يكون راجعاً إلى الوقف أو منافع موقوفاته، كالأمثلة المذكورة في المتن؛ بل يجوز له الصرف من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر، و لو اقترض و صرفه لا بقصد الاستيفاء منه، أو صرف من ماله لا بالقصد المذكور لم يكن له بعد ذلك؛ لأنّ المقترض و المديون هو المتولّي، و المفروض الصرف لا بالقصد المذكور، فمن أين يجوز له الاستيفاء. و كذا لو صرف من ماله هكذا.

ثمّ إنّه يبقى الكلام في وقف الانتفاع و احتياج العين الموقوفة إلى التعمير و عدم ثبوت الموقوفة لها حتّى يقترض، أو يؤدّي بعد ذلك من منافع تلك الموقوفات، كما إذا وقف الدار لسكنى الذريّة و احتاجت إلى التعمير، و لم يكن لها موقوفة فضلًا عن الموقوفات، و قد ذكر في الملحقات أنّه لو توقّف بقاء العين الموقوفة على بيع بعضها جاز «1»، و السرّ فيه أنّ الأمر دائر بين خروج جميع الأبعاض من الانتفاع لأجل الخراب، و خروج البعض عن كونها كذلك، و الترجيح مع الثاني.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقىٰ: 2/ 236 مسألة 6.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 106

[مسألة 92: تثبت الوقفية بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان]

مسألة 92: تثبت الوقفية بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، و بإقرار ذي اليد أو ورثته بعد موته، و بكونه في تصرّف الوقف؛ بأن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف

بلا معارض، و بالبيّنة الشرعيّة (1).

[مسألة 93: لو أقرّ بالوقف ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة]

مسألة 93: لو أقرّ بالوقف ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة، يسمع منه، لكن يحتاج إلى الإثبات لو نازعه منازع صالح، بخلاف ما إذا أوقع العقد و حصل القبض ثمّ ادّعى أنّه لم يكن قاصداً، فإنّه لا يسمع منه أصلًا، كما هو الحال في جميع العقود و الإيقاعات (2).

______________________________

(1) تثبت الوقفية بأُمور:

أحدها: الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان؛ لأنّ الأوّل حجّة عقليّة، و الثاني حجّة عقلائية، كما مرّ مراراً.

ثانيها: إقرار ذي اليد أو ورثته بعد موته، نظراً إلى قاعدة نفوذ الإقرار المنصوص بها «1».

ثالثها: أن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف، من دون أن يكون لهم معارض في ذلك.

رابعها: البيّنة الشرعيّة المثبتة للموضوعات في جلّ الموارد، بل كلّها بعنوان الضابطة الأوّلية.

(2) لو أقرّ ذو اليد بأنّه وقف ما في يده، ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة فيه من

______________________________

(1) عوالي اللئالي: 1/ 223 ح 104 و ج 2/ 257 ح 5 و ج 3/ 442 ح 5، إيضاح الفوائد: 2/ 428، و في مستدرك الوسائل: 16/ 31، كتاب الإقرار ب 2 ح 1 عن عوالي اللئالي.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 107

[مسألة 94: كما أنّ عمل المتصرّفين معاملة الوقفيّة دليل على أصل الوقفيّة ما لم يثبت خلافها]

مسألة 94: كما أنّ عمل المتصرّفين معاملة الوقفيّة دليل على أصل الوقفيّة ما لم يثبت خلافها، كذلك كيفيّة عملهم من الترتيب و التشريك و المصرف و غير ذلك دليل على كيفيّته، فيتّبع ما لم يعلم خلافها (1).

______________________________

دون أن يكون قد أوقفه، يسمع منه في الجملة؛ لأنّ المفروض أنّ الوقفيّة ثبتت أوّلًا بإقراره، لا بالأُمور الأُخرى المذكورة في المسألة، و لم يكن مكرهاً في هذا الإقرار، فادّعاء أنّ إقراره لم يكن لأجل الوقفيّة، بل لمصلحة اقتضت ذلك فبعد ذلك إذا لم يكن له منازع

صالح، كما إذا ادّعى ذرّيته أنّه وقفه على الذريّة يسمع منه الدعوى بعد الإقرار؛ لأنّه ذو اليد، و لا منازع له في الادّعاء عقيبه، و أمّا إذا كان له منازع صالح، كالمثال المذكور، فاللازم إثبات الدعوى المغايرة لمصالح المنازع على القاعدة.

و هذا بخلاف ما إذا أوقع العقد يقينيّاً من الوقف أو غيره، و حصل منه القبض كذلك، سواء كان العقد ممّا يعتبر في صحّته و تماميّته القبض، أم لم يكن كذلك، ثمّ ادّعى صدور القبض من غير إرادة و قصد، فإنّه لا يسمع منه أصلًا؛ لأنّ الأصل الأوّلي في الأفعال الصادرة صدورها عن قصد و اختيار، و إلّا يجري هذا الاحتمال في جميع الأُمور التي يعتبر في موضوعها القصد و الاختيار، كقتل العمد الموجب للقصاص، فإنّ إيجابه له إنّما هو في صورة العمد الذي يرجع إلى كونه مقصوداً له و مراداً، و هكذا الحال في جميع العقود و الإيقاعات، كما أفاده في المتن.

(1) قد عرفت في بعض المسائل السابقة أنّ من الأُمور المثبتة لأصل الوقفيّة عمل المتصرّفين في العين الموقوفة معاملة الوقفيّة، فاعلم أنّ هذا الأمر دليل على الكيفيّة أيضاً من الترتيب و التشريك و المصرف و غير ذلك، فإذا رأينا منهم أنّهم يقسّمون منافع العين الموقوفة في الأولاد من دون فرق بين الذكر و الأُنثى مثلًا نعلم

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 108

[مسألة 95: لو كان ملك بيد شخص يتصرّف فيه بعنوان الملكيّة]

مسألة 95: لو كان ملك بيد شخص يتصرّف فيه بعنوان الملكيّة، لكن علم أنّه قد كان في السابق وقفاً، لم ينتزع من يده بمجرّد ذلك ما لم يثبت وقفيّته فعلًا، و كذا لو ادّعى أحد أنّه قد وقف على آبائه نسلًا بعد نسل، و أثبت ذلك من دون

أن يثبت كونه وقفاً فعلًا. نعم، لو أقرّ ذو اليد في مقابل دعوى خصمه بأنّه كان وقفاً إلّا أنّه قد حصل مسوّغ البيع و قد اشتراه، سقط حكم يده و ينتزع منه، و يلزم بإثبات وجود المسوّغ و وقوع الشراء (1).

______________________________

أنّ الوقف إنّما يكون بهذه الكيفيّة، كما إذا رأينا أنّه يصرف منافعها في شؤون عزاء سيِّد الشهداء عليه السلام، يدلّ ذلك على كيفيّة الوقف و أنّه كان المصرف فيه التعزية عليه عليه السلام و هكذا؛ لعدم الفرق.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو كان ملك بيد شخص بالفعل، و كان ذو اليد يتصرّف فيه بعنوان الملكيّة، لكن علم من الخارج أنّ هذا الشي ء في السابق كان وقفاً، لا يجوز الانتزاع من يده بمجرّد العلم المذكور ما لم تثبت وقفيّته فعلًا؛ لأنّ ما هو الموجود بالفعل هي اليد التي هي أمارة على ملكيّة ذي اليد، كما في سائر الموارد، و العلم بكونه وقفاً في السابق لا ينافي ذلك بعد ثبوت الجواز لبيع العين الموقوفة في موارد قد تقدّمت «1»، و من المحتمل كون هذا المورد من جملة تلك الموارد.

الثاني: الفرض المزبور مع ادّعاء أحد أنّه قد وقف على آبائه نسلًا بعد نسل، و أثبت هذا المقدار، فإنّ الإثبات المزبور بمنزلة العلم لا يلازم الوقفيّة الفعليّة بعد احتمال أنّه على تقدير كونه وقفاً قد عرض له المسوّغ للبيع، و اليد أمارة على ملكيّة

______________________________

(1) في ص 82 87.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 109

[مسألة 96: لو كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص و هو يدّعي ملكيّته]

مسألة 96: لو كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص و هو يدّعي ملكيّته، و كان مكتوباً عليه أنّه وقف، لم يحكم بوقفيّته بمجرّده، فيجوز الشراء منه. نعم، الظاهر أنّ وجود

مثل ذلك عيب و نقص في العين، فلو خفي على المشتري حال البيع كان له الخيار (1).

______________________________

ذي اليد كما عرفت ما لم يعلم خلافها بحسب الحال الفعلي، ضرورة أنّه في جميع موارد ثبوت اليد يكون العلم أو ما هو بمنزلته بعدم كونه ملكاً لذي اليد في سابق الزمان، فتدبّر جيّداً.

الثالث: إقرار ذي اليد في مقابل دعوى الخصم بأنّه كان وقفاً في السابق، إلّا أنّه قد حصل مسوّغ البيع و قد اشتراه، فإنّه كإقرار ذي اليد بأنّ ما في يده من الملك كان ملكاً في السابق لزيد قد انتقل منه إليه، فإنّه لا بدّ له من إثبات ذلك كما تقرّر في كتاب القضاء «1»، فإنّه قد ثبت هناك أنّ المدّعى لو أنكر أصل الدين و ثبوت العهدة فعلًا لا تجب عليه إقامة البيّنة، و لو ادّعى الأداء بعد الإقرار بأصل الدين كان عليه الإثبات.

(1) لو كان كتاب أو مصحف أو بعض الظروف أو غيرها في يد شخص و هو يدّعي الملكيّة، لكن كان المكتوب عليها أو المنقوش بها أنّها وقف، لم يحكم بمجرّد ذلك بثبوت الوقفيّة في مقابل اليد التي هي أمارة على الملكيّة. نعم، استظهر في المتن أنّ وجود هذه الكتابة على العين المبيعة أو النقش عليها عيب يثبت للمشتري خيار العيب في صورة الجهل و عدم الاطّلاع، و التخيير فيه بين الردّ و الأرش، على خلاف سائر الخيارات حتّى خيار الغبن، كما قرّر في محلّه، حيث إنّ طرفي التخيير فيها الفسخ أو الإمضاء، من دون ثبوت الأرش.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 247 269.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 110

[مسألة 97: لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه أنّ ملكه الفلاني وقف]

مسألة 97: لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه

أنّ ملكه الفلاني وقف، و أنّه وقع القبض و الإقباض، لم يحكم بوقفيّته بمجرّده ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به؛ لاحتمال أنّه كتب ليجعله وقفاً، كما يتّفق ذلك كثيراً (1).

[مسألة 98: إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكويّة]

مسألة 98: إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكويّة كالأنعام الثلاثة لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها و إن بلغت حصّة كلّ منهم النصاب. و أمّا لو كانت نماؤها منها كالعنب و التمر ففي الوقف الخاصّ وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم؛ لأنّها ملك طلق لهم، بخلاف الوقف العامّ، حتّى مثل الوقف على الفقراء؛ لعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلّا بعد قبضه. نعم، لو اعطي الفقير مثلًا حصّة من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلّق الزكاة بتفصيل مرّ في كتاب الزكاة وجبت عليه لو بلغت النصاب (2).

______________________________

(1) لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه أنّ ملكه الفلاني وقف، و أنّه وقع القبض و الإقباض و لم يعلم أو يطمئنّ بكونه حكاية عن إنشاء الوقف و وقوع القبض قبل الكتابة، لا يكون هذا من الأُمور المثبتة لذلك؛ للاحتمال المذكور في المتن، و أنّه كان بصدد الوقف بعد ذلك، و كذلك يجري احتمال الكذب باعتبار كون الخطّ المكتوب شبيهاً بخطّ الواقف، و بالجملة: مجرّد الكتابة لا يوجب ثبوت الوقف إلّا في صورة العلم أو الاطمئنان بالحكاية عن الوقف و القبض.

(2) إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكويّة كالأنعام الثلاثة لا يجب على الموقوف عليهم زكاتها و إن بلغت حصّة كلّ منهم النصاب؛ لعدم كونهم مالكين للأعيان و إن كانوا موقوفاً عليهم، ضرورة أنّ من تجب عليه الزكاة هو

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 111

[مسألة 99: الوقف المتداول بين بعض الطوائف]

مسألة 99: الوقف المتداول بين بعض الطوائف يعمدون إلى نعجة أو بقرة، و يتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم، و يكون المقصود أن تبقى و تذبح أولادها الذكور و تبقى الإناث و هكذا الظاهر بطلانه؛ لعدم تحقّق

شرائط صحّته (1).

______________________________

المالك للأعيان المتعلّقة، و الوقف يوجب ثبوت الملكيّة بالإضافة إلى المنفعة أو الانتفاع، كما عرفت «1».

و أمّا لو كانت نماء الأعيان من الأُمور المتعلّقة للزكاة كالعنب و التمر فقد فصّل في المتن بين الوقف الخاصّ، و أنّه تجب الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم، مستدلّاً له في المتن بأنّ النماء ملك طلق لهم، بخلاف الوقف العامّ حتّى مثل الوقف على الفقراء، مستدلّاً له فيه أيضاً بعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلّا بعد قبضه، و من الظاهر أنّه بعد القبض لا يتعلّق به الزكاة، كما لو فرض اشتراء غير الفقير العنب أو التمر و إن كانا أزيد من النصاب بمراتب.

نعم، استثنى صورة ما لو أعطى الفقير حصّته من الحاصل على الشجر قبل تعلّق الزكاة و فرض بلوغها حدّ النصاب، و قد مرّ التفصيل في كتاب الزكاة و إن لم يساعدني التوفيق لشرحه إلى الآن، و من اللّٰه المسألة لذلك.

(1) من الوقف الباطل ما هو المتداول بين بعض الطوائف يعمدون إلى نعجة أو بقرة ثمّ يتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم، و يكون المقصود بقاءها و حصول النتاج لها، و تذبح الذكور من أولادها و تبقى الإناث و هكذا، وجه البطلان الخلوّ من صيغة الوقف و إنشائه المعتبرة عند الشارع، و الفرق بين أولاد الذكور و الإناث و بقاء الإناث بهذه الكيفيّة و بعض الأُمور الأُخر غير الخفيّ.

______________________________

(1) في ص 70 و 88 89.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 113

[خاتمة: تشتمل على أمرين]

اشارة

خاتمة: تشتمل على أمرين:

أحدهما: في الحبس و ما يلحق به. ثانيهما: في الصدقة الحبس و أخواته

[القول في الحبس و أخواته]

اشارة

القول في الحبس و أخواته

[مسألة 1: يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه]

مسألة 1: يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه؛ بأن تصرف منافعه فيما عيّنه على ما عيّنه، فلو حبسه على سبيل من سُبل الخير و محالّ العبادات؛ مثل الكعبة المعظّمة و المساجد و المشاهد المشرّفة، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه، و لا يعود إلى ملك المالك و لا يورّث، و إن كان إلى مدّة لا رجوع إلى انقضائها، و بعده يرجع إلى المالك أو وارثه. و لو حبسه على شخص، فإن عيّن مدّة، أو مدّة حياته لزم الحبس في تلك المدّة، و لو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي، و إن أطلق و لم يعيّن وقتاً لزم ما دام حياة الحابس، فإن مات كان ميراثاً. و هكذا الحال لو حبس على عنوان عامّ كالفقراء، فإن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه، و إن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس (1).

______________________________

(1) قد مرّ في عبارة المحقّق الخراساني قدس سره في تعريفه للوقف «1» ما يرجع إلى أنّ الوقف هو حبس خاصّ، و هو المطلق منه، المقابل للحبس الخاصّ لا مطلقه

______________________________

(1) في ص 10.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 114

..........

______________________________

الشامل لهما، و التفاوت إنّما يكون بالمرتبة، كالتفاوت بين الإيجاب و الاستحباب، و كيف كان، فلا فرق بينهما فيما إذا كان الحبس مطلقاً أو صرّح فيه بالدوام، خصوصاً مع أنّ تحبيس الأصل مأخوذ في تعريف الوقف كما تقدّم «1»، و التأبيد غير معتبر في الوقف كما مرّ «2»؛ لأنّ مرجعه إلى إيقاف الملك لا الإخراج عن الملك.

نعم، لازم التأبيد في موارده الخروج عن الملك، كما أنّه قد

وقع هنا في المتن التصريح بأنّه في صورة الإطلاق، أو بيان الدوام لا يعود إلى ملك المالك و لا يورّث، و إن نظرت إلى ما ذكرنا في الوقف المنقطع الآخر «3» من الرجوع إلى المالك، أو ورثته في بعض الفروض، يشكل الأمر من هذه الحيثيّة أيضاً، خصوصاً مع عدم اعتبار قصد القربة في الوقف كالحبس على ما مرّ «4».

فالظاهر حينئذٍ أن يقال: إنّ الوقف نوع من الحبس لا أنّه أمر آخر، و النوع المشهور منه ما إذا كان إلى مدّة معيّنة و لا رجوع إلى انقضائها، و بعده يرجع إلى المالك أو ورثته و لو مات الحابس قبل انقضائها إلى أن تنقضي.

نعم، يمكن الفرق بينهما في صورة الإطلاق و عدم تعيين الوقت، فإنّه لا يبعد أن يقال بانصراف الوقف إلى المؤبّد، و أمّا الحبس فهو لازم ما دام حياة الحابس، فإن مات كان ميراثاً، من دون فرق بين الحبس على شخص خاصّ أو عنوان عامّ كالفقراء مثلًا، فإنّه في كلا الفرضين إن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه، و إن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس، فافهم و تأمّل جيّداً.

______________________________

(1) في ص 10.

(2) في ص 27 29.

(3) في ص 27 29.

(4) في ص 16.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 115

[مسألة 2: لو جعل لأحد سكنى داره مثلًا]

مسألة 2: لو جعل لأحد سكنى داره مثلًا؛ بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه، يقال له: السكنى، سواء أطلق و لم يعيّن مدّة؛ كأن يقول: «أسكنتك داري»، أو «لك سكناها» أو قدّره بعمر أحدهما، كما إذا قال: «لك سكنى داري مدّة حياتك، أو مدّة حياتي»، أو قدّره بالزمان، كسنة و سنتين مثلًا. نعم، لكلّ من الأخيرين اسم يختصّ به، و هو

«العمرى» في أوّلهما و «الرقبى» في الثاني (1).

[مسألة 3: يحتاج كلّ من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك]

مسألة 3: يحتاج كلّ من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك، و قبول من الساكن، فالإيجاب: كلّ ما أفاد التسليط المزبور عرفاً؛ كأن يقول في السكنى: «أسكنتك هذه الدار»، أو «لك سكناها»، و ما أفاد معناهما بأيّ لغة كان، و في العمرى بإضافة مدّة حياتي أو حياتك، و في الرقبى بإضافة سنة أو سنتين مثلًا، و للعمرى و الرقبى لفظان آخران، فللأولى: «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري، أو ما بقيتَ أو بقيتُ، أو ما عشتَ أو عشتُ» و نحوها، و للثانية: «أرقبتك مدّة كذا»، و القبول: كلّ ما دلّ على

______________________________

(1) السكنى بالمعنى المطلق عبارة عن أن يسلّط أحداً على سكنى داره مع بقاء عين الدار على ملكه، سواء أطلق و لم يعيّن مدّة، أو قدّره بعمر أحدهما، أو قدّره بالزمان المعيّن، و يقال للأخيرين: العمرى في الأُولىٰ، و الرقبى في الثانية، و الجميع يشبه وقف الانتفاع المتقدّم «1»، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّٰه تعالى. غاية الأمر غلبة الأوّل في الوقف على الذريّة مثلًا سكنى الدار غير المختصّ بالذرّية الموجودة، و الثاني في الشخص الخاصّ.

______________________________

(1) في ص 70.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 116

الرضا بالإيجاب (1).

[مسألة 4: يشترط في كلّ من الثلاثة قبض الساكن، و هل هو شرط الصحّة أو اللزوم؟ وجهان]

مسألة 4: يشترط في كلّ من الثلاثة قبض الساكن، و هل هو شرط الصحّة أو اللزوم؟ وجهان، لا يبعد أوّلهما، فلو لم يقبض حتّى مات المالك بطلت كالوقف على الأظهر (2).

[مسألة 5: هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها]

مسألة 5: هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها، و ليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن، ففي السكنى المطلقة حيث إنّ الساكن استحقّ مسمّى الإسكان و لو يوماً لزم العقد في هذا المقدار، و ليس للمالك منعه عنه،

______________________________

(1) يحتاج كلّ واحد من العقود الثلاثة «السكنى، و العمرى، و الرقبى» إلى تحقّق الإنشاء العقدي من المالك و الساكن، بل الظاهر عدم الاحتياج إلى العقد اللفظي و كفاية المعاطاة مع قصد الإنشاء بها، و يكفي في اللفظ الإيجابي ما يفيد و يظهر في أحدها ظهوراً عقلائياً، كالألفاظ المذكورة في المتن، و في القبول كلّ ما يدلّ على الرضا بمفاد الإيجاب، و ليس لها صيغة خاصّة و لفظ مخصوص.

(2) لا إشكال في اعتبار القبض في هذه العقود الثلاثة «1»، و هل هو شرط الصحّة أو اللزوم؟ فيه وجهان، نفى في المتن البُعد عن الأوّل، و لعلّ الوجه فيه مضافاً إلى إمكان دعوى شمول الروايات المتقدّمة الدالّة على اعتبار القبض في صحّة الوقف لهذه الموارد الثلاثة أيضاً الاستصحاب الذي يقتضي عدم ترتّب الأثر قبله، و عليه فلو مات المالك قبل الإقباض بطلت، و هو الظاهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 5: 401 419، الحدائق الناضرة: 22/ 281، رياض المسائل: 9/ 355، جواهر الكلام: 28/ 134، شرائع الإسلام: 2/ 225، المختصر النافع: 258، إرشاد الأذهان: 1/ 456، تبصرة المتعلّمين: 127، تذكرة الفقهاء: 2/ 448، الدروس الشرعيّة: 2/ 281.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 117

و له الرجوع في الزائد متى شاء،

و في العمرى و الرقبى لزم بمقدار التقدير، و ليس له إخراجه قبل انقضائه (1).

[مسألة 6: لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه]

مسألة 6: لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه، و جاز بيعها و لم تبطل العقود الثلاثة، بل يستحقّ الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له، و كذا ليس للمشتري إبطالها، و لو كان جاهلًا فله الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بجميع الثمن. نعم، في السكنى المطلقة بعد مقدار المسمّى يبطل العقد و ينفسخ إذا أُريد بالبيع فسخه و تسليط المشتري على المنافع، فحينئذٍ ليس للمشتري الخيار (2).

______________________________

(1) هذه العقود الثلاثة لازمة بعد وقوعها صحيحة، كما هو الأصل في جميع العقود التي شكّ في لزومها و جوازها، و عليه فليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن عن الدار، غاية الأمر أنّه في السكنى المطلقة التي لم تكن مطلقة و لا مصرّحاً فيها بالدوام، و لم يقع فيها التقييد بزمان الحياة و لا بمدّة معيّنة و لو كانت شهراً مثلًا، يجوز للمالك الرجوع بعد تحقّق مسمّى الإسكان و لو يوماً واحداً، و يكون أثر اللزوم بالنسبة إلى هذا المقدار، و في العمرى و الرقبى لزم بمقدار التقدير، و لا يجوز للمالك الإخراج قبل انقضاء المدّة و تماميّتها.

(2) لا تخرج الدار عن ملكيّة صاحبها لأجل شي ء من هذه العقود الثلاثة، بل تصير كبيعها بعد إيجارها الموجب لملكيّة المستأجر منفعتها، و أمّا ملكيّة أصل العين فهي باقية بالإضافة إلى المؤجر، و الإجارة اللازمة باقية بحالها، و عليه ففي المقام يستحقّ الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له، و ليس للمشتري أيضاً إبطال شي ء من العقود الثلاثة و إن كان جاهلًا بالحال، غاية الأمر أنّه في صورة الجهل

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 118

[مسألة 7: لو جعلت المدّة في العمرى طول حياة المالك]

مسألة 7: لو جعلت المدّة في العمرى طول حياة المالك و مات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، و لو جعلت طول حياة الساكن و مات المالك قبله ليس لورثته إخراج الساكن طول حياته، و لو مات الساكن ليس لورثته السكنى إلّا إذا جعل له السكنى مدّة حياته و لعقبه بعد وفاته، فلهم ذلك، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته (1).

______________________________

يكون له الخيار بين الفسخ و الإمضاء بجميع الثمن، و ليس له حقّ الأرش الثابت في خيار العيب؛ لعدم تحقّقه في المقام مثل الإجارة، إذا جهل المشتري بكون المبيع في إجارة الغير.

نعم، استثنى في المتن السكنى المطلقة بعد مقدار المسمّى الذي قد عرفت أنّه الإسكان و لو يوماً واحداً، و أنّه يبطل عقدها و ينفسخ إذا أُريد بالبيع فسخه و تسليط المشتري على المنافع بأجمعها، و عليه فلا يكون للمشتري الخيار المذكور بوجه كما لا يخفى، و إذا لم يرد بالبيع الفسخ يجري الحكم المتقدّم.

(1) للعمرى المقيّدة بطول الحياة ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن تكون المدّة طول حياة المالك، و حينئذٍ لو فرض موت الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، تنقضي المدّة لأجله.

الثاني: عكس ذلك؛ بأن كانت المدّة المجعولة طول حياة الساكن و مات المالك قبله، فإنّه ليس لورثة المالك إخراج الساكن طول حياته؛ لعدم انقضاء المدّة قبله.

الثالث: أن تجعل المدّة طول حياة الساكن و عقبه بعد وفاته، فلورثة الساكن السكونة فيها ما دام لم ينقرضوا، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته، و الوجه في الجميع ظاهر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 119

[مسألة 8: هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سكنى الدار]

مسألة 8: هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سكنى الدار، فيرجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة،

فله استيفاؤها مع الإطلاق بأيّ نحو شاء من نفسه و غيره مطلقاً و لو أجنبيّا، و له إجارتها و إعارتها، و تورث لو كانت المدّة عمر المالك و مات الساكن دون المالك، أو مقتضاها الالتزام بسكونة الساكن على أن يكون له الانتفاع و السكنى من غير أن تنتقل إليه المنافع، و لازمه عند الإطلاق جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه، كأهله و أولاده و خادمه و خادمته و مرضعة ولده و ضيوفه، بل و كذا دوابّه إن كان الموضع معدّاً لمثلها، و لا يجوز أن يسكن غيرهم إلّا أن يشترط ذلك أو رضي المالك، و لا يجوز أن يؤجر المسكن و يعيره، و يورث هذا الحقّ بموت الساكن، أو مقتضاها نحو إباحة لازمة، و لازمه كالاحتمال الثاني إلّا في التوريث، فإنّ لازمه عدمه؟ و لعلّ الأوّل أقرب، خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار». و كذا في العمرى و الرقبى، و مع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال (1).

______________________________

(1) في أنّ مقتضى العقود الثلاثة: «السكنى، و العمرى، و الرقبى» ماذا؟ احتمالات:

أحدها: تمليك سكنى الدار الراجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة في مقابل تمليك مطلق المنافع، كما في غالب الإجارات المنصرفة إلى ما عدا بعض المنافع، فإنّ من استأجر داراً لا يجوز له أن يجعلها محلّاً للحمير و نحوها، كمجمع الدوابّ و محلّ احتفاظ بعض الأُمور التي لا تجري العادة باحتفاظها في الدار.

و على هذا الاحتمال له استيفاء المنفعة مع الإطلاق بأيّ نحو شاء من نفسه و غيره مطلقاً و لو كان أجنبيّا، و له الإجارة و الإعارة المستلزمتان لكون المؤجر و المعير مالكين للمنفعة، كما أنّه على هذا الاحتمال تورث المنفعة لو كانت المدّة عمر المالك

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 120

[مسألة 9: كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من العقار و الحيوان و الأثاث و غيرها]

مسألة 9: كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من العقار و الحيوان و الأثاث و غيرها. و الظاهر أنّ الرقبى بحكم العمرى، فتصحّ فيما يصحّ الوقف. و أمّا

______________________________

و مات الساكن دون المالك.

ثانيها: تمليك الانتفاع من غير انتقال المنفعة، و قد عرفت أنّ الفرق بينهما هو الفرق بين الإجارة و العارية بالنسبة إلى المستأجر و المستعير «1».

و لازم هذا الاحتمال عند الإطلاق جواز سكونة الساكن و من جرت العادة بالسكنى معه، كالموارد المذكورة في المتن، و لا يجوز أن يسكن غيرهم إلّا مع الشرط و رضا المالك، و لا يجوز على هذا الاحتمال الإيجار و نقل المنفعة غير المملوكة، إلى الغير، و يورث هذا الحقّ بموت الساكن إذا لم تكن المدّة حياته، بل حياة المالك.

ثالثها: الإباحة اللازمة، كالمعاطاة على القول بإفادتها مجرّد الإباحة، غاية الأمر أنّ الإباحة فيها مطلقة، و هنا تختصّ بمنفعة خاصّة.

و لازمه كالاحتمال الثاني إلّا في التوريث، فإنّه لا يرث ورثة الساكن على هذا الاحتمال شيئاً، و في المتن بعد الحكم بأنّ الاحتمال الأوّل أقرب خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار»، و كذا في العمرى و الرقبى قال: و مع ذلك لا تخلو المسألة عن إشكال.

قلت: لا يبعد أن يقال: إنّ الأنسب بجعل هذه العقود تأسيساً أو إمضاءً هو الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى تمليك الانتفاع.

______________________________

(1) في ص 70.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 121

السكنى فيختص بالمساكن (1).

______________________________

(1) لا ينبغي الارتياب في أنّ السكنى كما يظهر من عنوانها مختصّة بالمساكن «1»، و لا مجال لجريانها في غيرها، ضرورة أنّه لا معنى للسكنى في الحيوان و نحوه، و أمّا العمرى و الرقبى فالظاهر

أنّهما شبيهان بالوقف، فيصحّان فيما يصحّ الوقف فيه من الأُمور المتقدّمة، و لا دليل على اختصاصهما بالمساكن كالسكنى، فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) رياض المسائل: 9/ 357 358، تحرير الأحكام: 321.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 122

[القول في الصدقة]

اشارة

القول في الصدقة قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها و الحثّ عليها، خصوصاً في أوقات مخصوصة؛ كالجمعة، و عرفة، و شهر رمضان، و على طوائف مخصوصة، كالجيران، و الأرحام، حتّى ورد في الخبر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» «1». و عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «إنّ اللّٰه لا إله إلّا هو ليدفع بالصدقة الداء، و الدبيلة، و الحرقة، و الغرق، و الهدم، و الجنون، و عدّ صلى الله عليه و آله سبعين باباً من السوء ..» «2». و قد ورد: «أنّ الافتتاح بها في اليوم يدفع نحس يومه، و في الليلة يدفع نحسها» «3». و «أنّ صدقة اللّيل تطفئ غضب الربّ، و تمحو الذنب العظيم، و تهوّن الحساب، و صدقة النهار تثمر المال، و تزيد في العمر» «4». و «ليس شي ء

______________________________

(1) الفقيه: 2/ 38 ح 13 و ج 4/ 267 قطعة من ح 824، و ص 273 قطعة من ح 828، و عنه الوسائل: 9/ 380، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 7 ح 2 و ص 384 ب 8 ح 4 و ص 412 ب 20 ح 4.

(2) الكافي: 4/ 5 ح 2، الفقيه: 2/ 38 ح 160، و عنهما الوسائل: 9/ 386، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 8 ح 1.

(3) انظر الوسائل: 9/ 392 394، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 12.

(4) الكافي: 4/ 8 ح 3، ثواب الأعمال: 173 ح 2، التهذيب: 4/ 105

ح 300، و عنها الوسائل: 9/ 393، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 12 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 123

أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، و هي تقع في يد الربّ تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد» «1». و عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «كان يقبّل يده عند الصدقة، فقيل له في ذلك، فقال: إنّها تقع في يد اللّٰه قبل أن تقع في يد السائل» «2» و نحوه عن غيره عليه السلام «3». و عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير، فتصدّقوا و لو بشقّ التمرة، و اتّقوا النار و لو بشقّ التمرة، فإنّ اللّٰه يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله حتّى يوفّيه إيّاها يوم القيامة، و حتّى يكون أعظم من الجبل العظيم» «4» إلى غير ذلك (1).

______________________________

(1) المراد بالصدقة هنا الصدقة بالمعنى الخاصّ في مقابل الوقف الذي عرفت التعبير عنه بالصدقة الجارية في جملة من الروايات، و في مقابل الزكاة التي عبّر عنها بالصدقات في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ .. «5» و سائر الأصناف الثمانية المستحقّين للزكاة المذكورين في الآية الشريفة، و قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها و الحثّ و الترغيب بها، خصوصاً في أوقات مخصوصة، و على طوائف مخصوصة، و الظاهر بلوغها حدّ التواتر المعنويّ، و لا أقلّ

______________________________

(1) الكافي: 4/ 3 ح 5، الفقيه: 2/ 37 ح 156، التهذيب: 4/ 112 ح 331، و عنها الوسائل: 9/ 406، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 18 ح 1.

(2) عدّة الداعي: 68، و عنه الوسائل 9: 432: كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 29، ح

2.

(3) الكافي: 4/ 9 قطعة من ح 3، التهذيب: 4/ 105، قطعة من ح 300، تفسير العيّاشي: 2/ 107 ح 114، تفسير الصافي: 1/ 726، تفسير الآية 104 من سورة التوبة، البرهان في تفسير القرآن: 2/ 156 ح 7، و عنها الوسائل: 9/ 407، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 18، ح 2 و ص 434، ح 5، و تفسير كنز الدقائق: 4/ 271.

(4) أمالي الطوسي: 458 ح 1023، و عنه الوسائل: 9/ 381، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 7 ح 5.

(5) سورة التوبة: 9/ 60.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 124

[مسألة 1: يعتبر في الصدقة قصد القربة]

مسألة 1: يعتبر في الصدقة قصد القربة، و لا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب و القبول على الأقوى، بل يكفي المعاطاة، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة، و يشترط فيها الإقباض و القبض (1).

______________________________

من التواتر الإجمالي الناشئ عن العلم بصدور بعضها، و لا حدّ فيها قلّةً و كثرةً، و لها آثار وضعيّة كثيرة من دفع الشرّ و البلاء و المرض حتّى الجنون، و في المتن رواية «أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ، و تمحو الذنب العظيم، و تهوّن الحساب، و صدقة النهار تثمر المال، و تزيد في العمر»، و كذا رواية «أنّها تقع في يد الربّ تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد»، و التعابير المختلفة الواقعة في الروايات التي ربما يتعجّب منها الإنسان، و يستفاد من مجموعها أنّ تكثيرها و لو بشي ء يسير أولى من تقليلها و لو بشي ء عظيم، فتدبّر جيّداً.

(1) أمّا اعتبار قصد القربة في الصدقة، فلأنّه الفصل المميّز بينها و بين سائر أنواع الهبات، و

حتّى الوقف و أخواته على ما عرفت من عدم اعتبار قصد القربة فيها «1». نعم، الفرق بينها و بين الزكاة مع اشتراكهما في اعتبار قصد القربة مضافاً إلى لزوم قصد عنوان الزكاة إنّما هو في الوجوب و الاستحباب، و لأجله يشكل الفرق بينها و بين الزكاة في الأُمور التي يستحبّ فيها الزكاة، كمال التجارة و مثله، اللّهمّ إلّا في العنوان، حيث إنّه يعتبر فيها قصد عنوان الزكاة، بخلاف الصدقة، فإنّها تحصل بمجرّد التمليك المجّاني مع قصد القربة.

و أمّا عدم اعتبار العقد المشتمل على الإيجاب و القبول و إن كان هو المشهور، بل

______________________________

(1) في ص 16.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 125

[مسألة 2: لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض]

مسألة 2: لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض و إن كانت على أجنبيّ على الأصحّ (1).

______________________________

قد ادّعي الإجماع عليه «1»، فلأنّه لا دليل على اعتبار اللفظ فيها، فضلًا عن لفظ خاصّ، و ذكر السيّد في الملحقات أنّه ما أدري من أين اشترطوا فيها الإيجاب و القبول «2»، و حينئذٍ فالظاهر أنّه كما أنّ المعاطاة كافية في مثل البيع الذي هو من جملة رؤوس العقود، كذلك تكفي المعاطاة في مثل المقام. نعم، قد عرفت ثبوت الإجماع على عدم جريانها في النكاح «3».

و أمّا اشتراط الإقباض و القبض الظاهر في الاشتراط في الصحّة لا الاعتبار في اللزوم، فالدليل عليه مضافاً إلى الإجماع «4» ما عرفت من استصحاب عدم ترتّب الأثر قبل القبض «5»، لكن المشهور اعتبار كونه بإذن المتصدّق «6»، و لكن لا دليل عليه، و ثبوت الحرمة في صورة عدم الإذن لا يدلّ على فساده بعد عدم كونه بنفسه عبادةً منهيّاً عنها.

(1) قد خالف في ذلك الشيخ في محكيّ المبسوط «7»،

و الظاهر عدم جواز الرجوع

______________________________

(1) المبسوط: 3/ 314، شرائع الإسلام: 2/ 222، كفاية الأحكام: 142، مفاتيح الشرائع: 1/ 231، الحدائق الناضرة: 22/ 261، مفتاح الكرامة: 9/ 148، رياض المسائل: 9/ 370، جواهر الكلام: 28/ 126.

(2) ملحقات العروة الوثقىٰ: 2/ 274.

(3) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 60.

(4) السرائر: 3/ 177، تذكرة الفقهاء: 2/ 417.

(5) في ص 19.

(6) شرائع الإسلام: 2/ 222، الجامع للشرائع: 367، جامع المقاصد: 9/ 129، الروضة البهيّة: 3/ 191، و غيرها كما في مفتاح الكرامة: 9/ 150، الحدائق الناضرة: 22/ 261، ملحقات العروة الوثقىٰ: 2/ 274، الفصل الثامن.

(7) المبسوط: 3/ 314.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 126

[مسألة 3: تحلّ صدقة الهاشمي لمثله و لغيره مطلقاً]

مسألة 3: تحلّ صدقة الهاشمي لمثله و لغيره مطلقاً، حتّى الزكاة المفروضة و الفطرة. و أمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة، و تحرم في الزكاة المفروضة و الفطرة، و أمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم و الكفّارات و نحوهما فالظاهر أنّها كالمندوبة، و إن كان الأحوط عدم إعطائهم لها و تنزّههم عنها (1).

______________________________

فيها، لما دلّ على أنّه لا يرجع فيما كان للّٰه، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً ذلك، و لا فرق في ذلك بين الصدقة على ذي رحم، أو الصدقة على الأجنبيّ، و إن كان عدم جواز الرجوع في الهبة الخالية عن قصد القربة إنّما هو في الصورة الأُولى، و إن كان هنا بعض الأُمور الأُخرى دخيلًا في اللزوم و موجباً لثبوته، كالهبة المعوّضة على ما عرفت في كتاب الهبة «1».

(1) لا إشكال في أنّها تحلّ صدقة الهاشمي مندوبةً كانت أو مفروضة، زكاةً كانت أو فطرةً أو مظلمةً أو كفّارةً لمثله من الهاشمي و لغيره، فإنّه

لا محدودية من هذه الجهة إذا كان المتصدّق هاشميّاً.

كما أنّه لا إشكال في أنّه لا تحلّ صدقة غير الهاشمي للهاشمي في الزكاة المفروضة و الفطرة، على ما تقدّم في البابين، و أمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم و الكفّارات فقد استظهر في المتن أنّها كالمندوبة و إن احتاط بعدم إعطائهم لها و تنزّههم عنها، و الوجه في الجواز عدم الدليل على عدمه في غير الزكاة و الفطرة، و في الاحتياط شباهتهما بهما، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في الخمس من تخصيص اللّٰه تعالى

______________________________

(1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الهبة مسألة 8، الفرع الرابع.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 127

[مسألة 4: يعتبر في المتصدِّق البلوغ، و العقل، و عدم الحجر لفلس أو سفه]

مسألة 4: يعتبر في المتصدِّق البلوغ، و العقل، و عدم الحجر لفلس أو سفه، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً (1).

[مسألة 5: لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان و لا الإسلام]

مسألة 5: لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان و لا الإسلام، فتجوز على الغنيّ و على الذمّي، و المخالف و إن كانا أجنبيّين. نعم، لا تجوز على الناصب و لا على الحربي و إن كانا قريبين (2).

______________________________

سهم السادات بهم تجليلًا لهم و تكريماً لشأنهم «1»، كما لا يخفى.

(1) يعتبر في المتصدّق البلوغ و العقل، كما في سائر العقود المرتبطة، و كذا الاختيار في مقابل الإكراه، و لم يعلم الوجه في ترك التعرّض له، فإنّه لا إشكال في البطلان في صورة الإكراه و عدم الاختيار، و كذا يعتبر عدم الحجر لفلس أو سفه، لما تقدّم في كتاب الحجر من أنّه لا يجوز لهما التصرّفات الماليّة مطلقاً «2»، و أمّا الصبيّ البالغ عشراً فالظاهر أنّه لا تصحّ صدقته مطلقاً و إن قلنا بصحّة وصيّته في هذه الصورة؛ لعدم الملازمة و بطلان القياس.

(2) لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر، و لا الإيمان و لا الإسلام، فتجوز على الغنيّ و على الذمّي و المخالف. نعم، قد عرفت في باب الزكاة أنّه إذا استبصر من أعطى زكاته الواجبة للمخالف يجب عليه الأداء ثانياً، معلّلًا بأنّه وضعها في غير موضعها، و لا فرق في الصدقة المندوبة من هذه الجهة بين ما إذا كان المتصدّق عليه رحماً أو أجنبيّا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 9/ 509 518، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس ب 1.

(2) أي في كتاب الحجر، القول في السفه. و القول في الفلس مسألة 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص:

128

[مسألة 6: الصدقة سرّاً أفضل]

مسألة 6: الصدقة سرّاً أفضل، فقد ورد: «أنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ، و تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، و تدفع سبعين باباً من البلاء» «1». نعم، لو اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه، أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها، و لم يتأكّد إخفاؤها، هذا في المندوبة، و أمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً (1).

[مسألة 7: تستحبّ المساعدة و التوسّط في إيصال الصدقة]

مسألة 7: تستحبّ المساعدة و التوسّط في إيصال الصدقة، فعن النبيّ صلى الله عليه و آله في خطبة له: «و من تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره، و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل، و ما عند اللّٰه خيرٌ و أبقى للذين اتّقوا و أحسنوا لو كنتم تعلمون» «2» (2).

[مسألة 8: يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به]

مسألة 8: يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به بشراء أو

______________________________

و الظاهر عدم الجواز على الناصب، كما يظهر من بعض الأخبار «3»، و ظاهر المحكيّ عن الوسائل الفتوى «4» به، كما أنّ الظاهر عدم الجواز على الكافر الحربي الذي يكون همّه المحاربة مع الإسلام، و لأجله يجوز أخذ ماله و التصرّف فيه. نعم، تجوز الصدقة على مجهول الحال بلا إشكال.

(1) (2) الوجه في هاتين المسألتين واضح لا يحتاج إلى البيان و التكرار.

______________________________

(1) مجمع البيان: 2/ 198، و عنه الوسائل: 9/ 396، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 13 ح 10.

(2) عقاب الأعمال: 342، و عنه الوسائل: 9/ 426، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 26 ح 3.

(3) الكافي: 4/ 13 ح 1، التهذيب: 4/ 53 ح 141 و ص 107 ح 306، المقنعة: 263 و عنها الوسائل: 9/ 414، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 21، ح 2 و 3.

(4) وسائل الشيعة: 9/ 413، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، ب 21.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 129

اتّهاب أو بسبب آخر، بل قيل بحرمته. نعم، لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث (1).

[مسألة 9: يكره ردّ السائل و لو ظنّ غناه]

مسألة 9: يكره ردّ السائل و لو ظنّ غناه، بل يعطى و لو شيئاً يسيراً (2).

[مسألة 10: يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج، بل مع الحاجة أيضاً]

مسألة 10: يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج، بل مع الحاجة أيضاً، بل قيل بحرمة الأوّل، و لا ينبغي ترك الاحتياط، و قد ورد فيه الإزعاج الأكيد، ففي الخبر: «من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيّام لقي اللّٰه يوم القيامة و ليس على وجهه لحم» «1» (3).

______________________________

(1) الوجه في هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان و التكرار.

(2) الوجه في هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان و التكرار.

(3) الوجه في هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان و التكرار.

______________________________

(1) عقاب الأعمال: 325 ح 1، و عنه الوسائل: 9/ 437، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب 31 ح 5، و فيهما: يوم يلقاه، بدل يوم القيامة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 133

[كتاب الوصيّة]

اشارة

كتاب الوصيّة و هي: إمّا تمليكيّة؛ كأن يوصي بشي ء من تركته لزيد، و يلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ، و إمّا عهديّة؛ كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه أو باستئجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له، و إمّا فكّية تتعلّق بفكّ ملك؛ كالإيصاء بالتحرير (1).

______________________________

(1) قد استعملت هذه اللفظة بعنوانها في الآيات و الروايات الكثيرة، سيّما في الآيات الواردة في الإرث المذيّلة بقوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» و قد ذكرنا في التعليقة على العروة الظاهرة في احتمال كونها مصدراً ما يرجع إلى أنّه لم يذكر الوصية مصدراً للثلاثي، بل المصدر له هو الوَصْي بفتح الواو و سكون الصاد فيتعيّن أن يكون اسم مصدر من الرباعي، و يبقى حينئذٍ اختلاف الثلاثي و الرباعي في المعنى، حيث إنّ الأوّل بمعنى الوصل، و الثاني بمعنى العهد.

و دعوى أنّهما مادّتان متبائنتان ليس بينهما أيّ نوع من الاشتقاق كما في بعض

الشروح «2»، مندفعة بما ذكره الزمخشري في أساس البلاغة من قوله: واصَى البلدُ،

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 11، و في الآية 12: يوصَى.

(2) مستمسك العروة: 14/ 534.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 134

..........

______________________________

البلدَ: واصلة «2»، فإنّها ظاهرة في مجي ء الرباعي أيضاً بمعنى الوصل، فلا محيص من أن يقال: إنّ العهد أيضاً نوع من الوصل؛ لتقوّمه بالطرفين و تحقّق اتّصال في البين «3».

و هي على ثلاثة أقسام:

الأوّل: الوصيّة التمليكيّة، كأن يوصي بشي ء من تركته لشخص خاصّ كزيد أو عمرو مثلًا، و معنى كونها تمليكيّة صيرورة الشخص الموصى له مالكاً لذلك الشي ء بنفس هذه الوصيّة، غاية الأمر بعد موت الموصي، لا أنّه يوصي بتمليكه و جعله بعد الموت ملكاً له، كما لا يخفى.

و في المتن: «و يلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ» بالمعنى الذي ذكرنا في الوصيّة التمليكيّة، لا الوصيّة بالتسليط التي يجري فيها احتمال المخالفة، و توقّف ثبوت الحقّ على تسليط الورثة، مع أنّ الظاهر تحقّقه بمجرّد موت الموصي.

الثاني: الوصيّة العهديّة، التي مرجعها إلى أن يعهد الموصي أمراً ممّا يتعلّق بتجهيزه أو الدفن في مكان خاصّ، أو باستئجار الحجّ، أو الصلاة و الصوم و نحوها له، و لعلّ هذا القسم هو الغالب من أقسام الوصيّة. نعم، قد ذكرنا هناك «1» أنّه إن كان المراد بالعهد هو العهد المتعلّق بخصوص العمل سواء كان راجعاً إلى الغير أو إلى نفسه فجعل الوصية الراجعة إلى التسليط على الحقّ، أو فكّ الملك من أقسام الوصيّة العهديّة كما في العروة غير ظاهر، و إن كان المراد به هو العهد بالمعنى الأعمّ ممّا يتعلّق بالعمل؛ و هو الذي يعبّر عنه في الفارسيّة ب «سفارش» فجعل التمليكيّة

______________________________

(2) أساس البلاغة: 501.

(3) الحواشي

على العروة الوثقى: 2/ 761 كتاب الوصيّة، فصل

(1) أي في الحاشية على العروة الوثقى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 135

[ [وجوب الوصيّة و شرائطها] وجوب الوصيّة و شرائطها]

اشارة

وجوب الوصيّة و شرائطها] وجوب الوصيّة و شرائطها

[مسألة 1: إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس]

مسألة 1: إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع و البضائع و نحوها إلى أربابها، و كذا أداء ما عليه؛ خالقيّاً كقضاء الصلوات و الصيام و الكفّارات و غيرها، أو خلقيّاً إلّا الديون المؤجّلة، و لو لم يتمكّن من الإيصاء و الإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم و الإشهاد عليها، خصوصاً إذا خفيت على الورثة، و كذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية؛ خلقيّاً كالديون و الضمانات و الديات و أُروش الجنايات، أو خالقيّاً كالخمس و الزكاة و الكفّارات و نحوها، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة ممّا يصحّ فيها الاستيناب و الاستئجار، كقضاء الصلاة و الصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه، بل و لو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه، أو يرى عدم صحّة عمله (1).

______________________________

قسيماً للعهدية غير واضح، إذ حينئذٍ تصير التمليكيّة من أقسام العهديّة إلخ «1».

الثالث: الوصيّة الفكّية، التي مرجعها إلى فكّ الملك، كالإيصاء بالتحرير، و الظاهر أيضاً ما ذكرنا من حصول الحرّية بمجرّد موت الموصي، كما في التدبير الذي معناه حصولها عقيب حياته و دبرها، لا تحرير الورثة إيّاه الذي لازمه ما ذكر، و كذا في الوصيّة بالإبراء.

(1) إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت و آثاره بحيث يكون فيه احتماله مورداً لاعتناء العقلاء و إن لم يتحقّق الاطمئنان، فالواجب عليه:

______________________________

(1) الحواشي على العروة الوثقى: 2/ 761 762، كتاب الوصيّة، فصل

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 136

[مسألة 2: إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق و واجبات]

مسألة 2: إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق و واجبات،

لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال و يؤدّون الحقوق و الواجبات،

______________________________

أوّلًا: أن يوصل ما عنده من أموال الناس من الودائع و البضائع و نحوها إلى أصحابها، و إن لم تكن يده ضمانيّة كالوديعة مع عدم التعدّي و التفريط، نظراً إلى حكم العقل بلزوم تفريغ الذمّة يقيناً بعد اشتغالها كذلك، و كذا يجب عليه أداء ما عليه خالقيّاً، كالأمثلة المذكورة في المتن، أو خلقيّاً إلّا الديون المؤجّلة التي لم يأت أجلها حتّى تشتغل الذمّة به فعلًا.

و ثانياً: أنّه مع عدم التمكّن من الإيصال و الإتيان بنفسه بالمباشرة أو التوكيل يجب عليه الوصيّة بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، و في المتن لزوم الإشهاد عليها، خصوصاً إذا خفيت على الورثة، و الوجه في صورة الخفاء واضح، و أمّا صورة عدم الخفاء، فلأنّه لا يكفي في وصول أموال الناس إلى أربابها مجرّد اطّلاع الورثة، فاللازم الإشهاد.

و كذا يجب الإيصاء بأداء ما عليه من الحقوق الماليّة خلقيّاً كانت أو خالقيّاً، كالأمثلة المذكورة في المتن أيضاً، بل يجب عليه الوصيّة بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة التي تجري فيها الاستنابة و الاستئجار، كقضاء الصلاة و الصوم إن كان عليه و لم يكن له وليّ يقضيها عنه، للزوم القضاء على الولي، كما مرّ في كتاب الصلاة «1»، و في المتن الترقّي بما لو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه أو الاستئجار عليه، أو يرى عدم صحّة عمله و إن كان الوليّ معتقداً بالصحّة، لكنّ الاعتقاد المذكور لا يوجب الاتّصاف بالصحّة.

______________________________

(1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة، القول في صلاة القضاء مسألة 16.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان

و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 137

لم يجب عليه الإيصال و الإيصاء و إن كان أحوط و أولى (1).

[مسألة 3: يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان]

مسألة 3: يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان، و لا يعتبر فيها لفظ خاصّ، ففي التمليكيّة يقول: «أوصيت لفلان بكذا» أو «أُعطوا فلاناً» أو «ادفعوا إليه بعد موتي» أو «لفلان بعد موتي كذا» و نحوها بأيّ نحو يفيد ذلك. و في العهدية: «افعلوا بعد موتي كذا و كذا». و الظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق، خصوصاً في الوصيّة العهديّة إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة، و كانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه و إمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة، فيجب تنفيذها، بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة لا يخلو من قوّة، و إن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً (2).

______________________________

(1) حيث إنّ المقصود في باب أموال الناس التي تكون عند الموصي أو على عهدته الإيصال إليهم، و في باب التكاليف و الواجبات الإتيان بها و الخروج عن عهدتها، فإن علم أو اطمئنّ بأنّ أخلافه يتصدّون لهذه الأُمور و لا يبقى منه شي ء لا يجب عليه الإيصال بنفسه، أو الإيصاء بالإيصال، أو أداء الواجبات؛ لأنّ الوجوب إنّما هو لأجل الخروج عن العهدة بعد ثبوت الاشتغال، و مع العلم أو الاطمئنان بما ذكر لا يبقى مجال للوجوب و إن كان مع ذلك أحوط و أولى.

(2) يكفي في الوصيّة كلّ لفظ يدلّ عليها من أيّ لغة كان، و لا يعتبر فيها لفظ خاصّ، و الدليل عليه مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار لفظ

خاصّ اختلاف المسلمين من جهة الألسن و اللغات من ناحية، و عدم ثبوت وقت خاصّ لها، و من

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 138

..........

______________________________

الممكن إيقاعها قبل الفوت بلحظات من ناحية أُخرى.

فيكفي في الوصيّة التمليكيّة و العهدية مثل ما أُفيد في المتن، و استظهر فيه الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق، كما هو المتعارف في الوصايا إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة، و كانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود.

و الظاهر اعتبار الأوّل في لزوم العمل بالوصيّة، و أمّا الثاني فلا يجوز ترك الأخذ بالوصيّة المكتوبة مع الإجمال و عدم ظهور الدلالة، بل لا بدّ من التوسّل بالقرعة، أو التصالح، أو مثل ذلك، بل نفى الخلوّ عن القوّة في الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة، و الوجه أنّه لا دليل على كون الوصيّة بأمر خاصّ. نعم، الاكتفاء على صورة الضرورة يكون أحوط.

و ربما يستدلّ على اعتبار الكتابة بقوله عليه السلام: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلّا و وصيّته تحت رأسه «1»، بل و بمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: رجل كتب كتاباً بخطّه و لم يقل لورثته: هذه وصيّتي، و لم يقل: إنّي قد أوصيت، إلّا أنّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك؟ فكتب عليه السلام: إن كان له ولد ينفذون كلّ شي ء يجدون في كتاب أبيهم في وجوه البرّ و غيره «2».

و لكن أورد على الاستدلال بالأُولى مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال بعدم الدلالة فيه على كفاية ما يوجد بخطّه و كونه حجّة

على الورثة، بل مفادها الترغيب في الاستعداد للموت.

______________________________

(1) المقنعة: 666، و عنه الوسائل 19/ 258، كتاب الوصايا ب 1 ح 7.

(2) الفقيه: 4/ 146 ح 507، التهذيب: 9/ 242 ح 936، و عنهما الوسائل: 19/ 372، كتاب الوصايا ب 48 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 139

[مسألة 4: للوصيّة التملكيّة أركان ثلاثة: الموصي، و الموصى به، و الموصى له]

مسألة 4: للوصيّة التملكيّة أركان ثلاثة: الموصي، و الموصى به، و الموصى له، و قوام العهديّة بأمرين: الموصي، و الموصى به. نعم، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ بأُمور ثلاثة: هما، و الموصى إليه؛ و هو الذي يطلق عليه الوصيّ (1).

[مسألة 5: لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى قبول. نعم]

مسألة 5: لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى قبول. نعم، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله، لكن في وصايته لا في أصل الوصية. و أمّا الوصيّة التمليكيّة، فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصية للفقراء و السادة، فهي كالعهديّة لا يعتبر فيها القبول، و إن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له، و الظاهر أنّ تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها من حرمة التبديل و نحوها لا يتوقّف على القبول، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه، فلا يتملّك قهراً، فالوصية من الإيقاعات، لكنّها جزء سبب للملكيّة في الفرض (2).

______________________________

و على الاستدلال بالثانية مضافاً إلى ضعف سندها بكلا طريقيها بأنّ مفادها الحجّية على الأولاد بعد أن كان السؤال عن الحجّية لمطلق الوارث، و مفهوم الجواب عدم الحجّية لغير الولد.

(1) قوام الوصيّة التملكيّة بأُمور ثلاثة: الموصي، و الموصى به، و الموصى له، و لكن الوصيّة العهديّة تتقوّم بأمرين: الموصي، و الموصى به. نعم، لو عيّن الموصي شخصاً خاصّاً لتنفيذها وارثاً كان أو غيرها يضاف إليهما أمر ثالث؛ و هو الموصى إليه الذي يطلق عليه الوصيّ.

(2) قد نفى الإشكال عن أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول؛ لأنّ مرجعها إلى

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 140

..........

______________________________

الإيصاء بإتيان عمل بعد موته. نعم، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله، لكن القبول معتبر في اتّصافه بكونه وصيّاً

و صيرورته كذلك، لا في أصل صحّة الوصيّة. و أمّا الوصيّة التمليكيّة فقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا كانت تمليكاً للنوع، كالفقراء فلا يعتبر فيها القبول. و إن كانت تمليكاً للشخص، فالمشهور «1» على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له، و استظهر فيه أنّ تحقّق الوصيّة فيها أيضاً لا يتوقّف على القبول، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه، و لكنّا ذكرنا في التعليقة على العروة أنّ حصول الملكيّة للموصى له يتوقّف على عدم الردّ، بحيث يكون الردّ مانعاً؛ لظهور الإجماع «2»، و لولاه لم يتوقّف عليه أيضاً.

و ما أفاده سيّدنا العلّامة الأستاذ قدس سره دليلًا على اعتبار القبول؛ من أنّ أدلّة الوصيّة غايتها الدلالة على نفوذ عهد الإنسان عند موته فيما كان قبله تحت سلطانه، و أنّ سلطنته عليه باقية إذا عهد فيه بأمر، و أمّا كون سلطانه عند موته على ما لم يكن سلطاناً عليه قبل ذلك كما هو قضيّة الملك القهري، فلا تدلّ عليه «3»، يمكن المناقشة فيه بمنع كون أدلّة الوصيّة غايتها الدلالة على مجرّد ذلك.

كيف؟ و المحذور لا يندفع بمجرّد اعتبار القبول بعد مغايرتها مع سائر العقود في حصول الموت بين الإيجاب و القبول. و تحقّق الفصل الطويل و غيرهما، و كون الملك القهري خلاف الارتكاز العرفي غير ثابت، فالظاهر أنّه مع عدم قيام الإجماع لم يكن يتوقّف حصول الملكيّة على شي ء و لم يمنع عنها شي ء كما عرفت «4»، و مقتضى

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 762 كتاب الوصيّة مسألة 3899.

(2) غنية النزوع: 306، رياض المسائل: 9/ 429.

(3) الحواشي على العروة الوثقى للسيّد البروجردي: 187.

(4) الحواشي على العروة الوثقى: 2/ 762، حاشية مسألة 3899.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و

النذور،الكفارات،الصيد، ص: 141

[مسألة 6: يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولًا أو فعلًا]

مسألة 6: يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولًا أو فعلًا، كأخذ الموصى به و التصرّف فيه بقصد القبول (1).

[مسألة 7: لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته]

مسألة 7: لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته، كما لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متّصلًا به، أو متأخّراً عنه مدّة (2).

[مسألة 8: لو ردّ بعضاً و قبل بعضاً صحّ فيما قبله و بطل فيما ردّه على الأقوى]

مسألة 8: لو ردّ بعضاً و قبل بعضاً صحّ فيما قبله و بطل فيما ردّه على الأقوى، إلّا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع (3).

______________________________

ما ذكرنا عدم اعتبار القبول و أنّ الردّ مانع، و عليه فالوصيّة من الإيقاعات و تكون تمام السبب المملّك بشرط عدم الردّ.

(1) بناءً على اعتبار القبول في بعض موارد الوصيّة التمليكيّة كما عرفت منّا الإشكال في ذلك يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولًا أو فعلًا، كأخذ الموصى له الموصى به و التصرّف فيه بقصد القبول و بعنوان المالكيّة، و لا يعتبر في القبول اللفظ، فضلًا عن لفظ خاصّ؛ لعدم الدليل على ذلك.

(2) لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته، من دون فرق في الأوّل بين صورة الاتّصال بالوصيّة أو الانفصال عنها، كما أنّه لا فرق في الثاني بين صورتي الاتّصال و التأخّر، بشرط أن لا تكون المدّة كثيرة مانعة عن لحاظ الارتباط بينه و بين الإيجاب، و هذه الأُمور تؤيّد ما ذكرنا في الحاشية من عدم اعتبار القبول أصلًا «1»، كما لا يخفى.

(3) لو ردّ الموصى له بعض الموصى به و قبل بعضاً ففي المتن صحّ فيما قبله و بطل

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 762، كتاب الوصيّة، حاشية مسألة 3899.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 142

[مسألة 9: لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته]

مسألة 9: لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ و القبول، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته (1).

[مسألة 10: الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً]

مسألة 10: الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلًا، ثمّ إلى وارثه و إن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له، و لا تنفذ فيه وصاياه (2).

______________________________

فيما ردّه على الأقوى، من دون فرق بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ، لفرض تحقّق كليهما. غاية الأمر بالنسبة إلى الأبعاض، و استثنى فيه صورة ما إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع، كما إذا أوصى له بخاتم أو مثله، ففي هذه الصورة يكون التبعيض مبطلًا، من دون فرق أيضاً بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ؛ لما عرفت من تحقّق كلا الأمرين، اللّهمَّ إلّا أن يقال: إنّ القدر المتيقّن من الردّ المتّصف بالمانعيّة إجماعاً هو ردّ المجموع لا البعض، و حينئذٍ لا يؤثّر ردّ البعض أصلًا، بل الوصيّة نافذة بالإضافة إلى المجموع و إن لم يتحقّق القبول بالنسبة إليه، فتدبّر جيّداً.

(1) لو تحقّق موت الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ و القبول؛ لأنّ حقّ ذلك ينتقل إلى ورثته؛ لأنّه من جملة ما تركه، فلو فرض عدم رجوع الموصي عن وصيّته يملك ورثة الموصي له الموصى به بقبولهم كمورّثهم.

(2) هل وارث الموصى له يتلقّى المال ابتداءً من الموصى له بعد انتقال المال إليه أوّلًا و القسمة بين الورثة

مع التعدّد على حسب قسمة المواريث، أو أنّه يتلقّى المال

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 143

[مسألة 11: إذا قبل بعض الورثة و ردّ بعضهم صحّت الوصية فيمن قبل]

مسألة 11: إذا قبل بعض الورثة و ردّ بعضهم صحّت الوصية فيمن قبل، و بطلت فيمن ردّ بالنسبة (1).

______________________________

من الموصي من دون واسطة؟

و تظهر الثمرة في ديون الموصى له و نفوذ وصاياه، فعلى الأوّل تخرج من مال الموصى له؛ لتقدّمها على الإرث دون الثاني؛ لعدم ارتباط الوصيّة بالموصى له حينئذٍ، قد استظهر في المتن الثاني، و الوجه فيه أنّه لم ينتقل إلى الموصى له بعد فوته في حياة الموصي قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول، و الذي انتقل إلى الورثة إنّما هو مجرّد حقّ القبول، فاللازم الالتزام بأنّ ورثة الموصي له يتلقّون المال من الموصي ابتداءً في صورة القبول و عدم رجوع الموصي عن وصيّته، و يترتّب عليه ما ذكر.

(1) لو اختلف ورثة الموصي له في الردّ و القبول فتحقّق الأوّل من بعض و الثاني من البعض الآخر، فهو كما إذا قبل الموصى له البعض دون الآخر، كما تقدّم في المسألة الثامنة، و عليه فتصحّ الوصيّة في المقام فيمن قبل، و تبطل فيمن ردّ بالنسبة، كما في تلك المسألة بالنظر إلى الأبعاض، فتدبّر جيّداً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 144

[ [ما يعتبر في الموصي] ما يعتبر في الموصي]

اشارة

ما يعتبر في الموصي] ما يعتبر في الموصي

[مسألة 12: يعتبر في الموصي البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد]

مسألة 12: يعتبر في الموصي البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ. نعم، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ و المعروف، كبناء المساجد و القناطر و وجوه الخيرات و المبرّات، و كذا لا تصحّ وصيّة المجنون و لو أدواريّاً في دور جنونه، و لا السكران، و لا المكره، و لا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه (1).

______________________________

(1) يدلّ على صحّة وصيّة البالغ عشراً في الجملة روايات:

منها: موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته «1».

و منها: موثّقة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق، أو تصدّق، أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز «2».

و منها: موثّقة أبي بصير و أبي أيّوب، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي، قال: إذا أصاب موضع الوصيّة جازت «3».

و منها: موثّقة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال: إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته «4».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 28 ح 3، الفقيه: 4/ 145 ح 501، و عنهما الوسائل: 19/ 362، كتاب الوصايا ب 44 ح 3.

(2) الكافي: 7/ 28 ح 1، الفقيه: 4/ 145 ح 502، التهذيب: 9/ 181 ح 729، و عنها الوسائل: 19/ 362، كتاب الوصايا ب 44 ح 4.

(3) التهذيب: 9/ 181 ح 727، و عنه الوسائل: 19/ 363، كتاب الوصايا ب 44

ح 6.

(4) التهذيب: 9/ 182 ح 730، و عنه الوسائل: 19/ 363، كتاب الوصايا ب 44 ح 7.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 145

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات المعتبرة التي ادّعي استفاضتها الدالّة على ذلك.

و في مقابلها روايتان:

إحداهما: ما دلّ على أنّ المناط في صحّة وصيّة الصبيّ هو العقل لا البلوغ عشر سنين؛ و هي موثّقة جميل بن درّاج، عن أحدهما عليهما السلام قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم «1».

ثانيتهما: ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ و صحّتها إذا بلغ ثمان سنوات؛ و هي رواية الحسن بن راشد، عن العسكري عليه السلام قال: إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك «2».

و يمكن الجواب عن الرواية الأُولى مضافاً إلى أنّ اعتبار العقل في صحّة الوصية ثابت بالإضافة إلى البالغ أيضاً، فلا مجال للحكم بصحّة وصيّته، خصوص غير البالغ إذا كان عاقلًا بأنّ الرواية تدلّ على صحّة طلاقه و صدقته أيضاً مع عدم الاحتلام، فلا يجوز الأخذ بها، خصوصاً بملاحظة ما مرّ في كتاب الحجر «3» من السنّ المعتبر علامة للبلوغ. نعم، لا بدّ من حمل إطلاق الغلام على البالغ عشراً، نظراً إلى تلك الروايات المتقدّمة.

و أمّا رواية الحسن بن راشد فمضافاً إلى المناقشة في سندها، و في دلالتها على جواز أمره مطلقاً إذا بلغ ثماني سنين لا خصوص وصيّته تكون الشهرة المحقّقة «4»

______________________________

(1) التهذيب: 9/ 182 ح 733، و عنه الوسائل: 19/ 212، كتاب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 2.

(2) التهذيب: 9/ 183 ح 736، و

عنه الوسائل: 19/ 212، كتاب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في الصغر، مسألة: 3.

(4) شرائع الإسلام: 2/ 244، رياض المسائل: 9/ 439 440، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 2/ 465، كفاية الأحكام: 145، جواهر الكلام: 28/ 271.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 146

..........

______________________________

التي هي أوّل المرجّحات و في صدرها على خلافها، حيث إنّه لم يقل بها إلّا ابن الجنيد «1».

نعم، هنا رواية تخالف جميع الروايات المتقدّمة؛ و هي صحيحة أبي بصير المرادي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين، و أوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته، و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقٍّ جازت وصيّته «2». هذا، و الظاهر الإجماع «3» على خلاف هذه الرواية المفصّلة بالكيفيّة المذكورة فيها.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاقات الروايات المتقدّمة أنّه لا فرق بين ذوي الأرحام و الغرباء، كما ذهب إليه المشهور «4»، لكن هنا صحيحة دالّة على التفصيل؛ و هي ما رواه محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء «5».

و لعلّه لذا استشكل بعض المحشّين على العروة و قال: إنّ صحّة وصيّته للغرباء محلّ إشكال «6» و إن صرّح في متن العروة بعدم الفرق، و هو مقتضى قاعدة الإطلاق و التقييد و الجمع الدلالي بينهما فيما لم يكن هناك إجماع على الخلاف.

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 6/ 348.

(2) الكافي: 7/ 29 ح 4، الفقيه: 4/ 145 ح 503، التهذيب: 9/ 182 ح

732 و عنها الوسائل: 19/ 361، كتاب الوصايا ب 44 ح 2.

(3) مسالك الأفهام: 6/ 141، الحدائق الناضرة: 22/ 412.

(4) العروة الوثقى: 2/ 771، كتاب الوصيّة مسألة 3908، الأمر الأوّل.

(5) الكافي: 7/ 28 ح 2، الفقيه: 4/ 146 ح 504، التهذيب: 9/ 181 ح 728، و عنها الوسائل: 19/ 360، كتاب الوصايا ب 44 ح 1.

(6) التعليقة على العروة الوثقى للسيّد الخوئي: 310.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 147

..........

______________________________

و ذكر بعض الأعلام في شرح العروة أنّ النسبة بين صحيحة محمّد بن مسلم و بين ما دلّ على نفوذ وصيّة الغلام إذا بلغ عشراً، إنّما هي العموم و الخصوص من وجه، فهما قد يجتمعان و قد يفترقان، فيجتمعان في وصيّة الغلام البالغ عشراً لأرحامه، و يفترقان في موردين: وصيّة البالغ عشراً لغير أرحامه، و وصيّة من لم يبلغ عشراً لأرحامه، حيث إنّ مقتضى ما دلّ على نفوذ وصيّة البالغ عشراً هو صحّة الأوّل و فساد الثاني، في حين أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم هو العكس فيهما.

و حينئذٍ فمقتضى القواعد هو التساقط و الرجوع إلى عموم ما دلّ على حجر الصبيّ و عدم نفوذ تصرّفاته ما لم يحتلم «1».

فما أفاده الماتن وفاقاً للمشهور لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ القدر المتيقّن من نفوذ وصيّة الصبي هو ما إذا بلغ عشراً و كانت وصيّته للأرحام، اللّهمّ إلّا أن يثبت إجماع على عدم الفرق، لكنّه غير ثابت «2».

و يمكن أن يورد عليه بأنّه بعد ما حكمنا باعتبار وصيّة الغلام فيما إذا بلغ عشراً في الجملة، و طرحنا الروايات الدالّة على خلاف ذلك، نظراً إلى الشهرة المرجّحة كما مرّ لا محيص من رعاية مقتضى الإطلاق و التقييد بين

تلك الروايات، و بين صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على اختصاص الجواز و النفوذ بالأرحام و عدم الجواز للغرباء، إلّا أن يقال بأنّ مرجع ذلك إلى ثبوت الإجماع، و هو لو تمّ فإنّما هو على عدم الفرق، لا تحقّق الفرق، فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) يراجع تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، مسألة 3، الأمر الثاني.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى: 33/ 337.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 148

..........

______________________________

ثمّ إنّ ظاهر المتن اختصاص صحّة وصيّة البالغ عشراً بما إذا كانت في برٍّ و معروف، كالأمثلة المذكورة فيه، مع أنّ أكثر الروايات الدالّة على ذلك خالية عن هذا القيد. نعم، في موثّقة زرارة المتقدّمة: «أو أوصى على حدّ معروف و حقٍّ فهو جائز». و الظاهر أنّ المراد بالحقّ ما ثبت على عهدته بحيث يجب عليه بعد البلوغ الفراغ عنه، أو يجب على الوليّ ذلك من مال الصغير، كما لو أتلف مال الغير فصار ضامناً؛ لقاعدة الإتلاف «3»، و قد تقرّر في محلّه عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين «1»، و أمّا قوله: «على حدّ معروف» فهل المراد به وجوه الخيرات و المبرّات، و يؤيّده ذكره في سياق الإعتاق و التصدّق، أو أنّ المراد به المقدار الذي تنفذ الوصيّة به في غير الصبيّ و هو الثلث دون الأزيد، و يؤيّد هذا الاحتمال ذكر كلمة «على» مكان الباء، مع أنّ المناسب في الوصية التمليكيّة و شبهها هو الباء، كما لا يخفى.

و أمّا اعتبار العقل في الموصي، فلما دلّ على رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق «2»، و ليس المراد رفع المؤاخذة كما قرّر في محلّه «13»، و منه يظهر أنّ المجنون الأدواري لا تصحّ وصيّته في دور الجنون،

و أمّا دور الإفاقة فلا مانع من النفوذ، كما أنّ الأمر في السكران يشابه هذا، فإذا بلغ السكر إلى مرتبة زوال الشعور و الإدراك فهو ملحق بالمجنون؛ لعدم الفرق، و أمّا إذا لم يبلغ تلك المرتبة فلا دليل على بطلان وصيّته.

كما أنّ الدليل على اعتبار الاختيار في مقابل الإكراه ما دلّ على رفع ما

______________________________

(3) القواعد الفقهيّة للمؤلّف حفظه اللّٰه: 45 61.

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 331 339.

(2) الخصال: 94 ح 40 وص 175 ح 233، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.

(13) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 336 338.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 149

[مسألة 13: يعتبر في الموصي مضافاً إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً]

مسألة 13: يعتبر في الموصي مضافاً إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً، فمن أوقع على نفسه جرحاً، أو شرب سمّاً، أو ألقى نفسه من شاهق و نحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله. و إن كان إيقاع ما ذكر خطأً، أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به نفذت وصيّته. و لو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه لم تبطل وصيّته و إن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها (1).

______________________________

استكرهوا عليه «1»، سواء كان في العقود و الإيقاعات أو غيرهما. نعم، لا يجوز قتل الغير بالإكراه عليه؛ لوجود الدليل على ذلك.

و الدليل على اعتبار الرشد في مقابل السفه و الفلس ما تقدّم في كتاب الحجر من محجوريّة السفيه و المفلّس «2»، فلا تنفذ وصيتهما إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه. نعم، لا بأس بمثل الوصيّة العهديّة الراجعة إلى الصلاة و الصوم و غيرهما، فلاحظ.

نعم،

ذكر في العروة أنّ المفلس لا مانع من وصيّته و إن كانت بعد حجر الحاكم؛ لعدم الضرر بها على الغرماء؛ لتقدّم الدين على الوصيّة «3».

(1) الدليل على اعتبار الأمر المذكور مضافاً إلى أنّه المشهور «4» خلافاً لابن

______________________________

(1) نوادر ابن عيسى: 74 ح 157 159، الكافي: 2/ 462 463 ح 1 و 2، التوحيد: 353 ح 24، الفقيه: 1/ 36 ح 132، الخصال: 417 ح 9، تفسير العيّاشي: 1/ 160 ح 534، و عنها الوسائل: 7/ 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2، و ج 8/ 249، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 1، و ج 15/ 369 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1 3، و ج 16/ 218، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 10، و ج 23/ 235، كتاب الأيمان ب 16.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد؛ ص: 149

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في السفه، و القول في الفلس.

(3) العروة الوثقى: 2/ 771، كتاب الوصيّة، مسألة 3908، الأمر الرابع.

(4) المهذّب البارع: 3/ 98، جامع المقاصد: 10/ 34، مسالك الأفهام: 6/ 142، كفاية الأحكام: 145، الحدائق الناضرة: 22/ 413.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 150

..........

______________________________

إدريس «1» و تبعه بعض «2» صحيحة أبي ولّاد قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها، قلت:

أ رأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته؟ قال: فقال: إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل أُجيزت وصيّته في ثلثه، و إن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته «3».

و في العروة أنّ القدر المنصرف إليه الإطلاق، الوصيّة بالمال، و أمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز و نحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها «4»، و يظهر من المتن أيضاً ذلك كما أنّ الظاهر بيان الرواية لأحكام صور المسألة الثلاثة، أمّا الأُولى فقوله في الذيل: «و إن كان أوصى بوصيّته بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته» فإنّ موردها هو الإحداث العمدي مع القطع بالموت أو الظنّ به.

و منه يظهر حكم الصورة الثانية، و هي ما لو كان إيقاع ذلك خطأ أو مع الاطمئنان بعدم الموت فاتّفق موته به نفذت وصيّته، كما أنّ صدر الرواية دالّ على حكم الصورة الثالثة، و هو ما إذا كانت الوصيّة متقدّمة على إحداث الحدث المذكور، فإنّها تدلّ على جواز وصيّته في خصوص الثلث كما في سائر الموارد، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين البناء حال الوصيّة على إحداث الحدث و عدمه.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 197 198.

(2) مختلف الشيعة: 6/ 327 328 مسألة 107، إيضاح الفوائد: 2/ 479.

(3) الكافي: 7/ 45 ح 1، الفقيه: 4/ 150 ح 522، التهذيب: 9/ 207 ح 820 و عنها الوسائل: 19/ 378، كتاب الوصايا ب 52 ح 1.

(4) العروة الوثقى: 2/ 772 مسألة 3908، الأمر السادس.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 151

[مسألة 14: لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء و الجنون للموصي]

مسألة 14:

لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء و الجنون للموصي و إن بقيا إلى حين الممات (1).

______________________________

(1) الوجه في ذلك أنّه لا دليل على كون الإغماء و الجنون العارضين بعد الوصيّة في حال السلامة و الخلوّ من الجنون موجبين لبطلانها، و دعوى أنّ الوصيّة من العقود الجائزة و هي تبطل بالجنون العارض ما لم يدلّ دليل على عدمه، مدفوعة بأنّ إثبات هذه الدعوى يحتاج إلى الدليل، و هو مفقود، فتدبّر جيّداً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 152

[ما يشترط في الموصى له]

اشارة

[ما يشترط في الموصى له] ما يشترط في الموصى له

[مسألة 15: يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة]

مسألة 15: يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت، أو لما تحمله المرأة في المستقبل، و لمن سيوجد من أولاد فلان، و تصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة و إن لم تلجه الروح، و انفصاله حيّاً، فلو انفصل ميّتاً بطلت و رجع المال ميراثاً لورثة الموصي (1).

______________________________

(1) لا شبهة في اعتبار وجود الموصى له حين الوصيّة، فلا تصحّ للمعدوم؛ لأنّه لا معنى لتمليكه و إن فرض وجوده حين الموت، ضرورة أنّ أصل إنشاء التمليك بالنسبة إلى المعدوم غير صحيح، كما في البيع بالإضافة إلى المشتري غير الموجود، بل قد عرفت «1» أنّه في صورة موت الموصى له الموجود حال الوصيّة يتلقّى وارث الموصى له الملكيّة من الموصي و إن كان التقسيم إنّما هو على حسب الإرث كما مرّ «2»، لا من الموصى له الميّت.

نعم، في انتقال دية المقتول إلى ورثته في فرض عفو الورثة عن القصاص و قبول أخذ الدية مع موافقة القاتل يجري احتمال كون الدية منتقلًا من الميّت إلى الورثة، لا ملكاً لهم ابتداءً، و لكن هذه الملكية معتبرة مقدّمة للانتقال إلى الوارث في من ينعتق عليه كالأب، مع أنّ الإنسان لا يصير مالكاً للأب حتّى يعتقه، فالملكيّة المفروضة إنّما هي مقدّمة للانعتاق، و لا مجال لتوهّم الاستمرار.

ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر صحّة الوصيّة للحمل بشرطين معتبرين في باب الإرث أيضاً:

______________________________

(1) في ص 142 143.

(2) في ص 142 143.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 153

[مسألة 16: تصحّ الوصيّة للذمّي]

مسألة 16: تصحّ الوصيّة للذمّي، و كذا للمرتدّ الملّي إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف، و في عدم صحّتها للحربي و المرتدّ الفطري تأمّل (1).

______________________________

أحدهما: وجوده حين الوصيّة و

إن لم تلجه الروح.

ثانيهما: انفصاله حيّاً، فلو انفصل ميّتاً بطلت الوصيّة و رجع المال ميراثاً لورثة الموصي، كما أنّه لا يرث في هذه الصورة و يرث سهمه سائر الورّاث.

(1) تصحّ الوصيّة للذمّي و المرتدّ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر، كالمصحف و العبد المسلم، و يدلّ على صحّة الوصيّة للكافر في الجملة مضافاً إلى ما ذكر روايات.

منها: رواية الريّان بن شبيب (الصلت خ ل) قال: أوصت ماردة (مارد، مارية خ ل) لقوم نصارى فراشين بوصيّة، فقال أصحابنا: اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك، فسألت الرضا عليه السلام فقلت: إنّ أُختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى، و أردت أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين؟ فقال: امض الوصيّة على ما أوصت به، قال اللّٰه تعالى فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ «1»، «2».

و في المتن: «و في عدم صحّتها للحربيّ و المرتدّ الفطري تأمّل» و لعلّ منشأ التأمّل من وجوب قتلهما و إعدامهما، فلا معنى للوصيّة التمليكيّة بالإضافة إليهما، و من أنّ وجوب القتل لا ينافي التمليك بعد فرض إمكان اتّصافهما بالملكيّة و لو مع الارتداد الفطري و الكفر الحربي، و لعلّ الاحتمال الأوّل أقرب و إن كان لا يظهر من المتن ترجيح لأحد الاحتمالين، بل لعلّ التعبير يشعر بترجيح الثاني، فتأمّل.

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 181.

(2) الكافي: 7/ 16 ح 2، التهذيب: 9/ 202 ح 806، الاستبصار: 4/ 129 ح 486 و عنها الوسائل: 19/ 343، كتاب الوصايا ب 35 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 154

[أحكام الوصيّة]

اشارة

أحكام الوصيّة

[مسألة 17: يشترط في الموصى به في الوصية التمليكيّة أن يكون مالًا أو حقّا قابلًا للنقل]

مسألة 17: يشترط في الموصى به في الوصية التمليكيّة أن يكون مالًا أو حقّا قابلًا للنقل، كحقّي التحجير و الاختصاص؛ من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعة، و في العين بين كونها موجودة فعلًا أو ممّا ستوجد، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة، أو يثمر الشجر في المستقبل (1).

[مسألة 18: لا بدّ و أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالًا شرعاً]

مسألة 18: لا بدّ و أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالًا شرعاً، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل، و الخنزير، و آلات اللهو و القمار، و لا بالحشرات و كلب الهراش و نحوها، و أن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية و آلات اللّهو، و كذا منفعة القردة و نحوها (2).

______________________________

(1) يعتبر في الموصى به في الوصيّة التملكيّة أن يكون مالًا أو حقّا قابلًا للنقل، كالمثالين المذكورين في المتن؛ لصدق عنوان ترك الخير المعنون في الآية الشريفة «1» عليهما فقط، و لا فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير، أو منفعة يمكن تمليكها في الإجارة و نحوها، كما أنّه لا فرق في العين بين أن تكون موجودة بالفعل أو ممّا ستوجد قطعاً أو اطمئناناً، كحمل الدابّة أو ثمر الشجر في المستقبل، كما أنّه لا فرق في الدين الذي يكون للموصي على ذمّة الغير بين أن يكون درهماً و ديناراً، أو يكون عروضاً، كما إذا اشتراه سلماً و سلفاً، فإنّه لا مانع من الإيصاء به إلى الغير.

(2) لا بدّ في الموصى به أن يكون مالًا شرعاً؛ بأن يكون ذات منفعة عقلائيّة

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 180.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 155

[مسألة 19: لا تصحّ الوصيّة بمال الغير]

مسألة 19: لا تصحّ الوصيّة بمال الغير و إن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه؛ بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، و أمّا عن الغير؛ بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه، فلا تبعد صحّته و نفوذه بالإجازة (1).

______________________________

محلّلة، فلا تصحّ الوصيّة بالأُمور المذكورة في المتن المشتركة في عدم الاتّصاف بالماليّة الشرعيّة، كما

ظهر أنّه لو كان الموصى به نفس المنفعة فقط لا بدّ و أن تكون محلّلة، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية و آلات اللهو لحرمتها، و كذا لا تصحّ الوصيّة بالقردة و مثلها؛ لعدم ثبوت نفع عقلائيّ لها.

(1) للوصيّة بمال الغير صورتان:

الاولى: ما إذا كان الإيصاء به عن نفسه؛ بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، و الوصيّة بهذه الصورة غير جائزة و إن أجاز المالك؛ لأنّ الإجازة لا توجب صيرورته ملكاً للموصي و معدوداً من جملة ما تركه، كما لا يخفى.

الثانية: ما إذا كان الإيصاء به عن الغير؛ بأن جعله للموصى له بعد وفاة ذلك الغير، و قد نفى في المتن البُعد عن صحّتها و نفوذها بالإجازة، و منشأه أنّ الفضولي ليس على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على الموارد المتيقّنة، بل هو أمر على وفقها يجري في كلّ العقود ما لم يدلّ دليل على الخلاف.

نعم، ربما يتوهّم أنّ عدم جريان الفضوليّة في الوصيّة إنّما هو لأجل عدم كونها من العقود بل من الإيقاعات، كما تقدّم في المسألة الخامسة، و لكن الجواب أنّ عدم جريان الفضوليّة في الإيقاعات أيضاً ليس على خلاف القاعدة، بل يقتصر فيه على موارد دلّ الدليل على عدم الجريان فيها، كالطلاق و العتق و الإبراء و نحوها، و عليه فلا يبعد أن يقال كما في المتن بالصحّة مع الإجازة اللاحقة في هذه الصورة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 156

[مسألة 20: يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملًا سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء]

مسألة 20: يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملًا سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة، و قطّاع الطريق، و تعمير الكنائس، و نسخ كتب الضلال و نحوها، و كذا

بصرف المال فيما يكون سفهاً و عبثاً (1).

[مسألة 21: لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً و غير سائغ عند الوصيّ]

مسألة 21: لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً و غير سائغ عند الوصيّ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه و هو غير جائز عند الوصيّ، لم يجز له تنفيذها، و لو انعكس الأمر انعكس (2).

______________________________

(1) يشترط في الوصية العهديّة أمران:

أحدهما: أن يكون ما أوصى به جائزاً غير محرّم؛ لوضوح عدم نفوذ الوصيّة بالأمر المحرّم الشرعيّ، كالأمثلة المذكورة في المتن.

ثانيهما: أن يكون ما أوصى به ممّا تعلّق به غرض عقلائيّ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف المال فيما يكون سفهاً و عبثاً، بل الوصيّة بما يكون كذلك و إن لم يكن متوقّفاً على صرف المال، بل هذه الصورة هو الفرد الواضح من هذا الشرط، و إن كانت العبارة غير خالية عن الاضطراب و التشويش.

(2) لو أوصى بما هو سائغ عند الموصي اجتهاداً أو تقليداً و غير سائغ عند الوصيّ كذلك، كالمثال المذكور في المتن فاللازم على الوصيّ العمل على ما يطابق اعتقاده، فلو لم يكن نقل الجنازة عنده جائزاً و لو إلى المشاهد المشرّفة أو إلى غيرها الذي تعلّقت الوصيّة به، لا يجوز له التنفيذ، كما في النائب في العبادات الواقعة نيابة تبرّعاً أو مع الاستئجار، حيث إنّ اللازم على النائب تطبيق العمل على ما هو مقتضى اعتقاده، لا اعتقاد المنوب عنه كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 157

[مسألة 22: لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه كتغسيله و الصلاة عليه مع وجود الوليّ]

مسألة 22: لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه كتغسيله و الصلاة عليه مع وجود الوليّ، ففي نفوذها و تقديمه على الوليّ و عدمه وجهان، بل قولان، و لا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ، و الوليّ بالإذن له (1).

[مسألة 23: يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث]

مسألة 23: يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث، و تفصيله: أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ؛ كأداء ديونه و أداء ما عليه من الحقوق؛ كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفّارات، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ، بل لو لم يوص به يخرج منه و إن استوعب التركة، و يلحق به الواجب الماليّ المشوب بالبدني، كالحجّ و لو كان منذوراً على الأقوى. و إن

______________________________

(1) لو لم تقع الوصيّة بمباشرة تجهيزه من التغسيل و الصلاة عليه، أو وقعت الوصيّة بمباشرة الوليّ ذلك، فاللازم على الوليّ مباشرته من دون إشكال. و أمّا لو أوصى لغير الوليّ المباشرة المذكورة مع وجود الوليّ و إمكان تصدّيه أو الاستجازة منه، فهنا دليلان يدلّ أحدهما على وجوب ذلك مع نظره و رعايته، و ثانيهما على لزوم العمل بالوصيّة، و قد عرفت أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول أيضاً «1».

و حينئذٍ فهل الوصيّة نافذة و يقدّم غير الولي عليه لأجل الوصية، أو أنّ اللازم رعاية نظر الوليّ رعاية لحقّه؟ فيه وجهان، بل قولان، نهى في المتن عن ترك الاحتياط بالإضافة إلى الوصيّ بالاستئذان من الوليّ؛ و كذا بالإضافة إلى الوليّ بالإذن إلى الوصيّ؛ لعدم لزوم مباشرته و كفاية إذنه و الصدور مع موافقته. نعم، لو كان كلا الدليلين دالّين على اعتبار المباشرة لكان يشكل الأمر، كما أنّه لو كان النظر في كليهما رعاية نظره

و موافقة ما يراه يتحقّق أيضاً موضوع الاحتياط المذكور في

______________________________

(1) في ص 139 140.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 158

كانت تمليكيّة أو عهديّة تبرّعية، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات، أو إقامة التعزية و نحو ذلك، نفذت بمقدار الثلث، و في الزائد صحّت إن أجاز الورثة، و إلّا بطلت، من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض، و كذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى، كما لو أوصى بالصلاة و الصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما (1).

______________________________

المتن؛ بأن يتحقّق العمل عن كلا الأذنين، و يتحقّق كلاهما و لو بالإضافة إلى الثالث، فتدبّر جيّداً.

(1) التفصيل في مسألة نفوذ الوصية بالنسبة إلى الثلث أو الزائد عليه أيضاً أنّه إذا كانت الوصيّة بواجب ماليّ كأداء ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفّارات، فلا إشكال في لزوم إخراجه من أصل التركة مطلقاً «1»، و إن استوعب جميع التركة؛ لدلالة الدليل على تأخّر الإرث عن الدين، و منه يظهر أنّه لو لم يوص به يخرج من أصل التركة و لو كان مستوعباً لها أيضاً، و لا فرق في الواجب المالي بين الماليّ المحض، كالأمثلة المذكورة في المتن، و بين الماليّ المشوب بالبدني، كالحجّ و لو كان واجباً بالنذر و شبهه، كما قوّاه في المتن.

و الوجه فيه أنّ كلّ واجب ماليّ و لو كان مشوباً بالبدني كأنّه دين على الموصي يجب إخراجه من الأصل، بخلاف الواجب البدنيّ المحض كالصلاة و الصوم مع اشتغال الذمّة بهما، و أمّا في غير ما ذكر من الوصيّة التملكيّة أو العهديّة كما في المتن فالوصيّة نافذة بالإضافة إلى الثلث مطلقاً، أي سواء

أجاز الورثة أم لم يجز، و في

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 22/ 435، رياض المسائل: 9/ 519، جواهر الكلام 28/ 298 300.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 159

..........

______________________________

الزائد على الثلث يتوقّف على إجازة الورثة، و نسب الخلاف إلى عليّ بن بابويه «1» و أنّه قائل بالنفوذ مطلقاً، لكن النسبة غير ثابتة.

و لكن ربّما يستدلّ لهذا القول ببعض الروايات، مثل:

رواية محمّد بن عبدوس، قال: أوصى رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمَّد عليه السلام، فكتبت إليه: رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك و خلّف ابنتي أُخت له، فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ: بع ما خلّف و ابعث به إليّ، فبعت و بعثت به إليه، فكتب إليّ: قد وصل «2».

و رواية عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح، إذا أوصى به كلّه فهو جائز «3».

و رواية عليّ بن الحسن قال: مات محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة و أوصى إلى أخي أحمد بن الحسن و خلّف داراً، و كان أوصى في جميع تركته أن تباع و يحمل ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام، فباعها، فاعترض فيها ابن أُخت له و ابن عمّ له، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير، و كتب إليه أحمد بن الحسن و دفع الشي ء بحضرتي إلى أيّوب بن نوح، فأخبره أنّه جميع ما خلّف و ابن عمّ له و ابن أُخته عرض، و أصلحنا أمره بثلاثة دنانير، فكتب: قد وصل ذلك، و ترحّم على الميّت، و قرأت الجواب «4».

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 6/ 350 مسألة 125.

(2) التهذيب: 9/ 195 ح 785، الاستبصار: 4/ 123 ح 468، و عنهما الوسائل: 19/

280، كتاب الوصايا ب 11 ح 16.

(3) التهذيب: 9/ 187 ح 753، الاستبصار: 4/ 121 ح 459، و عنهما الوسائل: 19/ 282، كتاب الوصايا ب 11 ح 19.

(4) التهذيب: 9/ 195 ح 785، الاستبصار: 4/ 123 ح 468، و عنهما الوسائل: 19/ 281، كتاب الوصايا ب 11 ح 17.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 160

[مسألة 24: لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع]

مسألة 24: لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع، أو بمال معيّن، أو بمقدار من المال، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت، و لو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلّا إذا أجاز الورثة. كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه، أو بمقدار معيّن كألف دينار، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت، و إلّا تحتاج إلى إذن الورثة (1).

______________________________

هذا، و قد ردّ الاولى بضعف السند بمحمّد بن عبدوس، و كذا طريق الثانية بعمر بن شدّاد، و الثالثة و إن كانت موثّقة، إلّا أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام؛ لأنّ المفروض فيها تحقّق الإجازة و لو بأخذ ثلاثة دنانير، و الظاهر أنّه مع قطع النظر عن ذلك تكون الشهرة الفتوائية «1» المحقّقة مطابقة لتلك الروايات الدالّة على احتياج الزائد على الثلث إلى الإجازة، فلا مجال للأخذ بمثل هذه الروايات.

و كيف كان، فهذا التفصيل المذكور في المتن يدلّ عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة بالتواتر الإجمالي «2» الراجع إلى العلم بصدور بعضها، و في بعضها: إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث «3»، و المراد جواز الردّ إلى الثلث لا الوجوب، هذا بالإضافة إلى الوصيّة، و أمّا منجّزات المريض بمرض الموت التبرّعية فقد تقدّم البحث عنها في كتاب الحجر «4»، فراجع.

(1) الدليل

على ما ذكر مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بينهم «5»، و إلى إطلاقات

______________________________

(1) رياض المسائل: 9/ 510 513 وص 519 520، مختلف الشيعة: 6/ 350 مسألة 125.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 271 283 ب 10 و 11.

(3) الكافي: 7/ 16 ح 1، التهذيب: 9/ 219 ح 859 و عنهما الوسائل: 19/ 400، كتاب الوصايا ب 67 ح 4.

(4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض.

(5) رياض المسائل: 9/ 421، الحدائق الناضرة: 22/ 435 438.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 161

[مسألة 25: لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال]

مسألة 25: لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال، و إن ردّها قبل موته، و كذا لو أجازها قبل الموت و لم يردّها بعده. و أمّا لو ردّها بعده، فهل تنفذ الإجازة السابقة و لا أثر للردّ بعدها، أم لا؟ قولان، أقواهما الأوّل (1).

______________________________

الأدلّة، فإنّه لا يكون المقصود منها الوصيّة بعنوان الثلث، بل المتفاهم منها أنّ للموصى حقّا بمقدار الثلث، و الباقي محتاج إلى إجازة الوارث لئلّا يكون محروماً من جميع أموال الموصي صريح بعض الروايات «1» الواردة في هذا المجال الدالّة على عدم الفرق بين الأُمور المذكورة في المتن.

(1) للمسألة صور أربع، لا إشكال في حكم ثلاث منها؛ الردّ في زمن الحياة و بعد الممات، و الإجازة في كلتا الحالتين، و الردّ في زمن الحياة، و الإجازة بعده؛ لأنّ غاية ما هناك كون تمام المال للوارث، و مع الإجازة يصرف في الوصيّة، إنّما الإشكال في حكم صورة واحدة؛ و هي صورة إجازة الورثة في حال حياة الموصي و الردّ بعد فوته، كما ربّما يتّفق أحياناً بل كثيراً، و فيه قولان:

أحدهما:

نفوذ الإجازة السابقة و عدم الأثر للردّ بعد الموت.

ثانيهما: بطلان الإجازة بسبب الردّ البعدي، و قد قوّى في المتن القول الأوّل.

و مرجع القولين إلى نفوذ الإجازة في حال الحياة و عدمه بعد الموت، و الدليل عليه صحيحة محمّد بن مسلم التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في

______________________________

(1) الكافي: 7/ 19 ح 15، الفقيه: 4/ 157 ح 545، التهذيب: 9/ 221 ح 867، و عنها الوسائل: 19/ 398، كتاب الوصايا ب 66 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 162

[مسألة 26: لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز]

مسألة 26: لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز، و بطلت في الزائد عليه (1).

______________________________

رجل أوصى بوصيّة و ورثته شهود، فأجازوا ذلك، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، و الوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته «1».

و صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث و ورثته شهود، فأجازوا ذلك له، قال: جائز «2»، و مقتضى إطلاق هذه عدم الفرق بين الردّ بعد الموت و عدمه، كما لا يخفى.

و قد أيّد هذا القول السيّد في العروة «3» باحتمال كون الوارث ذا حقّ في الثلثين، فيرجع إجازته إلى إسقاطه حقّه، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلّا الثلث «11». و إن كان قد أورد عليه بأنّ هذا الاحتمال ساقط جزماً، لأنّ العبرة في الثلث أو الزيادة عليه إنّما هي بحال الموت لا الوصيّة.

(1) إذا كانت إجازة الوارث بالإضافة إلى بعض الزيادة على الثلث لا تمامها فالظاهر النفوذ بمقدار

الإجازة، كما هو ظاهر.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 12 ح 1، الفقيه: 4/ 147 ح 512، التهذيب: 9/ 193 ح 775 777، الاستبصار: 4/ 122 ح 464 466، و عنها الوسائل: 19/ 284، كتاب الوصايا ب 13 ح 1.

(2) التهذيب: 9/ 193 ح 778، الاستبصار: 4/ 123 ح 467، و عنهما الوسائل: 19/ 284 كتاب الوصايا ب 13 ح 2.

(3) العروة الوثقى: 2/ 766، كتاب الوصيّة مسألة 3905.

(11) وسائل الشيعة: 19/ 273، كتاب الوصايا ب 10 ح 6 وص 275 و 278 ب 11 ح 1 و 12.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 163

[مسألة 27: لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد]

مسألة 27: لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد، و بطلت في حقّ غيره، فإذا كان للموصي ابن و بنت و أوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر، و نفذت في ثلثها؛ و هو ستّة، و في الزائد و هو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن و البنت، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين و بطلت في واحد، و إن أمضت البنت نفذت في واحد و بطلت في اثنين (1).

[مسألة 28: لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار]

مسألة 28: لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت، لا

______________________________

(1) حقّ الإجازة لا يكون حقّا واحداً غير قابل للتجزية، بل المتفاهم العرفي من دليل توقّف الزائد على الثلث على الإجازة أنّ لكلّ وارث حقّا بالإضافة إلى سهم الإرث، و عليه لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد بالنسبة إليه و بطلت في حقّ غيره، و عليه ففي المثال المذكور في المتن يظهر المقدار النافذ عن المقدار الباطل.

غاية الأمر أنّه ينبغي التنبيه على أمر؛ و هو أنّ الوجه في تقسيم التركة ثمانية عشر هو أنّه هنا ثلث متعلّق بالموصي، و التركة تقسّم أثلاثاً؛ لوجود الابن و البنت، و الوصيّة إنّما تعلّقت بالنصف الذي مخرجه اثنان، فضرب اثنين في ثلث و ثلث الذين مخرجهما الثلاث يبلغ ثمانية عشر، فإن أمضى الابن دون البنت يكون إمضاؤه نافذاً في اثنين دون الواحد، و إن أمضت البنت فقط تصير بالعكس، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 164

حين الوصيّة، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة، و

صارت لجهةٍ بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة، نفذت في الكلّ، و لو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك و بطلت في الزائد، و هذا ممّا لا إشكال فيه. و إنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع؛ كما إذا قال: «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال، و أنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول، و الظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة، و هو ما كان له عند الوفاة. نعم، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها (1).

______________________________

(1) للمسألة صورتان:

إحداهما: ما إذا أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال، كمائة دينار، و قد نفى الإشكال فيها عن أنّ الملحوظ فيها هو الثلث حال الوفاة، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة، و صارت لجهةٍ كالمئونة و السرقة مثلًا بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ، و لو انعكس نفذت في مقدار الثلث، و الزائد يفتقر إلى إجازة الوارث.

ثانيتهما: ما إذا أوصى بكسر مشاع، كما في المثال المذكور في المتن، و قد استشكل فيه أوّلًا، و أنّ الوصيّة هل تشمل الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول، و يضاف إليها ما إذا كانت الزيادة كثيرة جدّاً، بحيث لو كانت هذه الزيادة موجودة حال الوصيّة لكان من المستبعد الوصيّة بهذا الكسر، و قد استظهر استناداً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 165

..........

______________________________

هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة؛

و هو ما كان له عند الوفاة، و استدرك ما لو كانت هناك قرينة دالّة على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة، و أنّه يقتصر في ملاحظة الثلث تلك الأموال لا جميع ما كانت له عند الوفاة.

قلت: و يؤيّد الاستظهار المذكور أنّ الفرق بين الصورتين بكون الملحوظ في الأُولى حال الفوت، و احتمال كون الملحوظ في الثانية حال الوصيّة ممّا لا يكاد يستقيم، خصوصاً مع جريان احتمال الزيادة و النقيصة في كلتا الصورتين، فتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّ سيّد العروة بعد أن اختار أنّ المدار على حال حصول التركة و قبض الوارث لها إن لم تكن بيدهم في الحصّة المشاعة، و فرّع عليه أنّه لو أوصى بحصّة مشاعة بالربع أو الثلث و كان ماله بمقدار ثمّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث و الموصي، و لو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً و إن كانت كثيرة جدّاً.

قال في مسألة أُخرى ما هذا لفظه: ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة أو بكلّي كمائة دينار مثلًا أنّه إذا أُتلف من التركة بعد موت الموصي يردّ النقص عليهما أيضاً بالنسبة، كما في الحصّة المشاعة و إن كان الثلث وافياً، و ذلك بدعوى أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بمقدار ما يساوي قيمتها، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة، و الأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً، و رجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له، خصوصاً في الوصيّة

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 166

[مسألة 29: الإجازة من الوارث إمضاء و تنفيذ]

مسألة 29: الإجازة من الوارث إمضاء و تنفيذ، فلا يكفي فيها مجرّد الرضا و طيب النفس من دون قول أو فعل يدلّان على الإمضاء (1).

______________________________

بالعين المعيّنة «1».

قلت: قد

استدلّ على أنّ المدار حال حصول قبض الوارث للتركة بأنّ الوصيّة إنّما تكون على نحو الإشاعة في المالية، فيكون ثلث الميّت مشاعاً بين تمام المال، و إذا ورد نقص عليه كان النقص على الجميع، من دون فرق بين ثلث الميّت و ثلثي الورثة، و لا مجال لمقايسته مع الدين الذي لا بدّ من إخراجه على كلّ تقدير؛ لأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن، و الوصية من قبيل الإشاعة في جميع المال، من دون فرق في ذلك بين النقص الوارد على العين أو الماليّة، و على أنّ النقص لا يرد على العين المعيّنة، أو مقدار كلّي كمائة دينار في خصوص صورة وفاء الثلث بهما بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة الشاملة للمقام باعتبار أنّ الموصى به حين موت الموصي ليس زائداً على ثلثه، فلا موجب لورود النقص عليه.

(1) قد يراد بكون الإجازة من الوارث إمضاءً و تنفيذاً هو احتياجها إلى الإنشاء، كالإجازة في عقد الفضولي، و في هذه الصورة تكون في مقابل مجرّد الرضا و طيب النفس، من دون قول أو فعل يدلّان على الإمضاء، و هذا هو المراد من المتن.

و قد يراد بذلك ما ذكره السيّد في العروة، حيث قال: و الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي، و ليست ابتداءً عطيّةً من الوارث، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 776 كتاب الوصيّة ح 3915 و 3916.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 167

..........

______________________________

من الوارث؛ بأن ينتقل إليه بموت الموصى أوّلًا، ثمّ ينتقل إلى الموصى له، بل و لا بتقدير ملكه، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل «1».

هذا، و الظاهر صحّة كلا الأمرين، أمّا الأمر الأوّل: فلما عرفت، و أمّا الأمر الثاني:

فلظهور بعض الروايات، كصحيحة أحمد بن محمد قال: كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام: أنّ درّة بنت مقاتل توفّيت و تركت ضيعة أشقاصاً في مواضع، و أوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها، و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء اللّٰه. قال: فكتب عليه السلام بخطّه: ليس يجب لها في تركتها إلّا الثلث، و إن تفضّلتم و كنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء اللّٰه «2».

فإنّ التعبير بالتفضّل و التعليق على صورة كونهم وارثين يدلّ على عدم كون مرجع الإجازة إلى الهبة و العطيّة، ضرورة أنّ جوازها غير مقيّد بشي ء، فتدبّر.

و صحيحة عليّ بن الحسن قال: مات محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة و أوصى إلى أخي أحمد بن الحسن، و خلّف داراً، و كان أوصى في جميع تركته أن تباع و يحمل ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام، فباعها، فاعترض فيها ابن أُخت له و ابن عمّ له، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير، و كتب إليه أحمد بن الحسن و دفع الشي ء بحضرتي إلى أيّوب بن

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 775، كتاب الوصيّة مسألة 3913.

(2) الكافي: 7/ 10 ح 2، الفقيه: 4/ 137 ح 480، التهذيب: 9/ 192 ح 772، و عنها الوسائل: 19/ 275، كتاب الوصايا ب 11 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 168

[مسألة 30: لا تعتبر في الإجازة الفوريّة]

مسألة 30: لا تعتبر في الإجازة الفوريّة (1).

[مسألة 31: يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية]

مسألة 31: يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية، و كذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته، فيخرج منه دين الميّت و وصاياه. نعم، بعض صورها محلّ تأمّل (2).

______________________________

نوح، فأخبره أنّه جميع ما خلّف، و ابن عمّ له و ابن أُخته عرض و أصلحنا أمره بثلاثة دنانير، فكتب عليه السلام: قد وصل ذلك، و ترحّم على الميّت، و قرأت الجواب «1»، و دلالتها كالسابقة.

و تظهر ثمرة الخلاف فيما لو مات الوارث أو الموصى له بعد الإجازة و قبل القبض، فعلى القول بكون الإجازة عطيّة ينتقل المال إلى ورثة الوارث المجيز؛ لأنّ الهبة لا تصحّ إلّا بالقبض و هو غير متحقّق، فيكون المال باقياً على ملك الواهب، و بموته ينتقل إلى ورثته، و على القول الآخر يملك الموصى له للزائد من حينها، كما لا يخفى.

(1) لأنّه لا دليل على لزوم فوريّة الإجازة، خصوصاً مع أنّ الإجازة ربما تلحق بعد الموت.

(2) لا إشكال في أنّ المصداق الظاهر من التركة ما ملكه الشخص في حال حياته و بقي على ملكه إلى حين الفوت، و أمّا ما ملكه بالموت كالدية فمضافاً إلى أنّ اعتبار الملكية أوّلًا إنّما هو بالإضافة إلى الميّت؛ لكونه عوض دمه، و منه ينتقل إلى الوارث و يلاحظ الوصيّة بالنسبة إليه أيضاً يدلّ على ذلك مثل موثّقة السكوني،

______________________________

(1) تقدّمت في ص 159.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 169

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته

«1».

و غيرها، كصحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله و من ديته كما أوصى «2». و ذكر في الوسائل رواية أُخرى له «3»، و الظاهر اتّحادهما و عدم التعدّد، كما ذكرناه مراراً.

و أمّا ما يملكه بعد الموت فيما إذا أوجد الميّت سببه قبل موته، فمثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمن الحياة، و قد استدرك ذلك في المتن بقوله: «نعم، بعض صورها محلّ تأمّل».

و لكن ربما يورد عليه بأنّ الحقّ ما هو المشهور من كونه ملكاً للميّت، نظراً إلى أنّ الصيد لا يتبع الآلة في الملكيّة، بل إنّما يكون تابعاً للصائد، و لذا لو اصطاد شخص بالشبكة المغصوبة كان الصيد له، دون مالك الشبكة، و حيث إنّ عنوان الاصطياد و الصائد لا يصدقان على الوارث باعتبار أنّه لم يفعل شيئاً، و إنّما هما صادقان على الميّت؛ لأنّه الذي تصدّى له و نصب الشبكة، يكون الصيد في جميع التقادير قبل القسمة و بعدها، كانت الوصيّة بعين معيّنة أم لا ملكاً للميّت، فيكون حاله حال سائر أمواله يخرج منها ديونه و وصاياه، ثمّ ينتقل الباقي إلى

______________________________

(1) الكافي: 7/ 11 ح 7، الفقيه: 4/ 169 ح 589، التهذيب: 9/ 193 ح 774، و عنها الوسائل: 19/ 285، كتاب الوصايا ب 14 ح 2.

(2) التهذيب: 9/ 207 ح 823، و عنه الوسائل: 19/ 286، كتاب الوصايا ب 14 ح 3.

(3) الوسائل: 19/ 285، كتاب الوصايا

ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 170

[مسألة 32: للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة]

مسألة 32: للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، و له تفويض التعيين إلى الوصيّ، فيتعيّن فيما عيّنه، و مع الإطلاق كما لو قال: ثلث مالي لفلان يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة، فلا بدّ و أن يكون الإفراز و التعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة (1).

______________________________

الوارث بالإرث «1».

قلت: الأمر كما ذكر فيما لو كانت الوصيّة بحصّة مشاعة، و أمّا لو كانت الوصيّة بعين معيّنة أو بمقدار كلّي كمائة دينار، و فرض نصب الشبكة في زمن حياة الموصي و دخول ما فيها بعد الحياة، فملاحظته مع الوصية المفروضة من جهة مقدار الثلث محلّ إشكال؛ لأنّ صدق الصائد على الميّت خصوصاً مع تحقّق زمان كثير بين الموت و بين وقوع ما في الشبكة فيها كذلك، و صرف إيجاد السبب لا يوجب الصدق عليه، و إلّا لكان حفر البئر في الطريق الموجب لوقوع القتل موجباً للدية و لو بعد مائة سنة.

(1) لهذه المسألة صور ثلاث:

إحداها: ما إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة من التركة و لم يكن الثلث زائداً على ثلث مجموع التركة، كما إذا عيّن بستاناً له للموصى له و لم يكن البستان كذلك، و الظاهر في هذه الصورة نفوذ الوصيّة و تعيّنها فيما عيّن لفرض تعيينه له.

ثانيتها: ما إذا فوّض التعيين إلى الوصيّ، فإنّه يتعيّن الثلث فيما عيّنه، كما في فرض تعيين نفسه مع اعتبار الأمر المذكور.

______________________________

(1) المباني في شرح العروة الوثقى: 33/ 370.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 171

[مسألة 33: إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل]

مسألة 33: إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل، كالدين و الواجبات الماليّة، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه (1).

______________________________

ثالثتها: فرض الإطلاق و عدم التعيين بنفسه، و لا تفويض

التعيين إلى الوصيّ، كما لو قال: ثلث مالي من التركة لزيد مثلًا، و في هذه الصورة حيث تكون الوصيّة بالكسر المشاع يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة، و يكون كما في سائر الموارد من الأموال المشتركة، يكون الإفراز و التعيين متوقّفاً على رضا الجميع، من دون أن يكون للورثة حقّ في التعيين أصلًا، كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في أنّ الثلث الذي تنفذ الوصيّة بالإضافة إليه و لا تحتاج إلى إجازة الوارث مطلقاً هو الثلث الذي يلاحظ من التركة بالإضافة إلى ما يبقى بعد إخراج ما يخرج من الأصل، كالدين و الواجبات الماليّة، مثل الزكاة و الخمس، بل الواجب المالي المشوب بالبدني، كالحجّ على ما تقدّم في المسألة الثالثة و العشرين، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه، أو يلاحظ الموصى به بالإضافة إلى ثلثه. و قوله تعالى في ذيل كثير من آيات الإرث مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» لا دلالة له على كون الدين في عرض الوصيّة، بل المقصود منه تقدّمهما على الإرث، و إن كانت ملاحظتهما بأنفسهما تقتضي أن تكون الوصيّة متأخّرة عن الدين؛ بمعنى أنّ الثلث النافذ إنّما يكون بعد إخراج الدين؛ سواء كان دنيويّاً أو أُخرويّا، كالأمثلة المذكورة.

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا شبهة في هذه الجهة، و إلّا يلزم عدم وفاء الدين بأجمعه و لا الإتيان بالواجبات التي ذكر في بعض الموارد، فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 11، و في الآية 12: يوصَى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 172

[مسألة 34: لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة و كانت من نوع واحد]

مسألة 34: لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة و كانت من نوع واحد، فإن كانت جميعاً واجبة ماليّة ينفذ الجميع من الأصل، و إن كانت واجبة بدنيّة

أو كانت تبرّعية تنفذ من الثلث، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه و أجاز الورثة تنفذ في الجميع. و إن لم يجيزوا، فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر، بل كانت مجتمعة كما إذا قال: «اقضوا عشرين سنة واجباتي البدنيّة» أو «اقضوا عشرين سنة صلواتي و صيامي» أو قال: «أعطوا زيداً و عمراً و خالداً كلّاً منهم مائة دينار» كانت بمنزلة وصيّة واحدة، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة، فلو أوصى بمقدار من الصوم و مقدار من الصلاة، و لم يف الثلث بهما، و كانت اجرة الصلاة ضعف اجرة الصوم ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم؛ كما إذا كانت التركة ثمانية عشر، و أوصى بستّة لاستئجار الصلاة، و ثلاثة لاستئجار الصوم، و لم يجز الورثة، بطلتا في الثلاثة و توزّع النقص عليهما بالنسبة، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة، و عن الصوم واحد و يصرف فيه اثنان، و كذا الحال في التبرّعية، و إن كانت بينها ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر؛ بأن كانت الثانية بعد تمامية الاولى، و الثالثة بعد تمامية الثانية و هكذا، و كان المجموع أزيد من الثلث و لم يجز الورثة، يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث و لغت البقيّة (1).

______________________________

(1) لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة و كان الجميع من نوع واحد ففيه صورتان:

الاولى: ما إذا كانت جميعاً واجبة ماليّة أو ملحقة بها كما تقدّم «1»، كالدين

______________________________

(1) في ص 158.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 173

..........

______________________________

و الزكاة و الخمس و الحجّ و إن كان الأخير مشوباً بالبدنيّة، و في هذه الصورة ينفذ الجميع من الأصل، من دون

فرق بين ما إذا كانت زائدة على الثلث أم لم تكن، و من دون فرق في فرض الزيادة بين إجازة الوارث و عدمها، و قد عرفت أنّه لو لم تتحقّق الوصيّة بها تخرج من الأصل و إن استوعب التركة «1». نعم، لو لم تف التركة بالجميع ففي تقديم بعضها على بعض كلام في محلّه.

الثانية: ما إذا كانت واجبة بدنيّة كالصلاة و الصوم، أو كانت تبرّعية، فقد تقدّم نفوذ مثل ذلك من الثلث، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه، فتارةً يجيز الورثة الزائد، و أُخرى لا يجيزوا، ففي صورة الإجازة تنفذ في الجميع، و في صورة عدم الإجازة فيه تفصيل.

فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر، بل كانت مجتمعة كالأمثلة المذكورة في المتن المركّبة من الواجبة البدنيّة و التبرّعية، تكون الوصايا المتعدّدة بمنزلة وصيّة واحدة، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة، فلو أوصى بمقدار من الصوم و مقدار من الصلاة و لم يف الثلث بهما، و كانت اجرة الصلاة ضعف اجرة الصوم فينتقص من اجرة الصلاة ضعف ما ينتقص من اجرة الصوم، كالمثال المذكور في المتن.

و إن كان بين الوصايا المتعدّدة ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر، لا بمعنى عطف الثانية على الاولى بالواو مثلًا، بل بمعنى كون الثانية بعد تماميّة الاولى و كون الثالثة بعد تماميّة الثانية و هكذا، و فرض كون المجموع أزيد من الثلث و عدم إجازة الوارث للزائد، فحينئذٍ يبدأ بالأُولى ثمّ الثانية و هكذا إلى أن يتمّ الثلث، و في الزائد لغت الوصيّة كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 158.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 174

[مسألة 35: لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع]

مسألة 35: لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع كما إذا

أوصى بأن يعطى مقدار معيّن خمساً و زكاة، و مقدار صوماً و صلاة، و مقدار لإطعام الفقراء فإن أطلق و لم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي، فيخرج من الأصل، فإن بقي شي ءٌ يعيّن ثلثه و يخرج منه البدني و التبرّعي، فإن وفى بهما أو لم يف و أجاز الورثة نفذت في كليهما، و إن لم يف و لم يجيزوا يقدّم الواجب البدني و يرد النقص على التبرّعي، و إن ذكر المخرج و أوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات ماليّة كانت أو بدنيّة على التبرّعي على الأقوى. و أمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض، بل الظاهر أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث، فإن بقي من الواجب المالي شي ء يخرج من الأصل، و إن بقي من البدني يُلغى، و إن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها و يتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني (1).

______________________________

(1) لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع كما في المثال المذكور في المتن المشتمل على الواجب المالي و الواجب البدني و التبرّعي ففيه صورتان أيضاً:

الأُولى: ما إذا أطلق و لم يذكر المخرج، يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل، بل قد عرفت أنّه مع عدم الوصيّة بها تخرج من الأصل «1»، فإن بقي شي ء فاللازم ملاحظة الثلث بالإضافة إليه، فإن وفى بهما أو لم يف و كان مقروناً بإجازة الورثة نفذت في كليهما؛ أي الواجب البدني و التبرّعي، و إن لم يف و لم يجيزوا الزائد يقدّم الواجب البدني على التبرّعي، و يرد النقص على خصوص الأخير؛ لأنّه مع الدوران بين الواجب و إن كان بدنيّاً، و بين غيره لا شبهة في تقدّم الواجب.

______________________________

(1) في ص 158.

تفصيل

الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 175

..........

______________________________

الثانية: ما إذا ذكر المخرج و أوصى بأن يخرج جميع الوصايا من الثلث، و الظاهر تقدّم الواجبات مطلقاً ماليّة كانت أو بدنيّة على التبرّعي لما ذكر، و أمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض، أي في هذه الصورة التي ذكر الموصي المخرج لها، بل في المتن أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث، فإن بقي من الواجب المالي شي ء يخرج من الأصل، و إن بقي من البدني يلغى، و قد عرفت أنّ الواجب المالي يخرج من الأصل و لو مع عدم الوصيّة «1»، و إن لم يكن بين الوصايا ترتيب يوزّع الثلث عليها و يتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني.

قلت: الظاهر أنّ المخرج المذكور لا بدّ و أن يكون غير عنوان الثلث الذي هو كسر مشاع خاصّ؛ لما عرفت أنّه مع ثبوت الواجبات الماليّة كالدين و الزكاة و الخمس تخرج من الأصل و لو مع عدم الوصيّة «2»، و عليه فالمراد بالمخرج هو ما إذا عيّن عيناً معيّنة أو مقداراً معيّناً كمائة دينار، على ما مرّ من المثال، و بعبارة اخرى: المدار في الثلث هو الباقي من التركة بعد إخراج ما يجب إخراجه من الأصل، لا ثلث مجموع التركة، و قد مرّ ذكر تقدّم الدين على الإرث في جملة من آيات الإرث.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّه لا منافاة بين تعيين المخرج بعنوان الثلث و خروج الواجبات المالية من الأصل، غاية الأمر ظهور الثمرة في أنّه لو لم يف الثلث بتلك الواجبات يخرج ما بقي من الأصل، بخلاف غيرها من الواجبات البدنيّة و الأُمور التبرّعية، و تظهر الثمرة في بعض الأُمور الأُخر، فتدبّر.

______________________________

(1) في

158.

(2) في 158.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 176

[مسألة 36: لو أوصى بوصايا متضادّة]

مسألة 36: لو أوصى بوصايا متضادّة؛ بأن كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة، كما لو أوصى بعين شخصيّة لواحد، ثمّ أوصى بها لآخر، أو أوصى بثلثه لشخص، ثمّ أوصى به لآخر، كانت اللاحقة عدولًا عن السابقة، فيعمل باللاحقة، و لو أوصى بعين شخصيّة لشخص، ثمّ أوصى بنصفها مثلًا لشخص آخر، فالظاهر كون الثانية عدولًا بالنسبة إلى النصف لا التمام، فيبقى النصف الآخر للأوّل (1).

______________________________

(1) لو أوصى بوصايا متعدّدة متضادّة؛ بأن لا يمكن اجتماعها و كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة، كما في المثالين المذكورين في المتن، ضرورة أنّه لا يمكن أن تكون عين واحدة بأجمعها لأزيد من شخص، و كذا الثلث الذي تنفذ الوصيّة فيه من دون افتقار إلى الإجازة كذلك، و إن كان يخطر بالبال أنّ السيّد في الملحقات قد أنكر ذلك في كتاب القضاء «1».

و كيف كان، فعلى تقدير التضادّ كما هو المشهور «2» لو أوصى بوصايا كذلك حيث إنّ الوصية جائزة بالإضافة إلى الموصي كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى من جهة، و الجمع بينها ممّا لا يكاد يمكن، فلا بدّ أن يقال بأنّ الوصيّة اللاحقة عدول عن السابقة، و ربما يتّفق ذلك كثيراً.

و قد ذكر في الذيل فرعاً، و هو أنّه لو أوصى لشخص بتمام عين، ثمّ أوصى لشخص آخر بنصف تلك العين، فهل المنافاة تقتضي بطلان السابقة رأساً، أو أنّ

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 123، فصل 11 مسألة 4.

(2) راجع مختلف الشيعة: 6/ 322 مسألة 104، مسالك الأفهام: 6/ 162 167 و 190، كفاية الأحكام: 146، الحدائق الناضرة: 22/ 438 444، المسألة الخامسة، رياض المسائل: 9/ 532، جواهر الكلام: 28/ 304 309

و 332 333 و غيرها من الكتب الفقهيّة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 177

[مسألة 37: متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة كالثلث أو الربع ملكه الموصى له بالموت و القبول]

مسألة 37: متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة كالثلث أو الربع ملكه الموصى له بالموت و القبول، و له من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه، و شارك الورثة فيها من عين ما ملكه. هذا في الوصيّة التمليكيّة، و أمّا في العهديّة، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات و الزيارات، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث؛ فكان للميّت من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه، و الباقي للورثة. و هذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم، و لم تقع القسمة بينهم و بين الموصى له، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما، و لو تلف شي ء من التركة كان منهما.

و إن كان ما أوصى به مالًا معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له، و لا اعتراض فيه للورثة، و لا حاجة إلى إجازتهم، لكن إنّما يستقرّ ملكيّة الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكيّة تمام المال المعيّن، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات، و إن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة.

نعم، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا و إن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه، و لو لم يحصل بيد الورثة

شي ء

______________________________

دائرة البطلان محدودة بمقدار التنافي و هو النصف دون النصف الآخر؟ و قد استظهر في المتن الثاني، و هو الحقّ؛ لأنّ توسعة البطلان بالإضافة إلى المقدار غير المنافي لا وجه لها أصلًا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 178

منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً، ثلث للموصى له، و ثلثان للورثة (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرّض في هذه المسألة لأُمور:

الأمر الأوّل: أنّه في الوصية التمليكيّة المتوقّفة على القبول على خلاف ما ذكرنا؛ إن كان متعلّق الوصية الثلث أو ما دونه من الكسور يملكه الموصى له بمجرّد الموت و القبول، و يشارك جميع الورثة فيه من حين ما ملكه؛ لتحقّق الإشاعة الحقيقيّة حينئذٍ، و يجري على جميع التركة ما يجري على الأموال المشتركة، من دون أولويّة لصاحب بعض الأموال على الصاحب الآخر الشريك معه، و عليه فالإفراز و التقسيم لا بدّ و أن يلاحظ فيه رضى كلّ من الطرفين.

و بالجملة: لا يكون للمقام في هذه الصورة خصوصيّة أصلًا.

الأمر الثاني: أنّه في الوصيّة العهديّة إذا كان متعلّق الوصيّة كسراً مشاعاً؛ كالثلث أو ما دونه من الكسور التي لا تحتاج إلى إجازة الورثة، كما أنّه لا يحتاج إلى القبول على ما عرفت «1»، كما إذا أوصى بصرف ثلث تركته في الزيارات مثلًا، فإذا تحقّق موت الموصي فاللازم أن يقال بأنّ الموصى به في هذه الصورة باقياً على حكم مال الميّت، فكأنّه يشارك الورثة في حين ما كان الشريك في الأمر الأوّل هو الموصى له كما لاحظته، فيكون للموصي الميّت في هذا الأمر الثلث الموصى به في المثال المذكور، و هذه الشركة باقية إلى أن يفرز الموصى به عن مالهم، و تتحقّق القسمة في الأمرين،

غاية الأمر أنّ طرفي القسمة في الأمر الأوّل هو الموصى له و الورثة.

و أمّا في الأمر الثاني: فمع ملاحظة كون أحد الطرفين هو الميّت، فهل الوصي

______________________________

(1) في ص 139 140.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 179

..........

______________________________

يقوم مقامه في هذه الجهة، أو أنّ الورثة يجوز لهم القسمة في هذه الصورة، أو أنّ المتصدّي لها هو الحاكم الشرعيّ؟ كلٌّ محتملٌ و إن كان الأقرب هو الوجه الأوّل، و يجي ء في العبارة إشعار إليه فانتظر.

الأمر الثالث: ما إذا كان ما أوصى به مالًا معيّناً يساوي الثلث أو دونه، ففي الوصيّة التمليكيّة يختصّ المال الموصى به بالموصى له، و في الوصيّة العهديّة بالموصي، لكن استقرار ملكيّة كلّ منهما في تمام الموصى به مشروط بأن يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، و حينئذٍ تتحقّق صورتان:

إحداهما: ما إذا كان له مال عند الورثة بمقدار الضعف، فتستقرّ ملكيّة كلّ منهما لتمام المال المعيّن، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات.

ثانيتهما: أن يكون ما عدا المال المعيّن الموصى به غائباً، و حينئذٍ يتوقّف الاستقرار المذكور على الحصول بيد الورثة؛ لأنّه من الممكن عدم الحصول، فتكون الورثة حينئذٍ محرومة من جميع التركة، ثلثها بالوصيّة، و ثلثاها بالغيبة و عدم الحصول، و لو لم يحصل بيد الورثة شي ء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً، ثلث للموصى له، و ثلثان للورثة، لما ذكره.

ثمّ إنّ ما ذكره في الذيل من أنّه يجوز للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا و إن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه، فإنّما هو راجع إلى الأمرين الأوّلين،

ضرورة أنّه لا معنى لمطالبة التعيين مع كون الموصى به معيّناً، و لعلّ الوجه في التفصيل هو أنّ التركة عند الورثة غالباً، فمع إرادة الموصى له أو الوصيّ التعيين، فلهما مطالبة الورثة بذلك و إن كان لا يجوز لهما التصرّف في الثلثين بعد فرض الإشاعة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 180

[مسألة 38: يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه و تنفيذها، فيتعيّن]

مسألة 38: يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه و تنفيذها، فيتعيّن، و يقال له: الموصى إليه و الوصي، و يشترط فيه: البلوغ، و العقل، و الإسلام، فلا تصحّ وصاية الصغير، و لا المجنون، و لا الكافر عن المسلم و إن كان ذمّيا قريباً، و هل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني و إن كان الأحوط الأوّل (1).

[مسألة 39: إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً]

مسألة 39: إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً، و أمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه، فإذا بلغ شاركه من حينه، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً، إلّا ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت، فيردّه إلى ما أوصى به، و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل

______________________________

(1) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً و لو كان أجنبيّا لإنفاذ وصاياه و إجرائها في الخارج، و يقال له: الموصى إليه، و في العرف العامّ الوصيّ، و يشترط فيه أُمور؛ و هي: البلوغ، و العقل، و الإسلام، و الوجه فيه: أنّ الفاقد لأحد هذه الأُمور لا يكون ملزماً أو لا يرى نفسه ملزماً و إن كان بحسب الواقع مكلّفاً، كالكافر؛ لاشتراك الكافر مع المسلم في الفروع كالأُصول. نعم، لا دليل على اعتبار العدالة في الوصيّ. و في المتن نفى البُعد عن الاكتفاء بالوثاقة و إن كان الأحوط الأوّل.

و يمكن أن يقال بأنّه لا دليل على اعتبار الوثاقة أيضاً في أخذه وصيّاً و صيرورة الشخص كذلك؛ لأنّه لو أوصى إلى من لم يكن ثقة لا يقدح ذلك في صحّة الوصيّة و إن لم يحصل الاطمئنان للموصي بإجراء وصيّته و تنفيذها لأجل عدم وثاقته.

تفصيل الشريعة

- الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 181

كان للكامل الانفراد بالوصاية (1).

[مسألة 40: لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي، فهل تبطل الوصاية أم لا؟]

مسألة 40: لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي، فهل تبطل الوصاية أم لا؟ لا يخلو الثاني من وجه و إن لم تنفذ تصرّفاته، فلو أفاق جازت التصرّفات، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه. نعم، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها (2).

______________________________

(1) لا بأس بوصاية الصغير إذا كان منضمّاً إلى الكامل؛ لحصول الغرض بذلك و تحقّق الإلزام، مضافاً إلى أنّ الصغر في معرض الزوال و الانتقال إلى البلوغ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه، فإذا صار بالغاً شارك الكامل من حينه، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلّا بالنسبة إلى ما يكون على خلاف الوصيّة، فيردّه إليها، و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل فللكامل الانفراد و الاستقلال، كما هو ظاهر.

(2) لو كان الوصيّ عاقلًا حين الوصيّة و طرأ عليه الجنون بعد موت الموصي، ففي المتن التفصيل بين الجنون الذي لا يرجى زواله، فاستظهر بطلان الوصاية في هذه الصورة، و بين الجنون الذي يرجى زواله، فنفى خلوّ عدم البطلان بمجرّد العروض، غاية الأمر عدم نفوذ تصرّفاته ما دام الجنون باقياً، فلو تحقّقت الإفاقة جازت التصرّفات، لكن مقتضى الاحتياط نصب الحاكم إيّاه بحيث يكون نفوذ تصرّفه مستنداً إلى الوصيّة و نصب الحاكم معاً، أمّا جواز التصرّف، فلأنّ المفروض تحقّق الإفاقة و زوال الجنون العارض بعد العقل في حال الوصيّة، و أمّا كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي ما ذكر، فلاحتمال زوال العنوان الطارئ بعد الموت و حصول الإفاقة، خصوصاً مع كون المفروض غير صورة عدم

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 182

[مسألة 41: الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده]

مسألة 41: الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده، و لا يجب على غيره قبول الوصاية، و له

أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ، و إن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره، فلو كان الردّ بعد موت الموصي، أو قبله و لكن لم يبلغه حتّى مات، كانت الوصاية لازمة على الوصيّ و ليس له الردّ، بل لو لم يبلغه أنّه قد أوصى إليه و جعله وصيّاً إلّا بعد موت الموصي، لزمته الوصاية و ليس له ردّها (1).

______________________________

رجاء الزوال.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه في هذه الصورة لو فرض زواله بعد كون عدمه مرجوّاً يصير كما في الصورة الأُخرى، و أنّه يكشف عن عدم البطلان بالعروض مع عدم الرجاء، كما لا يخفى.

(1) قد وردت رواية واحدة و في طريقها سهل بن زياد تدلّ على وجوب قبول الولد وصيّة والده، و هي رواية عليّ بن الريّان (رئاب خ ل) قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: رجل دعاه والده إلى قبول وصيّته، هل له أن يمتنع من قبول وصيّته؟ فوقّع عليه السلام: ليس له أن يمتنع «1». و لأجلها جعل في المتن الاحتياط اللزومي في عدم الردّ باعتبار النقاش في سهل.

و أمّا غير الولد فلا يجب عليه قبول الوصاية بوجه، بل له ردّها. نعم، لجواز الردّ شرطان: أحدهما: كون الموصي حيّاً، و الثاني: بلوغه الردّ، و يستفاد ذلك و ما جعله أحوط الأولى من جملة من الروايات الواردة في

______________________________

(1) الكافي: 7/ 7 ح 6، الفقيه: 4/ 145 ح 498، تهذيب الأحكام: 9/ 206 ح 819، و عنها الوسائل: 19/ 322، كتاب الوصايا ب 24 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 183

[مسألة 42: يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق]

مسألة 42: يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين

فما فوق، فإن نصّ على الاستقلال و الانفراد لكلّ منهما، أو كان لكلامه ظهور فيه و لو بقرينة حال

______________________________

هذا المجال.

منها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب فليس له أن يردّ وصيّته، و إن أوصى إليه و هو بالبلد فهو بالخيار، إن شاء قبل، و إن شاء لم يقبل «1». فإنّ الظاهر أنّ التفصيل بين الغيبة و الحضور في البلد إنّما هو بملاحظة إمكان بلوغه الردّ و عدمه، و إذا كان الأمر في الغيبة كذلك ففي صورة الموت بطريق أولى.

و منها: رواية الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل يوصى إليه، قال: إذا بعث بها إليه من بلد فليس له ردّها، و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه «11».

و منها: رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا أوصى الرجل إلى أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته؛ لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره «12».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 6 ح 1، الفقيه: 4/ 144 ح 496، تهذيب الأحكام: 9/ 205 ح 814، و عنها الوسائل: 13/ 319، كتاب الوصايا ب 23 ح 1.

(11) الكافي: 7/ 6 ح 2، الفقيه: 4/ 144 ح 497، تهذيب الأحكام: 9/ 159 ح 654 وص 205 ح 85، و عنها الوسائل: 13/ 320، كتاب الوصايا ب 23 ح 2.

(12) الكافي: 7/ 6 ح 3، الفقيه: 4/ 145 ح 500، تهذيب الأحكام: 9/ 206 ح 816، و عنها وسائل الشيعة: 19/ 320، كتاب الوصايا ب 23 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد،

ص: 184

أو مقال فيتّبع، و إلّا فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف؛ لا في جميع ما أوصى به و لا في بعضه، و ليس لهما أن يقسّما الثلث و ينفرد كلّ منهما في نصفه؛ من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق، و لو تشاحّا و لم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذّر استبدل بهما، هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما و نظرهما، و إلّا فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية، فإن امتنعا استبدل بهما، و إن امتنع أحدهما استبدل به (1).

______________________________

(1) يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق، فإن صرّح باستقلال كلّ منهما و انفراده، أو كان لكلامه ظهور معتمد عليه عند العرف و العقلاء و لو كان مستنداً إلى قرينة حاليّة أو مقاليّة؛ لما عرفت مكرّراً من أنّ أصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة فاللازم الاتّباع، و مع الإطلاق و عدم التصريح بالاستقلال و عدم ظهور الوصيّة في ذلك لا يكون لكلّ منهما الاستقلال، لا في الجميع، و لا في البعض، و ليس لهما تقسيم الثلث فما زاد مع فرض الإجازة و انفراد كلّ منهما بالنصف.

و يدلّ عليه و على أصل الجواز في المسألة مثل مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار قال: كتبت إلى أبي محمَّد عليه السلام: رجل كان أوصى إلى رجلين، أ يجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف؟ فوقّع عليه السلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت و أن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء اللّٰه تعالى «1».

و رواية صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل كان لرجل عليه

______________________________

(1) الكافي: 7/

46 ح 1، الفقيه: 4/ 151 ح 523، تهذيب الأحكام: 9/ 185 ح 745، الاستبصار: 4/ 118 ح 448، و عنها وسائل الشيعة: 19/ 376، كتاب الوصايا ب 51 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 185

[مسألة 43: لو مات أحد الوصيّين، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته]

مسألة 43: لو مات أحد الوصيّين، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته، فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه، بل اللزوم لا يخلو من قوّة، و لو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله، فهل اللازم نصب اثنين، أو يجوز نصب واحد إذا كان كافياً؟ وجهان، أحوطهما الأوّل، و أقواهما الثاني (1).

______________________________

مال فهلك و له وصيّان، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيّين دون صاحبه؟ قال: لا يستقيم إلّا أن يكون السلطان قد قسّم بينهما المال، فوضع على يد هذا النصف، و على يد هذا النصف، أو يجتمعان بأمر سلطان «1». و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال، فإنّ تقرير السائل على ثبوت الوصيّين دليل على الجواز، و الظاهر أنّ مورد السؤال صورة الإطلاق، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه مع اشتراط الاجتماع عليهما أو الإطلاق الذي عرفت أنّ حكمه عدم جواز الانفراد و لو بتقسيم مورد الوصيّة نصفين لو وقع بينهما التشاحّ غير القابل للاجتماع أجبرهما الحاكم على الاجتماع، و مع التعذّر يستبدل بهما، هذا فيما إذا لم يكن التشاحّ و التخالف مستنداً إلى اجتهادهما و نظرهما الفقهي، و إلّا ففيما إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصية يلزمهما الرجوع إلى الثالث، و مع امتناعهما يستبدل بهما، و منه يظهر أنّه مع امتناع أحدهما فقط يستبدل به كذلك.

(1) لو مات أحد الوصيّين في مورد ثبوتهما، أو طرأ عليه

الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته، كالعدول عن الإسلام، ففي صورة كون وصايتهما بنحو

______________________________

(1) التهذيب: 9/ 243 ح 941، الاستبصار: 4/ 119 ح 450، و عنهما وسائل الشيعة: 19/ 377، كتاب الوصايا ب 51 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 186

[مسألة 44: يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء و إلى آخر في غيره]

مسألة 44: يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء و إلى آخر في غيره، و لا يشارك أحدهما الآخر (1).

______________________________

الاستقلال و الانفراد لا يقدح ذلك في بقاء وصاية الآخر، و لا حاجة إلى ضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه بعد فرض الاستقلال، و في صورة العدم إمّا للتصريح بعدم الاستقلال، أو للإطلاق المحمول عليه كما عرفت، احتاط في المتن بضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه، بل قال: اللزوم لا يخلو من قوّة؛ لأنّه يكون مقصود الموصي عدم الانفراد، فمع الموت العارض لأحدهما يقيم مقامه الحاكم شخصاً آخر.

و لو مات كلا الوصيّين فلا شبهة في الاحتياج إلى النصب من قبل الحاكم، لكن الكلام في أنّ اللازم هو نصب اثنين، كما كان في الوصيّين، أو يجوز نصب واحد؟ و مورد البحث ما إذا كان الواحد كافياً لإجراء الوصيّة و العمل بمفادها. و أمّا مع عدم الكفاية، كما إذا كانت دائرة الوصيّة وسيعة جدّاً، بحيث لا يكفي الواحد لإجرائها و تنفيذها، فلا شبهة في لزوم نصب اثنين.

قد احتمل في المتن في المسألة وجهين، و احتاط بالأوّل، و قوّى الثاني. أمّا وجه الاحتياط فواضح. و أمّا وجه أقوائيّة الثاني مطلقاً؛ أي في صورة الاستقلال و صورة عدمه، كما يظهر من إطلاق الكلام في هذا الفرع، فواضح أيضاً بالإضافة إلى صورة الاستقلال. و أمّا مع فرض عدمه مع فرض كفاية الواحد، فلأجل أنّه لا دليل على

لزوم نصب أزيد من واحد و إن كان لا يبعد أن يقال باللزوم، كما نفى خلوّه عن القوّة في موت أحد الوصيّين مع عدم الاستقلال، و دعوى اختصاص كلامه في موت الوصيّين معاً بهذه الصورة خالية عن الشاهد، فتدبّر جيّداً.

(1) كما أنّه يجوز أن يجعل وصيّين في مجموع الوصيّة، يجوز له التبعيض؛ بأن

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 187

[مسألة 45: لو قال: «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ]

مسألة 45: لو قال: «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ و يكون وصيّاً بعد موته. و كذا لو قال: «أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني، أو تاب عن فسقه، أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» فإنّه يصحّ و تنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر (1).

[مسألة 46: لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله]

مسألة 46: لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله و نصب شخص آخر

______________________________

يوصي إلى واحد في شي ء و إلى آخر في غيره، و لا يشارك أحدهما الآخر، و إن شئت قلت: هما وصيّتان غير متضادّتين؛ لاختلاف المتعلّق، فتأمّل.

(1) كما أنّه يجوز جعل وصيّين أو أزيد في عرض واحد مع التصريح بالاستقلال، أو ظهور كلامه في ذلك على ما عرفت «1»، يجوز جعلهما بنحو الترتيب، كما إذا قال: «أوصيت إلى زيد، فإن مات فإلى عمرو» و لا يتصوّر فيه غير فرض الاستقلال، و كذا لو كان له ابن صغير، أو ابن كبير فاسق، أو غير مشتغل بالعلوم المعمولة الحوزويّة، فقال: «أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني و صار رشيداً، أو تاب عن فسقه الذي ارتكبه، أو صار من المشتغلين بالعلوم الرائجة في الحوزات العلميّة فهو وصيّي» و إن لم يمت زيد و لم يعرض له شي ء فهو صحيح، و تنتهي وصاية زيد مع حصول ما ذكر، و هكذا الحال بالإضافة إلى غير الابن، كما لو قال: «أوصيت إلى زيد، فإن بلغ عمرو المشتغل بالعلوم الحوزويّة إلى ما يسمّى اصطلاحاً بالسطوح العالية فهو وصيّي» فإنّه يصحّ في الجميع، و لا مجال لاحتمال البطلان في بعضها بعد كون الأمر بيد الموصي من الجهات المختلفة في الكيفيّة و الكمّية على ما عرفت.

______________________________

(1) في ص 184.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 188

مكانه،

أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة، و لو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده. و أمّا إن عجز عن التدبير و العمل مطلقاً بحيث لا يرجى زواله كالهرم الخرف، فالظاهر انعزاله، و على الحاكم نصب شخص آخر مكانه (1).

[مسألة 47: لو لم ينجز الوصيّ ما اوصي إليه في حياته]

مسألة 47: لو لم ينجز الوصيّ ما اوصي إليه في حياته، ليس له أن يجعل

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو ظهرت خيانة الوصيّ الواحد غير الجائزة بمقتضى قوله تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ «1» الآية، فالواجب على الحاكم عزله أوّلًا، ثمّ أحد أمرين: هما نصب شخص آخر مكانه، و ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة بعد عزل الوصيّ عن الوصاية المستقلّة لا محالة.

الثاني: ما لو ظهر من الوصيّ الواحد العجز عن الاستقلال و تنفيذ الوصيّة بتمامها، فالمتعيّن على الحاكم في هذا الفرع ضمّ من يساعده إليه، و لا يجوز له العزل و نصب آخر مقامه؛ لعدم تحقّق الخيانة منه، كما هو المفروض.

الثالث: ما لو عجز الوصيّ عن التدبير و العمل مطلقاً و لا يرجى زوال عذره، كالهرم الخرف الذي يكون مرور الزمان موجباً لزيادة نقصه على القاعدة، و الظاهر من المتن أنّه لا حاجة في هذه الصورة إلى عزل الحاكم، بل ينعزل بنفسه؛ لفقدان ما هو المعتبر في صحّة جعله وصيّاً، بل اللازم على الحاكم نصب شخص آخر مكانه؛ لفرض وحدة الوصيّ كما هو ظاهر.

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 181.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 189

وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلّا إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء (1).

[مسألة 48: الوصيّ أمين]

مسألة 48: الوصيّ أمين، فلا يضمن ما كان في يده إلّا مع التعدّي أو التفريط و لو بمخالفة الوصيّة، فيضمن لو تلف (2).

[مسألة 49: لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة، اقتصر عليه]

مسألة 49: لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة، اقتصر عليه و لم يتجاوز إلى غيره، و أمّا لو أطلق؛ بأن قال: «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق، فالأقرب وقوعه لغواً، إلّا إذا كان هناك عرف خاصّ و تعارف يدلّ على المراد فيتّبع، كما في عرف بعض الطوائف، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون، و استيفاء ما له على الناس، و ردّ الأمانات و البضائع إلى أهلها، و إخراج ثلثه و صرفه فيما ينفعه و لو بنظر الحاكم؛ من استئجار العبادات، و أداء الحقوق الواجبة و المظالم و نحوها. نعم، في

______________________________

(1) لو لم ينجز الوصيّ ما اوصي إليه في حياته لأيّة جهة كان و لو عمداً، و ظهرت عليه أمارات الموت، أو مع عدم ظهورها أيضاً، و فرض عدم إرادة العمل بالوصيّة بنفسه و بالمباشرة، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزها بعد موته، كما أنّه ليس له ذلك في حال حياته إلّا في بعض الأُمور التي يتعارف التوكيل فيها؛ لأنّ حقّ الوصاية بيد الموصي و باختياره، إلّا إذا أذن له في الإيصاء إلى الغير، فتجوز له.

(2) لا شبهة في أنّ الوصيّ كالوكيل أمين، و هو غير ضامن إلّا في صورة التعدّي أو التفريط. نعم، يتحقّق الموجب للضمان هنا بنفس مخالفة الوصيّة، فيصير الوصيّ ضامناً مع فرض التلف، كما لو أوصى بإطعام عشرة مساكين في كلّ سنة مثلًا، فأطعم من مال الموصي أزيد من ذلك، فإنّه ضامن للزيادة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد،

ص: 190

شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل و إشكال، فالأحوط أن يكون تصدّيه لأُمورهم بإذن من الحاكم، و بالجملة: المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده، فيختلف باختلاف الأعصار و الأمصار (1).

[مسألة 50: ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي]

مسألة 50: ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي، و لا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره. نعم، له التوكيل في بعض الأُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلّا بوقوعها من أيّ مباشر كان، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على

______________________________

(1) لا يجوز للوصيّ التصرّف المغاير للكيفيّة المأخوذة في الوصيّة؛ سواء كانت راجعة إلى عمل خاصّ، أو قدر مخصوص، أو كيفيّة معيّنة، و إلّا فتشمله آية التبديل المشار إليها آنفاً.

و أمّا لو أطلق الموصي الوصيّة؛ بأن قال: «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق، فقد استقرب في المتن وقوعه لغواً؛ لخلوّه عن ذكر المتعلّق، و استثنى ما إذا كان هناك عرف خاصّ دالّ على المراد فيتّبع؛ لأنّه بمنزلة ذكر المتعلّق و قرينة عليه، كما في عرف بعض الطوائف بالإضافة إلى الأُمور المذكورة في المتن، و الوجه فيه: أنّ العرف قرينة على تعيين المراد، فاللازم اتّباعه لأصالة الظهور.

ثمّ إنّ في شمول الوصيّة المطلقة غير المأخوذة في متعلّقها شي ء للأولاد الصغار و الأطفال تأمّلًا و إشكالًا، كما في المتن؛ لاختلاف الوصاية و القيموميّة عنواناً. نعم، حيث يمكن أن يكون في عرف الموصي دائرة الوصاية المطلقة شاملة للقيموميّة، فالأحوط اللزومي بعد الرجوع إلى الحاكم تعيين الحاكم إيّاه بعنوان القيّم لو كان صالحاً له، و عدم التعدّي عنه، و بالجملة: فالمعيار هو العرف، و هو يختلف باختلاف الأشخاص و الموارد، و اختلاف الأعصار و الأمصار، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد،

ص: 191

مباشرة أمثال هذا الوصيّ، و لم يشترط عليه المباشرة (1).

[مسألة 51: لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً]

مسألة 51: لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى، أو جهات محصورة يقسّط بينها، و تحتمل القرعة، و يحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها، و لا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب. و إن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل، و الأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة، و جهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة (2).

______________________________

(1) لا يجوز للوصيّ عزل نفسه بعد موت الموصي، لما عرفت «1» من عدم جواز الردّ بعده، فضلًا عمّا إذا كان مسبوقاً بالقبول، كما أنّه لا يجوز له تفويض أمر الوصيّة إلى الغير بحيث صار الغير وصيّاً مكانه. نعم، له التوكيل في بعض الأُمور المتعلّقة بالوصية مع حفظ كون الوصيّ نفسه، بشرط عدم اشتراط المباشرة عليه و عدم تعلّق الغرض إلّا بوقوعها من أيّ مباشر كان، خصوصاً مع عدم جريان العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ؛ لمغايرته مع شأنه أو لغير ذلك من الجهات.

(2) لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً، ففي المسألة صورتان:

الاولى: ما إذا تردّد بين أشخاص محصورين، أو جهات محصورة، ففي الأوّل لا محيص عن الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل في حقوق الناس قطعاً، و مسألة درهم الودعي على خلاف القاعدة، لا يجوز التعدّي عن موردها، فضلًا

______________________________

(1) في ص 182 183.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 192

..........

______________________________

عن استفادة الضابطة منها، و تسمية تلك الضابطة قاعدة العدل و الإنصاف.

و في الثاني، قد احتمل فيه في المتن احتمالات

ثلاثة:

أحدها: التقسيط بينها؛ و ذلك لأجل عدم وجود المرجّح و عدم كونها من حقوق الناس؛ مثل ما إذا كان متعلّق الوصية المنسيّ هو بناء القنطرة، أو بناء المسجد، أو بناء المكتب مثلًا، فلازم عدم المرجّح و عدم كونها من حقوق الناس التقسيط.

ثانيها: القرعة؛ لأنّ هذه الأُمور ممّا تشبه حقوق الناس التي هي مجرى القرعة كما عرفت؛ لتعلّق تلك الأُمور بهم و استفادتهم منها.

ثالثها: التخيير في أيّة جهة شاء من الجهات بعد عدم وجود المرجّح، و عدم كونها من حقوق الناس عرفاً و أصالة، و لا يجوز الصرف في مطلق الخيرات بعد كون الجهات محصورة، و خروج ما عدا المحصورة عن أطراف الشبهة.

الثانية: ما إذا تردّد بين أشخاص غير محصورين عرفاً، أو جهات غير محصورة كذلك، و لا مجال هنا للقرعة بعد كون الأطراف غير محصورة، فيجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل، و جهة من الجهات في الثاني، بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة.

و ما يشعر به أو يدلّ عليه ظاهر العبارة من أنّ اعتبار عدم الخروج عن أطراف الشبهة إنّما يكون في الأوّل بنحو الأولويّة، و في الثاني بنحو التعين و اللزوم، فالظاهر أنّه لا مجال للفرق بين الموردين، بل اللازم في كليهما عدم الخروج عن أطراف الشبهة و إن كانت غير محصورة عرفاً، فتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّه قد وردت في مثل موضوع المسألة مكاتبة محمّد بن الريّان، و في طريقها سهل بن زياد في جميع الطرق التي رواها المشايخ الثلاثة، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصيّ إلّا باباً واحداً منها،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 193

[مسألة 52: لو أوصى الميّت وصيّة عهديّة و لم يعيّن وصيّاً]

مسألة 52: لو أوصى الميّت وصيّة عهديّة

و لم يعيّن وصيّاً، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك، تولّى الحاكم أمرها، أو عيّن من يتولّاه، و لو لم يكن الحاكم و لا منصوبة تولّاه من المؤمنين من يوثق به (1).

[مسألة 53: يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ، و وظيفته تابعة لجعله]

مسألة 53: يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ، و وظيفته تابعة لجعله، فتارةً: من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ؛ بأن يكون أعماله باطّلاعه، حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه، و أُخرى: من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ و الاطمئنان بأنظار الناظر، يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره، و لا يعمل إلّا ما رآه صلاحاً، فالوصيّ و إن كان وليّاً مستقلا في التصرّف، لكنّه

______________________________

كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليه السلام: الأبواب الباقية اجعلها في البرّ «1».

(1) لو أوصى الميّت وصيّة عهدية مفتقرة إلى الإجراء و لم يعيّن وصيّاً أصلًا، أو عيّن الوصيّ و لكن بطلت وصايته بموت أو جنون لا يرجى زواله، أو غير ذلك، فعلى الحاكم أن يتولّى أمر الوصيّة بالمباشرة أو بنصب من يتولّاه، و لو لم يكن الحاكم و لا منصوبة، أو لم يمكن اطّلاع الحاكم على هذه الجهة، لبعده أو جهة أُخرى، فالمتولّي هو المؤمنون، و لا يشترط فيهم العدالة و إن كان المعروف أنّه مع عدم الحاكم تصل النوبة إلى عدول المؤمنين، لكن حيث إنّه لا تشترط العدالة في الوصيّ المعيّن الباقي على وصايته لا تشترط في المؤمنين أيضاً، بل تكفي الوثاقة.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 58 ح 7، الفقيه: 4/ 162 ح 565، تهذيب الأحكام: 9/ 214 ح 844، و عنها وسائل الشيعة: 19/ 393، كتاب الوصايا ب 61

ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 194

غير مستقلّ في الرأي و النظر، فلا يمضي من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر و اطّلاعه، و كان عمله على طبق ما قرّره الموصي، فالظاهر صحّته و نفوذه على الأوّل؛ بخلافه على الثاني، و لعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل (1).

______________________________

(1) قد مرّ أنّه يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ، و وظيفته تابعة لجعله، و الظاهر أنّ الغرض من المسألة بيان ذلك بنحو التفصيل، و توضيحه أنّ الناظر على قسمين:

الأوّل: الناظر الاستطلاعي أو الاستيثاقي، و المقصود منه هو من كان الغرض من جعله هو الاستيثاق على وقوع الوصيّة بتمامها كمّاً و كيفاً، و كونه مراقباً على الوصيّ، و لازمه أن يكون الوصيّ عمله متوقّفاً على اطّلاعه، حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه و أرجعه إلى ما قرّره، و ذكر في الذيل أنّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو هذا النحو.

الثاني: الناظر الاستصوابي، و المقصود منه من كان الغرض من جعله هي رعاية إنظاره و تشخيصاته من جهة عدم الاطمئنان بصحّة أنظار الوصيّ و الاطمئنان بأنظار الناظر، و في هذه الصورة يجعل على الوصيّ و يحكم عليه بأن تكون أعماله على طبق نظر الناظر، و أن لا يعمل إلّا ما يراه مصلحة، فالوصيّ و إن كان مستقلا في التصرّف، لكنّه غير مستقلّ في الرأي و النظر، و لعلّ السرّ في التفكيك هو وثاقة الوصيّ دون الناظر و إن كانت آراؤه أصلح و أنظاره أنفع، أو أصلحية نظره بالإضافة إلى الوصيّ، أو غير ذلك

من الجهات.

و الثمرة بين القسمين بعد اشتراكهما في عمل الوصيّ على طبق ما قرّره الموصي و عيّنه، أنّه في القسم الأوّل يصحّ عمله و إن لم يراجع الناظر، و في القسم الثاني

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 195

[مسألة 54: يجوز للأب مع عدم الجدّ، و للجدّ للأب مع فقد الأب]

مسألة 54: يجوز للأب مع عدم الجدّ، و للجدّ للأب مع فقد الأب، جعل القيّم على الصغار، و معه لا ولاية للحاكم، و ليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الأُمّ (1).

[مسألة 55: يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال]

مسألة 55: يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال، و الأحوط اعتبار العدالة، و إن كان الاكتفاء بالأمانة و وجود المصلحة

______________________________

تكون صحّة عمله الكذائي متوقّفة على مراجعة الناظر و تصويبه، فلا يصحّ بدون ذلك و إن لم يكن مخالفاً للوصيّة.

(1) يجوز لكلّ من الأب و الجدّ للأب الثابتة لهما الولاية الشرعيّة على أولاد الميّت الصغار جعل القيّم عليهم مع عدم الآخر، فيجوز للأب مع عدم الجدّ له ذلك، كما أنّه يجوز للجدّ من الأب على تقدير فقد الأب ذلك، و ذلك لأنّه على تقدير وجود الآخر تكون الولاية الشرعيّة له، و لا تصل النوبة إلى الحاكم، فضلًا عن غيره، كما أنّه لا تكون الولاية لغيرهما حتّى الامّ و لو مع فقدهما. نعم، في هذه الصورة تصل النوبة إلى الحاكم أو مثله، كما في سائر المقامات.

و بالجملة: المقصود من هذه المسألة أمران:

أحدهما: أنّ جواز جعل أحد الوليّين الأب و الجدّ للأب القيّم على الصغار مشروط بفقد الآخر؛ لأنّه مع وجوده يكون الوليّ الشرعي موجوداً، و لا مجال معه للقيّم بوجه.

ثانيهما: أنّ الأُمّ لا تصلح لنصب القيّم مطلقاً؛ أي سواء وجد الأب أو الجدّ للأب أو فقد كلاهما، بل الأمر مع الحاكم.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 196

ليس ببعيد (1).

[مسألة 56: لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة و تصرّفاً مخصوصاً، اقتصر عليه]

مسألة 56: لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة و تصرّفاً مخصوصاً، اقتصر عليه، و يكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله و ما يتعلّق بإنفاقه مثلًا ليس له الولاية على أمواله بالبيع و الإجارة و نحوهما، و على نفسه بالإجارة و نحوها، و على ديونه بالوفاء و الاستيفاء. و لو أطلق

و قال: «فلان قيّم على أولادي» مثلًا، كان وليّاً على

______________________________

(1) يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال؛ لأنّ مرجع الأوّل في صورة كون النصب من قبل الأب أو الجدّ للأب مع انتفاء الآخر إلى نوع وصيّة؛ لأنّ القيمومة هي الوصاية على الأطفال في مقابل الوصي على المال، فلا معنى لاحتمال كونه أهون منه، و إن كان قد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار العدالة و الاكتفاء بالأمانة و وجود المصلحة في القيّم، كما عرفت أنّه يكفي في الوصيّ الوثاقة «1».

و لعلّ الوجه في كلتا المسألتين أنّ اعتبار العدالة التي هي مرتبة تالية من العصمة في الوصيّ و القيّم يوجب الوقوع في الحرج الشديد، و عدم تحقّق الوصيّ و القيّم في كثير من الموارد؛ لقلّة من كان واجداً لصفة العدالة، و كثرة الافتقار إلى الوصيّ أو القيّم، فاللازم التوسعة بمقدار الوثاقة كما لا يخفى، مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار العدالة في شي ء من الموردين، و لذا نفى البُعد عن الاكتفاء بالوثاقة في الوصيّ و الأمانة و وجود المصلحة في القيّم، فتدبّر جيّداً.

و يؤيّده أنّه ربما لا يكون العادل حاضراً بقبول الوصاية أو القيمومة.

______________________________

(1) في ص 180.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 197

جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه، فله الإنفاق عليهم بالمعروف، و الإنفاق على من عليهم نفقة، و حفظ أموالهم، و استنماؤها، و استيفاء ديونهم، و إيفاء ما عليهم، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس، و كذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم، كالخمس و غير ذلك، و في ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى (1).

[مسألة 57: يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد]

مسألة 57: يجوز جعل الولاية

على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال

______________________________

(1) لو عيّن الموصي على القيّم التصدّي لجهة خاصّة و تصرّف مخصوص، يلزم على القيّم الاقتصار على ما عيّن، و يكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله، كالمثال المذكور في المتن، و المقصود من قوله: و على نفسه بالإجارة في المثال هو الإجارة للصغير على العمل في مقابل إجارة الأعيان كالدار و مثلها.

و لو أطلق و قال: «فلان قيّم على أولادي» و لم يعيّن جهة خاصّة و تصرّفاً مخصوصاً، فظاهره ثبوت الولاية للقيّم في جميع ما كان للموصي الولاية عليه في حال الحياة بالإضافة إلى أولاده الصغار، فله ماله كالأمثلة المذكورة في المتن التي منها: إيفاء ما عليهم، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس، نظراً إلى عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة التي منها ضمان ما أتلفه من مال الغير بالبالغين، و منها: إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس؛ لأنّه ليس مجرّد تكليف، بل أمر وضعي ثابت بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو غيرهما. نعم، في ولاية القيّم على تزويج الصغير و الصغيرة مع المصلحة كلام مذكور في كتاب النكاح «1».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 111 113.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 198

و الاشتراك، و جعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال (1).

[مسألة 58: يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف و لا تقتير]

مسألة 58: يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف و لا تقتير، فيطعمه و يلبسه عادة أمثاله و نظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، و لو بلغ فأنكر أصل الإنفاق، أو ادّعى عليه الإسراف، فالقول قول الوصيّ بيمينه، و كذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة و لا غبطة. نعم، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ

و أنكره الصبيّ، قُدّم قول الصبيّ، و البيّنة على الوصيّ (2).

______________________________

(1) كما يجوز جعل الوصاية لاثنين فما زاد بالاستقلال أو الاشتراك، كذلك يجوز بالإضافة إلى القيّم على الأطفال، و كما يجوز جعل الناظر على الوصيّ في الوصيّة بالمال كذلك يجوز جعل الناظر على القيّم، و الأنسب التعبير بالقيّم مكان الوصيّ، فتدبّر جيّداً.

(2) يجب على القيّم سواء كان منصوباً من قبل أحد الوليّين الشرعيّين؛ و هما الأب و الجدّ للأب على ما تقدّم، أو من قبل الحاكم الشرعيّ أن ينفق على الصبيّ؛ سواء كان واحداً أو أكثر، من دون إسراف و زيادة و لا تقتير و نقيصة، بل يطعمه و يلبسه عادة أمثاله و نظرائه و رعايةً لشؤونه المرعيّة في العرف، فإن أسرف ضمن الزيادة و لو لم يدّع الصبيّ بعد البلوغ ذلك؛ لما مرّ «1» من أنّ الأمين لا يكون ضامناً ما دام لم يتعدّ و لم يفرط، فمع وجود أحد العنوانين يصير ضامناً؛ لما قرّر في محلّه من البحث في القواعد الفقهيّة، كما قرّرناه في كتابنا في هذا المجال «2».

______________________________

(1) في ص 189.

(2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 27 43.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 199

..........

______________________________

و لو بلغ و وقع الاختلاف بينه و بين القيّم ففيه صور تالية:

الاولى: أن ينكر الصبيّ البالغ أصل الإنفاق، أو ادّعى عليه الإسراف، و في المتن القول قول الوصيّ أي القيّم مع يمينه، و السرّ فيه مخالفة الأوّل للظاهر، حيث إنّه يقتضي تحقّق الإنفاق عليه لتدوم حياته و يصير بالغاً، ضرورة أنّه بدونه لا يكاد أن يتحقّق البلوغ، و مخالفة الثاني للأصل، حيث إنّه يقتضي عدم الزيادة؛ سواء كانت من جهة الكمّية أو الكيفيّة. و إن

جعل الملاك في تشخيص المدّعى من المنكر العرف دون الظاهر و الأصل كما قوّيناه في كتاب القضاء «1»، فالظاهر أنّ العرف يحكم بكون البالغ مدّعياً عليه البيّنة، و القيّم منكراً يقبل قوله مع اليمين في صورة عدم البيّنة للمدّعي.

الثانية: أن يدّعي البالغ على القيّم أنّه باع ماله من دون حاجة و لا مصلحة، و في المتن أنّها كالصورة الأُولى؛ لما عرفت في تشخيص المدّعى الذي عليه البيّنة عن المدّعى عليه الذي يكون عليه اليمين، مضافاً إلى موافقة قول القيّم للظاهر، فإنّه يقتضي عدم تحقّق البيع من دون حاجة و لا مصلحة، كما هو كذلك بالإضافة إلى بيع مال نفسه، كما لا يخفى.

الثالثة: أن يدّعي القيّم دفع مال اليتيم إليه بعد بلوغه و رشده، و أنكره البالغ كذلك، و في هذه الصورة يكون القول قول الصبيّ مع عدم البيّنة للوليّ القيّم؛ لأنّه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل عدم الدفع إليه يكون مقتضى المناط الذي ذكرناه ذلك أيضاً؛ لأنّ القيّم يدّعي الدفع، و البالغ ينكره كما هو ظاهر.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء و الشهادات: 75 77.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 200

[مسألة 59: يجوز للقيّم الذي يتولّى أُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اجرة مثل عمله]

مسألة 59: يجوز للقيّم الذي يتولّى أُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اجرة مثل عمله؛ سواء كان غنيّاً أو فقيراً و إن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب. و أمّا الوصيّ على الأموال، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به، و طبّقه على مصرفه المعيّن بحيث لم يبق شيئاً لُاجرة الوصيّ، و استلزم أخذها أمّا الزيادة على المال الموصى به، أو النقصان في مقدار المصرف، لم يجز له أن يأخذ الأُجرة لنفسه. و إن عيّن المال و المصرف على نحوٍ

قابل للزيادة و النقصان، كان حاله حال متولّي الوقف؛ في أنّه لو لم يعيّن له جعلًا معيّناً جاز له أن يأخذ أُجرة مثل عمله، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر و تسوية المعابر و تعمير المساجد (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرّض في هذه المسألة للفرق بين القيّم على اليتيم و الوصي على الأموال من بعض الجهات، و توضيحه:

أنّه يجوز للقيّم أن يأخذ من مال اليتيم اجرة مثل عمله، من دون فرق بين ما إذا كان غنيّاً أو فقيراً، و ذلك لأنّ عمل المسلم محترم و له أجر فيما إذا كان بأمر من له الأمر، و إن كان الأحوط الأولى للغنيّ غير المحتاج عدم الاستفادة من مال اليتيم الذي جعل أكله ظلماً أكلًا في بطونهم النار في الكتاب العزيز «1»، و هو يدلّ على كمال مراقبة مال اليتيم و لزوم التحفّظ و الاجتناب منه.

و أمّا الوصيّ على الأموال، ففيه تفصيل مرجعه إلى:

أنّه لو عيّن الموصي مقدار المال الموصى به، و لازم تطبيقه على المصرف المعيّن عدم بقاء شي ء لُاجرة الوصي، و استلزم أخذ الأُجرة، إمّا الزيادة على المال الموصى

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 10.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 201

[مسألة 60: الوصيّة جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح]

مسألة 60: الوصيّة جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح، و تبديلها من أصلها، أو من بعض جهاتها و كيفيّاتها و متعلّقاتها، فله تبديل الموصى به كلّاً أو بعضاً، و تغيير الوصيّ و الموصى له و غير ذلك، و لو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد، ثمّ بعد ذلك عدل

عن وصاية زيد و جعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله. و كذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى أُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها، و هكذا. و كما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال (1).

______________________________

به، أو النقصان في مقدار المصرف، لم يجز له أن يأخذ الأُجرة و لو اجرة المثل لنفسه؛ لأنّه بقبوله الوصيّة الكذائيّة، أو بعدم ردّها مع الإمكان كأنّه تبرّع بإجراء الوصيّة و تنفيذها و عدم أخذ الأُجرة أصلًا. نعم، لو عيّن المال و المصرف على نحوٍ قابل للزيادة و النقصان، ففي المتن يكون حاله حال متولّي الوقف؛ في أنّه لو لم يعيّن له جعلًا معيّناً جاز له أن يأخذ أُجرة مثل عمله؛ لما ذكرنا من الوجه «1»، و لا يكون القبول أو عدم الردّ موجباً للعمل بعنوان التبرّع، كالأمثلة المذكورة في المتن المشتركة في قبول الموصى به للزيادة و النقصان، فتأمّل.

(1) لا شبهة في أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي؛ سواء كانت من العقود أو الإيقاعات، فله أن يرجع فيها ما دام فيه الروح كلّاً أو بعضاً من جهة الكمّية أو الكيفيّة، كما أنّ له تغيير الوصيّ و الموصى له و غير ذلك. غاية الأمر أنّه لو رجع عن

______________________________

(1) في ص 100.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 202

[مسألة 61: يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول، و هو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان]

مسألة 61: يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول، و هو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان، نحو: «رجعت عن وصيّتي، أو أبطلتها، أو عدلت عنها، أو نقضتها» و نحوها. و بالفعل، و هو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به،

و كذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع، أو جائز كالهبة مع القبض، و إمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً و إن بقي الموصى به بحاله و في ملكه، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه (1).

______________________________

بعض الجهات يبقى غيرها بحاله، و في المثال المذكور في المتن أنّه لو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد، ثمّ عدل بعد ذلك عن وصاية زيد و جعلها لعمرو، يبقى أصل الوصيّة بحاله، و الوصيّ بعد العدول هو عمرو لا زيد، و هكذا بالإضافة إلى سائر الجهات، و كما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال، كذلك له الرجوع في القيّم و في الأُمور التي يتصدّاها، كما عرفت أنّه لا بدّ أن تكون تلك الأُمور مذكورة و معيّنة من قبل الموصي في صورة إرادة التعيين.

(1) يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بأحد أُمور ثلاثة:

الأوّل: القول، و هو كلّ لفظ دالّ عليه بالظهور العرفيّ المعتمد عليه عندهم و لو لم يكن على سبيل الحقيقة، من دون فرق بين اللغات.

الثاني: إعدام موضوع الوصيّة و موردها بإتلاف الموصى به أو نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع و نحوه، أو بعقد جائز كالهبة، و التقييد بالقبض في الهبة ليس لأجل توهّم اللزوم معه، لما مرّ من عدم تحقّق اللزوم بمجرّد القبض، بل لأجل توقّف الصحّة عليه «1».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الهبة مسألة 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 203

[مسألة 62: الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها]

مسألة 62: الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها، و يعمل بها لو لم يرجع الموصي و إن طالت المدّة، و لو شكّ في الرجوع و لو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً يحكم ببقائها و عدم

الرجوع، هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة؛ بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة و العمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّٰه عليه. و أمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا، أو عن مرض كذا، و لم يتّفق موته في ذلك السفر، أو عن ذلك المرض، بطلت تلك الوصيّة، و لو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض و نحوهما، و قامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم الإطلاق؛ و أنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها، و إلّا فالأقرب الأخذ بها و العمل عليها و لو مع طول المدّة، إلّا إذا نسخها، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلًا (1).

______________________________

الثالث: ما يعدّ عند العرف رجوعاً و إن بقي الموصى به بحاله و في ملكه، كالمثال المذكور في المتن، مع أنّ الوكالة جائزة.

(1) قد عرفت أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي و يجوز له الرجوع فيها ما دام فيه الروح باقياً، فلو لم يتحقّق الرجوع يجب العمل بها و إن طالت المدّة بينها و بين زمان موته. و لو شكّ في الرجوع يحكم بالبقاء و عدم الرجوع؛ سواء كان الشكّ للشبهة الموضوعية، أو للشبهة الحكميّة، كما إذا شكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً؛ لجريان الاستصحاب في كلا الفرضين على ما هو مقتضى التحقيق، فإذا شكّ في وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة و لم يقم دليل على النفي و الإثبات فرضاً يجري استصحاب الوجوب الثابت في عصر الظهور، لكن مورده ما إذا كانت الوصيّة

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد،

ص: 204

[مسألة 63: لا تثبت الوصيّة بالولاية سواء كانت على المال أو على الأطفال]

مسألة 63: لا تثبت الوصيّة بالولاية سواء كانت على المال أو على الأطفال إلّا بشهادة عدلين من الرجال، و لا تقبل فيها شهادة النساء، لا منفردات و لا منضمّات بالرجال. و أمّا الوصيّة بالمال، فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين، و شاهد و يمين، و شهادة رجل عدل و امرأتين عادلتين، و تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين:

______________________________

مطلقة، و توضيحه أنّ الوصية على ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن تكون الوصيّة مطلقة غير مقيّدة بموته في سفر كذا، أو عن مرض كذا، و هكذا في زمن كذا، و كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة و العمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّٰه عليه.

الثاني: أن تكون مقيّدة بمثل أحد الأُمور المذكورة، و في هذا القسم لو لم يتحقّق موته مع القيد الذي ذكره تبطل الوصيّة بنفسها.

الثالث: أن تكون الوصيّة في حال مخصوص و ظرف خاصّ، كما إذا كان في جناح سفر أو في حال مرض، و قد فصّل فيه في المتن بين ما إذا قامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم إطلاق، و أنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال، فلا يجوز العمل بها مع عدم موته فيها، و بين ما إذا لم تقم تلك القرائن فاستقرب لزوم الأخذ بها و العمل عليها و لو مع طول المدّة، إلّا في صورة الرجوع، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة، كما في المثال المذكور في المتن، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم «1» من كفاية الكتابة في الوصيّة، كما هو المتداول في الوصايا كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 138.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 205

أحدهما: أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات و إن لم تكمل أربع و لم تنضمّ اليمين، فتثبت ربعها بواحدة عادلة، و نصفها باثنتين، و ثلاثة أرباعها بثلاث، و تمامها بأربع.

ثانيهما: أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين في دينهما عند الضرورة و عدم عدول المسلمين، و لا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار (1).

______________________________

(1) الوصيّة إن كانت متعلّقة بالولاية؛ سواء كانت هي الولاية على المال، أو القيمومة على الأطفال، فهي لا تثبت إلّا بشهادة عدلين من الرجال، و لا تقبل فيها شهادة النساء، لا منفردات و لا منضمّات بالرجال، كسائر الموارد المشابهة، إلّا ما استثني.

و إن كانت متعلّقة بالمال، فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين، و شاهد و يمين، و شهادة رجل و امرأتين، كما مرّ في كتاب القضاء «1»، لكن تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين، و الأصل فيهما قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ «2» و قد وردت في جملة من الروايات المنقولة في الباب العشرين من أحكام الوصايا من كتاب الوسائل فيها روايات صحيحة دالّة على أنّ المراد من آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ هما كافران، معلّلًا في بعضها بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد «3»، و يظهر من التعليل أنّ المورد هي الوصيّة بالمال، كما أنّه يظهر من آخر

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 189 199.

(2) سورة المائدة: 5/ 106.

(3) الكافي: 7/ 4 ح 2 وص 398 ح 2، الفقيه: 4/ 142 ح 485، تهذيب الأحكام: 6/ 252 ح 652 و ج 9/ 180 ح 724 و عنها الوسائل: 19/ 310 و

311، كتاب الوصايا ب 20 ح 3 و 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 206

[مسألة 64: لو كانت الورثة كباراً]

مسألة 64: لو كانت الورثة كباراً، و أقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث و ما دونه لوارث أو أجنبيّ، أو بأن يصرف في مصرف، تثبت في تمام الموصى به، و يلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم، و لا يحتاج إلى بيّنة. و إن أقرّ بها بعضهم دون بعض، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام؛ لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ و شهادة بالنسبة إلى غيره، فلا يحتاج إلى بيّنة اخرى، و إلّا تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ، و يحتاج إلى البيّنة في الباقين. نعم، لو كان المقرّ عدلًا واحداً و كانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة، و بالجملة: المقرّ من الورثة شاهد

______________________________

الاختصاص بصورة الضرورة و عدم عدول المسلمين «1»، كما أنّه يدلّ بعض منها على الاختصاص بأهل الذمّة «2»، مضافاً إلى كون الشاهدين مرضيّين عند أصحابنا بكونهما عدلين في دينهما.

و أمّا قبول شهادة المرأة الواحدة بالإضافة إلى الربع و هكذا حتّى يكمل تمامها بأربع، فيدلّ عليه أيضاً روايات متعدّدة مذكورة في الباب الثاني و العشرين من الكتاب المذكور.

منها: صحيحة محمّد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها «3»، و أوردها في الباب مرّتين متعدّدتين على خلاف ما قلنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 309 311، كتاب الوصايا

ب 20 ح 1 و 3 و 4 و 6.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 311 و 312، كتاب الوصايا ب 20 ح 5 و 7.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 180 ح 723، و عنه الوسائل: 19/ 317، كتاب الوصايا ب 22 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 207

بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ، فيثبت به ما يثبت به (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو كانت الورثة كباراً و أقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث و ما دونه تثبت الوصية في تمام الموصى به، و يلزمون بالعمل بها، من دون فرق بين أن يكون كلّهم عدولًا أم لم يكن؛ لأنّ ذلك إنّما هو للأخذ بإقرارهم و لا يحتاج إلى بيّنة.

الثاني: لو أقرّ بالوصيّة بعض الورثة الكبار دون بعض آخر منهم؛ سواء كان كباراً أم لم يكن، فإن كان المقرّ منهم اثنين عدلين فما فوق تثبت الوصية في التمام أيضاً، لقيام البيّنة، مضافاً إلى الإقرار بالإضافة إلى المقرّين المشمول لقاعدة الإقرار المبحوث عنها في محلّها من البحث في القواعد الفقهية «1»، و لا حاجة إلى شي ء آخر، و إن لم يكونا عدلين، بل كان كلا المقرّين أو المقرّ الواحد غير عادل، فمقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى حصّة المقرّ فقط، و يحتاج الثبوت في الباقين إلى البيّنة.

نعم، يستثني من ذلك موردان:

أحدهما: ما إذا كان المقرّ الواحد عادلًا و كان متعلّق الوصيّة المال لشخص أو أشخاص، فإنّك عرفت في المسألة السابقة كفاية شهادة عدل واحد مع ضمّ اليمين، و المراد بها يمين المقرّ له، فإنّه في هذا المورد يكفي المجموع من شهادة الواحد و اليمين في ثبوت تمام الوصيّة، و قد فصّل ذلك في كتاب القضاء «2».

ثانيهما: ما إذا شهدت

امرأة واحدة عادلة، فإنّ مقتضى الروايات الكثيرة

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 63 82.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 189 199.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 208

[مسألة 65: لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبي]

مسألة 65: لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبي، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها، و لا يسمع منه كغيره. نعم، لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة كالفقراء، أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد، أو الميّت نفسه، كاستئجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكنّ الوارث و الأجنبي في ذلك سيّان، إلّا فيما تعلّقت بأُمور الميّت، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره، و اختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره (1).

______________________________

المشار إليها آنفاً أنّها تكفي في ثبوت ربع حصّة الوصيّة في الورثة، و إن كانت وارثة يكون مقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى جميع حصّتها، كما لا يخفى.

(1) لو أقرّ الوارث بأصل ثبوت الوصيّة و تحقّقها من الميّت قبل موته من دون أن يقرّ بالخصوصيّات كمّاً أو كيفاً أو غيرهما، يكون الوارث في هذه الجهة كالأجنبي، و يترتّب عليه أنّه ليس له إنكار وصاية من يدّعيها، و لا يسمع منه هذا الإنكار كغيره، إلّا أن يدّعي العلم بعدمها و إن كان الوصيّ الواقعي مجهولًا له، فإنّه في هذه الصورة له الإنكار، و تسمع دعواه.

و قد استدرك في المتن من أصل المسألة ما لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة، كالفقراء، أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك،

فإنّه في هذه الصور يكون لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، من دون فرق بين الوارث، كما ذكرناه،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 209

[مسألة 66: قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث، و في الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث]

مسألة 66: قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث، و في الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث، و المنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته، و حتّى المجّانيّة و المحاباتيّة على الأقوى (1).

______________________________

و بين الأجنبيّ.

و منه يعلم أنّ ما ذكر في كتاب القضاء «1» من أنّه من شرائط سماع الدعوى أن يكون لها نفع بالإضافة إلى المدّعى، و لذا لا يسمع مثلًا ادّعاء زيد أنّ عمراً مديون لبكر مع كون كليهما أجنبيّين عنه لا يرتبطان به أصلًا، وجه عدم المنافاة أنّ النفع العائد إلى المدّعى ربما لا يكون نفعاً دنيوياً، بل نفعاً أُخرويّا من جهة الحسبة و المساعدة مع العناوين المذكورة في المتن حتّى الميّت نفسه، و إن نفى البُعد في الأخير عن أولوية الوارث من غيره، و كون اختصاص الدعوى و حقّها به مقدّماً على غيره، و لعلّه لشدّة الارتباط و الاتّصال بينهما و كثرة محبّة الوارث بالنسبة إلى الميّت و إرادته لأن يصل الأجر و الثواب إليه، و يؤيّده أنّ المتصدّي لتجهيزاته هو الولد الذكر الأكبر الذي عليه قضاء ما فات عن أبيه قطعاً، و عن امّه احتمالًا، كما هو المبحوث عنه في محلّه من كتاب الصلاة.

(1) قد تقدّم في كتاب الحجر الذي عدّ المرض من أسبابه أنّ الوصيّة المشروعة نافذة في الثلث مطلقاً، سواء كانت مطابقة لرأي الورثة أم لم تكن كذلك. نعم، في الزائد يتوقّف

على إمضاء الوارث بحسب الوحدة و التعدّد، فإن كان واحداً و أمضى الجميع لا بدّ من الأخذ بتمام الوصيّة، و إن كان متعدّداً فالزائد بلحاظ حقّ كلّ يتوقّف على الإجازة، و يمكن التبعيض في الإجازة و عدمها، و أمّا المنجّزات

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 79 80.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 210

[مسألة 67: لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة و معلّقة على الموت]

مسألة 67: لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة و معلّقة على الموت، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به، و إن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة، فتخرج من الأصل، و تخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة (1).

______________________________

فلا إشكال في نفوذها مطلقاً إذا لم تكن من المريض في مرض موته، و إذا كانت منه فقد قوّينا خروجها من الأصل حتّى في التبرّعية و المجّانيّة التي هي مورد البحث، فراجع ذلك الكتاب «1».

(1) لو وقع منه الجمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة و معلّقة على الموت، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في جميع ما تعلّقتا به، سواء قلنا بأنّ المنجّزات من الأصل أو من الثلث؛ لأنّ المفروض وفاء الثلث بكليهما و عدم ثبوت الزيادة على الثلث، و إن فرض عدم وفاء الثلث بكليهما فاللازم الابتداء بالمنجّزة و إخراجها من الأصل؛ لأنّ المختار فيها كذلك، و تخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة، لما عرفت «2» في كلا الأمرين من أنّ الملاك في الثلث هو الثلث حال الموت، لا حال الوصيّة، و أنّ الوصية بالزيادة على الثلث المذكور لا تكون باطلة من رأس بالإضافة إلى الزيادة، بل متوقّفة على إجازة

الورثة، و قد مرّ التفصيل في هذا المجال في كتابي الحجر «3» و الوصيّة «4»، فراجع. هذا تمام الكلام في شرح كتاب الوصيّة.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض.

(2) في ص 163 164، و يلاحظ تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض، مسألة 4.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض، مسألة 5.

(4) في ص 158 159.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 213

[كتاب الأيمان و النذور]

اشارة

كتاب الأيمان و النذور

[القول في اليمين]

اشارة

القول في اليمين و يطلق عليها الحلف و القسم، و هي ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما يقع تأكيداً و تحقيقاً للإخبار بوقوع شي ء ماضياً أو حالًا أو استقبالًا.

الثاني: يمين المناشدة و هي ما يُقرن به الطلب و السؤال يقصد بها حثّ المسئول على إنجاح المقصود، كقول السائل: «أسألك باللّٰه أن تفعل كذا».

الثالث: يمين العقد، و هي ما يقع تأكيداً و تحقيقاً لما بنىٰ عليه و التزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي، كقوله: «و اللّٰه لأصومنّ» أو «.. لأتركنّ شرب الدخان» مثلًا. لا إشكال في أنّه لا ينعقد القسم الأوّل، و لا يترتّب عليه شي ء سوى الإثم فيما كان كاذباً في إخباره عن عمد. و كذا لا ينعقد القسم الثاني، و لا يترتّب عليه شي ء من إثم أو كفّارة؛ لا على الحالف في إحلافه، و لا على المحلوف عليه في حنثه و عدم إنجاح مسؤوله. و أمّا القسم الثالث، فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، و يجب برّه و الوفاء به، و يحرم حنثه، و يترتّب على حنثه الكفّارة (1).

______________________________

(1) قال اللّٰه تعالى في كفّارة اليمين ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ «1» و هل المراد

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 89.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 214

..........

______________________________

بالقيد الاحترازي، فتدلّ الآية على مغايرة اليمين و الحلف و لو بالعموم و الخصوص المطلق، أو أنّ المراد بالقيد التوضيحي و ذكره كالعطف التفسيري، و لعلّ وجهه عدم كون اليمين فعلًا، بل إنّما هي اسم بخلاف الحلف الذي يكون مصدراً، و الظاهر هو الثاني.

و كيف كان، فوجه التسمية في القسم الأوّل واضح، و أمّا القسم الثاني، فقد وقع التعبير عنه بالمناشدة في قول

الحسين عليه السلام مخاطباً للعدوّ المحارب: أنشدكم اللّٰه كذا و كذا «1»، و أمّا القسم الثالث، فوجه التسمية بيمين العقد فيه أنّه القسم على تحقّق العهد على الفعل أو الترك، كالمثالين المذكورين في المتن.

لا شبهة في أنّه لا ينعقد القسم الأوّل، بل لا معنى لانعقاده، و لا يترتّب عليه شي ء سوى الإثم لو كان كاذباً في إخباره، و لو كان الإخبار بالإضافة إلى الحال و الاستقبال و كان متعلّق الحلف أمراً في اختياره، فإنّه لا يجب عليه إيجاد ذلك الأمر تحقيقاً لليمين الواقعة و إن كان هذا الفرض يرجع إلى القسم الثالث كما لا يخفى، و هذا القسم هي يمين العقد للتأكيد على تحقيق ما التزم به و تعهّد عليه من فعل أو ترك، و هذا هو المبحوث عنه في كتاب اليمين و ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، و يجب شرعاً العمل على طبقه و يترتّب على حنثه الكفّارة المذكورة في القرآن «2».

لكنّ الجمع بين وجوب البرّ و حرمة الحنث كما في المتن ممّا ليس ينبغي، ضرورة أنّه ليس هناك حكمان شرعيّان بحيث إذا لم يعمل على طبق النذر تتحقّق منه مخالفتان للحكم التكليفي الذي هو الوجوب و الحرمة، و هذا نظير ما ذكرناه في علم

______________________________

(1) الأمالي للشيخ الصدوق: 222 223 قطعة من ح 239، و عنه بحار الأنوار: 4/ 318 319 قطعة من ح 1.

(2) سورة المائدة: 5/ 89.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 215

[مسألة 1: لا تنعقد اليمين إلّا باللفظ أو ما يقوم مقامه]

مسألة 1: لا تنعقد اليمين إلّا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس، و لا تنعقد بالكتابة على الأقوى، و الظاهر أنّه لا يعتبر فيها العربيّة خصوصاً في متعلّقاتها (1).

[مسألة 2: لا تنعقد اليمين إلّا إذا كان المقسم به هو اللّٰه جلّ شأنه]

مسألة 2: لا تنعقد اليمين إلّا إذا كان المقسم به هو اللّٰه جلّ شأنه، إمّا بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة، و يلحق به ما لا يطلق على غيره، كالرحمان، أو بذكر الأوصاف و الأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره،

______________________________

الأُصول من أنّ ما اشتهر من ثبوت حرمة الترك في مورد وجوب شي ء و ثبوت الوجوب في مورد حرمة شي ء ليس بتمام؛ لأنّ من خالف التكليف الوجوبي و لم يأت بالواجب لم يخالف إلّا تكليفاً واحداً، و من خالف التكليف التحريمي فكذلك، إلّا مع إيجاد المنهيّ عنه مكرّراً، و الثابت في المقام هو وجوب الوفاء باليمين كالنذر، و يؤيّده عدم تعدّد الكفّارة بوجه.

(1) أمّا انعقادها باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس غير القادر على التلفّظ بوجه فممّا لا شبهة فيه؛ لأنّه ليس شي ء أظهر منه في الدلالة على اليمين. و أمّا عدم الانعقاد بالكتابة فلعدم الدليل عليه، و ليست اليمين كالوصيّة التي يتعارف فيها الكتابة، و قد عرفت أنّ في بعض الروايات دلالة عليه في الوصيّة «1»، و منها ما يدلّ على استحباب أن تكون وصيّة الرجل تحت رأسه عند المنام «2».

و استظهر في المتن عدم اعتبار العربيّة في متعلّقاتها، خصوصاً مع ملاحظة أنّ غير العارف باللغة العربية لا يقدر على ذلك، كالعارف باللغة الفارسيّة فقط.

______________________________

(1) في ص 137 138.

(2) في ص 137 138.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 216

كقوله: «و مقلّب القلوب و الأبصار» «و الذي نفسي بيده» «و

الذي فلق الحبّة و برأ النسمة» و أشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف و الأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى و على غيره، لكنّ الغالب إطلاقها عليه بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى كالربّ و الخالق و البارئ و الرازق و الرحيم، و لا تنعقد بما لا ينصرف إليه كالموجود و الحيّ و السميع و البصير و القادر، و إن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

(1) الظاهر من النصّ و الفتوى هو أنّ الاهتمام باليمين تكليفاً و وضعاً إنّما هو لأجل كون المقسم به هو اللّٰه جلّ شأنه، و أنّه الذي يجعله تأكيداً و تحقيقاً لما التزم و تعهّد به، و أمّا غيره من الأُمور المقدّسة كالقرآن و الكعبة و الأنبياء، و حتّى نبيّنا صلى الله عليه و آله و المعصومين من الأئمّة الطاهرين و أُمّهم فاطمة الزهراء سلام اللّٰه عليها فلا تنعقد اليمين الاصطلاحيّة به و إن كان في موقعه من القداسة و عظمة الشأن، فضلًا عن أبناء الأئمّة و بناتهم اللذين لا يكونان معصومين أصلًا؛ سواء كانوا مع الواسطة أو بدونها.

و يدلّ عليه من الروايات صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: سألته عن امرأة جعلت مالها هدياً لبيت اللّٰه إن أعارت متاعها لفلانة، فأعار بعض أهلها بغير أمرها؟ فقال: ليس عليها هدي، إنّما الهدي ما جعل اللّٰه هدياً للكعبة، فذلك الذي يوفى به إذا جعل للّٰه، و ما كان من أشباه هذا فليس بشي ء، و لا هدي لا يذكر فيه اللّٰه عزّ و جلّ. و سُئل عن الرجل يقول: عليَّ ألف بدنة و هو محرم بألف حجّة؟ قال: ذلك من خطوات الشيطان. و عن

الرجل يقول و هو محرم بحجّه؟ قال: ليس بشي ء، أو يقول: أنا أهدي هذا الطعام؟ قال: ليس بشي ء، إنّ الطعام لا يهدى، أو يقول لجزور بعد ما نحرت: هو يهديها لبيت الهّٰ ؟ قال: إنّما تهدى البدن

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 217

[مسألة 3: المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّٰه تعالى لا بغيره]

مسألة 3: المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّٰه تعالى لا بغيره، فكلّ ما صدق عرفاً أنّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به، و الظاهر صدق ذلك بأن

______________________________

و هنّ أحياء، و ليس تهدى حين صارت لحماً «1».

و موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: إذا قال الرجل: أقسمت، أو حلفت فليس بشي ء حتّى يقول: أقسمت باللّٰه، أو حلفت باللّٰه «2».

ثمّ إنّ القسم باللّٰه تعالى تارةً: بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة، أو ما يلحق به ممّا لا يطلق على غيره كالرحمان مثلًا.

و أُخرى: بذكر الأوصاف و الأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره، كقوله: «و مقلّب القلوب و الأبصار» أو «الذي نفسي بيده» أو مثلهما.

و ثالثة: بذكر الأوصاف و الأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى و على غيره، لكنّها تنصرف إليه عند الإطلاق، كالأمثلة المذكورة في المتن.

نعم، وقع الإشكال في تحقّق اليمين بذكر الأوصاف و الأفعال المشتركة غير المنصرفة إليه عند الإطلاق، و لكن نوى به اللّٰه تعالى، كالموجود الذي يطلق على الواجب و الممكن، و لكنّه أراد به الواجب، و «القادر» المشترك بين من له القدرة بالذات، و بين من له القدرة بالعرض و الإعطاء، و غير ذلك من الأمثلة، و الإشكال ينشأ من أنّها قَسم بغير اللّٰه مع فرض عدم الانصراف و إرادة خصوص اللّٰه منها، و لأجله نهى عن

ترك الاحتياط فيها.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 441 ح 12، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 39 ح 56 و 57، تهذيب الأحكام: 8/ 312 ح 1160، الفقيه: 3/ 231 ح 1091 و 1092، و عنها الوسائل: 23/ 233، كتاب الأيمان ب 15 ح 1.

(2) الفقيه: 3/ 234 ح 1102، تهذيب الأحكام: 8/ 301 ح 1119، و عنهما الوسائل: 23/ 234، كتاب الأيمان ب 15 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 218

يقول: «و حقّ اللّٰه» و «بجلال اللّٰه» و «بعظمة اللّٰه» و «بكبرياء اللّٰه» و «لعمر اللّٰه». و في انعقادها بقوله: «بقدرة اللّٰه» و «بعلم اللّٰه» تأمّل و إن لا يخلو من قرب (1).

[مسألة 4: لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه]

مسألة 4: لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه؛ بأن يقول: «و اللّٰه» أو «باللّٰه» أو «تاللّٰه لأفعلنّ كذا» بل لو أنشأه بصيغتي القسم و الحلف كقوله: «أقسمت باللّٰه» أو «حلفت باللّٰه» انعقدت أيضاً. نعم، لا يكفي لفظا «أقسمت» و «حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته (2).

[مسألة 5: لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام]

مسألة 5: لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام و سائر النفوس

______________________________

(1) الملاك في انعقاد اليمين باللّٰه هو الصدق العرفي و حكم العرف بأنّه حلف باللّٰه تعالى، من غير فرق بين الأمثلة المذكورة في المتن.

نعم، فيه في انعقادها بقوله: «بقدرة اللّٰه» أو «بعلم اللّٰه» تأمّل و إن لا يخلو عن قرب، و لعلّ وجه التأمّل أنّ القَسم بالقدرة و العلم قسم ببعض الأوصاف، و اللازم القسم بالموصوف، و الوجه في عدم خلوّ الانعقاد عن قرب هو كون صفاته عين ذاته لا زائدة عليه، و عليه فالقسم بالبعض المذكور كأنّه قسم بالموصوف الذي هي صفاته عين ذاته، فتدبّر.

(2) لا يعتبر في انعقاد اليمين أن يكون إنشاء القسم بحروفه التي هي عبارة عن الواو و الباء و التاء، بل لو أنشأ بصيغتي القسم و الحلف كالمثالين المذكورين في المتن انعقدت أيضاً، كما يدلّ عليه موثّقة السكوني المتقدّمة. نعم، لا تنعقد بالصيغتين المذكورتين خالية عن لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته، للموثّقة المذكورة أيضاً، و لأنّ الصيغتين مطلقتان لا دلالة فيهما على كون القسم أو الحلف بالجلالة مع الاعتبار في الانعقاد، كما عرفت.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 219

المقدّسة المعظّمة، و لا بالقرآن الكريم، و لا بالكعبة المشرّفة و سائر الأمكنة المحترمة (1).

[مسألة 6: لا تنعقد اليمين بالطلاق و نحوه؛ بأن يقول: «زوجتي طالق إن فعلت كذا»]

مسألة 6: لا تنعقد اليمين بالطلاق و نحوه؛ بأن يقول: «زوجتي طالق إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل» فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق و نحوه بالحنث، و لا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه، و كذا اليمين بالبراءة من اللّٰه تعالى، أو من رسوله صلى الله عليه و آله، أو من

دينه، أو من الأئمّة عليهم السلام؛ بأن يقول مثلًا: «برئت من اللّٰه» أو «من دين الإسلام إن فعلت كذا»، أو «لم أفعل كذا» فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه. نعم، هذا الحلف بنفسه حرام و يأثم حالفه، من غير فرق بين الصدق و الكذب و الحنث و عدمه، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و يستغفر اللّٰه تعالى شأنه، و كذا لا تنعقد بأن يقول: «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلًا (2).

______________________________

(1) قد مرّ البحث في هذه الجهة في أوّل كتاب اليمين، و لا نرى حاجة إلى الإعادة، فراجع.

(2) يدلّ على عدم انعقاد اليمين بالطلاق أو مثله كالعتاق و نحوه مضافاً إلى ما عرفت من الاختصاص بالحلف باللّٰه تعالى شأنه، و إلى أنّ مثل هذه الأُمور لا يكون مقسماً بها، بل الغرض تحقّقها عند المخالفة كما هو المتداول بين العامّة، مع أنّه يتوقّف على ألفاظ مخصوصة أو شبهها، و ليست اليمين من تلك الأسباب جملة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: كلّ يمين لا يراد بها

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 220

..........

______________________________

وجه اللّٰه عزّ و جلّ فليس بشي ء في طلاق أو عتق (أو غيره خ ل) «1». و قد نقلها في الوسائل في باب واحد مرّتين، بل مرّات ظاهرها التعدّد و عدم الوحدة على خلاف ما قلناه مراراً.

و منها: مرسلة صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّ المنصور قال له: رفع إليّ أنّ مولاك المعلّى بن خنيس يدعو إليك و يجمع لك الأموال، فقال: و اللّٰه ما كان، فقال: لا أرضى منك إلّا

بالطلاق و العتاق و الهدي و المشي، فقال: أ بالأنداد من دون اللّٰه تأمرني أن أحلف؟! إنّه من لم يرض باللّٰه فليس من اللّٰه في شي ء، الحديث «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

و الظاهر منها أنّ اليمين بهذه الأُمور لا يؤثّر في تحقّق الحنث و لا في ترتّب الكفّارة عليه، بل و لا في ثبوت الإثم على المخالفة، و قد عطف على اليمين بهذه الأُمور اليمين بالبراءة من اللّٰه تعالى، و كذا سائر الأُمور المقدّسة المحترمة المذكورة في المتن، و فرّع عليه أنّه لا يؤثّر في ترتّب الإثم على حنثه و الكفّارة عليه، و استدرك ترتّب الإثم على مجرّد الحلف بها مطلقاً، من دون فرق بين الصدق و الكذب، و الحنث و عدمه.

و يدلّ على عدم انعقاد اليمين بالبراءة مضافاً إلى ما ذكرنا من اعتبار أن تكون اليمين بالجلالة بلفظها أو ما هو بمنزلته، و على حرمة نفس مثل هذا الحلف جملة من الروايات أيضاً.

منها: رواية يونس بن ظبيان قال: قال لي: يا يونس لا تحلف بالبراءة منّا، فإنّه

______________________________

(1) الكافي: 7/ 441 ح 12، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 33 ح 35، تهذيب الأحكام: 8/ 312 ح 1160، الاستبصار: 4/ 47 ح 160، و عنها الوسائل: 23/ 230، كتاب الأيمان ب 14 ح 2.

(2) الكافي: 6/ 445 ح 3، و عنه الوسائل: 23/ 230 كتاب الأيمان ب 14 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 221

[مسألة 7: لو علّق اليمين على مشيئة اللّٰه تعالى]

مسألة 7: لو علّق اليمين على مشيئة اللّٰه تعالى؛ بأن قال: «و اللّٰه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّٰه» و كان المقصود التعليق على مشيئته تعالى، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة لا

تنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، بخلاف ما إذا علّق على مشيئة غيره؛ بأن قال: «و اللّٰه لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلًا، فإنّه تنعقد على تقدير مشيئته، فإن قال زيد: «أنا شئت أن تفعل كذا» انعقدت و يتحقّق الحنث بتركه، و إن قال: «لم أشأ» لم تنعقد، و لو لم يعلم أنّه شاء أو لا، لا يترتّب عليه أثر و حنث. و كذا الحال لو علّق على شي ء آخر غير المشيئة، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه، فيحنث لو لم يأت

______________________________

من حلف بالبراءة منّا صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ منّا «1».

و منها: مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: من برئ من اللّٰه صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ من اللّٰه «2». و قد ذكرنا مراراً حجّية مثل هذه المرسلة.

و يدلّ على ثبوت الكفّارة و لزوم الاستغفار مكاتبة محمّد بن الحسن إلى أبي محمَّد عليه السلام: رجل حلف بالبراءة من اللّٰه و رسوله فحنث، ما توبته و كفّارته؟ فوقّع عليه السلام: يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و يستغفر اللّٰه عزّ و جلّ «3».

و هكذا لا تنعقد اليمين بمثل ما إذا قال: «إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلًا، لما ذكرنا.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 438 ح 2، الفقيه: 3/ 236 ح 1114، تهذيب الأحكام: 8/ 284 ح 1042، و عنها الوسائل: 23/ 213، كتاب الأيمان ب 7 ح 2.

(2) الفقيه: 3/ 236 ح 1115، و عنه الوسائل: 23/ 213، كتاب الأيمان ب 7 ح 4.

(3) الكافي: 7/ 461 ح 7، الفقيه: 3/ 237 ح 1127، و عنهما الوسائل:

23/ 213، كتاب الأيمان ب 7 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 222

بالمحلوف عليه على ذلك التقدير (1).

[مسألة 8: يعتبر في الحالف البلوغ، و العقل]

مسألة 8: يعتبر في الحالف البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد،

______________________________

(1) لو علّق اليمين على مشيئة غيره أو أمر من الأُمور، فتارةً: يكون ذلك الغير هو اللّٰه تعالى، و أُخرى: يكون هو شخصاً آخر، و ثالثة: يكون شيئاً آخر غير المشيئة، ففي الصورة الاولى، إن كان المراد من التعليق على مشيئة اللّٰه تعالى هو مجرّد التبرّك بهذه الكلمة؛ لأنّه غالباً أو دائماً يكون في كلامه هذا التعليق لأجل هذا المقصود، فالظاهر أنّ وجود التعليق كالعدم؛ لأنّ الغرض المقصود مجرّد التبرّك فقط، و إن كان المقصود الواقعي التعليق الذي مرجعه إلى توقّف حصول المعلّق على المعلّق عليه، فحيث إنّ المعلّق عليه هو مشيئته تعالى و هو غير معلوم، فالظاهر عدم انعقاد اليمين و لو كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، فإنّهما مرادان له تعالى بالإرادة التشريعيّة لا المشيئة التكوينيّة.

و في الصورة الثانية التي يكون التعليق فيها على مشيئة الغير، فحيث إنّه يمكن الاطّلاع عليها و على عدمها، ففيها فروض ثلاثة:

أحدها: صورة العلم بتحقّق مشيئة الغير لتحقّق المحلوف عليه، ففي هذا الفرض تنعقد اليمين مع العلم المذكور؛ لحصول المعلّق عليه.

ثانيها: صورة العلم بعدم تعلّق مشيئة الغير بالتحقّق المذكور، و في هذا الفرض لا تنعقد اليمين؛ للعلم بعدم حصول المعلّق عليه.

ثالثها: صورة الشكّ في تعلّق مشيئة الغير و عدمه، و في هذا الفرض لا تنعقد اليمين؛ للشكّ في حصول ما علّق عليه من مشيئة الغير، و في الصورة الثالثة التي يكون التعليق فيها على شي ء آخر يكون الحكم كالصورة الثانية من دون فرق.

تفصيل الشريعة

- الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 223

و انتفاء الحجر في متعلّقه، فلا تنعقد يمين الصغير و المجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره، و لا المكره، و لا السكران، بل و لا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد، و لا المحجور عليه فيما حجر عليه (1).

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد؛ ص: 223

[مسألة 9: لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، و لا يمين الزوجة مع منع الزوج]

مسألة 9: لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، و لا يمين الزوجة مع منع الزوج، إلّا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، و كان المنع متوجّهاً إليه، و أمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده. و لو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين و ارتفع أثرها، فلا حنث و لا كفّارة عليه، و هل يُشترط إذنهما و رضاهما في انعقاد يمينهما؛ حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلّا مع علمهما لم تنعقد أصلًا، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادهما و حلّهما رافعاً لاستمرارها، فتصحّ و تنعقد في الصورتين المزبورتين؟ قولان: أوّلهما لا يخلو من رجحان، فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما؛ حتّى في فعل واجب أو ترك حرام، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما (2).

______________________________

(1) اعتبار الأُمور المذكورة في الحالف و عدم الانعقاد مع فقدان أمر من تلك الأُمور فممّا لا شبهة فيه و لا شكّ يعتريه «1»، و لا حاجة إلى البحث عن وجهه بعد وضوحه، خصوصاً مع تقدّم نظيره في باب الوصيّة «2» و مثله.

(2) أمّا عدم انعقاد

يمين الولد مع منع الوالد، و كذا يمين الزوجة مع منع الزوج في الجملة، فيدلّ عليه جملة من الروايات التي من جملتها

______________________________

(1) انظر رياض المسائل: 11/ 457 458 و جواهر الكلام: 35/ 254.

(2) في ص 144 149.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 224

..........

______________________________

صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة، و قد رواه المشايخ الثلاثة. غاية الأمر أنّ الشيخ رواه بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني، و رواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم، عن أبي جعفر عليه السلام «1».

و منها: غير ذلك من الروايات، و عمدة المقصود من الولد فيها هو الولد الكبير، و إلّا فالولد الصغير لا إشكال في ثبوت ولاية الأب عليه، فأصل الحكم لا إشكال فيه أصلًا.

و قد استثنى في المتن عن ذلك ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، و فصّل فيه بين ما إذا كان المنع متوجّهاً إليه أي إلى المحلوف عليه و كان غرض المانع عدم تحقّقه، و حينئذٍ لا ارتباط ليمين الولد و المرأة بالوالد و الزوج؛ لأنّ عدم تحقّق المحلوف عليه خلاف غرض الشارع. و أمّا إذا كان المنع متوجِّهاً إلى نفس الحلف، فقد نفى البُعد عن الانعقاد بحيث يترتّب عليه الإثم من هذه الجهة و الكفّارة، و لا ملازمة بين المنع عن الحلف، و المنع عن المحلوف عليه بوجه، و إطلاق الروايات يشمله.

و أمّا في غير ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب

أو ترك حرام، فللوالد و الزوج

______________________________

(1) الكافي: 5/ 443 ح 5 و ج 7/ 440 ح 6، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 26 ح 17، الأمالي للصدوق: 461 ح 614، الفقيه: 3/ 227 ح 1070، الأمالي للطوسي: 423 ح 946، تهذيب الأحكام: 8/ 285 ح 1050، و عنها الوسائل: 23/ 217، كتاب الأيمان ب 10 ح 2 و ب 11 ح 1، و في البحار: 96/ 262 ح 4 و ج 104/ 217 ح 8 عن أمالي الصدوق و الطوسي، و في ج 104 أيضاً ص 232 ح 78 عن نوادر ابن عيسى، و في ج 78/ 267 ح 18 عن تحف العقول: 381.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 225

[مسألة 10: لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ، أو بترك حرام أو مكروه]

مسألة 10: لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ، أو بترك حرام أو مكروه، و في عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ. و أمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع و الأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح، و عدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح، و لو ساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضاً فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلًا أو تركاً؟ قولان، أشهرهما و أحوطهما أوّلهما، بل لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

حلّ اليمين الواقعة، و يؤثّر في ارتفاع آثار المخالفة تكليفاً و وضعاً.

نعم، وقع الإشكال في شرطية إذنهما و رضاهما المقارن لليمين، فلو حلفا من غير اطّلاعهما أو لم يحلّا مع علمهما لم تنعقد أصلًا، أو أنّ منعهما مانع عن الانعقاد و حلّهما يكون رافعاً لاستمرارها، فتصحّ و

تنعقد في الصورتين المزبورتين؟ فيه قولان، نفى خلوّ الأوّل عن القوّة، و لعلّ السرّ فيه ظهور الروايات الواردة في الأوّل و أنّ الإذن شرط، لا أنّ المنع مانع، و فرّع على ذلك أنّه لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما حتّى في فعل واجب أو ترك حرام، و مقصوده ما إذا كان النظر مقصوراً على الحلف نفسه لا المحلوف عليه، و نهى عن ترك الاحتياط في الجميع، خصوصاً بالإضافة إليهما، و لعلّ السرّ فيه قرب احتمال كون المنع مانعاً رعايةً لحقّهما، و التفكيك بين توجّه النهي إلى الحلف أو المحلوف عليه مشكل، خصوصاً مع لزوم الثاني على الحالف مطلقاً و إن لم يحلف.

(1) لا إشكال «1» في انعقاد اليمين فيما لو كان متعلّقها راجحاً شرعاً، أعمّ من فعل

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 227 228.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 226

[مسألة 11: كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً، تنحلّ إن تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً]

مسألة 11: كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً، تنحلّ إن تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً، و لو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى (1).

______________________________

الواجب أو المستحبّ، أو ترك الحرام أو المكروه، كما أنّه لا إشكال «1» في الانعقاد فيما لو كان متعلّقها متساوي الطرفين بحسب الشرع، و لكن ترجّح بحسب المنافع و الأغراض العقلائيّة فعلًا أو تركاً.

إنّما الإشكال و الخلاف في المباح الشرعي الذي لم يكن فيه ترجيح بحسب المنافع و الأغراض العقلائية أيضاً، فإنّ فيه قولين، أشهرهما و أحوطهما الأوّل، و نفى في المتن خلوّه عن القوّة.

و لعلّ السرّ فيه أنّ ما كان من قبيل الراجح الشرعي لا يحتاج إيقاعه إلى محرّك غير الشرع غالباً، و كذا ما كان فيه منفعة و غرض عقلائي يكون ثبوت تلك المنفعة

و وجود الغرض العقلائي باعثاً نوعاً إلى إيجاده من غير لزوم اليمين كذلك، فتنحصر باعثيّة اليمين و محرّكيتها بالصورة الأخيرة الفاقدة للمنفعة و الغرض العقلائي أيضاً، فيستفاد من ذلك أنّ الغرض الأصلي من تشريع اليمين و حكمة جعلها و ترتيب الآثار عليها من لزوم الوفاء و حرمة المخالفة و ترتّب الكفّارة هي هذه الصورة، فتدبّر.

(1) إذا تعلّقت اليمين براجح، ثمّ صار مرجوحاً تنحلّ اليمين؛ لأنّ الرجحان معتبر في المتعلّق حدوثاً و بقاءً. غاية الأمر أنّه مع ارتفاع الرجحان في البقاء يكشف عن عدم الانعقاد من حينها، و لا مجال لتوهّم كون الرجحان معتبراً حال اليمين و إن كان في حال العمل لم يكن كذلك، و لو عاد إلى الرجحان بعد الانحلال بسبب زواله لا دليل

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 227 228.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 227

[مسألة 12: إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره]

مسألة 12: إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره، و لو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً. و كذا الحال في العسر و الحرج الرافعين للتكليف (1).

[مسألة 13: إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها، و حرمت عليه مخالفتها]

مسألة 13: إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها، و حرمت عليه مخالفتها، و وجبت الكفّارة بحنثها، و الحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً، فلو كانت جهلًا، أو نسياناً، أو اضطراراً، أو إكراهاً فلا حنث و لا كفّارة (2).

______________________________

على بقاء اليمين بعد كون مقتضى الاستصحاب بقاء الانحلال و عدم العود، كما لا يخفى.

(1) إنّما تنعقد اليمين على المتعلّق المقدور الشرعي و العرفي، فلو حلف على فعل غير مقدور عرفاً لم تنعقد؛ لأنّ الغرض من اليمين التحريك على الإيجاد، فمع عدم القدرة عرفاً لا يكاد يمكن له ذلك، كما أنّه لو حلفت المرأة على الصلاة و الصيام في أيّام الحيض لا تنعقد؛ لعدم القدرة الشرعيّة على ذلك، و المراد هي القدرة عليه في ظرف تحقّق العمل. و لو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها، فالظاهر انحلال اليمين إذا كان زوال القدرة في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً، و في حكم زوال القدرة و عدمها حدوثاً و بقاءً العسر و الحرج الرافعان للتكليف، خصوصاً على ما قرّرناه في قاعدة نفي الحرج من أنّ سقوط التكليف معه إنّما هو على سبيل العزيمة لا الرخصة، كما يؤيّده التعبير عن القاعدة بعدم الجعل.

(2) إذا انعقدت اليمين بشرائطها ففي المتن وجوب الوفاء بها و حرمة مخالفتها، مع أنّك قد عرفت «1» أنّ في مثل ذلك لا يكون تكليفان: الوجوب و

الحرمة، بحيث لو

______________________________

(1) في ص 214 215.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 228

[مسألة 14: لو كان متعلّق اليمين فعلًا كالصلاة و الصوم]

مسألة 14: لو كان متعلّق اليمين فعلًا كالصلاة و الصوم فإن عيّن له وقتاً تعيّن و كان الوفاء بها بالإتيان به في وقته، و حنثها بعدم الإتيان فيه و إن أتى به في وقت آخر، و إن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان و لو مرّة واحدة، و حنثها بتركه بالمرّة، و لا يجب التكرار و لا الفور و البدار، و يجوز له التأخير و لو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت. و إن كان متعلّقها الترك، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلًا، فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده و لو مرّة في ذلك الزمان، و إن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر، فلو أتى به مدّته و لو مرّة تحقّق الحنث (1).

______________________________

تحقّقت المخالفة استحقّ عقابين لمخالفة الوجوب و الحرمة معاً، بل الظاهر ثبوت التكليف بوجوب الوفاء بها كالوفاء بالنذر. نعم، لا شبهة في وجوب الكفّارة بحنثها، كما يدلّ عليه الكتاب العزيز «1». غاية الأمر أنّ الحنث الموجب للكفّارة عبارة عن المخالفة العمديّة، فلو كانت جهلًا، أو نسياناً، أو اضطراراً، أو إكراهاً فلا حنث يوجب الحرمة، و لا يترتّب عليه الكفّارة؛ لحديث الرفع المعروف «2» غير المختصّ بالأحكام التكليفيّة كما قرّر في محلّه.

(1) وقع التعرّض في هذه المسألة لصورتين:

إحداهما: ما إذا كان متعلّق اليمين إيجاد فعل مخصوص، و قد فصّل فيه في المتن بأنّه إن عيّن له وقتاً تعيّن ذلك الوقت للوفاء باليمين، فإن أتى به فيه فقد وفى، و إن لم

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 87.

(2) الكافي: 2/

462 463 ح 1 و 2، التوحيد: 353 ح 24، الخصال: 417 ح 9، و عنها الوسائل: 15/ 369 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 65 ح 1 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 229

[مسألة 15: لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل، كصوم يوم]

مسألة 15: لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل، كصوم يوم؛ سواء كان مقيّداً بزمان، كصوم يوم من شعبان، أو مطلقاً، لم يكن له إلّا حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً. و كذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق؛ سواء قيّده بزمان أم لا، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً، و حنثها بإيقاعه و لو مرّة واحدة، فلو أتى به حنث و انحلّت اليمين، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلّا مرّة واحدة، فلا تتكرّر الكفّارة، و الأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة، فلا يتكرّر الحنث و الكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة، و تنحلّ اليمين بالمخالفة الاولى، و الاحتياط حسن (1).

______________________________

يأت به فيه فقد حنث و إن أتى به في وقت آخر، فضلًا عمّا إذا لم يأت به فيه أيضاً. و إن لم يعيّن له وقتاً بل أطلق، فالوفاء بها يتحقّق بإيجاده مرّة في أيّ وقت كان، كما إذا تعلّق به التكليف كذلك من دون يمين، كما أنّ حنثها بتركه بالمرّة، و لا يجب التكرار، و لا يلزم الفور و البدار، و يجوز له التأخير و لو بالاختيار إلى أن يحصل ظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز بالمرض و مثله، أو عروض الموت.

ثانيتهما: ما إذا كان متعلّق اليمين الترك، كما إذا حلف

أن لا يشرب الدخان مثلًا، و قد فصّل فيه أيضاً بين ما إذا كان الترك مقيّداً بزمان معيّن كالسنة في المثال المذكور، فاللازم الترك في ذلك الزمان، و يكون الحنث بالإيجاد فيه و لو مرّة، و إن وقع الإطلاق فمقتضاه التأبيد مدّة العمر، فلو أتى به و فعل في تلك المدّة و لو مرّة واحدة تحقّق الحنث المحرّم و الموجب للكفّارة.

(1) الغرض من هذه المسألة بيان أنّ الحنث بماذا يتحقّق، و يتعدّد أم لا؟ فنقول:

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 230

[مسألة 16: كفّارة اليمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم]

مسألة 16: كفّارة اليمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام، و سيجي ء تفصيلها في الكفّارات إن شاء اللّٰه تعالى (1).

______________________________

لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل، كصوم يوم؛ سواء كان مقيّداً بزمان أو مطلقاً، فالحنث إنّما يتحقّق بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً. و كذلك إذا كان المحلوف عليه ترك عمل مطلقاً؛ أي غير مقيّد بالتعدّد و الوحدة، سواء قيّده بزمان أم لا، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً، و حنثها بإيجاد العمل الذي حلف على تركه و لو مرّة واحدة، و عندئذ تنحلّ اليمين و لا يكون الإيجاد الثاني و الثالث و هكذا موجباً لتعدّد الحنث و تكرّر الكفّارة.

و قد قوّى في المتن أنّ الأمر كذلك؛ أي من جهة عدم تعدّد الحنث لو حلف على أن يصوم كلّ خميس، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة لو ترك الصوم في أكثر من يوم، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة، و السرّ فيه عدم انحلال مثل الحلف المزبور إلى الأيمان المتعدّدة حسب تعدّد أيّام الجمعة، بل الحلف واحد تعلّق بالتروك المتعدّدة،

و حلّها بتحقّق الفعل في شرب الدخان و لو في يوم واحد، و بترك الصوم كذلك. نعم، لو فرض أنّ المقصود هو الانحلال لكان لكلّ يوم جمعة وفاء و حنث، لكنّه خلاف الظاهر، فإنّ مقتضاه عدم الانحلال، و لازمه وحدة الوفاء و الحنث.

(1) سيأتي في كتاب الكفّارات «1» إن شاء اللّٰه تعالى أنّ كفّارة اليمين عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم به الأهل، أو كسوتهم، فإن لم يقدر

______________________________

(1) في ص 273.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 231

[مسألة 17: الأيمان الصادقة كلّها مكروهة]

مسألة 17: الأيمان الصادقة كلّها مكروهة؛ سواء كانت على الماضي أو المستقبل. نعم، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه جاز بلا كراهة و لو كذباً، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه، أو عن نفس مؤمن أو عرضه، و الأقوى عدم وجوب التورية و إن أحسنها (1).

______________________________

فصيام ثلاثة أيّام، و أنّ كفّارة اليمين مذكورة في الكتاب العزيز كما أشرنا إليه في أوّل البحث «1» فانتظر.

(1) الأيمان الصادقة التي سمّيت بالتأكيدية و التحقيقيّة في أقسام اليمين المذكورة في أوّل مباحثه كلّها مكروهة؛ سواء كانت على الماضي أو المستقبل، بل و على الحال أيضاً. نعم، لو كان المقصود بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه يجوز من دون كراهة و لو لم تكن صادقة، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه، أو عن نفس مؤمن أو عرضه، و قد وردت في هذا المجال روايات متعدّدة، مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة.

كرواية إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل أحلفه السلطان

بالطلاق أو غير ذلك، فحلف، قال: لا جناح عليه، و عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال: نعم «2».

______________________________

(1) في ص 214.

(2) الكافي: 7/ 440 ح 4، تهذيب الأحكام: 8/ 285 ح 1048، و عنهما الوسائل: 23/ 224، كتاب الأيمان ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 232

[مسألة 18: الأقوى جواز الحلف بغير اللّٰه في الماضي و المستقبل و إن لم يترتّب على مخالفته إثم و لا كفّارة]

مسألة 18: الأقوى جواز الحلف بغير اللّٰه في الماضي و المستقبل و إن لم يترتّب على مخالفته إثم و لا كفّارة، كما أنّه ليس قسماً فاصلًا في الدعاوي و المرافعات (1).

______________________________

و غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.

ثمّ إنّ في لزوم التوسّل إلى التورية خصوصاً لمن كان يحسنها مكان الحلف كاذباً كلاماً مذكوراً في بحث الكذب من المكاسب المحرّمة بالنسبة إلى مطلق الكذب، و الظاهر عدم اللزوم، و التحقيق في محلّه.

(1) قد مرّ «1» أنّ الحلف الذي يترتّب عليه الأثر من حرمة المخالفة و ثبوت الكفّارة و هو الذي سمّيناه بالعهدي لا بدّ و أن يكون بلفظ الجلالة أو ما يقوم مقامه، كالرحمان، أو مقلّب القلوب و الأبصار، و نحوها، و أمّا اليمين التأكيديّة التي لا يترتّب على مخالفتها إثم و لا كفّارة فيجوز أن تكون بغير اللّٰه، كالقرآن، و الكعبة، و النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و غيرها؛ لما عرفت «2» من أنّ المقصود منها مجرّد التأكيد و التحقيق لا العهد و الالتزام. نعم، اليمين في المرافعات و الدعاوي إذا حلفها المنكر بعد عدم ثبوت البيّنة للمدّعي، أو حلفها المدّعى بعد نكول المنكر عن اليمين و بعبارة اخرى

اليمين التي هي فاصلة للخصومة لا تتحقّق بالحلف بغير اللّٰه تعالى، كما هو المذكور في كتاب القضاء «3»، فراجع.

______________________________

(1) في ص 216 218.

(2) في ص 216 218.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 221 231.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 233

[القول في النذر]

اشارة

القول في النذر

[مسألة 1: النذر هو الالتزام بعمل للّٰه تعالى على نحو مخصوص]

مسألة 1: النذر هو الالتزام بعمل للّٰه تعالى على نحو مخصوص، و لا ينعقد بمجرّد النيّة، بل لا بدّ من الصيغة؛ و هي ما كان مفادها جعل فعل أو ترك على ذمّته للّٰه تعالى؛ بأن يقول: «للّٰه عليّ أن أصوم أو أن أترك شرب الخمر» مثلًا، و هل يعتبر في الصيغة قول «للّٰه» بالخصوص، أو يجزي غير هذه اللفظة من أسمائه المختصّة، كما تقدّم في اليمين؟ الظاهر هو الثاني، و لا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة، خصوصاً لمن لا يُحسن العربيّة، و لو اقتصر على قوله: «عليَّ كذا» لم ينعقد و إن نوى في ضميره معنى «للّٰه». و لو قال: «نذرت للّٰه أن أصوم» مثلًا أو «للّٰه عَليّ نذر صوم يوم» مثلًا، لم ينعقد على إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

(1) النذر هو الالتزام بعمل للّٰه تعالى على نحوٍ مخصوص و كيفيّة خاصّة، و لا ينعقد بصرف النيّة، بل لا بدّ من الصيغة الدالّة على ذلك، و كان مدلولها جعل فعل أو ترك على ذمّته للّٰه تعالى، فالناذر هو الملتزم، و المنذور هو الفعل أو الترك، و المنذور له هو اللّٰه تبارك و تعالى؛ كأن يقول: «للّٰه عليّ أن أصوم يوم كذا أو أترك شرب الخمر في مدّة معلومة أو مطلقاً ما دام العمر» مثلًا.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 234

..........

______________________________

و بالجملة: التعهّد و الجعل على الذمّة قد يجي ء من قبل اللّٰه، كما في آية الحجّ الدالّة على أنّ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «1» الآية، و قد يجي ء من قبل المكلّف نفسه، كما في النذر، فيقول: «للّٰه عَليّ كذا و كذا».

و هل يعتبر في الصيغة قول:

«للّٰه» بالخصوص الذي هو لفظ الجلالة، أو يجزي غير هذه اللفظة من الأسماء المختصّة به، كقوله: «للرحمن عليّ فعل كذا» أو الموصوف بالأوصاف المختصّة به، كقوله: «لمقلّب القلوب و الأبصار عَليّ فعل كذا» كما تقدّم في اليمين؟ «2» الظاهر أنّه لا فرق بينه و بين اليمين من هذه الجهة، فالتعميم هناك و التخصيص هنا يحتاج إلى دليل فارق، و هو مفقود.

و لا يبعد الانعقاد بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة، و إلّا يلزم الاقتصار في وجوب الوفاء و غيره على من يعرف اللغة العربيّة و يحسنها، مع أنّ غير العارف كثير، و البارئ يطلق عليه الأسماء المتعدّدة حسب تعدّد اللغات و تكثّر الألسن، فالانجليزي لا يعرف معنى «اللّٰه» نوعاً، و ليست صيغة النذر من العبادات كالصلاة مثلًا حتّى يجب عليه تعلّم ألفاظها و لو مع عدم إدراك المعنى، بل هي كما عرفت تعهّد و التزام من قبل العبد للّٰه تعالى على عملٍ مخصوص.

نعم، لو اقتصر على قوله: «عليّ كذا» فلا ينعقد النذر؛ لأنّ دلالته على الالتزام و إن كانت ظاهرة، إلّا أنّ كون الالتزام للّٰه تعالى، لا يدلّ عليه هذا اللفظ و لو كان في نيّته ذلك، لما عرفت من عدم الاكتفاء بالنيّة.

و لو قال: «نذرت للّٰه أن أصوم» مثلًا، أو «للّٰه عليّ نذر صوم يوم» مثلًا، فقد

______________________________

(1) سورة آل عمران: 3/ 97.

(2) في ص 216 218.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 235

[مسألة 2: يشترط في الناذر البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد]

مسألة 2: يشترط في الناذر البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد، و انتفاء الحجر في متعلّق نذره، فلا ينعقد نذر الصبيّ و إن كان مميّزاً و بلغ عشراً، و لا المجنون و لو أدواريّاً حال دوره، و

لا المكره، و لا السكران، بل و لا الغضبان غضباً رافعاً للقصد، و لا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالًا و لو في ذمّته، و لا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه و تعلّق به حقّ الغرماء (1).

[مسألة 3: لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج]

مسألة 3: لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج؛ و إن كان متعلّقاً بمالها و لم يكن العمل به مانعاً عن حقّه، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه، و لو أذِن لها فنذرت انعقد، و ليس له بعد ذلك حلّه و لا المنع عن الوفاء به، و لا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر، و ليس له حلّه و لا منعه عن الوفاء به (2).

______________________________

حكم في المتن بعدم انعقاده على إشكال ينشأ من أنّه لا وجه لعدم الانعقاد بعد كون معنى النذر هو الالتزام بعمل للّٰه تعالى، كما ربما يؤيّده الكتاب حكاية عن قول مريم إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً «1» و من أنّ الجمع بين كلمة «النذر» الدالّة على الالتزام للّٰه، و بين كلمة «للّٰه» لا يكاد يستقيم، فلا يترك الاحتياط.

(1) أمّا اعتبار الأُمور المذكورة الذي يتفرّع عليه البطلان في الموارد الفاقدة، فيدلّ عليه ما مرّ مراراً «2»، و لا حاجة إلى الإعادة بوجه أصلًا.

(2) في المسألة صورتان:

إحداهما: نذر الزوجة مع منع الزوج و إن كان متعلّقاً بما يكون ملكاً لها أو لها

______________________________

(1) سورة مريم: 19/ 26.

(2) مثل ما مرّ في ص 144 149 و 223.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 236

..........

______________________________

السلطنة عليه، و لم يكن العمل به مانعاً عن حقّ الزوج من الاستمتاع و غيره.

و يدلّ على حكمه رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه

عليه السلام قال: ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، و لا صدقة، و لا تدبير، و لا هبة، و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها، إلّا في حجّ، أو زكاة، أو برّ والديها، أو صلة قرابتها «1». و الظاهر منها اشتراط الإذن لا مجرّد عدم المنع.

كما ربما يؤيّده رواية الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: ليس على المملوك نذر إلّا أن يأذن له سيّده «2».

ثمّ إنّ تقييد النذر المنفي في الرواية الأُولى بمال الزوجة ليس لاختصاص النفس عنه، بل يعمّ ما إذا كان عملًا منافياً للاستمتاع، كنذر الصوم مثلًا، نظراً إلى أنّ من محرّمات الصوم الجماع، و لا يجتمع الصوم معه، بل يمكن أن يقال بالشمول لمطلق أفعاله و لو لم يكن منافياً للاستمتاع، كما إذا نذرت أن تصلّي على النبيّ و آله مائة مرّة في كلّ يوم، حيث إنّه لا ينافي الاستمتاع أصلًا، و إطلاق عبارة المتن يشمله؛ لأنّ مفادها عدم صحّة نذر الزوجة بدون إذن الزوج مطلقاً.

و يمكن الاستشكال في ذلك، نظراً إلى أنّه لا دليل يظهر منه هذه الجهة، فإنّه و إن لم يكن للقيد مفهوم لمنعه في مطلق القضايا المفهوميّة حتّى مفهوم الشرط، إلّا أنّ استفادة حكم المطلق من الرواية التي وقع فيها التقييد تحتاج إلى إلغاء العرف خصوصيّة القيد، و بالجملة: استفادة ما هو مفاد المتن من الرواية المذكورة في غاية الإشكال.

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 109 ح 457 وص 277 ح 1315، تهذيب الأحكام: 7/ 462 ح 1851 و ج 8/ 257 ح 935، و عنهما الوسائل: 23 ح 315 كتاب النذر و العهد ب 15 ح 1.

(2) قرب الإسناد:

109 ح 376، و عنه الوسائل: 23/ 316، كتاب النذر و العهد ب 15 ح 2 و بحار الأنوار: 104/ 217 ح 10.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 237

[مسألة 4: النذر إمّا نذر برّ، و يقال له: نذر المجازاة]

مسألة 4: النذر إمّا نذر برّ، و يقال له: نذر المجازاة، و هو ما علّق على أمر: إمّا شكراً لنعمة دنيويّة أو أُخرويّة، كأن يقول: «إن رزقت ولداً فللّٰه عليّ كذا» أو «إن وفّقت لزيارة بيت اللّٰه فللّٰه عَليّ كذا». و إمّا استدفاعاً لبليّة، كأن يقول: «إن شفى اللّٰه مريضي فللّٰه عَليّ كذا». و إمّا نذر زجر، و هو ما علّق على فعل حرام أو مكروه؛ زجراً للنفس عن ارتكابهما، مثل أن يقول: «إن تعمّدت الكذب، أو بلت في الماء فللّٰه عليّ كذا» أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما. و إمّا نذر تبرّع، و هو ما كان مطلقاً و لم يعلّق على شي ء، كأن يقول: «للّٰه عليّ أن أصوم غداً». لا إشكال و لا خلاف في انعقاد الأوّلين، و في انعقاد الأخير قولان، أقواهما الانعقاد (1).

______________________________

و لو أذن لها فنذرت انعقد، و ليس للزوج بعد ذلك حلّه و لا المنع عن الوفاء به، و من المسائل المبتلى بها في زماننا هذا نذر المرأة الحائض الإحرام قبل الميقات في المدينة التي يكون الفصل بينها و بين مسجد الشجرة فرسخاً لئلّا تحتاج إلى الإحرام مع هذه الحالة من مسجد الشجرة، فإنّه إذا لم يتحقّق الإذن القبلي لا ينعقد النذر على ما هو مفاد المتن، و لا يكفي مجرّد الرضا القلبي، و لا عدم المنع البعدي كما لا يخفى، لكن مرّ الإشكال فيه.

ثانيتهما: نذر الولد بدون إذن الوالد، فإنّه لم يقم في النذر

دليل على التوقّف على إذنه، بل مانعيّة منعه، و ليس له حلّه و لا منعه عن الوفاء به، و لا ملازمة بين النذر و اليمين في هذه الجهة، كما يؤيّده اختلاف أحكامهما في كثير من الجهات.

(1) النذر على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: هو نذر برّ، و يقال له: نذر المجازاة؛ و هو ما علّق على أمر: إمّا

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 238

..........

______________________________

شكراً لنعمة دنيويّة أو أُخرويّة، و إمّا استدفاعاً لبليّة، كالأمثلة المذكورة في المتن، و إطلاق عنوان المجازاة عليه إنّما هو بلحاظ كون التعهّد النذري جزاءً لوقوع المعلّق عليه من النعمة أو دفع البليّة، و لذا يقع مثله بصورة القضيّة الشرطيّة الدالّة على ترتّب الجزاء على الشرط، و لا ربط لهذا الأمر بمسألة ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة و عدمه، كما لا يخفى.

القسم الثاني: نذر زجر، و هو ما علّق على فعل حرام أو مكروه زجراً للنفس عن ارتكابهما، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما، و لا ارتباط لهذا القسم أيضاً بما قد يتخيّل من أنّ ترك الواجب حرام و ترك المستحبّ مكروه، فإنّك قد عرفت «1» عدم ثبوت حكمين في الموارد المذكورة. غاية الأمر أنّه لا مجال لإنكار كون ترك الواجب غير جائز عقلًا، و ترك المستحبّ ترك لما هو راجح شرعاً.

القسم الثالث: هو نذر تبرّع لم يقع فيه التعليق على شي ء شكراً أو زجراً، بل كان مطلقاً، كالمثال المذكور في المتن.

نفى في المتن الإشكال و الخلاف عن انعقاد النذر في القسمين الأوّلين، لكن ذكر أنّ في انعقاد الأخير قولان، أقواهما الانعقاد، و هو الظاهر؛ لدلالة الكتاب «2» على صدق النذر على نذر مريم في قصّتها بما ترتبط

إلى الولادة من غير حمل، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه، مثل:

موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل يجعل عليه صياماً في نذر

______________________________

(1) في ص 214 215.

(2) سورة مريم: 19/ 26.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 239

[مسألة 5: يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر]

مسألة 5: يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر، و أن يكون طاعةً للّٰه تعالى؛ صلاةً، أو صوماً، أو حجّا، و نحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة، أو أمراً ندب إليه الشرع و يصحّ التقرّب به، كزيارة المؤمنين، و تشييع الجنازة، و عيادة المرضى و غيرها، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب و لو كفائيّاً إذا تعلّق بفعله، و في كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه. و أمّا المباح، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه، فإن قصد به معنى راجحاً؛ كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة، أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في انعقاده، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه فعلًا أو تركاً بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً و لو دنيويّاً. و أمّا إذا لم يقصد به معنى راجحاً، و لم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيّته، فالظاهر عدم انعقاده، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه (1).

______________________________

فلا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين «1».

و رواية محمّد بن منصور أنّه سأل موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال: يتصدّق لكلّ يوم بمدّ من حنطة «2»، فإنّ مقتضى ظاهر السؤال فيهما أو إطلاقه و ترك الاستفصال دليل على صحّة النذر المذكور فيهما، فتدبّر.

(1) يشترط في متعلّق النذر مطلقاً فعلًا أو

تركاً أن يكون مقدوراً للناذر شرعاً و عرفاً، إذ لا معنى للالتزام و التعهّد بما ليس كذلك، و يشترط أيضاً إمّا أن يكون

______________________________

(1) الكافي: 7/ 457 ح 15، الفقيه: 3/ 235 ح 1111، تهذيب الأحكام: 8/ 306 ح 1138، و عنها الوسائل: 23/ 312، كتاب النذر و العهد ب 12 ح 1.

(2) الفقيه: 3/ 234 ح 1105، و عنه الوسائل: 23/ 312، كتاب النذر و العهد ب 12 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 240

..........

______________________________

طاعةً للّٰه تعالى؛ من الصلاة، و الصيام، و الحجّ، و غيرها من العبادات التي يعتبر في صحّتها قصد القربة، و إمّا أن يكون مندوباً إليه في الشرع و يصحّ التقرّب به و إن لم يكن قصده معتبراً في تحقّقه، كالأمثلة المذكورة في المتن، فينعقد في فعل كلّ واجب أو مندوب، و ترك كلّ حرام أو مكروه.

و أمّا المباح فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المقصود به معنى راجحاً؛ كما إذا كان قصده من نذر أكل طعام مباح أو تركه كذلك التقوّي على العبادة أو منع النفس عن الشهوة، فقد نفى الإشكال في انعقاده، و لذا ذكرنا في كتاب الاجتهاد و التقليد في مبحث شرائط المرجع للتقليد أنّ المستفاد من الرواية المعروفة المحكية عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: من كان من الفقهاء إلخ «1» أنّ من شرائط المرجعيّة المخالفة للهوى النفسانية و لو في الأُمور المباحة الشرعية.

و كيف كان، فإن كان غرضه من فعل المباح أو تركه ما ذكرنا فلا إشكال في انعقاده، كما أنّه نفى الإشكال عن عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه مرجوحاً و لو دنيويّاً و إن كان ذلك بسبب الاقتران ببعض

العوارض و طروّ بعض الحالات، و بين ما إذا لم يكن المقصود به ذلك، فاستظهر عدم الانعقاد، و لكن قال: لا ينبغي ترك الاحتياط فيه، و لعلّ السرّ فيه أنّ الالتزام بمتعلّق النذر حينئذٍ لا يكاد يرتبط باللّٰه تبارك و تعالى؛ لأنّ المفروض عدم الفرق بين وجوده و عدمه، و عدم رجحان أحدهما على الآخر أصلًا.

ثمّ إنّه قد وقع البحث و الكلام في وجه صحّة نذر الإحرام قبل الميقات، و نذر الصوم المستحبّي مقيّداً بالسفر، مع أنّ الإحرام قبل الميقات في نفسه غير جائز،

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهاد و التقليد: 75 77.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 241

[مسألة 6: قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا]

مسألة 6: قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا. و الأوّل على قسمين: نذر شكر، و نذر زجر، فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر، أو من فعل غيره، أو من فعل اللّٰه تعالى، و لا بدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتّى يقع المنذور مجازاة له. فإن كان من فعل الناذر، فلا بدّ أن يكون طاعةً للّٰه تعالى؛ من فعل واجب أو مندوب، أو ترك حرام أو مكروه، فيلتزم بالمنذور شكراً للّٰه تعالى حيث وفّقه عليها، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد. و إن كان من فعل غيره، فلا بدّ أن يكون فيه منفعة دينيّة أو دنيويّة للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً، و لا ينعقد في عكسه، مثل أن يقول: «إن شاع بين الناس المنكرات فللّٰه عليّ كذا».

و إن كان من فعل اللّٰه تعالى لزم أن يكون

أمراً يسوغ تمنّيه، و يحسن طلبه منه تعالى، كشفاء مريض، أو هلاك عدوّ ديني، أو أمنٍ في البلاد و نحوها، فلا ينعقد في عكسه، كما إذا قال: «إن أهلك اللّٰه هذا المؤمن الصالح» أو قال: «إن وقع القحط في البلاد فكذا». و أمّا نذر الزجر، فلا بدّ و أن يكون الشرط و المعلّق عليه فعلًا أو تركاً اختياريّاً للناذر، و كان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر

______________________________

و كذا الصوم في السفر إلّا في بعض الموارد النادرة واجباً كان؛ كالصيام بدل الهدي في الحجّ ثلاثة أيّام لمن لا يقدر عليه، قال اللّٰه تعالى ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ «1»، أم مستحبّاً؛ كصيام ثلاثة أيّام في المدينة مع شرائط خاصّة، و المذكور هناك بيان الوجه في الصحّة فراجع.

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 196.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 242

زاجراً عنه، كفعل حرام أو مكروه، أو ترك واجب أو مندوب (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة بعد بيان أنّ النذر المعلّق على قسمين: نذر شكر، و نذر زجر بيان أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر، أو من فعل غيره، أو من فعل اللّٰه تعالى، و لا بدّ في الجميع أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه، و كان غرض الناذر هو الشكر بعنوان الجزاء له بإتيان المنذور أو تحقّقه. فإن كان من فعل الناذر، فلا بدّ أن يكون طاعةً للّٰه تعالى من فعل واجب أو مستحبّ، أو ترك حرام أو مكروه، أو مباحاً مع القصد المذكور في المسألة السابقة، فيلتزم بالمنذور شكراً له تعالى، حيث وفّقه على المعلّق عليه، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب، أو فعل حرام

أو مكروه لم ينعقد.

و إن كان من فعل غيره من الناس، كإعطائه الدراهم مثلًا، فلا بدّ أن تكون فيه منفعة دينيّة أو محلّلة دنيوية للناذر، صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً، و لا ينعقد في عكسه كالمثال المذكور في المتن. و من هذا القبيل النذر المعلّق على أن يصير ولده مثلًا صالحاً مواظباً على تكاليفه من الصلاة و الصيام و نحوهما، أو يصير ذا رتبة عالية في مراتب تحصيلاته الحوزويّة أو الجامعية، أو يصير دكتوراً و نحوه، فإنّ جميع ذلك صالح لأن يشكر عليه و إن لم يكن تحت اختياره، فتدبّر.

و إن كان من فعل اللّٰه تعالى فلا بدّ من أن يكون أمراً مناسباً للطلب منه و الشكر عليه، كالأمثلة المذكورة فيه، و لا ينعقد في عكسه ممّا لا يسوغ تمنّيه و لا يحسن الطلب منه، كإهلاك العبد الصالح و مثله.

و إن كان نذر الزجر فيعتبر فيه أمران:

أحدهما: أن يكون الشرط و المعلّق عليه فعلًا أو تركاً اختياريّاً للناذر، ثانيهما: أن يكون صالحاً لأن يزجر عنه حتّى يقع النذر أجراً عليه، فلا ينعقد فيما علّق على

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 243

[مسألة 7: إن كان الشرط فعلًا اختياريّاً للناذر]

مسألة 7: إن كان الشرط فعلًا اختياريّاً للناذر، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر، و أن يكون نذر زجر، و المائز هو القصد، مثلًا لو قال: «إن شربت الخمر فللّٰه عليّ كذا». و كان في مقام زجر النفس و صرفها عن الشرب، و إنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه، فهو نذر زجر، فينعقد، و إن كان في مقام تنشيط النفس و ترغيبها، و قد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه و تهيّؤ أسبابه له،

كان نذر شكر، فلا ينعقد (1).

[مسألة 8: لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن]

مسألة 8: لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن، فلو أتى بها في غيره لم يجزء. و كذا لو نذرها في مكان فيه رجحان، فلا يجزئ في غيره و إن كان أفضل. و لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان، ففي انعقاده و تعيّنه وجهان، بل قولان: أقواهما الانعقاد. نعم، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض

______________________________

ترك التصدّق إلى الفقراء زجراً عنه، كما أنّه لا ينعقد على فعل حرام أو مكروه، أو ترك واجب أو مندوب، كما هو ظاهر.

(1) الغرض من هذه المسألة بعد ما تقدّم من أنّ النذر على قسمين: نذر شكر و نذر زجر بيان المائز بين القسمين، و أنّه ليس إلّا القصد، ففي مثال واحد يمكن أن يكون نذر شكر، و يمكن أن يكون نذر زجر، أو مختلفاً بحسب الحالتين، فينعقد في إحداهما دون الأُخرى، أو في أحد الشخصين دون الآخر، لكن تخصيص موضوع المسألة بما إذا كان الشرط فعلًا للناذر إنّما هو لأجل ما ذكرنا في المسألة السابقة من اعتبار أمرين في نذر زجر: أحدهما: كون الشرط أمراً اختياريّاً للناذر، و الثاني: أن يكون قصده الزجر عنه، لكنّ التخصيص بالفعل وجهه غير ظاهر؛ لجريانه في الترك أيضاً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 244

نوافله الراتبة كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلًا في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة و الصيام، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ، فالظاهر عدم انعقاده، هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح، مثل كونه أفرغ للعبادة، أو أبعد عن الرياء و نحو ذلك، و إلّا فلا إشكال في الانعقاد (1).

______________________________

(1)

لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن، فلو أتى بها في غيره لم يجزء، و ظاهره عدم الفرق بين الأزمنة التي تكره بعض هذه العبادات فيها، كالنافلة بعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس، و صوم يوم عاشوراء، و غيرها؛ لما تقرّر في محلّه من أنّ معنى كراهة العبادة في بعض الأزمنة أقلّية الثواب، لا مرجوحيّة الفعل بالإضافة إلى الترك المطلق، و بين غيرها.

و أمّا المكان فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المكان فيه رجحان، فلا يجزئ في غيره و إن كان أفضل؛ كالصلاة في مسجد المحلّة، حيث إنّ الصلاة في مسجد السوق أو المسجد الجامع أفضل، و الوجه فيه ثبوت الرجحان في المكان المنذور بالإضافة إلى الترك فيه، و بين ما إذا لم يكن فيه رجحان كالبراري مثلًا، و ذكر أنّ في انعقاده و تعيّنه وجهين، بل قولين: أقواهما الانعقاد، و الوجه فيه أنّ النذر إنّما تعلّق بأصل إيجاد العبادات المذكورة في مكان خاصّ، و عدم الرجحان في ذلك المكان لا يوجب أن يكون المنذور خارجاً عن الطاعة و عن عنوان العبادية.

نعم، لو تعلّق النذر بخصوصيّة الإيقاع في ذلك المكان الذي لا رجحان فيه، كما إذا كان المنذور بعض الفرائض أو النوافل التي يأتي بها على القاعدة و لو في غير ذلك المكان، فالظاهر حينئذٍ عدم الانعقاد إلّا مع طروّ عنوان راجح على ذلك المكان و إن لم يكن في نفسه راجحاً، كما في المثالين المذكورين في المتن، فلا إشكال حينئذٍ في الانعقاد.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 245

[مسألة 9: لو نذر صوماً و لم يعيّن العدد كفى صوم يوم]

مسألة 9: لو نذر صوماً و لم يعيّن العدد كفى صوم يوم، و لو نذر صلاة و لم يعيّن

الكيفيّة و الكمّية فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر، إلّا أن يكون قصده غير الرواتب، فلا يجزئ إلّا الإتيان بركعتين، و لو نذر صدقة و لم يعيّن جنسها و مقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم، و لو نذر أن يأتي بفعل قربيّ يكفي كلّ ما هو كذلك و لو بتسبيحة واحدة، أو الصلاة على النبيّ و آله صلوات اللّٰه عليهم، أو التصدّق بشي ء إلى غير ذلك (1).

[مسألة 10: لو نذر صوم عشرة أيّام مثلًا، فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن]

مسألة 10: لو نذر صوم عشرة أيّام مثلًا، فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن، و إلّا تخيّر بينهما، و كذا لو نذر صيام سنة، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية اثني عشر شهراً و لو متفرّقاً، بل و كذا لو نذر صيام شهر يكفي ظاهراً صيام ثلاثين يوماً و لو متفرّقاً، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر و لو ناقصاً،

______________________________

(1) لو نذر صوماً و لم يعيّن العدد كفى صوم يوم واحد، لتحقّق الطبيعة غير المقيّدة بالوحدة و التعدّد به، كما في سائر الطبائع المأمور بها، و لو نذر صلاة و لم يعيّن الكيفيّة و الكمّية فقد نفى البُعد عن إجزاء ركعة واحدة بعنوان الوتر، و إن كان قصده غير الرواتب فلا بدّ من الإتيان بركعتين؛ لعدم فرد للطبيعة غيرهما في صورة عدم إرادة الوتر.

و لو نذر صدقة و لم يعيّن جنسها و مقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم و لو بشقّ تمرة، أو كفّ من حنطة أو مثلهما.

و لو نذر أن يأتي بفعل قربيّ كفى كلّ ما هو كذلك و لو كان في غاية القلّة، كتسبيحة واحدة؛ أي قول «سبحان اللّٰه» فقط، أو الصلاة على النبيّ و الآل و لو مرّة، أو الصدقة و لو كانت قليلة، كما

لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 246

و له أن يأتي بالشهر ملفّقاً، فيشرع في أثناء شهر و يكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل. نعم، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص (1).

[مسألة 11: لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما و لا قضاء عليه]

مسألة 11: لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما و لا قضاء عليه، و كذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام؛ من مرض، أو حيض، أو نفاس، أو سفر، لكن يجب القضاء على الأقوى (2).

______________________________

(1) لو نذر صوم عشرة أيّام مثلًا، فإن قيّده بالتتابع تعيّن، و كذا إن قيّده بالتفريق فكذلك، و مع عدم التقييد بشي ء منهما يكون مخيّراً، و لو نذر صيام سنة يكون الظاهر مع الإطلاق كفاية اثني عشر شهراً و لو متفرّقاً من حيث الأيّام و الشهور، و كذا لو نذر صيام شهر، و الظاهر أيضاً أنّ المراد بالشهر هو القمري لا الشمسي، كما أنّ المراد بالسنة أيضاً ذلك إلّا مع التصريح بالخلاف فيهما، و يجوز في نذر صوم الشهر أن يأتي بالشهر ملفّقاً؛ بأن يشرع في أثناء الشهر و يكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل و لو كان أقلّ من ثلاثين.

نعم، مع الإتيان به متفرّقاً كأن يأتي في كلّ شهر بأربع أو خمس لا يجوز الاكتفاء بالشهر الناقص و إن كان يكفي في صورة الصيام فيه تماماً أو ملفّقاً، كما عرفت.

(2) لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان: عيد الفطر، و عيد الأضحى؛ لحرمة الصيام فيهما، و لا ينعقد النذر بالنسبة إليه، فيجب عليه الإفطار فيهما و لا قضاء عليه؛ لما عرفت من عدم انعقاد النذر بالإضافة إليهما،

مع العلم بأنّ السنة لا تخلو منهما، ففي الحقيقة نذر صيام سنة معيّنة ينحلّ إلى نذر صيام أيّامها، و لا يكاد

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 247

[مسألة 12: لو نذر صوم كلّ خميس مثلًا فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار]

مسألة 12: لو نذر صوم كلّ خميس مثلًا فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار؛ من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، أفطر و يجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين و السفر، و على الأحوط

______________________________

يمكن انعقاده بالإضافة إليهما، و كذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر؛ لجواز الإفطار، بل حرمة الصيام مع أحد هذه الأُمور في شهر رمضان، لكن الدليل على القضاء هنا هو كونه مقتضى القاعدة في جميع الموارد.

إلّا أن يقال بأنّ مقتضى ما ذكر في العيدين من عدم وجوب القضاء عدم الوجوب بالنسبة إلى الحيض و النفاس اللذين يعلم باتّفاقهما نوعاً. نعم، بالإضافة إلى السفر و المرض اللذين يمكن عدم اتّفاقهما بالمرّة ينعقد النذر بالنسبة إليهما، فيجب القضاء، فالظاهر وجوب القضاء مطلقاً.

هذا، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه، مثل: موثّقة إسحاق بن عمّار، عن عبد اللّٰه بن ميمون، عن عبد اللّٰه بن جندب قال: سأل عبّاد بن ميمون و أنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً و أراد الخروج إلى مكّة، فقال عبد اللّٰه بن جندب: سمعت من رواه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً، فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّٰه عليه السلام؟ قال: يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك «1». و بعض الروايات الأُخر.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال

في وجوب القضاء.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 457 ح 16، تهذيب الأحكام: 8/ 306 ح 1139، و عنهما الوسائل: 23/ 313، كتاب النذر و العهد ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 248

فيهما و إن لا يخلو من قوّة بالنسبة إلى العيدين (1).

[مسألة 13: لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة]

مسألة 13: لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة (2).

______________________________

(1) لو نذر صوم يوم كلّ خميس مثلًا فصادف بعضها أحد العيدين، أو أحد العوارض التي لا يجوز معه الصيام كالمرض، و الحيض، و النفاس، و السفر يجب عليه الإفطار في الجميع، و فصّل في المتن بين الأُمور المذكورة، فحكم بوجوب القضاء في غير العيدين و السفر على الأقوى، و على الأحوط فيهما و إن نفى الخلوّ عن القوّة بالإضافة إلى العيدين.

و الظاهر أنّ الوجه في الوجوب في موارده هو ما عرفت من كونه مقتضى القاعدة الدالّة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة و الصيام، و الوجه في الاحتياط في السفر هو مثل الرواية المتقدّمة. غاية الأمر أنّ ضعفها بالإرسال، و غيره مانع عن الفتوى على طبقها، و أمّا نفي الخلوّ عن القوّة في العيدين فلأجل عدم إمكان الالتزام بالانحلال و استثنائهما عن متعلّق النذر؛ لأنّ المنذور هو الصوم كلّ خميس، فمع المصادفة مع أحد العيدين و إن كان لا يجوز الصيام فيه، إلّا أنّه لا وجه لعدم وجوب القضاء كما عرفت.

(2) لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب فيه القضاء و الكفّارة، كالإفطار في شهر رمضان مع وجوب الصوم عليه فيه. غاية الأمر أنّ الكفّارة هنا كفّارة الحنث، و هناك كفّارة الإفطار في شهر رمضان عامداً، و إن كان لا فرق بين الكفّارتين من

حيث المقدار، كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى «1».

______________________________

(1) في ص 271 272.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 249

[مسألة 14: لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر و إن كان غير ضروريّ]

مسألة 14: لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر و إن كان غير ضروريّ، و يفطر ثمّ يقضيه و لا كفّارة عليه (1).

[مسألة 15: لو نذر زيارة أحد الأئمّة عليهم السلام أو بعض الصالحين لزم]

مسألة 15: لو نذر زيارة أحد الأئمّة عليهم السلام أو بعض الصالحين لزم، و يكفي الحضور و السلام على المزور، و الظاهر عدم وجوب غسل الزيارة و صلاتها مع عدم ذكرهما فيه، و إن عيّن إماماً لم يجزئ غيره و إن كانت زيارته أفضل، كما أنّه لو عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلًا عنه، و إن عيّن للزيارة زماناً تعيّن، فلو تركها في وقتها عامداً حنث و تجب الكفّارة، و الأقوى عدم وجوب القضاء (2).

______________________________

(1) كما أنّه يجوز له السفر في شهر رمضان و إن كان الصوم واجباً عليه فيه، كذلك يجوز له السفر في يوم نذر صومه بنحو التعيّن و إن كان السفر غير ضروري في المقامين، و كذا يكون مثل السفر في رمضان في وجوب القضاء و عدم ثبوت الكفّارة عليه، و يحتمل الفرق بين ما إذا كان السفر ضروريّاً، فلا تجب فيه الكفّارة، و بين ما إذا لم يكن كذلك، فتجب، إلّا أنّ عدم وجوب الكفّارة في شهر رمضان في كلتا الصورتين دليل على عدم الوجوب هنا أيضاً، كما لا يخفى.

(2) لو نذر زيارة قبر أحد الأئمّة عليهم السلام أو بعض الصالحين من العلماء و العبّاد لزم، و يكفي الحضور و السلام على المزور و لو مرّة، بل لا يبعد الاكتفاء بمجرّد الحضور كذلك، خصوصاً في غير الأئمّة عليهم السلام، و الظاهر عدم وجوب غسل الزيارة و صلاتها مع كون متعلّق النذر مجرّد الزيارة و لم يذكرا فيه، و إن عيّن إماماً مخصوصاً لم

يكف في الوفاء بالنذر زيارة غيره و إن كانت أفضل، كما أنّه لا يجب التبديل في صورة العجز عن زيارة من نذر زيارته، و لو عيّن زماناً مخصوصاً تعيّن، فلو تركها فيه

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 250

[مسألة 16: لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين عليه السلام ماشياً]

مسألة 16: لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين عليه السلام ماشياً، انعقد مع القدرة و عدم الضرر، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي، فإن كان النذر مطلقاً و لم يعيّن الوقت أعاد ماشياً، و إن عيّن وقتاً و فات عمداً حنث و عليه الكفّارة، و الأقوى عدم وجوب القضاء، و كذلك الحال لو ركب في بعض الطريق و مشى في بعضه (1).

______________________________

عامداً يتحقّق الحنث و وجوب الكفّارة، و قوّى في المتن عدم وجوب القضاء، و الظاهر أنّ وجهه عدم معهوديّة القضاء في مثل هذه الأُمور، بل غاية الأمر وجوب الوفاء بالنذر فيها أيضاً.

(1) لو نذر أن يحجّ ماشياً أو يزور الحسين عليه السلام كذلك، فالمعتبر في الانعقاد القدرة و هو واضح و عدم الضرر، و الظاهر أنّ المراد بالضرر هو الحرج الذي يكون مقتضى قاعدة نفيه عدم مجعوليّة الحكم الشرعي معه مطلقاً و لو كان حكماً وضعيّاً، و عدم المجعولية إنّما هو على سبيل العزيمة لا الرخصة كما حقّقناه في البحث عن القاعدة. و أمّا الضرر، فقد ذكرنا مراراً تبعاً للأستاد المحقّق الماتن قدس سره أنّ قاعدة نفي الضرر لا تكون قاعدة فقهيّة واقعة في مقابل أدلّة الأحكام بالعناوين الأوّلية كما هو المعروف، بل حكم حكومي صادر عن النبيّ صلى الله عليه و آله من مقام حكومته و إمارته.

نعم، قد يلحظ الضرر بالإضافة إلى بعض الأحكام، كاشتراء ماء الوضوء مع

كونه ضروريّاً على ما قرّر في بحث الوضوء، لكن الظاهر أنّ المراد به هو الحرج لا الضرر في مثل باب الوضوء.

و كيف كان، فمع انعقاد النذر المذكور لو حجّ أو زار راكباً، فإن كان النذر مطلقاً و لم يعيّن الوقت تجب عليه الإعادة ماشياً وفاءً بالنذر، و إن عيّن وقتاً و لم يف بالنذر

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 251

[مسألة 17: ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر]

مسألة 17: ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر، أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة و نحوها، و لو لأجل العبور من الشطّ و نحوه. و لو انحصر الطريق في البحر، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد، إلّا إذا كان مراده فيما يمكن المشي، فيجب في سائر الطريق. و إن طرأ ذلك بعد النذر، فإن كان مطلقاً و توقّع المكنة من طريق البرّ و المشي منه فيما بعد انتظر، و إن كان معنيّاً و طرأ ذلك في الوقت، أو مطلقاً و لم يتمكّن مطلقاً، سقط عنه و لا شي ء عليه (1).

______________________________

عمداً تحقّق الحنث و وجوب كفّارته، و قد قوّى في المتن عدم وجوب القضاء؛ لأنّ المنذور هو الحجّ ماشياً في الوقت المعيّن، و المفروض أنّه مع فوته لا يكاد تحقّق القدرة عليه ثانياً، و لا دليل على وجوب القضاء في مثل الحجّ. غاية الأمر لزوم الإعادة في موارد الإفساد بعنوان الجزاء و العقوبة لا القضاء، و قد ذكر في الذيل. و كذلك الحال لو ركب في بعض الطريق و مشى في بعضه.

(1) لا يجوز لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة و نحوها كالعبور من الشطّ. و

لو انحصر الطريق في البحر، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد النذر مطلقاً، سواء كان عالماً بذلك أو جاهلًا، إلّا إذا كان مراده المشي في بعض الطريق الذي يمكن المشي فيه. و إن طرأ الانحصار بعد تحقّق النذر في حال العدم، فإن كان النذر مطلقاً و توقّع المكنة من طريق البرّ و المشي معه يجب عليه الانتظار إلى وقتها، و إن كان معيّناً و طرأ ذلك في الوقت أو مطلقاً و لم يتحقّق التمكّن و لم يتوقّع أصلًا، سقط عنه لزوم المشي و لا كفّارة عليه بعد عدم إمكان تحقّق المنذور، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 252

[مسألة 18: لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض]

مسألة 18: لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع و يركب في البعض، و الأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحجّ، و لو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان (1).

______________________________

(1) لو طرأ لمن نذر المشي في الحجّ العجز عنه في بعض الطريق دون بعض، فقد احتاط وجوباً لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع و يركب في البعض؛ لأنّ الظاهر تحقّق الانحلال و رجوع النذر إلى المشي في كلّ بعض، مضافاً إلى قاعدة الميسور و إن كان في صحّتها إشكال مذكور في محلّه.

و قد وردت في هذا المجال روايات:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال: أيّما رجل نذر نذراً أن يمشي إلى بيت اللّٰه الحرام، ثمّ عجز عن أن يمشي فليركب، و ليسق بدنة إذا عرف اللّٰه منه الجهد «1». و الظاهر أنّ مورد السؤال هو العجز

عن المشي مطلقاً، لا العجز عن البعض دون البعض، و لكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي في المقام.

نعم، في رواية رفاعة و حفص بالإضافة إلى تبعيض المشي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه حافياً؟ قال: فليمش، فإذا تعب فليركب «2». و ظاهر الجواب جواز الركوب و لو مع القدرة على المشي من دون أن يكون حافياً، و لأجله ربما يستشكل فيه بأنّه مع القدرة على المشي و لو من دون أن يكون حافياً كيف ينتقل إلى الركوب.

______________________________

(1) التهذيب: 8/ 315 ح 1171، و عنه الوسائل: 23/ 322، كتاب النذر و العهد ب 20 ح 1.

(2) الكافي: 7/ 458 ح 19، الاستبصار: 4/ 50 ح 172، تهذيب الأحكام: 8/ 304 ح 1130، الفقيه: 2/ 246 ح 1181، و عنها الوسائل: 23/ 307، كتاب النذر و العهد ب 8 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 253

[مسألة 19: لو نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت]

مسألة 19: لو نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت، و لا يجزئ مثلها أو قيمتها مع وجودها. و مع التلف، فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر و لا شي ء عليه، و إن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط، فيتصدّق بالبدل، و يكفّر أيضاً على الأقوى إن كان الإتلاف اختياريّاً عمدياً (1).

______________________________

و لو اضطرّ إلى ركوب السفينة فقد احتاط في المتن وجوباً أن يقوم فيها بقدر الإمكان، و لعلّه لأجل أنّ المشي مركّب من القيام و حركة الرجلين بالكيفيّة المخصوصة، فمع العجز عن الحركة يبقى وجوب القيام على حاله و لو على نحو الاحتياط الوجوبي.

و يدلّ عليه موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام

أنّ علياً عليه السلام سُئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمرّ في المعبر؟ قال: فليقم في المعبر قائماً حتّى يجوز «1». لكن جماعة من الفقهاء أفتوا بالاستحباب «2»، خلافاً لظاهر الشرائع «3» و بعض آخر «4»، و لا يجوز ترك الاحتياط كما في المتن.

(1) لو نذر التصدّق بعين شخصيّة يجب التصدّق بها ما دامت موجودة، و لا يجزئ مثلها أو قيمتها في هذا الحال، و مع التلف ففيه فرضان:

______________________________

(1) الكافي: 7/ 455 ح 6، الفقيه: 3/ 235 ح 113، تهذيب الأحكام: 5/ 478 ح 1693، الاستبصار: 4/ 50 ح 171، و عنها الوسائل: 11/ 92، كتاب الحجّ أبواب وجوبه و شرائطه ب 37 ح 1.

(2) المعتبر: 2/ 763، منتهى المطلب: 2/ 875 ط ق، تحرير الأحكام: 2/ 106، مقصد 14 بحث 19، تذكرة الفقهاء: 7/ 103، الدروس الشرعيّة: 2/ 319، الروضة البهيّة: 2/ 182، مسالك الأفهام: 11/ 330، مدارك الأحكام: 7/ 103 104.

(3) شرائع الإسلام: 1/ 231.

(4) المبسوط: 1/ 303، التنقيح الرائع: 1/ 422 423، الحدائق الناضرة: 14/ 227، رياض المسائل: 6/ 77.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 254

[مسألة 20: لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم و لا يملك المنذور له الإبراء منه]

مسألة 20: لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم و لا يملك المنذور له الإبراء منه، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه، و لا يلزم على المنذور له القبول، فإن امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر، إلّا إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت، و مطلقاً في غيره، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته و في غيره يجب التصدّق عليه. نعم، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها، و لا ضمان عليه

لو رجع و لا كفّارة. و لو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته، و كذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة. و لو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شي ء معيّن فمات قبل قبضه (1).

______________________________

أحدهما: أن يكون التلف لا بإتلاف منه، و قد حكم فيه في المتن بانحلال النذر و أنّه لا شي ء عليه، و ظاهره عدم وجوب التصدّق بالمثل أو القيمة المأخوذين من المتلف، نظراً إلى قاعدة الإتلاف التي موردها إتلاف مال الغير. نعم، لا ينبغي الارتياب في عدم ترتّب كفّارة عليه؛ لعدم كون الإتلاف من فعله.

ثانيهما: أن يكون التلف بإتلاف منه، فحكمه على الأحوط من حيث الضمان حكم إتلاف مال الغير؛ لأنّه قد نذر التصدّق بشخصه، و لذا يجري فيه احتمال عدم جواز بيعه، فيتصدّق بالبدل مثلًا أو قيمةً، و الأقوى وجوب الكفّارة عليه إن كان الإتلاف عن إرادة و قصد؛ لصدق حنث النذر به، و هو موجب للكفّارة.

(1) لو نذر التصدّق بشي ء على شخص معيّن يجب الوفاء بهذا النذر، و هنا حكمان:

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 255

..........

______________________________

أحدهما: أنّ المنذور له كما أنّه لا يملك ذلك الشي ء بمجرّد النذر، كذلك لا يملك إبراء الناذر منه؛ لعدم الدليل على تأثير الإبراء هنا و إن كان قد يتعلّق بأمر محتمل، كالأمر اليقيني، كالإبراء من الدين القطعي أو الاحتمالي، و كذلك الإبراء من كثير من الحقوق.

ثانيهما: أنّ الواجب على الناذر إنّما هو التصدّق، و أمّا المنذور له فلا يجب عليه القبول، بل له الامتناع عنه، و حينئذٍ إذا كان الامتناع في تمام الوقت المضروب

له في الموقّت و مطلقاً في غيره فمقتضى الاستثناء انحلال النذر، و في غيره نفى البُعد عن عدم الانحلال، و فرّع عليه أنّه لو رجع عن امتناعه قبل خروج وقته، و كذا في غير الموقّت يجب الوفاء بالنذر؛ لأنّ المفروض عدم الانحلال.

و لو كان نذره الصدقة متعلّقاً بعين معيّنة و امتنع المنذور له عن قبولها فلا إشكال في أنّه يجوز للناذر الانتفاع بها؛ لأنّه لا مجال لتوهّم عدم الجواز المستلزم لفوات المنافع، و في المتن جاز له إتلافها، و لا ضمان عليه لو رجع و لا كفّارة. أمّا جواز الإتلاف، فلعدم كونه إتلافاً لمال الغير، ضرورة أنّ منذور التصدّق به لا يخرج عن ملك الناذر بمجرّد النذر، و هذا من دون فرق بين ما إذا كان الإتلاف حقيقيّا أو بناقل شرعيّ، و ما ذكرناه من الاحتمال الراجع إلى عدم جواز بيعه في شرح المسألة المتقدّمة فإنّما هو في صورة عدم الامتناع، و أمّا معه فالظاهر جواز إتلافه مطلقاً، و منه يظهر الفرق بين المسألتين في الضمان و عدمه، و في ثبوت الكفّارة و عدمها، فتدبّر.

و لو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته مع القبول و عدم الامتناع، و كذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة التي تخرج من الأصل مع اشتراكها في عدم الخروج عن الملكيّة، بناءً على عدم الإشاعة و إن كان على

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 256

[مسألة 21: لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه]

مسألة 21: لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه، كتعميره و ضيائه و طيبه و فرشه، و الأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح. و لو نذر شيئاً للإمام عليه السلام أو بعض أولاده،

فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له، من غير فرق بين الصدقة على المساكين و إعانة الزائرين و غيرهما من وجوه الخير، كبناء المسجد و القنطرة و نحو ذلك و إن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم، و صلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين، و الصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم، و إقامة مجالس تعزيتهم، هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف

______________________________

خلاف ما حقّقناه في كتاب الخمس «1»، لكن الخروج من الأصل لا يتوقّف على الإشاعة، فإنّ المديون يخرج دينه من الأصل و إن لم يكن هناك إشاعة بوجه.

و لو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه، و في المتن على احتمال مطابق للاحتياط، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شي ء معيّن فمات قبل قبضه. و لعلّ السرّ في قيام الوارث مقامه صيرورته ذا حقّ كالمورّث و إن كان قد عرفت أنّه لا يملك الإبراء منه، إلّا أنّ عدم الملكيّة المزبورة لا ينافي كونه ذا حقّ، و خصوصيّة المورد المذكور أنّ الموت قبل القبض لا يلازم الامتناع عن القبول حتّى يتوهّم انحلال النذر، بل من الممكن تحقّق القبول بعد الإعطاء.

و بالجملة: فمقتضى الاحتياط قيام الوارث مقام المنذور له، خصوصاً في المورد المذكور كما لا يخفى.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 207 208 و 248.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 257

إلى جهة خاصّة، و إلّا اقتصر عليها (1).

[مسألة 22: لو عيّن شاة للصدقة، أو لأحد الأئمّة عليهم السلام، أو لمشهد من المشاهد و نحو ذلك]

مسألة 22: لو عيّن شاة للصدقة، أو لأحد الأئمّة عليهم السلام، أو لمشهد من المشاهد و نحو ذلك، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن، و أمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل

و اللبن، بل لا يخلو من وجه، و أمّا النتاج الموجود قبل النذر و اللبن المحلوب كذلك فلمالكه (2).

______________________________

(1) في المسألة فرضان:

الأوّل: أن ينذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة، ففي المتن أنّه يجب صرفه في مصالحه، كالامور المذكورة فيه، و يشكل الأمر بالإضافة إلى زماننا هذا لو نذر شيئاً لمشهد من مشاهد العراق، فإنّ صرف الناذر الشي ء المنذور في مصرفه غير مقدور له، و الإلقاء في الضرائح المقدّسة مع عدم العلم بالصرف المذكور بل مع العلم بعدمه؛ لأنّ الحكومة تتسلّط عليه و تصرفه فيما تشاء غير جائز، فالظاهر أنّ الحكم في هذا الفرض أيضاً حكم الفرض الآتي.

الثاني: أن ينذر شيئاً لنفس الإمام المدفون في تلك المشاهد أو بعض أولاده، و الظاهر جواز صرفه في سُبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له، و لا فرق في ذلك بين الصدقة على المساكين، و إعانة الزائرين خصوصاً إذا كانوا من الفقراء و غيرهما من وجوه الخير، كبناء المساجد و القناطر و نحو ذلك، و إن كان الأحوط الأولى الاقتصار على الأُمور المذكورة في المتن إذا لم يكن قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إليها، و إلّا يجب الاقتصار عليها.

(2) لو عيّن شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة عليهم السلام، أو لمشهد من المشاهد، أو مسجد من المساجد أو نحو ذلك، يتبعها نماؤها المتّصل بلا إشكال، و أمّا النماء المنفصل فقد

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 258

[مسألة 23: لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم]

مسألة 23: لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته، و تصرّف في أمواله بما شاء و كيف شاء، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً، و يحسب إلى أن يوفي

التمام، فإن بقي منه شي ء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته (1).

______________________________

نهى عن ترك الاحتياط في الحمل و اللبن، بل نفى خلوّه عن الوجه، و من الواضح أنّ المراد هو الحمل و اللبن قبل الانفصال حين تعلّق النذر، و إلّا فلا إشكال في كونه لمالكه، و السرّ في الأوّل هي التبعية العرفيّة، فإنّ الحمل في بطن الشاة و اللبن الموجود في ضرعها تابعان عرفاً لها و لا تفكيك بينهما و بين الشاة كذلك، فتدبّر.

(1) الأصل في هذه المسألة رواية محمّد بن يحيى الخثعمي و هو من ثقات ابن أبي عمير قال: كنّا عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر عليه السلام، فسلّم عليه ثمّ جلس و بكى، ثمّ قال له: جعلت فداك، إنّي كنت أعطيت اللّٰه عهداً إن عافاني اللّٰه من شي ء كنت أخافه على نفسي أن أتصدّق بجميع ما أملك، و أنّ اللّٰه عافاني منه، و قد حوّلت عيالي من منزلي إلى قبّة في خراب الأنصار، و قد حملت كلّ ما أملك، فأنا بائع داري و جميع ما أملك، فأتصدّق به؟

فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: انطلق و قوّم منزلك و جميع متاعك و ما تملك بقيمة عادلة و اعرف ذلك، ثمّ اعمد إلى صحيفة بيضاء، فاكتب فيها جملة ما قوّمت، ثمّ انظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة و أوصه، و مره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك و جميع ما تملك فيتصدّق به عنك، ثمّ ارجع إلى منزلك و قم في مالك على ما كنت فيه، فكلْ أنت و عيالك مثل ما كنت تأكل، ثمّ انظر كلّ شي ء تصدّق

به فيما تستقبل من صدقة، أو صلة قرابة، أو في وجوه البرّ، فاكتب ذلك كلّه

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 259

[مسألة 24: لو عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقّتاً]

مسألة 24: لو عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقّتاً، و مطلقاً إن كان مطلقاً انحلّ نذره و سقط عنه و لا شي ء عليه. نعم، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على الأقوى، و الأحوط مدّان (1).

______________________________

و احصه، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه، فمره أن يخرج إليك الصحيفة، ثمّ اكتب فيها جملة ما تصدّقت و أخرجت من صدقة أو برّ في تلك السنة، ثمّ افعل ذلك في كلّ سنة حتّى تفي للّٰه بجميع ما نذرت فيه، و يبقى لك منزلك و مالك إن شاء اللّٰه.

قال: فقال الرجل: فرّجت عنّي يا ابن رسول اللّٰه جعلني اللّٰه فداك «1».

و الظاهر أنّ مورد الرواية كالمتن صورة المشقّة، و إلّا فاللازم الوفاء بالنذر في مفروض المسألة كما هو مقتضى القاعدة.

(1) قد مرّ «2» اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر و تحقّقه، فاعلم أنّه مع طروّ العجز في وقت العمل إن كان النذر موقّتاً، و مطلقاً إن كان مطلقاً ينحلّ النذر و يسقط عنه و لا شي ء عليه؛ لعدم تعمّد الحنث. نعم، فيما إذا نذر صوماً فعجز عنه يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، كما في رواية محمّد بن منصور، أنّه سأل موسى ابن جعفر عليهما السلام عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال: يتصدّق لكلّ يوم بمدّ من حنطة «3».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 458 ح 23، تهذيب الأحكام: 8/ 307 ح 1144، و عنهما الوسائل: 23/ 314، كتاب النذر و

العهد ب 14 ح 1.

(2) في ص 239 240.

(3) الفقيه: 3/ 234 ح 1105، و عنه الوسائل: 23/ 312، كتاب النذر و العهد ب 12 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 260

[مسألة 25: النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل]

مسألة 25: النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل؛ من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها، فإن عيّن له وقتاً تعيّن، و يتحقّق الحنث و تجب الكفّارة بتركه فيه، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى، و إن كان صلاة يقضيها على الأحوط، و أمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه. و إن كان مطلقاً كان وقته العمر، و جاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق، و يتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة. هذا إذا كان المنذور فعل شي ء. و إن كان ترك شي ء، ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه و لو مرّة، و في المطلق بإيجاده مدّة حياته و لو مرّة، و لو أتى به تحقّق الحنث و انحلّ النذر، كما مرّ في اليمين (1).

______________________________

و الأحوط الأولى مدّان، كما في رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل يجعل عليه صياماً في نذر فلا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين «1». فإنّ الرواية الأُولى قرينة على حمل هذه على الاستحباب؛ لظهورها في عدم وجوب أكثر من مدّ.

(1) النذر المتعلّق بإيجاد عمل كالأمثلة المذكورة في المتن إن كان موقّتاً تعيّن ذلك الوقت، و يتحقّق الحنث و وجوب الكفّارة بترك ذلك العمل المنذور في الوقت المعيّن له، غاية الأمر أنّه قد فصّل في المتن بين أن يكون ذلك العمل صوماً، فقد قوّى وجوب القضاء فيه، و بين أن يكون صلاة فاحتاط وجوباً بالقضاء، و

بين غيرهما فاستظهر عدم الوجوب.

و أنا أقول: أمّا الدليل على وجوب القضاء في الصوم فهي رواية عبد اللّٰه بن

______________________________

(1) الكافي: 7/ 457 ح 15، الفقيه: 3/ 235 ح 1111، تهذيب الأحكام: 8/ 306 ح 1138، و عنها الوسائل: 23/ 312، كتاب النذر و العهد ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 261

..........

______________________________

جندب المتقدّمة «2»، قال: سأل عبّاد بن ميمون و أنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً و أراد الخروج إلى مكّة، فقال عبد اللّٰه بن جندب: سمعت من رواه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سُئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّٰه عليه السلام؟ قال: يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك. هذا و لكن الظاهر ضعف الرواية بالإرسال.

نعم، هنا صحيحة زرارة قال: إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت للّٰه في بعض ولدها في شي ء كانت تخافه عليه، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها، فخرجت معنا إلى مكّة، فأُشكل علينا صيامها في السفر، فلم ندر تصوم أو تفطر، فسألت أبا جعفر عليه السلام عن ذلك؟ فقال: لا تصوم في السفر، إنّ اللّٰه قد وضع عنها حقّه في السفر، و تصوم هي ما جعلت على نفسها، فقلت له: فماذا إن قدمت إن تركت ذلك؟ قال: لا، إنّي أخاف أن ترى في ولدها الذي نذرت فيه بعض ما تكره «1».

و الظاهر أنّ المراد من قوله: «تصوم» في ذيل الرواية هو قضاء الصوم.

و أمّا الاحتياط الوجوبي في قضاء الصلاة فلأجل أنّه لا دليل ظاهراً في خصوص الصلاة، كما ورد في الصوم على ما عرفت، و

يمكن إلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى الصلاة بدعوى عدم اختصاص الدليل بالصوم، مضافاً إلى دعوى إمكان الإطلاق في قوله: «اقض ما فات» و عدم الاختصاص بالصلوات اليوميّة.

و أمّا غير الصوم و الصلاة فمع الترك في الموقّت كترك الصدقة في خصوص وقت نذرها فيه لا دليل على وجوب القضاء بوجه، هذا بالنسبة إلى الموقّت.

______________________________

(2) في ص 247.

(1) الكافي: 7/ 459 ح 24، و عنه الوسائل: 23/ 313، كتاب النّذر و العهد ب 13 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 262

[مسألة 26: إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً]

مسألة 26: إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً، فلو أتى بشي ء تعلّق النذر بتركه؛ نسياناً أو جهلًا أو اضطراراً أو إكراهاً، لم يترتّب عليه شي ء، بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً و قد بقي الوقت (1).

[مسألة 27: لو نذر إن برئ مريضة أو قدم مسافرة صام يوم مثلًا]

مسألة 27: لو نذر إن برئ مريضة أو قدم مسافرة صام يوم مثلًا، فبان أنّ المريض برئ و المسافر قدم قبل النذر لم يلزم (2).

______________________________

و أمّا المطلق، فقد عرفت أنّ وقته ما دام العمر، و يتضيّق بظنّ الوفاة و ظهور أمارات الموت، فيتحقّق الحنث و الكفّارة بالترك فيه. هذا كلّه بالإضافة إلى الفعل المنذور.

و أمّا بالنسبة إلى الترك، فإن كان النذر موقّتاً فالحنث يتحقّق بالإيجاد في ذلك الوقت و لو مرّة واحدة، و يتعقّبه وجوب الكفّارة. و إن كان النذر مطلقاً، فالحنث يتحقّق بالإيجاد في مدّة عمره و لو كذلك، و على التقديرين ينحلّ النذر كما مرّ في اليمين «1»، فلاحظ.

(1) إذا تعلّق النذر بترك شي ء، فإن فعله اختياراً يتحقّق الحنث كما تقدّم، و إن فعله لأحد العناوين المذكورة في حديث الرفع «2» كالجهل و الإكراه و الاضطرار و النسيان لا يترتّب على مثل هذا الفعل شي ء من الإثم و الكفّارة، بل الظاهر عدم تحقّق انحلال النذر به، فيجب عليه الترك فيما بقي من الوقت في الموقّت، و في بقيّة العمر في المطلق؛ لعدم تحقّق الحنث المحرّم.

(2) لو نذر الصوم مثلًا إن برئ مريضة أو قدم مسافرة، فبان برء المريض أو

______________________________

(1) في ص 229 230.

(2) تقدّم في ص 228.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 263

[مسألة 28: كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى]

مسألة 28: كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى (1).

______________________________

قدوم المسافر قبل تعلّق النذر لا يجب عليه الوفاء بهذا النذر؛ لأنّ المفروض أنّ المعلّق عليه كان حاصلًا قبل النذر، فلا مجال للالتزام بالمنذور معلّقاً.

و يدلّ عليه بعض الروايات أيضاً، مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل وقع

على جارية له، فارتفع حيضها و خاف أن تكون قد حملت، فجعل للّٰه عتق رقبة و صوماً و صدقة إن هي حاضت، و قد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين و هو لا يعلم؟ قال: ليس عليه شي ء «1».

و رواية جميل بن صالح قال: كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها، فجعلت للّٰه نذراً إن هي حاضت، فعلمت أنّها حاضت قبل أن أجعل النذر، فكتبت إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام بالمدينة، فأجابني: إن كانت حاضت قبل النذر فلا عليك، و إن كانت (حاضت نسخة) بعد النذر فعليك «2».

(1) سيأتي في كتاب الكفّارات «3» إن شاء اللّٰه أنّ كفّارة حنث النذر ككفّارة إفطار يوم من شهر رمضان عمداً، فانتظر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 8/ 313 ح 1164، و عنه الوسائل: 23/ 302، كتاب النذر و العهد ب 5 ح 2.

(2) الكافي: 7/ 455 ح 4، الفقيه: 3/ 238 ح 1131، تهذيب الأحكام: 8/ 303 ح 1127، و عنها الوسائل: 23/ 302، كتاب النذر و العهد ب 5 ح 1.

(3) في ص 271 272.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 264

[القول في العهد]

اشارة

القول في العهد لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى، و صورتها: «عاهدت اللّٰه» أو «عليَّ عهد اللّٰه» و يقع مطلقاً و معلّقاً على شرط كالنذر، و الظاهر أنّه يعتبر في المعلّق عليه إن كان مشروطاً ما اعتبر فيه في النذر المشروط، و أمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دنيا، و لا يعتبر فيه الرجحان فضلًا عن كونه طاعة، فلو عاهد على فعل مباح لزم، و لو عاهد على فعل

كان تركه أرجح، أو على ترك أمر كان فعله أولى و لو من جهة الدُّنيا لم ينعقد، و لو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ (1).

______________________________

(1) يدلّ على وجوب الوفاء بالعهد مضافاً إلى ظهور التسالم عليه، و إلى ما عن بعض التفاسير من تفسير آية يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» بعامّة العهود الشاملة لمعاهدة اللّٰه «2»، و إلى إطلاق الآيات التي وقع فيها الأمر بالوفاء

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 1.

(2) تفسير القمّي: 1/ 160، تفسير العياشي: 1/ 289 ح 5، جامع البيان: 6/ 31 32، الوسيط في تفسير القرآن المجيد: 2/ 147 148، مجمع البيان: 3/ 250، كنز الدقائق: 3/ 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 265

..........

______________________________

بالعهد «1»، معلّلًا في بعضها بأنّ العهد كان مسؤولًا «2» الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب الكفّارة بمخالفة العهد «3» الظاهرة في وجوب الوفاء بالعهد كالنذر و اليمين.

و كيف كان، فالظاهر عدم انعقاد العهد بمجرّد النيّة التي هي أمر نفساني، بل يحتاج إلى الصيغة؛ لكونه من الأُمور الإنشائية كالنذر و اليمين، و كما أنّ النذر قد يكون مطلقاً و قد يكون معلّقاً على شرط، كذلك العهد على قسمين: المطلق و المعلّق، غاية الأمر أنّه يعتبر في المعلّق عليه ما اعتبر فيه في النذر المشروط؛ من أنّه قد يكون من فعل الشخص، و قد يكون من فعل غيره، و قد يكون من فعل اللّٰه تعالى.

و أمّا ما عاهد عليه فالعهد بالإضافة إليه إنّما يكون مثل اليمين؛ في أنّه يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دنيا. نعم، لا يعتبر فيه الرجحان فضلًا عن كونه طاعة، فلو عاهد على فعل مباح لزم بشرط

أن لا يكون تركه أرجح، كما أنّه لو عاهد على ترك مباح لزم إذا لم يكن فعله أرجح و لو من جهة الدُّنيا.

و بالجملة: لا دليل على اعتبار الرجحان الشرعي فيما عاهد عليه، بل اللازم عدم المرجوحيّة فيه فعلًا أو تركاً و لو من جهة الدُّنيا؛ لأنّه لا مجال لوجوب الوفاء بالعهد الذي كان تركه أرجح، و لو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه المرجوحيّة ينحلّ العهد و لا يبقى بحاله كما عرفت فيما تقدّم.

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 40، سورة الأنعام: 6/ 152، سورة النحل: 16/ 91.

(2) سورة الإسراء: 17/ 34.

(3) تهذيب الأحكام: 309 ح 1148 وص 315 ح 1170، الاستبصار: 4/ 54 ح 187 وص 55 ح 189، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 173 ح 454، و عنها الوسائل: 22/ 395، كتاب الإيلاء و الكفّارات ب 24 ح 1 و 2، و ج 23/ 326 327، كتاب النذر و العهد ب 25 ح 1، 2 و 4، و في البحار: 104/ 244 ح 161.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 266

[مسألة 1: مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة]

مسألة 1: مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة، و الأظهر أنّ كفّارتها كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان (1).

______________________________

(1) البحث في كفّارة مخالفة العهد إنّما هو كالبحث في كفّارة مخالفة النذر، و ستأتي كلتاهما في كتاب الكفّارات إن شاء اللّٰه تعالى، هذا تمام الكلام في كتب الأيمان و النذور و العهود.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 267

[كتاب الكفّارات]

اشارة

كتاب الكفّارات

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 269

كتاب الكفّارات

[القول في أقسامها]

اشارة

القول في أقسامها و هي على أربعة أقسام: مرتّبة، و مخيّرة، و ما اجتمع فيه الأمران، و كفّارة الجمع.

أمّا المرتّبة؛ فهي ثلاث: كفّارة الظهار، و كفّارة قتل الخطأ، يجب فيهما العتق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً، و كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و هي إطعام عشرة مساكين، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام، و الأحوط كونها متتابعات.

و أمّا المخيّرة؛ فهي كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة لها، و كفّارة حنث النذر، و كفّارة حنث العهد، و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب؛ و هي العتق، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، مخيّراً بينها على الأظهر.

و ما اجتمع فيه الأمران: كفّارة حنث اليمين، و كفّارة نتف المرأة شعرها و خدش وجهها في المصاب، و شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم مخيّراً

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 270

بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام.

و أمّا كفّارة الجمع؛ فهي كفّارة قتل المؤمن عمداً و ظلماً، و كفّارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط؛ و هي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكيناً (1).

______________________________

(1) الكفّارات على أربعة أقسام:

القسم الأوّل: الكفّارة المرتّبة؛ و هي ثابتة في ثلاث موارد:

أحدها: الظهار، فقد وردت فيها الآية و الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال، أمّا الآية فقوله تعالى وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ

بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «1».

و من الروايات صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الظهار قال: و ندم الرجل على ما قال لامرأته، و كره اللّٰه ذلك للمؤمنين بعد، فأنزل اللّٰه عزّ و جلّ وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا يعني ما قال الرجل الأوّل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أُمّي، قال: فمن قالها بعد ما عفا اللّٰه و غفر للرجل الأوّل فإنّ عليه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا يعني مجامعتها ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً فجعل اللّٰه

______________________________

(1) سورة المجادلة: 58/ 3 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 271

..........

______________________________

عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا «2».

ثانيها: قتل الخطأ؛ و هي الكفّارة المذكورة المرتّبة، من دون فرق بين صورة أخذ الدية و عدمه، و كذا من دون فرق بين ما كان المقتول حرّا أو عبداً، و قد وردت فيه طائفة من الروايات، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: كفّارة الدم إذا قتل الرجل مؤمناً متعمّداً إلى أن قال: و إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه، ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً، و كذلك إذا وهبت له دية المقتول، فالكفّارة عليه فيما بينه و بين ربّه لازمة «3».

ثالثها: من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و كفّارته إطعام عشرة مساكين، فإن عجز

فصيام ثلاثة أيّام، و يدلّ عليه صحيحة بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلّا يوماً مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «1».

القسم الثاني: الكفّارة المخيّرة بين العتق، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام

______________________________

(2) الكافي: 6/ 152 ح 1، و عنه الوسائل: 22/ 359، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 1 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام: 8/ 322 ح 1196، و عنه الوسائل: 22/ 374، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 10 ح 1.

(1) الكافي: 4/ 122 ح 5، الفقيه: 2/ 96 ح 430، المقنع: 200 201، تهذيب الأحكام: 4/ 278 ح 844، الاستبصار: 2/ 120 ح 391، و عنها الوسائل: 10/ 347، كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1، و في البحار: 96/ 333 ح 6 عن الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 213.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 272

..........

______________________________

ستّين مسكيناً؛ و هي ثابتة في موارد آتية:

الأوّل: كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة للكفّارة، و البحث في هذا المجال موكول إلى كتاب الصوم.

الثاني: كفّارة حنث النذر، فقد ورد في رواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عمّن جعل للّٰه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه؟ قال: لا أعلمه إلّا قال: فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم

ستّين مسكيناً «1».

و وردت في هذا المورد روايات أُخرى دالّة على غير ذلك، لكن المشهور ما ذكرنا «2».

الثالث: كفّارة حنث العهد، و قد وردت فيها رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل عاهد اللّٰه في غير معصية، ما عليه إن لم يفِ بعهده؟ قال: يعتق رقبة، أو يتصدّق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين «3». و المراد بالتصدّق كما في رواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام هو إطعام ستّين مسكيناً، قال: من جعل عليه عهد اللّٰه و ميثاقه في أمر للّٰه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً «4».

الرابع: كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب، و العمدة في المسألة رواية خالد بن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 8/ 314 ح 1165، الاستبصار: 4/ 54 ح 188، و عنهما الوسائل: 22/ 394، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 23 ح 7.

(2) رياض المسائل: 11/ 235، جواهر الكلام: 33/ 174.

(3) تهذيب الأحكام: 8/ 309 ح 1148، الاستبصار: 4/ 55 ح 189، و عنهما الوسائل: 22/ 395، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 24 ح 1.

(4) تهذيب الأحكام: 8/ 315 ح 1170، الاستبصار: 4/ 54 ح 187، و عنهما الوسائل: 22/ 395، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 24 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 273

..........

______________________________

سدير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل شقّ ثوبه على أبيه، أو على امّه، أو على أخيه، أو على قريب له، فقال: لا بأس بشقّ الجيوب، قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشقّ الوالد على ولده، و لا

زوج على امرأته، و تشقّ المرأة على زوجها، و إذا شقّ زوج على امرأته، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا، أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها، أو جزّت شعرها، أو نتفته، ففي جزّ الشعر عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، و في الخدش إذا دميت، و في النتف كفّارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن علي عليهما السلام، و على مثله تلطم الخدود، و تشقّ الجيوب «1».

القسم الثالث: ما اجتمع فيه الأمران؛ و هي أيضاً ثابتة في موارد:

الأوّل: كفّارة حنث اليمين، و يدلّ عليه مضافاً إلى الآية الشريفة «2» التي هي الأصل في ذلك روايات متعدّدة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في كفّارة اليمين، يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من حنطة، أو مدّ من دقيق و حفنة، أو كسوتهم لكلّ إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، و هو في ذلك بالخيار أيّ ذلك (الثلاثة خ ل) شاء صنع، فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيّام «3». و بهذا المضمون روايات كثيرة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 8/ 325 ح 1207، و عنه الوسائل: 22/ 402، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 31 ح 1.

(2) سورة المائدة: 5/ 89.

(3) الكافي: 7/ 451 ح 1، تهذيب الأحكام: 8/ 295 ح 1091، الاستبصار: 4/ 51 ح 174، و عنها الوسائل: 22/ 375، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 274

..........

______________________________

الثاني: كفّارة نتف

المرأة شعرها في المصاب، أو خدش وجهها فيه، و يدلّ عليه خبر خالد بن سدير المتقدّم المنجبر ضعفه بفتوى جماعة من الفقهاء «1»، بل المشهور «2» على طبقها، و قد تقرّر في محلّه أنّ الشهرة الفتوائية جابرة للضعف، كما أنّها قادحة في الاعتبار في صورة المخالفة.

الثالث: شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، و يدلّ عليه الخبر المتقدّم الدالّ على النهي عن شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، و على أنّ كفّارته كفّارة حنث اليمين. نعم، له الدلالة على جواز لطم الخدود و شقّ الجيوب كما فعلت ذلك الفاطميّات بالإضافة إلى سيّد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام.

القسم الرابع: كفّارة الجمع؛ و هي أيضاً ثابتة في موردين:

الأوّل: كفّارة قتل المؤمن عمداً ظلماً، و يدلّ عليه مضافاً إلى الآية «3» التي هي الأصل في ذلك روايات:

منها: رواية عبد اللّٰه بن سنان و ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سُئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمِّداً إلى أن قال: فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين، و أطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى اللّٰه عزّ و جلّ «4». و لا بدّ من حمل الرواية على صورة كون القاتل راضياً بالدية مكان

______________________________

(1) المهذّب لابن البرّاج: 2/ 424، الوسيلة: 353، إصباح الشيعة: 487، السرائر: 3/ 78، شرائع الإسلام: 3/ 68، الجامع للشرائع: 418.

(2) رياض المسائل: 11/ 244 246، جواهر الكلام: 33/ 183 184.

(3) سورة النساء: 4/ 92.

(4) الكافي: 7/ 276 ح 2، و عنه الوسائل: 22/ 398، كتاب الإيلاء و الكفّارات ب

28 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 275

[مسألة 1: لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها]

مسألة 1: لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها، أو جزّ بعضه بما يصدق عرفاً أنّها جزّت شعرها، كما لا فرق بين كونه في مصاب زوجها و مصاب غيره، و بين القريب و البعيد، و الأقوى عدم إلحاق الحلق و الإحراق به و إن كان أحوط، سيّما في الأوّل (1).

[المسألة 2: لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسمّاه]

المسألة 2: لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسمّاه. نعم، الظاهر أنّه يعتبر فيه الإدماء، و لا عبرة بخدش غير الوجه و لو مع الإدماء، و لا بشقّ ثوبها و إن كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه، و لا بجزّ شعره، و لا بشقّ ثوبه على غير ولده و زوجته. نعم، لا فرق في الولد بين الذكر و الأُنثى، و في شموله لولد الولد تأمّل، و الأحوط ذلك في ولد الابن،

______________________________

القصاص، و إلّا فقد ذكرنا في كتاب القصاص أنّ له الامتناع عن إعطاء الدية و تسليم النفس للقصاص «1»، لكنّه على خلاف ما هو الغالب، كما لا يخفى.

الثاني: الإفطار بالمحرّم في شهر رمضان، كما إذا زنا فيه، أو شرب المسكر، أو تعمّد الكذب على اللّٰه، و قد احتاط فيه بثبوت كفّارة الجمع، و التفصيل في كتاب الصوم.

(1) الملاك في جزّ المرأة شعرها هو الصدق العرفي، و عليه فلا فرق في ذلك بين جزّ تمام شعر الرأس و بعضه مع الصدق العرفي، كما أنّ إطلاق «المصاب» لا فرق فيه بين أن يكون مصاب زوجها أو غيره، قريباً كان كالأب و الأُمّ، أم بعيداً، و كذلك المناط عنوان الجزّ، و لذا لا يلحق به الحلق و الإحراق و إن احتاط استحباباً فيهما، خصوصاً بالإضافة إلى

الحلق الذي هو أقرب إلى الجزّ.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القصاص: 288.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 276

و الظاهر عدم الشمول لولد البنت و إن كان أحوط، و لا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة، سيّما إذا كانت مدّتها طويلة (1).

______________________________

(1) لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسمّاه. نعم، الظاهر أنّه يعتبر فيه الإدماء، كما وقع التقييد بها في رواية خالد بن سدير المتقدّمة، و لا عبرة بخدش غير الوجه مطلقاً، مع الإدماء و عدمها، و لا بشقّ المرأة ثوبها و إن كان على ولدها أو زوجها، كما عرفت في الفاطميّات اللواتي شققن الجيوب، كما أنّه لا عبرة بخدش الرجل وجهه، و لا بجزّ شعره، و لا بشقّ ثوبه على غير ولده و زوجته، كما مرّ في الرواية أنّه قد شقّ موسى بن عمران الجيب على أخيه هارون، فالمنع منحصر بشقّ الوالد ثوبه على ولده، و الزوج على زوجته.

نعم، لا شبهة في أنّ إطلاق الولد يشمل الذكر و الأُنثى، لكن تأمّل في المتن في شموله لولد الولد، لا لأنّه ليس بولد، بل هو ولد، كما نرى التصريح بأنّ الأئمّة عليهم السلام أبناء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، بل لانصراف الولد المذكور في الرواية عن ولد الولد و إن احتاط وجوباً بالإضافة إلى ولد الابن، و استحباباً بالنسبة إلى ولد البنت، و قد مرّ منّا في كتاب الخمس أنّ ولد البنت أيضاً ولد حقيقة «1»، و لكن المعتبر في تحقّق عنوان السيادة لا البنوّة الانتساب بالأب، كما أنّا ذكرنا فيه «2» أنّ سيادة السادة العلويّين إنّما هي بالانتساب بالأب إلى سيّد الموحِّدين أمير المؤمنين عليه السلام، لا

بالأُمّ إلى الرسول و لو كانت هي الزهراء المرضيّة سلام اللّٰه عليها.

ثمّ إنّه نفى البُعد في ذيل المسألة عن شمول الزوجة للمنقطعة؛ لأنّها زوجة حقيقة يترتّب عليها أحكامها إلّا ما قد خرج، كالتوارث احتمالًا.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 255.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 255.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 277

[القول في أحكام الكفّارات]

اشارة

القول في أحكام الكفّارات

[مسألة 1: لا يجزئ عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً]

مسألة 1: لا يجزئ عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً، فيشترط فيه الإسلام. و يستوي في الإجزاء الذكر و الأُنثى، و الكبير و الصغير الذي هو بحكم المسلم؛ بأن كان أحد أبويه مسلماً، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ. و يشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب التي توجب الانعتاق قهراً، كالعمى و الجذام و الإقعاد و التنكيل، و لا بأس بسائر العيوب، فيجزئ عتق الأصمّ و الأخرس و غيرهما، و يجزئ عتق الآبق و إن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته (1).

______________________________

(1) و ليعلم قبل الورود في المسألة أنّه حيث لا يكون العتق المأمور به في الكفّارة مقدوراً سيّما في هذه الأزمنة، و قد مرّ في بعض المباحث المتقدّمة أنّه يمكن الاستنباط من الموارد المختلفة أنّ نظر الشارع إلى قطع أُصول العبوديّة و إعدام موضوع الرقّية، و عليه فمع عدم الإمكان لأجل هذه الجهة لا بدّ أن يقال بسقوط التكليف به؛ سواء كان بنحو الترتيب، أو التخيير، أو كفّارة الجمع، كما عرفت مواردها.

و يمكن أن يقال: بأنّه مع عدم إمكان العتق في مورد لزومه تصل النوبة إلى

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 278

..........

______________________________

الاستغفار، كما يستفاد من بعض الروايات الواردة في هذا المجال «1».

و كيف كان، فالمذكور في الآية الشريفة في كفّارة قتل الخطأ قوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ* «2» و قد اتّفقوا على أنّ المراد بالإيمان هنا هو الإسلام، لا الإيمان «3» الذي هو أخصّ منه، غاية الأمر الإشكال في أنّ هذا القيد قد ذكر في قتل الخطأ، و قد ذكر في الجواهر إرادة ذلك فيه من حيث كونه كفّارة قتل، لا من

حيث كونه خطأ، قال: و من هنا لم يفرّق أحد بينه، و بين العمد الذي هو أولى باعتبار ذلك منه «4».

و يستوي في الإجزاء الذكر و الأُنثى، و الكبير و الصغير الذي يكون بحكم المسلم؛ بأن كان أحد أبويه مسلماً، لكن في المتن: لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ، و منشأه رواية عبّر عنها في الشرائع بالحسنة «11»، و هي رواية معمر بن يحيى، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفّارة؟ فقال: كلّ العتق يجوز فيه المولود إلّا في كفّارة القتل، فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ* يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث «12».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 10/ 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9، و ج 22، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 6.

(2) سورة النساء: 4/ 92.

(3) شرائع الإسلام: 3/ 70، مسالك الأفهام: 10/ 38، جواهر الكلام: 33/ 197 198.

(4) جواهر الكلام: 33/ 195.

(11) شرائع الإسلام: 3/ 70.

(12) الكافي: 7/ 462 ح 15، تفسير العيّاشي: 1/ 263 ح 219، و عنهما الوسائل: 22/ 370، كتاب الإيلاء و الكفّارات ب 7 ذ ح 6.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 279

[مسألة 2: يعتبر في الخصال الثلاث أي العتق و الصيام و الإطعام النيّة المشتملة على قصد العمل]

مسألة 2: يعتبر في الخصال الثلاث أي العتق و الصيام و الإطعام النيّة المشتملة على قصد العمل، و قصد القربة، و قصد كونه عن الكفّارة، و تعيين نوعها لو كانت عليه أنواع متعدّدة، فلو كانت عليه كفّارة ظهار و يمين و إفطار

______________________________

و قد ذكر في الجواهر روايات اخرى بهذا المضمون، و قال بعدها: إنّها في الحقيقة مهجورة لا تصلح مقيّدة

لإطلاق ما دلّ على التبعية المزبورة «1»، و على أيّ فالاحتياط كما في المتن. و يعتبر في المعتق أن يكون سالماً من العيوب التي توجب الانعتاق قهراً، كالموارد المذكورة في المتن. نعم، لا يعتبر أن يكون سالماً من غيرها من العيوب؛ كالأصمّ و الأخرس، و الروايات الدالّة على هذا التفصيل كثيرة.

منها: رواية أبي البختري، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يجوز في العتاق الأعمى و المقعد، و يجوز الأشلّ و الأعرج «2».

و منها: غير ذلك من الروايات، و يؤيّده الاعتبار أيضاً، فإنّ من كان فيه عيب يوجب الانعتاق قهراً، فإن بلغ إلى مرحلة الانعتاق فلا معنى لعتقه؛ لأنّه تحصيل الحاصل و إن لم يبلغ إلى تلك المرحلة، فحيث إنّك عرفت أنّ غرض الشارع قطع أُصول الرقيّة و العبوديّة، فاللازم إعتاق ما كان سالماً عن هذا العيب ليتحقّق فردان من الحرّ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الإباق لا يكون مانعاً عن جواز العتق، بل يجوز عتق العبد الآبق؛ لعدم المانع عن عتقه و إن كان مجهول المكان بشرط عدم العلم بموته.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 33/ 199 200.

(2) الكافي: 6/ 196 ح 11، قرب الإسناد: 158 ح 579، الفقيه: 3/ 85 ح 311، المقنع: 473 474، تهذيب الأحكام: 8/ 230 ح 832، و عنها الوسائل: 22/ 397، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 27 ح 1 و ج 23/ 45 46، كتاب العتق ب 23 ح 4 و 5، و في البحار: 104/ 196 ح 6 عن قرب الإسناد.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 280

فأعتق عبداً و نوى التكفير لم يجزئ عن واحد منها. و في المتعدّد من نوع

واحد يكفي قصد النوع، و لا يحتاج إلى تعيين آخر، فلو أفطر أيّاماً من شهر رمضان من سنة أو سنين، فأعتق عبداً لكفّارة الإفطار كفى و إن لم يعيّن اليوم الذي أفطر فيه، و كذلك بالنسبة إلى الصيام و الإطعام. و لو كان عليه كفّارة و لا يدري نوعها مع علمه باشتراكها في الخصال مثلًا كفى الإتيان بإحداها ناوياً عمّا في ذمّته، بل لو علم أنّ عليه إعتاق عبد مثلًا و لا يدري أنّه منذور، أو عن كفّارة كفى إعتاق عبد بقصد ما في ذمّته (1).

______________________________

(1) يعتبر في الخصال الثلاث المعروفة أعني العتق و الصيام و الإطعام النيّة الجامعة لأربعة أشياء: قصد أصل الفعل و إرادته، و قصد القربة المعتبر في العبادات، و قصد كونه عن الكفّارة، و قصد تعيين نوعها لو كانت عليه أنواع متعدّدة، و فرّع على الأخير أنّه لو كانت عليه كفّارة ظهار، و يمين، و إفطار يوم من شهر رمضان، فأعتق عبداً بنيّة الكفّارة من دون تعيين النوع لم يجزئ عن واحد منها؛ لعدم التعيّن إلّا بقصد التعيين، كإتيان أربع ركعات مثلًا من دون قصد الظهريّة و العصريّة.

نعم، لو كان النوع واحداً و الأفراد متعدّدة، كما إذا أفطر في شهر رمضان متعدّداً و لو كان في سنتين أو أزيد، فإذا أعتق عبداً لكفّارة الإفطار يكفي و لو لم يعيّن اليوم الذي أفطر فيه، فضلًا عمّا إذا لم يكن معلوماً عنده، و هكذا الحال بالنسبة إلى الصيام و الإطعام، فإنّه لا بدّ من التعيين فيهما.

و لو كان عليه كفّارة و لا يدري نوعها مع العلم بالاشتراك في الخصال كفى الإتيان بإحداها ناوياً عمّا في ذمّته، كما إذا علم بأنّ عليه قضاء صلاة

رباعيّة، و لكن لم يعلم أنّها ظهر أو عصر أو عشاء، فإنّه يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة بنيّة ما في

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 281

[مسألة 3: يتحقّق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة بعدم الرقبة]

مسألة 3: يتحقّق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة بعدم الرقبة، أو عدم التمكّن من شرائه، أو غير ذلك ممّا هو مذكور في الفقه، و يتحقّق العجز عن الصيام الموجب لتعيّن الإطعام بالمرض المانع منه، أو خوف زيادته، بل حدوثه إن كان لمنشإ عقلائي، و بكونه شاقّاً عليه بما لا يتحمّل، و هل يكفي وجود المرض، أو خوف حدوثه، أو زيادته في الحال و لو مع رجاء البرء و تبدّل الأحوال، أو يعتبر اليأس؟ وجهان، بل قولان، لا يخلو أوّلهما من رجحان. نعم، لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال إلى الإطعام، و لو أخّر الإطعام إلى أن برئ من المرض و تمكّن من الصوم تعيّن و لم يجزئ الإطعام (1).

______________________________

الذمّة، و في مثل هذه الموارد لا مجال للزوم التكرار، نظراً إلى العلم الإجمالي، و ذلك لعدم الدليل على اعتبار النيّة أزيد ممّا ذكر، بل في المتن أنّه لو علم أنّ عليه إعتاق عبد مثلًا و لكن لم يعلم أنّ وجوب ذلك هل هي لأجل كونه منذوراً بنفسه، أو كفّارة عمّا يكون العتق كفّارة له؟ كفى الإعتاق الواحد بنيّة ما في الذمّة، و الوجه فيه ما ذكرنا.

(1) قد عرفت أنّه مع العجز عن العتق يسقط التكليف به في المرتّبة، و في صورة الجمع، و أمّا في المخيّرة فيتحقّق الانتقال إلى غيره، و الكلام هنا إنّما هو في أنّه بماذا يتحقّق العجز؟ فاعلم أنّه يتحقّق بعدم الرقبة، كما في زماننا هذا، سيّما مثل بلادنا،

أو عدم القدرة الماليّة على شرائه، أو عدم رضى المالك ببيعه، أو بمثل ذلك، هذا بالإضافة إلى العتق.

و أمّا الصيام فيتحقّق العجز عنه بالمرض الموجود المانع منه، أو خوف زيادته،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 282

[مسألة 4: ليس طروّ الحيض و النفاس موجباً للعجز عن الصيام و الانتقال إلى الإطعام]

مسألة 4: ليس طروّ الحيض و النفاس موجباً للعجز عن الصيام و الانتقال إلى الإطعام، و كذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار؛ لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك (1).

______________________________

أو خوف حدوثه إن كان له منشأ عقلائي، و الجامع أن يكون الصوم شاقّاً عليه بما لا يتحمّل في العادة.

و هل يكفي وجود شي ء من الأُمور المذكورة في الحال و لو مع رجاء البرء و تبدّل الأحوال، أو يعتبر اليأس الكلّي؟ فيه وجهان، بل قولان، نفى خلوّ أوّلهما من رجحان إلّا فيما إذا كان رجاء البرء بعد زمان قصير، فإنّه يشكل الانتقال إلى الإطعام، و الوجه في المستثنى منه أنّ الملاك في أمثال المقام هي الحالة الفعليّة، لا اليأس الكلّي الذي قلّ ما يمكن أن يتحقّق، و الوجه في الاستثناء أنّه إذا كان رجاء البرء بعد زمان قصير لا يحكم العرف في مثله بتحقّق العجز الموجب للانتقال إلى الإطعام، كما أنّه في المستثنى منه لو أخّر الإطعام مع جوازه إلى أن برئ من المرض و تمكّن من الصيام لا يجوز له الإطعام بعد كونه في الرتبة المتأخّرة عنه، كما لا يخفى.

(1) لا يكون طروّ الحيض و النفاس موجباً للعجز عن الصيام باعتبار إخلالهما بالتتابع حتّى يتحقّق الانتقال إلى الإطعام، و كذا عروض الاضطرار على السفر الموجب للإفطار؛ لما سيأتي في بعض المسائل الآتية «1» من عدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك، مع أنّ الحيض يتحقّق غالباً في كلّ شهر و

لو مرّة، فإذا فرض قدحه في التتابع يلزم أن لا تقدر المرأة عليه نوعاً، مع أنّ الأمر ليس كذلك.

______________________________

(1) أي في مسألة 8.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 283

[مسألة 5: المعتبر في العجز و القدرة هو حال الأداء لا حال الوجوب]

مسألة 5: المعتبر في العجز و القدرة هو حال الأداء لا حال الوجوب، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام، فلم يعتق حتّى انعكس صار فرضه الصيام و سقط عنه وجوب العتق (1).

[مسألة 6: لو عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم و لو ساعة من النهار]

مسألة 6: لو عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم و لو ساعة من النهار، ثمّ وجد ما يعتق لم يلزمه العتق، فله إتمام الصيام و يجزئ، و في جواز رفع اليد عن الصوم و اختيار العتق وجه، بل الظاهر أنّه أفضل، و لو عرض ما يوجب استئنافه بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه. و كذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام، فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز (2).

______________________________

(1) المناط في القدرة و العجز ليس حال وجوب الكفّارة، بل حال أداء الواجب و الإتيان به، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق و عاجزاً عن الصيام، فلم يتحقّق العتق حتّى انعكس الأمر صار فرضه الصيام و سقط عنه وجوب العتق؛ لأنّ المفروض عدم القدرة على الثاني و ثبوتها بالإضافة إلى الأوّل، و لا مجال لتوهّم وجوب العتق حينئذٍ مع عدم القدرة عليه، كما هو ظاهر.

(2) لو عجز عن العتق في الكفّارة المرتّبة فشرع في الصوم الذي انتقلت إليه وظيفته في صورة العجز عن العتق، كما هو كذلك في الكفّارة المرتّبة، ثمّ وجد ما يعتق و لو بعد ساعة من النهار الذي شرع في الصيام فيه، فهنا أمران:

أحدهما: عدم لزوم العتق و جواز إتمام الصيام و الاكتفاء بذلك في الكفّارة، و يكفي فيه الاستصحاب الدالّ على بقاء حكم ما كان ثابتاً قبل الشروع.

ثانيهما: جواز رفع اليد عن

الصوم و اختيار العتق، و في المتن فيه وجه، بل

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 284

[مسألة 7: يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات]

مسألة 7: يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات، و الحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط، فلا يجوز تخلّل الإفطار و لا صوم آخر بين أيّامها و إن كان لكفّارة أُخرى؛ من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره، أو مخيّراً، أو جمعاً، و كذا بين ما وجب فيه شهران، أو ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين، و متى أخلّ بالتتابع وجب الاستئناف. و يتفرّع على وجوبه أنّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر واجب في زمان معيّن بين أيّامه، فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معيّن مثلًا نذر صومه بيوم أو يومين لم يجزئ و وجب استئنافه (1).

______________________________

الظاهر أنّه أفضل، و الوجه فيه أنّ الوظيفة الأوّلية كانت هي العتق، غاية الأمر أنّه مع الاعتقاد بالعجز عنها انتقل إلى الصيام، فإذا بان الخلاف لا مانع من الرجوع إلى الوظيفة الأوّلية، لكن لا يتعيّن عليه ذلك، و إلّا يلزم الرجوع قبل انتهاء شهرين متتابعين و لو بيوم واحد، و هو واضح البطلان. و لو عرض ما يوجب استئنافه، بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع تعيّن عليه العتق مع القدرة عليه؛ لفرض بطلان التتابع و صيرورة الأمر كالأوّل و عند عدم الشروع. و كذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام، فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز و حصلت القدرة على الصيام.

(1) يجب التتابع في الصيام بالمعنى الآتي في جميع الكفّارات، من غير فرق بين المرتّبة و المخيّرة و ما يجب فيه الجمع، و كذا من

دون فرق بين الشهرين، و بين ثلاثة أيّام، و يترتّب عليه أنّه متى أخلّ بالتتابع يجب الاستئناف من رأس ليحصل التتابع، و يتفرّع على وجوبه أنّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 285

[مسألة 8: إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار]

مسألة 8: إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار، فلو وقع لعذر كالإكراه، أو الاضطرار، أو المرض، أو الحيض، أو النفاس لم يضرّ به، و منه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضروريّاً دون غيره، و كذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها؛ بأن تذكّر بعد الزوال. و كذا الحال فيما إذا كان تخلّل صوم آخر لا بالاختيار، كما إذا نسي فنوى صوماً آخر و لم يتذكّر إلّا بعد الزوال، و منه ما إذا نذر صوم كلّ خميس مثلًا ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فلا يضرّ تخلّل المنذور، و لا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة، و لا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة. نعم، في صوم ثلاثة أيّام يخلّ تخلّله في المفروض، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها. نعم، لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع، كما إذا نذر الصيام يوماً و يوماً لا، فلا يضرّ

______________________________

صوم آخر واجب معيّن كصوم شهر رمضان بينه.

و يدلّ عليه ما رواه المشايخ الثلاثة، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: فإن ظاهر في شعبان و لم يجد ما يعتق؟ قال: ينتظر حتّى يصوم شهر رمضان ثمّ يصوم شهرين متتابعين، و إن ظاهر و هو مسافر انتظر حتّى يقدم «1».

لكن جريان هذا الحكم بالإضافة إلى ما يجب فيه صوم ثلاثة أيّام

مبنيّ على الاحتياط؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد ثلاثة أيّام متواليات، فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 156 ح 12، تهذيب الأحكام: 8/ 17 ح 53 وص 322 ح 1193، الاستبصار: 3/ 267 ح 957، الفقيه: 3/ 343 ح 1648، و عنها الوسائل: 22/ 364، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 4 ح 1، و في البحار: 104/ 172 ح 15 و 16 و مستدرك الوسائل: 15/ 411، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 4 ح 18662 عن نوادر ابن عيسى: 64 ح 131.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 286

التخلّل به (1).

[مسألة 9: يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة مرتّبة كانت أو مخيّرة صيام شهر و يوم متتابعاً]

مسألة 9: يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة مرتّبة كانت أو مخيّرة صيام شهر و يوم متتابعاً، و يجوز التفريق في البقيّة و لو اختياراً لا لعذر، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفّارة يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم، و لا يجوز له الاقتصار على شعبان، و كذا يجوز الشروع قبل الأضحى بواحد و ثلاثين يوماً، و لا يجوز قبله بثلاثين (2).

______________________________

(1) إنّما يقدح في التتابع المعتبر في الصيام على ما عرفت في المسألة السابقة الإفطار الواقع في البين عن اختيار، فلو وقع لعذر كالموارد المذكورة في المتن لم يضرّ بالتتابع، و منه ما إذا عرض له السفر الضروري؛ كالسفر لعلاج مرض لا يعالج إلّا فيه، و أيضاً منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها؛ كما إذا ارتفع نسيانه بعد الزوال.

و في المتن قد فصّل في مثل نذر كلّ خميس مثلًا بين ما إذا كان الواجب عليه صوم شهرين متتابعين، فلا يخلّ تخلّل المنذور، و لا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة، و لا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة،

و بين ما إذا كان الواجب عليه صيام ثلاثة أيّام، فاللازم الشروع فيها بحيث لم يتخلّل المنذور بينها، كما عرفت في بعض المسائل السابقة، و استثنى منه ما إذا كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع، كما إذا نذر صوماً يوماً و يوماً لا، فلا يضرّ التخلّل به، و الوجه في جميع الصور لزوم الجمع بين رعاية التتابع و المنذور، و في صوم شهرين متتابعين مع ملاحظة النذر المذكور لا يمكن بغير هذا النحو المستلزم للقول بعدم إخلال توسّط النذر و العمل به، و هذا بخلاف ثلاثة أيّام إلّا في الفرض الذي ذكر في المتن، فتدبّر جيّداً.

(2) الأصل في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمّد بن مسلم المتقدّم؛ و هي ما

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 287

[مسألة 10: من وجب عليه صيام شهرين، فإن شرع فيه من أوّل الشهر يجزئ هلاليّان و إن كانا ناقصين]

مسألة 10: من وجب عليه صيام شهرين، فإن شرع فيه من أوّل الشهر يجزئ هلاليّان و إن كانا ناقصين، و إن شرع في أثنائه ففيه وجوه، بل أقوال، أوجهها تكسير الشهرين و تتميم ما نقص، فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة؛ من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما، و الأحوط صيام ستّين يوماً، و لو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً يتعيّن ذلك و يجب الستّين (الستون ظ) (1).

______________________________

رواه عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: فإن ظاهر في شعبان و لم يجد ما يعتق؟ قال: ينتظر حتّى يصوم شهر رمضان، ثمّ يصوم شهرين متتابعين، و إن ظاهر و هو مسافر انتظر حتّى يقدم.

و أمّا جواز التفريق و لو اختياراً لو صام شهراً و يوماً متتابعاً بالإضافة إلى بقيّة المدّة، فيدلّ

عليه مثل صحيحة جميل بن درّاج، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفّارة؟ إلى أن قال: قلت: فإن صام فمرض فأفطر أ يستقبل، أو يتمّ ما بقي عليه؟ قال: إن صام شهراً ثمّ مرض استقبل، فإن زاد على الشهر يوماً أو يومين بنى عليه، الحديث «1».

و من الظاهر أنّه لا يكون المراد من قوله: «إن صام شهراً» إلّا صيام شهر أو أقلّ في مقابل الزيادة يوماً أو يومين أو أكثر، كما أنّه لا اختصاص لذلك بكفّارة الظهار، بل المراد الكفّارة التي تشتمل على صيام شهرين متتابعين ظهاراً كانت أو غيرها.

(1) من وجب عليه صيام شهرين؛ سواء كان الوجوب بعنوان الكفّارة، أو

______________________________

(1) الكافي: 6/ 155 ح 10، الفقيه: 3/ 343 ح 1647، تهذيب الأحكام: 8/ 9 ح 28، و عنها الوسائل: 22/ 363، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الإيلاء ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 288

..........

______________________________

بعنوان النذر مثلًا، إن شرع فيه من أوّل شهر لا إشكال في أنّه يجزئ هلاليّان و إن كانا ناقصين؛ لصدق عنوان الشهرين حقيقة، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الشهر في الشرع عبارة عن الشهر الهلالي كما هو المسلّم في شهر رمضان.

نعم، ذكرنا في كتاب الخمس الذي يكون من الأُمور المتعلّقة له ما يفضل عن مئونة السنة من الأرباح أنّه لا يبعد أن يكون المراد بالسنة هي الشمسيّة المشتملة على جميع الفصول الأربعة «1» التي يختلف الناس فيها بالنظر إلى الأرباح، لكن هذا يختصّ بباب الخمس و لا يجري في سائر الأبواب.

و كيف كان، فمع الشروع من أوّل الشهر في مفروض المسألة لا إشكال في الاجتزاء بالهلاليّين مطلقاً. و إن

شرع في أثناء الشهر ففيه أقوال:

أحدها: ما وصفه المحقّق في الشرائع بأنّه أشبه «2»، و هو أنّه إن صام بعض الشهر و أكمل الثاني اجتزأ به و إن كان ناقصاً، و يكمل الأوّل ثلاثين.

ثانيها: تتميم ما فات من الشهر الأوّل من الشهر الثالث؛ لأنّه أقرب إلى الشهر الحقيقي.

ثالثها: انكسار الشهرين بانكسار الأوّل؛ لأنّ الثاني لا يدخل حتّى يكمل الأوّل، فيتمّ من الثاني الذي يليه ثلاثين أو مقدار ما فات منه، و يتمّ الثاني من الذي يليه كذلك.

و الظاهر أنّ ما جعله في المتن أوجه الأقوال هو القول الثاني، و فرّع عليه أنّه لو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة، من غير فرق بين نقص

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 120.

(2) شرائع الإسلام: 3/ 75.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 289

..........

______________________________

الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما، و قد جعله صاحب الجواهر هو الأشبه «1»، و الوجه فيه أنّ عنوان الشهر الثاني باق بحاله، غاية الأمر أنّه فات منه مقدار ما نقص من الشهر الأوّل، فيجب تتميمه.

و ذكر صاحب الجواهر أنّ الثمرة بين الأقوال تظهر فيما لو صام من آخر رجب يوماً و هو ناقص، ثمّ أتبعه بشعبان و هو كذلك، فيقضي تسعة و عشرين من شوّال على الأوّل، و ناقصاً منه بواحد على الثاني، و ينتفي التتابع على الثالث في محلّ الفرض؛ لكون الذي صامه ثلاثين و هو نصف ما عليه، و في غيره بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً، لكن إطلاق ما يظهر من صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة عن الصادق عليه السلام «2» من صحّة التتابع فيمن صام شعبان

في الظهار إذا كان قد زاد يوماً يتمّ على مختار المصنّف؛ يعني صاحب الشرائع، أمّا على انكسارهما و إتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتمّ إلّا في صورة تمام الشهرين، أمّا إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتمّ؛ لعدم حصول الزيادة «3».

قلت: و الظاهر هو ما في المتن، و الصحيحة محمولة على الغالب من تماميّة الشهر نوعاً. و لكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي صيام ستّين يوماً؛ للعلم بتحقّق شهرين شرعيّين معه كما لا يخفى.

و لو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً، كما عرفت موارده فيما تقدّم من المسألة الثامنة، ففي المتن يتعيّن ذلك و يجب الستّين (الستّون ظ)،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 32/ 249 و ج 33/ 280.

(2) الكافي: 4/ 139 ح 5، الفقيه: 2/ 97 ح 437، تهذيب الأحكام: 4/ 283 ح 857، و عنها الوسائل: 10/ 375، كتاب الصيام، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 4 ح 1.

(3) جواهر الكلام: 33/ 280.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 290

[مسألة 11: يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين و التسليم إليهم]

مسألة 11: يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين و التسليم إليهم، و يجوز إشباع بعض و التسليم إلى آخر، و لا يتقدّر الإشباع بمقدار، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلَّ أو كثر. و أمّا في التسليم فلا بدّ من مدّ لا أقلّ، و الأفضل بل الأحوط مدّان، و لا بدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة، فلا يجزئ إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين، أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين، و لا يجب الاجتماع لا في التسليم و لا في الإشباع، فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة و لو كان هذا

في سنة و ذاك في سنة أُخرى لأجزأ و كفى (1).

______________________________

و يمكن الالتزام فيه بهذا القول أيضاً، فإنّها لو كانت حائضة في الثلاثة الاولى من الشهر يجب عليها التتميم بهذا المقدار من الشهر الثالث.

(1) إذا أراد إطعام المساكين الستّين، أو العشرة كما في كفّارة اليمين على ما عرفت «1» فهو مخيّر بين إشباع الكلّ، أو التسليم إليهم، أو التبعيض، و لا شبهة في أنّه لا يكفي أقلّ من مدّ في التسليم، بل في جملة من الروايات مدّ:

كصحيحة محمّد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال اللّٰه عزّ و جلّ لنبيّه صلى الله عليه و آله يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ ... قَدْ فَرَضَ اللّٰهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمٰانِكُمْ «2» فجعلها يميناً، و كفّرها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، قلت: بما كفّر؟ قال: أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، قلنا: فمن وجد الكسوة؟ قال: ثوب يواري به

______________________________

(1) في ص 230 231 و 273.

(2) سورة التحريم: 66/ 1- 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 291

[مسألة 12: الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة]

مسألة 12: الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة، و إن كان

______________________________

عورته «1». و في بعض الروايات مدّان «2»، لكنّها محمولة على الاستحباب، كما أنّه مقتضى الاحتياط الاستحبابي.

و العمدة كما في المتن أنّه لا بدّ من إكمال العدد من ستّين أو عشرة، فلا يجزئ إشباع ثلاثين، أو التسليم إليهم مرّتين، و كذلك إشباع خمسة أو التسليم إليهم هكذا و إن كان في بعض الروايات الجواز في صورة عدم وجدان العدد، كموثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لم يجد في الكفّارة إلّا

الرجل و الرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً «3».

ثمّ إنّه لا يجب الاجتماع و لا يعتبر، لا في صورة اختيار التسليم و لا في فرض اختيار الإشباع، فلو أطعم ستّين مسكيناً و لو في غير زمان واحد، بل في أوقات متفرّقة و لو لم تكن من سنة واحدة، بل في سنتين أو أزيد، لكن لا بمقدار يعدّ أمرين مختلفين لأجزأ و كفى؛ لعدم الدليل على اعتبار الاجتماع و لا زمان واحد، كما هو غير خفيّ.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 452 ح 4، تهذيب الأحكام: 8/ 295 ح 1093، الاستبصار: 4/ 51 ح 176، نوادر ابن عيسى: 59 ح 115، و عنها الوسائل: 22/ 380، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14 ح 1، و في البحار: 104/ 242 ح 145 و مستدرك الوسائل: 15/ 417، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الإيلاء ب 11 ح 18685 عن نوادر ابن عيسى.

(2) تهذيب الأحكام: 8/ 23 ح 75، و عنه الوسائل: 22/ 382، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14 ح 6.

(3) الكافي: 7/ 453 ح 10، تهذيب الأحكام: 8/ 298 ح 1102، الاستبصار: 4/ 53 ح 184، و عنها الوسائل: 22/ 386، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 16 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 292

الأفضل إشباعه في يومه و ليله غداةً و عشاءً (1).

[مسألة 13: يجزئ في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي و التقوّت به لغالب الناس]

مسألة 13: يجزئ في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي و التقوّت به لغالب الناس؛ من المطبوخ و ما يصنع من أنواع الأطعمة، و من الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه؛ من حنطة أو شعير أو ذرّة أو دخن و غيرها، و

إن كان بلا إدام. نعم، الأحوط في كفّارة اليمين و ما كانت كفّارته كفّارتها عدم كون الإطعام بل و التسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم، و إن كان الاجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة. و الأفضل أن يكون مع الإدام، و هو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً و إن كان خلّاً أو ملحاً أو بصلًا، و كلّ ما كان أفضل كان أفضل. و في التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ و مطبوخ؛ من الحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و الأرز و غير ذلك، و الأحوط الحنطة أو دقيقها، و يجزئ التمر و الزبيب تسليماً و إشباعاً (2).

______________________________

(1) لا ينبغي الإشكال في أنّ الإطعام المأمور به بعنوان الكفّارة يتحقّق بالإشباع و لو مرّة واحدة، لكن الأفضل الإشباع في يومه و ليلته غداةً و عشاءً، و في رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: في كفّارة اليمين يعطى كلّ مسكين مدّاً على قدر ما يقوت إنساناً من أهلك في كلّ يوم، إلخ «1».

(2) قد ورد في الآية الشريفة الواردة في كفّارة اليمين قوله تعالى مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ «2». و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في قول اللّٰه

______________________________

(1) تفسير العيّاشي: 1/ 337 ح 171، و عنه الوسائل: 22/ 382، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14 ح 8 و بحار الأنوار: 104/ 225 ح 46.

(2) سورة المائدة: 5/ 89.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 293

[مسألة 14: التسليم إلى المسكين تمليك له]

مسألة 14: التسليم إلى المسكين تمليك له، فيملك ما قبضه و يفعل به ما شاء، و لا يتعيّن عليه

صرفه في الأكل (1).

______________________________

عزّ و جلّ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قال: هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ، و منهم من يأكل أكثر من المدّ، و منهم من يأكل أقلّ من المدّ، فبين ذلك، و إن شئت جعلت لهم أُدماً و الأُدم أدناه الملح، و أوسطه الخلّ و الزيت، و أرفعه اللحم «1».

و الرواية دالّة على أنّ الآية الشريفة كما تكون ناظرة إلى كيفيّة الطعام، كذلك تكون ناظرة إلى الكمّية و أنّ الأوسط هو مدّ واحد، و يدلّ على هذا المضمون طائفة من الروايات «2».

ثمّ إنّ كلمة «الإطعام» دالّة على طعام مطبوخ و إن كان الطعام مستعملًا بنفسه في الحنطة أو مع الشعير غير المطبوخين، و إن كان الظاهر أنّه لا إشكال في إجزاء التمر و الزبيب تسليماً و إشباعاً و إن كانا غير مطبوخين، فيظهر من جميع ذلك أنّ الملاك هو ما يتحقّق به الإشباع و إن كان خبزاً من دون إدام أو تمراً أو زبيباً، كما هو ظاهر، و يكفي في الإدام مجرّد الملح أو ما هو مثله.

(1) قد عرفت في المسألة الحادية عشر أنّه يتخيّر في الإطعام الواجب بعنوان الكفّارة بين الإشباع و بين التسليم، فاعلم أنّ التسليم إلى المسكين ليس مجرّد إباحة التصرّف الموجبة لجريان أحكام الإباحة عليها و لو فرض لزومها، بل هو في

______________________________

(1) الكافي: 7/ 453 ح 7، تهذيب الأحكام: 8/ 297 ح 1098، الاستبصار: 4/ 53 ح 183، و عنها الوسائل: 22/ 381، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 22/ 380، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 294

[مسألة 15: يتساوى الصغير و الكبير إن كان التكفير بالتسليم]

مسألة 15: يتساوى الصغير و الكبير إن كان التكفير بالتسليم، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير و إن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه. و كذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار، فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار و صغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً، و إن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً، و الظاهر أنّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ (1).

______________________________

الحقيقة تمليك لازم، فيملك المسكين ما قبضه و يفعل به ما يشاء، و لا يتعيّن عليه صرفه في الأكل كما لو كانت الملكيّة الكذائيّة ثابتة له من غير جهة الكفّارة.

(1) إذا كان التكفير بالتسليم الذي أحد فردي الواجب التخييري يتساوى الصغير و الكبير في ذلك، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير و إن كان اللازم في الصغير هو التسليم إلى وليّه.

فهنا أمران:

أحدهما: التساوي و لزوم إعطاء الصغير مدّاً؛ لأنّ الواجب هو إعطاء ستّين مدّاً مكان الإشباع.

ثانيهما: لزوم التسليم إلى الوليّ؛ لعدم كون الصغير له القابليّة من هذه الجهة، كما استدلّ به المحقّق في الشرائع «1»، و كان قبضه كالعدم و قبوله بمنزلة عدم القبول.

و يدلّ على الأمر الأوّل رواية يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء،

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 78، المقصد الرابع، المسألة السادسة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 295

[مسألة 16: لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة و لو مع الاختيار]

مسألة 16: لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة و لو مع الاختيار؛ من غير فرق بين الإشباع و التسليم، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له

إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً، أو تسليم

______________________________

و النساء و الرجال، أو يفضّل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال: كلّهم سواء «1».

و موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّاً عليه السلام قال: من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً و كباراً فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير «2».

هذا إذا كان بنحو الإعطاء و التسليم.

و أمّا إذا كان بنحو الإشباع، فقد فصّل فيه بين ما إذا اختلط الصغار مع الكبار، فيكونون مثلهم، و بين ما إذا كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد، و لعلّ المنشأ رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا يجزئ إطعام الصغير في كفّارة اليمين، و لكن صغيرين بكبير «3» بعد الحمل على صورة الإعطاء بقرينة الرواية السابقة و إلغاء الخصوصيّة عن اليمين، و احتاط استحباباً بالاحتساب كذلك مطلقاً، ثمّ إنّه استظهر أنّه لا يعتبر في إشباع الصغار إذن الوليّ؛ لعدم الدليل على ذلك، مضافاً إلى أنّه ليس تصرّفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 8/ 297 ح 1101، الاستبصار: 4/ 53 ح 181، و عنهما الوسائل: 22/ 387، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 17 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام: 8/ 300 ح 1113، و عنه الوسائل: 22/ 387، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 17 ح 2.

(3) الكافي: 7/ 454 ح 12، تهذيب الأحكام: 8/ 297 ح 1100، الاستبصار: 4/ 53 ح 182، و عنها الوسائل: 22/ 387، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 17 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 296

ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم و إن وجد غيرهم (1).

[مسألة 17: لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، و إن تعذّر انتظر]

مسألة 17: لو تعذّر العدد في

البلد وجب النقل إلى غيره، و إن تعذّر انتظر. و لو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار، و يقتصر في التكرار على جميع الموجودين، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات، و لا يجوز التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرّة، و الأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم، و أن يكون في أيّام متعدّدة (2).

______________________________

(1) لا ينبغي الإشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة و لو في صورة الاختيار؛ من غير فرق بين الإشباع و التسليم؛ لعدم تبدّل عنوانه بذلك، و عدم الخروج عن هذا الوصف بإعطاء أزيد من مدّ، و المفروض كونه من كفّارات متعدّدة، و فرّع عليه أنّه لو أفطر تمام شهر رمضان و فرض كونه ثلاثين يوماً جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم و إن وجد غيرهم، و الوجه فيه ما ذكرنا.

(2) لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، و هل المراد أنّ جواز النقل إلى غير البلد يتوقّف على التعذّر في البلد، أو أنّ وجوب النقل إلى غيره إنّما هو لأجل كونه أحد فردي الواجب التخييري، فالتعيّن بسببه كما في سائر الموارد، و إلّا فأصل الجواز ثابت و لو مع عدم التعذّر في البلد، و الأوّل كما في زكاة الفطرة، بل مطلق الزكاة كما ربما يحتمل، و لكن الظاهر هو الثاني؛ لعدم الدليل على الأوّل.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد؛

ص: 296

و لو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار، و لكن لا بدّ من تشريك جميع الموجودين، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ليتحقّق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 297

[مسألة 18: المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة]

مسألة 18: المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة، و هو من لم يملك قوت سنته لا فعلًا و لا قوّة، و يشترط فيه الإسلام، بل الإيمان على الأحوط؛ و إن كان جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب لا يخلو من قوّة، و أن لا يكون ممّن تجب نفقته على الدافع، كالوالدين، و الأولاد، و الزوجة الدائمة دون المنقطعة، و دون سائر الأقارب و الأرحام حتّى الإخوة و الأخوات، و لا يشترط فيه العدالة، و لا عدم الفسق. نعم، لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء. و في جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان، لا يخلو الجواز من رجحان؛ و إن كان الأحوط

______________________________

الستّون، و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لم يجد في الكفّارة إلّا الرجل و الرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً «1»، و لا يجوز التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرّة مع وجود واحد آخر، و إلّا لكان اللازم جواز إعطاء واحد ستّين مرّة مع وجود تمام العدد و عدم نقصه في البلد، و من الظاهر أنّه خلاف غرض الشارع. نعم، مع عدم التمكّن من العدد الكامل لا محيص من التكرار بنحو عرفت.

و في الذيل احتاط وجوباً بالاقتصار على الإشباع دون التسليم؛ لأنّه أقرب إلى غرض الشارع،

و أن يكون في أيّام متعدّدة؛ لئلّا يختلط مع ما ذكرنا من أنّ الأفضل في الإطعام الواحد غذاؤه يوماً و ليلة، كما عرفت في المسألة الثانية عشر، مضافاً إلى دلالة الموثّقة على ذلك، فراجع.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 291.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 298

الاقتصار على مورد الاضطرار و الاحتياج التامّ الذي يحلّ معه أخذ الزكاة (1).

______________________________

(1) المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة كما في الآية الواردة في كفّارة اليمين «1» و النصوص الواردة في الكفّارات المختلفة «2» هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة «3»، و قد شاع أنّ الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا، و المراد به من لا يملك قوت سنة لا فعلًا و لا قوّةً.

و يشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط، و إن نفى الخلوّ عن القوّة بالإضافة إلى جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب.

قلت: قد مرّ في العتق أنّ المذكور في الكتاب في كفّارة قتل الخطأ هو قوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ «11». و قد مرّ أيضاً الاتّفاق على أنّ المراد بالإيمان هو الإسلام، و كذا قول صاحب الجواهر ممّا يرجع إلى عدم اختصاص ذلك بقتل الخطأ و الشمول لقتل العمد أيضاً «12».

و أمّا، هنا فقد ورد فيه موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستّين مسكيناً إلى أن قال: قلت: فيعطيه الضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال: نعم، و أهل الولاية أحبّ إليّ «13».

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 89.

(2) وسائل الشيعة: 22/ 380، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 14.

(3) راجع مسالك الأفهام: 10/ 101 و جواهر الكلام: 33/ 271.

(11) النساء: 4/ 92.

(12) قد مرّ

جميع ذلك في ص 278.

(13) تهذيب الأحكام: 8/ 298 ح 1103، الاستبصار: 4/ 53 ح 185، نوادر ابن عيسى: 59 ح 117، و عنها الوسائل: 22/ 388، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 18 ح 2، و في البحار: 104/ 242 ح 147 عن نوادر ابن عيسى، و في ص 224 ح 41 عن تفسير العيّاشي: 1/ 336 ح 166، و في مستدرك الوسائل: 15/ 422 ب 15 ح 2 و 3 عن النوادر و العيّاشي.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 299

..........

______________________________

و يدلّ على عدم جواز إعطاء الناصب رواية يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السلام في حديث الكفّارة قال: و يتمّم إذا لم يقدر على المسلمين و عيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممّن لا ينصب «1».

و يشترط أيضاً أن لا يكون المسكين ممّن تجب نفقته على الدافع؛ كالوالدين، و الأولاد، و الزوجة الدائمة واجبة النفقة على زوجها، معلّلًا له في الشرائع بأنّهم أغنياء بالدافع «2»، و أضاف إليه في الجواهر انسباق غيرهم من الأدلّة خصوصاً، مع ملاحظة قوله تعالى مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ «3» المشعر بكون المساكين غيرهم، و ملاحظة قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمن الوارد في الزكاة: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب، و الأُمّ، و الولد، و المملوك، و الزوجة «4»، «5» هذا و أمّا الزوجة غير الدائمة التي لا تجب نفقتها و سائر الأقارب كذلك، فيجوز إعطاء الكفّارة إليه حتّى الإخوة و الأخوات.

و لا يشترط فيه العدالة، و لا عدم الفسق؛ لعدم الدليل على الاشتراط. نعم، المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء لا يجوز دفع الكفّارة إليه؛ للاطمئنان بكونه

منافياً لغرض الشارع من عدم تقوية من كان متجاهراً بالفسق بالنحو المذكور، كما هو غير خفيّ.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 8/ 297 ح 1101، الاستبصار: 4/ 53 ح 185، و عنهما الوسائل: 22/ 388، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 18 ح 1.

(2) شرائع الإسلام: 3/ 79.

(3) سورة المائدة: 5/ 89.

(4) الكافي: 3/ 552 ح 5، تهذيب الأحكام: 4/ 56 ح 150، الاستبصار: 2/ 33 ح 101، و عنها الوسائل: 9/ 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 1.

(5) جواهر الكلام: 33/ 287.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 300

[مسألة 19: يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً]

مسألة 19: يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً؛ من غير فرق بين الجديد و غيره ما لم يكن منخرقاً، أو منسحقاً و بالياً بحيث ينخرق بالاستعمال، فلا يكتفى بالعمامة و القلنسوة و الحزام و الخفّ و الجورب، و الأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد، خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير، فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل و إن كان الأقوى جواز الاكتفاء به، و الأحوط أن يكون ممّا يواري عورته. و يعتبر فيها العدد كالإطعام، فلو كرّر على واحد بأن كساه عشر مرّات لم تحسب إلّا واحدة، و لا فرق في المكسوّ بين الصغير و الكبير، و الذكر و الأُنثى.

نعم، في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره كابن شهر أو شهرين إشكال، فلا يترك الاحتياط. و الظاهر اعتبار كونه مخيطاً فيما كان المتعارف فيه المخيطيّة دون ما لا يحتاج إلى الخياطة، فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط في الفرض لم يجزئ. نعم، الظاهر أنّه لا بأس بأن يدفع أُجرة الخياطة معه ليخيطه و يلبسه، و لا يجزئ إعطاء

لباس الرجال للنساء و بالعكس، و لا إعطاء لباس الصغير للكبير، و لا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها، و في الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال، إلّا إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها، و لو تعذّر تمام العدد كسا الموجود و انتظر الباقي. و الأحوط

______________________________

ثمّ إنّ في جواز إعطاء غير الهاشمي الكفّارة إلى الهاشميّ قولان، نفى خلوّ الجواز عن الرجحان، و الظاهر أنّ منشأه أنّه لا دليل على عدم الجواز، و لا يجوز القياس بباب الزكاة؛ لأنّه قياس محض. نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّ الأحوط الاقتصار على موضع الضرورة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 301

التكرار على الموجود، فإذا وجد الباقي كساه (1).

______________________________

(1) يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ممّا يعدّ لباساً عرفاً، و ليس المراد باللباس معناه الأعمّ الصادق على مثل لبس العمامة و القلنسوة، بل على مثل الخاتم الذي يستعمل فيه اللبس في لغة العرب، فيقال: لبس الخاتم فضلًا عن مثل العمامة و الجورب ممّا يعدّ لباساً و يستعمل فيه كلمة اللبس، فيقال: لبس العمّامة و الجورب بل على النعل أيضاً، بل المراد به معناه الخاصّ العرفي، من دون فرق بين الجديد و غيره ما لم يكن منخرقاً، أو منسحقاً بحيث ينخرق بالاستعمال لكثرته أو لجهة أُخرى، هذا بالنظر إلى الكيفيّة.

و أمّا بالنظر إلى الكمّية، فاحتاط استحباباً عدم الاكتفاء بثوب واحد، خصوصاً بمثل السراويل، سيّما إذا كان قصيراً، أو القميص القصير المتداول بين الأعاجم، فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل و إن قوّى جواز الاكتفاء به، لكنّه احتاط أن يكون ممّا يواري عورته، و قد وردت في هذا الباب طائفة من

الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: كفّارة اليمين إلى أن قال: قلنا: فمن وجد الكسوة؟ قال: ثوب يواري عورته «1». و الظاهر أنّ المراد العورتان، لا العورة الواحدة.

و في رواية معمر بن عمر (عثمان خ ل) قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عمّن وجب عليه الكسوة في كفّارة اليمين؟ قال: هو ثوب يواري به عورته «2»، و مثلهما روايات أُخرى

______________________________

(1) تقدّمت في ص 290.

(2) الكافي: 7/ 453 ح 6، نوادر ابن عيسى: 61 ح 123، تهذيب الأحكام: 8/ 295 ح 1094، الاستبصار: 4/ 51 ح 177، و عنها الوسائل: 22/ 384، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 15 ح 1، و في البحار: 104/ 243 ح 153 و مستدرك الوسائل: 15/ 420، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 12 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 302

..........

______________________________

في إسناد بعضها ضعف بالإرسال «1»، هذا بالإضافة إلى أصل الكسوة من جهة الكيفيّة و الكمّية.

و أمّا بالنظر إلى العدد، فيعتبر فيه ما يعتبر في الإطعام من عشرة أفراد، فلو كرّر على واحد بأن كساه عشر مرّات لم تحسب إلّا واحدة. نعم، قد عرفت «2» في الإطعام أنّه مع تعذّر العدد مطلقاً في البلد و غيره يكفي الإطعام مرّات تبلغ العدد المعتبر، و اللازم هنا أيضاً ذلك مقيّداً بصورة التعذّر، كما في الرواية الدالّة على هذا الأمر ممّا مرّ «3».

و أمّا بالنظر إلى المكسوّ، فلا فرق بين الصغير و الكبير، و الذكر و الأُنثى. نعم، لو كان الصغير في أوائل ولادته؛ مثل من مضى من عمره شهر أو شهران أو مثلهما يشكل الاكتفاء بكسوته، لانسياق غيره من

الآية «4» و الأدلّة الأُخرى، فلا يترك الاحتياط كما في المتن.

ثمّ إنّ اللباس قد يكون المتعارف فيه المخيطيّة، و قد لا يكون المتعارف فيه ذلك، ففي الأوّل لا بدّ من تسليم الثوب إليه مع هذا الوصف، و إن سلّمه بدونه كما لعلّه الأحسن؛ لاختلاف الأشخاص من هذه الجهة طولًا و قصراً، سميناً أو غيره فلا بدّ من دفع أُجرة الخياطة معه ليخيطه و يلبسه على نحو لباس شخصه المتعارف.

ثمّ إنّه لا يجزئ إعطاء لباس الرجال للنساء و بالعكس، و المراد هي الألبسة المختصّة بهما عرفاً، لا الألبسة المشتركة؛ لأنّ المتبادر هو اللباس المناسب للمكسوّ، لا لباس آخر. نعم، لا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 22/ 385 كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، ب 15 ح 3 و 4، و مستدرك الوسائل: 15/ 419 420 ب 12 ح 1، 4 و 5.

(2) في ص 296 297.

(3) في ص 296 297.

(4) أي الآية 89 من سورة المائدة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 303

[مسألة 20: لا تجزئ القيمة في الكفّارة لا في الإطعام و لا في الكسوة]

مسألة 20: لا تجزئ القيمة في الكفّارة لا في الإطعام و لا في الكسوة، بل لا بدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً، و كذا في الكسوة لا بدّ من إعطائها. نعم، لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحقّ إذا كان ثقة، و يوكّله في أن يشتري بها طعاماً فيأكله أو يتملّكه، أو كسوة ليلبسها (1).

[مسألة 21: إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجزئ أن يكفّر بجنسين]

مسألة 21: إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجزئ أن يكفّر بجنسين؛ بأن يصوم شهراً و يطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان مثلًا، أو يطعم خمسة و يكسو خمسة مثلًا في كفّارة اليمين. نعم، لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو أطعم بعض العدد طعاماً خاصّاً، و بعضه غيره، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس و بعضهم من آخر، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضاً

______________________________

من الموادّ. نعم، استشكل في الإجزاء بالحرير المحض للرجال؛ لأنّه حرام عليهم، و المتبادر اللباس غير المحرّم، إلّا في صورة الجواز لمثل الضرورة.

ثمّ إنّه لو تعذّر العدد التامّ كسا الموجود و انتظر الباقي، و مقتضى الاحتياط التكرار على الموجود، فإذا وجد الباقي كساه، لكن عرفت أنّ المستفاد من رواية الإطعام الواردة في هذا المجال غير ذلك، إلّا أن يقال بالفرق بين الإطعام و بين الكسوة، و هو غير ظاهر.

(1) عدم إجزاء القيمة في الكفّارة لا في الإطعام و لا في الكسوة إنّما هو لأجل عدم كون القيمة عبارة عن الكفّارة؛ لعدم كونها إطعاماً و لا كسوة، بل قيمة كلّ واحد، فلا بدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً، و في الكسوة من بذل نفسها. نعم، إذا كان المستحقّ ثقة مأموناً لا مانع من أن يوكّله من عليه الكفّارة

في أن يشتري بها طعاماً ثمّ يأكل الطعام أو يتملّكه، و كذا في الكسوة ليلبسها.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 304

و يسلّم إلى بعض كما مرّ (1).

[مسألة 22: لا بدل للعتق في الكفّارة]

مسألة 22: لا بدل للعتق في الكفّارة؛ مخيّرة كانت أو مرتّبة، أو كفّارة الجمع، فيسقط بالتعذّر. و أمّا صيام شهرين متتابعين و الإطعام لو تعذّرا، ففي كفّارة شهر رمضان مع تعذّر جميع الخصال يتصدّق بما يطيق، و مع عدم التمكّن يستغفر اللّٰه، و يكفي مرّة، و الأحوط في هذه الصورة التكفير إن تمكّن بعد

______________________________

(1) إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجزئ أن يكفّر بجنسين؛ بأن يصوم شهراً و يطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان مثلًا، أو المثال الآخر المذكور في المتن؛ لأنّ التكفير بجنسين يوجب عدم تحقّق شي ء من العنوانين الواجبين بنحو الواجب التخييري، فإنّه في المثال الذي ذكرنا لا يصدق عنوان شهرين متتابعين، و لا عنوان إطعام ستّين مسكيناً، و كذا في المثال الآخر الذي هي كفّارة اليمين لا يصدق عنوان إطعام عشرة مساكين، و لا عنوان كسوتهم، و هما المأمور بهما في الآية الشريفة «1» بنحو التخيير. نعم، لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد من الكفّارة، كما لو أطعم بعض المساكين طعاماً و البعض الآخر غير ذلك الطعام، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس و البعض الآخر من الجنس الآخر، بل حيث إنّك عرفت «2» أنّه إذا أراد الإطعام يكون مخيّراً بين الإشباع و التسليم على ما تقدّم يجوز له الاقتصار على إشباع البعض و التسليم إلى الآخر، لعدم كون الإشباع و التسليم جنسين من الكفّارة الواجبة و لو على سبيل التخيير، بل كلاهما من جنس واحد، و هو الإطعام

______________________________

(1) أي في الآية

89 من سورة المائدة.

(2) في ص 290 291.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 305

ذلك، و في غيرها مع تعذّرها صام ثمانية عشر يوماً على الأقوى في الظهار؛ و على الأحوط في غيره، و الأحوط التتابع فيها، و إن عجز عن ذلك أيضاً صام ما استطاع، أو تصدّق بما وجد على الأحوط في شقّي التخيير، و مع العجز عنهما بالمرّة استغفر اللّٰه تعالى و لو مرّة (1).

______________________________

على ما عرفت تفصيل الكلام فيه «1»، فراجع.

(1) قد عرفت في أوّل كتاب الكفّارات أنّه متعذّر نوعاً في هذه الأزمنة، سيّما في بلادنا «2»، فاعلم أنّ لازم التعذّر سقوط التكليف به، و لم يجعل له بدل، لا في الكفّارة المخيّرة، و لا في الكفّارة المرتّبة، و لا في كفّارة الجمع، غاية الأمر أنّه في الأُولى يتعيّن عدله أو أحد عدليه، و في الكفّارة المرتّبة ينتقل إلى الرتبة المتأخّرة، و في الثالثة يسقط بالمرّة.

و أمّا التفصيل الذي ذكره بالإضافة إلى الصيام و الإطعام لو تعذّرا، فنقول: أمّا بالإضافة إلى الظهار فقد ورد فيه رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق، و لا ما يتصدّق، و لا يقوى على الصيام؟ قال: يصوم ثمانية عشر يوماً لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام «11».

و أمّا بالإضافة إلى مطلق الكفّارة، فقد ورد فيه أيضاً رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم، أو عتق، أو

______________________________

(1) في ص 290 291.

(2) في ص 277.

(11) تهذيب الأحكام: 8/ 23 ح 74، و عنه الوسائل: 22/ 372، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات

ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 306

..........

______________________________

صدقة في يمين، أو نذر، أو قتل، أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة، فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرم (حرمت خ ل) عليه أن يجامعها، و فرّق بينهما إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها «1».

و في مرسلة داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: إنّ الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفّارة «2».

و ظاهر الإطلاق كفاية الاستغفار و لو مرّة واحدة، و موردهما صورة العجز عن الكفّارة مطلقاً و عدم وجدان السبيل إلى شي ء منها.

بقي هنا أمران:

أحدهما: الاحتياط الاستحبابي في كفّارة شهر رمضان مع تعذّر جميع الخصال و الاستغفار مكانه؛ بأن يكفّر بعد ذلك إذا تمكّن، و الوجه فيه ما هو المذكور في كتاب الصوم.

ثانيهما: أنّه يمكن إلغاء الخصوصيّة من الدليل الوارد في الظهار، و الحكم بأنّ الصيام ثمانية عشر يوماً لا يختصّ بكفّارة الظهار، بل يجري في كلّ مورد يكون صيام ستّين ثابتاً، فإنّه مع العجز عنه يصوم تلك المدّة المذكورة، لكن الحكم مبنيّ على الاحتياط؛ لعدم وضوح إلغاء الخصوصية. و أمّا التتابع الذي حكم باحتياطه بالنسبة إلى صوم المدّة المذكورة، فمضافاً إلى كونه مقتضى الاحتياط بنفسه، يمكن أن يقال بدلالة الرواية أيضاً على ذلك عرفاً، كما هو غير خفيّ.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 461 ح 5، تهذيب الأحكام: 8/ 16 ح 50 وص 320 ح 1189، الاستبصار: 4/ 56 ح 195، و عنها الوسائل: 22/ 367، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 6 ح 1.

(2) تهذيب

الأحكام: 8/ 320 ح 1188، و عنه الوسائل: 22/ 368، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 6 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 307

[مسألة 23: الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع]

مسألة 23: الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع، فلا تجب المبادرة إليها، و يجوز التأخير ما لم يؤدّ إلى حدّ التهاون (1).

[مسألة 24: يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات الماليّة و أدائها]

مسألة 24: يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات الماليّة و أدائها، و يتولّى الوكيل النيّة إن كان وكيلًا في إخراجها، و إن كان وكيلًا في الإيصال إلى الفقير ينوي الموكّل حين دفع الوكيل إلى الفقير، و يكفي أن يكون من نيّته أنّ ما يدفع وكيله إلى الفقير كفّارة، و لا يلزم العلم بوقت الأداء تفصيلًا. و أمّا الكفّارات البدنيّة فلا يجزئ فيها التوكيل، و لا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلّا عن الميّت (2).

______________________________

(1) وجوب الكفّارات موسّع، فلا تجب المبادرة إليها؛ لعدم الدليل على الفوريّة، و يجوز التأخير غير المؤدّي إلى حدّ التهاون.

(2) الكفّارات على قسمين:

الأوّل: الكفّارات الماليّة الشاملة للعتق أيضاً، و يجوز التوكيل في إخراجها و أدائها. غاية الأمر أنّ الوكيل إن كان وكيلًا في الإخراج، كما إذا كان وكيلًا مطلقاً له و لأجله، حكم الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره بثبوت خيار المجلس له «1»، نظراً إلى أنّه بيّع، و إن كان المالك غيره يتولّى الوكيل النيّة. و أمّا إذا كان وكيلًا في مجرّد الإيصال إلى الفقير و الدفع إليه فالمتولّي للنية الموكّل، غاية الأمر أنّه لا يلزم أن يكون وقته معلوماً له تفصيلًا، كما هو كذلك نوعاً، بل يكفي أن ينوي أنّ ما يدفع وكيله إلى الفقير كفّارة.

______________________________

(1) كتاب المكاسب، تراث الشيخ الأعظم: 5/ 30 31.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 308

[مسألة 25: الكفّارات الماليّة بحكم الديون]

مسألة 25: الكفّارات الماليّة بحكم الديون، فلو مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال. و أمّا البدنيّة، فلا يجب على الورثة أداؤها، و لا إخراجها من التركة ما لم يوص بها الميّت، فتخرج من ثلثه. نعم، في وجوبها على الوليّ و هو الولد الأكبر احتمال قويّ فيما إذا تعيّن

على الميّت الصيام، و أمّا لو تعيّن عليه غيره بأن كانت مرتّبة و تعيّن عليه الإطعام فلا يجب على الوليّ. و لو كانت مخيّرة و كان متمكِّناً من الصيام و الإطعام، فلو أمكن الإخراج من التركة تخرج منها، و إلّا فالأحوط على الوليّ الصيام لو تلفت التركة أو أبي الورثة عن الإطعام (1).

______________________________

الثاني: الكفّارات البدنيّة كالصيام مثلًا، و الظاهر عدم جريان الوكالة و النيابة فيها؛ لأنّ النيابة مطلقاً على خلاف القاعدة لا يرجع إليها إلّا في موارد ثبوت الدليل، و لذا لا مانع من النيابة عن الميّت في هذا القسم، و قد فصّلنا الكلام في ذلك في بحث نيابة الحجّ التي هي الأصل في مسألة النيابة «1»، فراجع.

(1) الكفّارات الماليّة بحكم الديون، فلو مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال كالزكاة و الخمس، و ليس الفارق بينهما و بينها هو ثبوت احتمال الإشاعة فيهما دونها؛ لأنّ الحكم لا يكون مستنداً إلى ثبوت الإشاعة، بل يجري في الديون التي ليست فيها تلك أصلًا، فالكفّارات الماليّة تشترك مع جميع ذلك في الإخراج من الأصل.

و أمّا البدنيّة، فإن لم يوص بها الميّت وصيّة غير زائدة على الثلث فلا يجب على الورثة الأداء و الإخراج من التركة. نعم، في صورة الوصيّة الموصوفة بما ذكر يجب

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ: 2/ 13 14.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 309

..........

______________________________

على الورثة من باب لزوم العمل بالوصيّة.

نعم، فيما إذا تعيّن على الميّت الصيام و لم يتحقّق منه زمن حياته فقد احتمل في المتن قويّاً وجوبها على الولد الأكبر، الذي يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من الصلاة و الصيام؛ لعدم الفرق بعد فرض

الوجوب بنحو التعيّن.

و أمّا مع عدم التعيّن و تعيّن غيره من الكفّارات الماليّة، كما إذا كانت مرتّبة و تعيّن عليه الإطعام و لم يكن له تركة فرضاً، فلا يجب على الوليّ الإخراج من ماله. نعم، في الواجبات التي يجب عليه قضاؤها يجوز له الاستئجار لها، و لا يلزم عليه المباشرة.

و أمّا الكفّارات المخيّرة كالصيام و الإطعام، فقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا كان متمكِّناً من الإطعام و الصيام و أمكن الإخراج من التركة، فاللازم الإخراج منها؛ لعدم الفرق بينها و بين الكفّارات الماليّة المحضة، و إلّا فاحتاط وجوباً بأن يصوم الوليّ لو تلفت التركة، أو أبي الورثة عن الإطعام. و أولى منهما ما لو لم تكن له تركة أصلًا، إذ حينئذٍ يصير كالكفّارات البدنيّة المحضة، فتدبّر جيّداً.

هذا تمام الكلام بحمد اللّٰه في كتاب الكفّارات.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 311

[كتاب الصيد و الذباحة]

اشارة

كتاب الصيد و الذباحة

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 313

كتاب الصيد و الذباحة

[القول في الصيد]

اشارة

القول في الصيد كما يذكّى الحيوان و يحلّ لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعاً، يذكّى أيضاً بالصيد على النحو المعتبر، و هو إمّا بالحيوان أو بغيره، و بعبارة اخرى: الآلة التي يصاد بها إمّا حيوانيّة أو جماديّة، و يتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل (1).

[مسألة 1: لا يحلّ من صيد الحيوان و مقتوله إلّا ما كان بالكلب المعلّم]

مسألة 1: لا يحلّ من صيد الحيوان و مقتوله إلّا ما كان بالكلب المعلّم؛ سواء كان سلوقيّاً أو غيره، و سواء كان أسود أو غيره، فلا يحلّ صيد غيره من جوارح السباع؛ كالفهد و النمر و غيرهما، و جوارح الطير؛ كالبازي و العقاب و الباشق و غيرها، و إن كانت معلّمة، فما يأخذه الكلب المعلَّم و يقتله بعقره

______________________________

(1) تذكية الحيوان المترتّبة عليها عدم النجاسة و حلّية أكل اللحم فيما يحلّ أكله قد تكون بالذبح بالمعنى الأعمّ من النحر على النحو المعتبر شرعاً، و قد تكون بالصيد على النحو المعتبر كذلك، و الآلة التي يتحقّق بها الصيد قد تكون حيوانيّة كالكلب المعلّم على ما سيجي ء، و قد تكون جماديّة كبعض الآلات القتالة من البعيد على ما سيجي ء أيضاً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 314

و جرحه مذكّى حلال أكله من غير ذبح، فيكون عضّه و جرحه على أيّ موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه (1).

______________________________

(1) لا يحلّ من صيد الحيوان و مقتوله إلّا ما كان بسبب الكلب المعلّم؛ من دون فرق بين أن يكون سلوقياً أو غيره، و أن يكون أسود أو غيره، ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، أنّه قال: في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ «1» قال: هي الكلاب

«2».

و في بعض حواشي الوسائل «و ما علّمتم» أي صيد ما علّمتم بتقدير مضاف، فالواو للعطف على الطيّبات، أو الموصول مبتدأ يتضمّن معنى الشرط، و قوله: «فكلوا» خبره، و المشهور بين علمائنا «3» و المنقول في كثير من الروايات عن أئمّتنا عليهم السلام «4» أنّ المراد بالجوارح الكلاب، و أنّه لا يحلّ صيد غير الكلب إذا لم يدرك ذكاته، و الجوارح و إن كان لفظها يشمل غير الكلب، إلّا أنّ الحال عن فاعل «علَّمتم» أعني «مكلّبين» خصّصها بالكلاب، فإنّ المكلّب مؤدّب الكلاب للصيد، و ذهب ابن أبي عقيل إلى حلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد و النمر و غيرها «5»، فإطلاق المكلّبين باعتبار كون المعلّم في الغالب كلباً، و ما يدلّ على مذهبه من الأخبار لعلّها محمولة على التقيّة «6»، كما يدلّ عليه

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 4.

(2) الكافي: 6/ 202 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 22 ح 88، و عنهما الوسائل: 23/ 331، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 1 ح 1.

(3) مختلف الشيعة: 8/ 365 مسألة 62، مسالك الأفهام: 11/ 407، كفاية الأحكام: 245.

(4) وسائل الشيعة: 23/ 348، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 9.

(5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 8/ 365 مسألة 62.

(6) تهذيب الأحكام: 9/ 28 29، مختلف الشيعة: 8/ 368.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 315

..........

______________________________

رواية أبان «5»، «6».

و كيف كان، فيدلّ على عدم حلّية صيد غير الكلب المعلّم رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سأله عن صيد البزاة و الصقورة و الكلب و الفهد؟ فقال: لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه، إلّا الكلب المكلّب. قلت: فإن

قتله؟ قال: كُلْ؛ لأنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ ... فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1».

قال في مجمع البحرين وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ من كلّبته: علّمته الصيد، و الفاعل مكلّب، و هو الذي يُسَلّط الكلاب على الصيد، و الذي يعلّمها، و الكلّاب: صاحب الكلاب و الصائد بها، و نصب «مُكَلِّبِينَ» على الحال؛ أي في حال تكليبهم هذه الجوارح «2». و يظهر منه أنّ إطلاق المكلّب على الكلب إنّما هو بلحاظ كونه معلّماً للصيد غالباً، و يدلّ عليه توصيف الكلب بالمكلّب في الرواية المذكورة، فالجميع دليل على أنّه معنى وصفي لا اسم علمي و لو للجنس، و أنّ إطلاقه على غير المعلّم كان من باب المجاز و المسامحة.

و كيف كان، فالظاهر أنّ الآلة الحيوانيّة منحصرة بالكلب المعلّم، و لا تعمّ جوارح السباع و الطير و إن كانت معلّمة.

______________________________

(5) الكافي: 6/ 208 ح 8، تهذيب الأحكام: 9/ 32 ح 129، الاستبصار: 4/ 72 ح 265، الفقيه: 3/ 204 ح 932، و عنها الوسائل: 23/ 352، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 9 ح 12.

(6) وسائل الشيعة: 16/ 249 250، طبع المكتبة الإسلامية بطهران، مع تعليقات للشيخ أبو الحسن الشعراني رحمه الله.

(1) الكافي: 6/ 204 ح 9، تهذيب الأحكام: 9/ 24 ح 94، تفسير القمّي: 1/ 162، و عنها الوسائل: 23/ 332 333، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 1 ح 3، 4 وص 339 ب 3 ح 2 وص 348 ب 9 ح 1، و في البحار: 65/ 389 ح 44 عن تفسير العيّاشي: 1/ 294 ح 25.

(2) مجمع البحرين: 2/ 1585.

تفصيل الشريعة

- الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 316

[مسألة 2: يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد]

مسألة 2: يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد، و علامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل و يهيج إلى الصيد، لو أرسله صاحبه و أغراه به، و أن ينزجر و يقف عن الذهاب و الهياج إذا زجره. نعم، لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد و قربه منه. و الأحوط أن يكون من عادته التي لا تتخلّف إلّا نادراً أن يمسك الصيد و لا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة بيان الكلب المعلّم و اتّصافه به، فقد ذكر فيها أنّ علامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم وجود المانع أن يسترسل بنفسه و يهيج إلى جانب الصيد لو أرسله صاحبه و أغراه به و حرّكه عليه، و أن ينزجر عن الذهاب و الهياج إذا زجره صاحبه كأنّه مأمور على طبق أمره. نعم، إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد و صيرورته قريباً منه لا يقدح ذلك في الاتّصاف المذكور؛ لأنّه في هذه الحالة كأنّه يصير بلا إرادة و لا اختيار؛ لأنّه يرى نفسه واصلًا إلى المطلوب.

نعم، احتاط وجوباً في المتن أن يكون من عادته التي لا تتخلّف إلّا نادراً أن يمسك الصيد و لا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه، ليتّضح أنّ الإمساك المذكور إنّما هو لأجل الصاحب لا لأكل نفسه و التغذّي منه.

و يؤيّده قوله تعالى فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «1» الظاهر في حصول الإمساك لأجل الصاحب، و يدلّ عليه صحيحة رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الكلب يقتل؟ فقال: كُلْ، قلت: إن أكل منه؟

قال: إذا أكل منه فلم

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 317

..........

______________________________

يمسك عليك إنّما أمسك على نفسه «1».

و رواية أحمد بن محمّد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا قتل الكلب و الفهد؟ فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: الكلب و الفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات و هو معه فكل، فإنّه أمسك عليك، و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل، فإنّه أمسك على نفسه «2».

و رواية سماعة بن مهران قال: سألته عمّا أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد؛ و هو قول اللّٰه تعالى وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ «3» قال: لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه «4»، لكن في مقابل هذه الروايات نصوص كثيرة دالّة على الحلّ و إن أكل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه.

و في الوسائل عقد عنوان الباب هكذا «باب أنّه يجوز أكل صيد الكلب و إن أكل منه من غير اعتياد أقلّ من النصف، أو أكثر منه، أو أكثره». و قد أورد فيه روايات كثيرة دالّة على هذا المعنى، فيها الصحيحة و غيرها، بل في بعضها كما في الجواهر أنّ القول بالحرمة قول العامّة «5»، ففي رواية حكم بن حكيم الصيرفي قال: قلت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 27 ح 111، الاستبصار: 4/ 69 ح 252، و عنهما الوسائل: 23/ 338، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 17.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 28 ح 113، و عنه الوسائل: 23/ 338، كتاب الصيد و

الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 18.

(3) سورة المائدة: 5/ 4.

(4) التهذيب: 9/ 27 ح 110، الاستبصار: 4/ 69 ح 251، و عنهما الوسائل: 23/ 337، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 16.

(5) جواهر الكلام: 35/ 20.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 318

..........

______________________________

لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟ قال: لا بأس بأكله، قلت: إنّهم يقولون: إنّه إذا قتله و أكل منه، فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكله، فقال: كُلْ، أ و ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟ قال: قلت: بلى، قال: فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها؟ قال: قلت: نعم، فإنّ السبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل بعضها، أ تأكل البقيّة؟ قلت: نعم، قال: فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون: إذا ذكّى ذلك و أكل منه لم تأكلوا، و إذا ذكّى هذا و أكل أكلتم؟! «1» و صحيحة محمّد بن مسلم و غير واحد عنهما عليهما السلام جميعاً، أنّهما قالا في الكلب يرسله الرجل و يسمّي، قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكُلْ ما بقي، و لا ترون ما يرون في الكلب «2».

و رواية سالم الأشل قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الكلب يمسك على صيده و يأكل منه؟ فقال: لا بأس بما يأكل هو لك حلال «3».

و رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أرسل كلبه فأدركه و قد قتل؟ قال: كُلْ و إن أكل «4».

و رواية سعيد بن المسيّب قال: سمعت سلمان يقول: كُلْ ممّا أمسك الكلب و إن

______________________________

(1) الكافي:

6/ 203 ح 6، تهذيب الأحكام: 9/ 23 ح 91، الاستبصار: 4/ 69 ح 253، و عنها الوسائل: 23/ 333، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 202 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 22 ح 89، الاستبصار: 4/ 67 ح 241، و عنها الوسائل: 23/ 334، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 2.

(3) الكافي: 6/ 203 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 27 ح 108، الاستبصار: 4/ 68 ح 249، و عنها الوسائل: 23/ 334، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 3.

(4) الكافي: 6/ 204 ح 7، تهذيب الأحكام: 9/ 23 ح 92، الاستبصار: 4/ 67 ح 242، و عنها الوسائل: 23/ 334، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 319

[مسألة 3: يشترط في حلّية صيد الكلب المعلّم أُمور]

مسألة 3: يشترط في حلّية صيد الكلب المعلّم أُمور:

الأوّل: أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون

______________________________

أكل ثلثيه «1».

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيداً فأكل منه، آكل من فضله؟ قال: كُلْ ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه، فإذا كنت ناسياً فكُلْ منه أيضاً، و كُل فضله «2».

و الروايات بهذا المضمون قد جمعها في الوسائل في الباب المذكور، و اللازم الجمع بين الطائفتين، و يظهر من المتن أنّ الجمع بينهما بحمل الطائفة الأُولى على أنّ من عادته الأكل، و الثانية على أنّ من عادته عدم الأكل إلّا نادراً حتّى يصل صاحبه، و هو أولى من الحمل على التقيّة الذي هو في المراحل البعديّة من المرجّحات.

و في المختلف بعد

أن حكى عن الصدوقين «3» و ابن أبي عقيل حلّ صيد الكلب أكل منه أو لم يأكل، قال: و هذا ليس مشهوراً على إطلاقه؛ لأنّ عند علمائنا أنّه إن كان معتاداً أكل الصيد لم يجز أكل ما يقتله، و إن كان نادراً جاز «4».

و عن الدروس احتمال تنزيل كلام المخالف على الندرة «5»، و حينئذٍ يرتفع الخلاف في المسألة، و على أيّ فما ذكره في المتن مطابق للاحتياط.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 204 ح 10، تهذيب الأحكام: 9/ 24 ح 95، الاستبصار: 4/ 67 ح 243، و عنها الوسائل: 23/ 334، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 5.

(2) الكافي: 6/ 205 ح 13، تهذيب الأحكام: 9/ 24 ح 97، الاستبصار: 4/ 68 ح 254، و عنها الوسائل: 23/ 335، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 2 ح 8.

(3) المقنع: 413.

(4) مختلف الشيعة: 8/ 368، الفصل السادس في اللواحق.

(5) الدروس الشرعيّة: 2/ 394.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 320

إرسال لم يحلّ مقتوله و إن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه؛ بأن زاد في عدْوه بسببه على الأحوط. و كذا الحال لو أرسله لا للاصطياد، بل لأمر آخر؛ من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك، فصادف غزالًا فصاده. و المعتبر قصد الجنس لا الشخص، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالًا آخر فأخذه و قتله كفى في حلّه، و كذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلّا معاً.

الثاني: أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه، أو من كان بحكمه كالنواصب لعنهم اللّٰه لم يحلّ أكل ما قتله (1).

______________________________

(1)

يشترط في الحلّية بسبب صيد الكلب المعلّم مضافاً إلى لزوم كونه كلباً معلّماً أُمور:

الأوّل: أن يكون الاصطياد مسبّباً عن إرساله لذلك، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله، و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّٰه عليه فكلوا منه، و ما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه «1».

و ما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث صيد الكلب، قال: و إن كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله و ليأكل منه، فإنّه معلّم «2».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 203 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 23 ح 90، و عنهما الوسائل: 23/ 346، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 7 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 205 ح 14، الفقيه: 3/ 201 ح 911، تهذيب الأحكام: 9/ 24 ح 98، و عنها الوسائل: 23/ 346، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 321

..........

______________________________

و في دلالة الثانية على المقصود إشكال، و الظاهر من الرواية كون العلّة التامّة للاصطياد هو إرساله كذلك، فلو استرسل بنفسه و إن أغراه صاحبه بعده لم يؤثّر ذلك في حلّية مقتوله، أمّا في صورة عدم تأثير الإغراء فيه فواضح، و أمّا في صورة التأثير بأن زاد في عدوه بسبب الإغراء فقد احتاط فيه في المتن، و منشأه أنّ أصل الاسترسال كان مستنداً إلى نفسه، لا إلى الإرسال، و عطف على ذلك فيه ما لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو

غير ذلك، فصادف غزالًا فقتله.

نعم، لا يعتبر قصد شخص الصيد المقتول، خصوصاً مع بُعد الفاصلة نوعاً، و احتمال كون الغزال متعدّداً فقتل واحداً من الجمع.

و من هنا يظهر أنّه لو أرسله إلى صيد غزال فصادف الكلب غزالًا آخر فقتله يكفي في حلّه، و كذا لو أرسله إلى صيد واحد فصاد أزيد منه يحلّ الجميع؛ لصدق قتل الكلب المعلّم المسترسل بإرساله، كما لا يخفى.

الثاني: أن يكون المرسل مسلماً أو صبيّاً مميّزاً ملحقاً به، فلو كان المرسل كافراً أو بحكمه كالنواصب المنتحلين للإسلام لم يحلّ الأكل، و يدلّ عليه مضافاً إلى اعتبار الإسلام في الذابح و كون الإرسال للاصطياد بمنزلته، فاللازم أن يكون المرسل مسلماً أو محكوماً به السؤال في جملة من الروايات عن استعارة كلب غير المسلم ثمّ إرسال المسلم إيّاه، الدالّ على أنّ اعتبار كون المرسل مسلماً أمراً مفروغاً عنه، ففي رواية عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به؟ قال: لا تأكل من صيده إلّا أن يكون علّمه مسلم فتعلّم «1».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 209 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 30 ح 119، الاستبصار: 4/ 70 ح 255، و عنها الوسائل: 23/ 360، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 15 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 322

الثالث: أن يسمّي؛ بأن يذكر اسم اللّٰه عند إرساله، فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله، و لا يضرّ لو كان نسياناً، و الأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال، فلا يكتفى بها قبل الإصابة (1).

______________________________

و ظاهرها اعتبار كون المعلّم مسلماً، و حكي عن الشيخ أنّه عمل به في كتابي الأخبار «1»، لكنّ الظاهر كما في حاشية الوسائل

أنّه من سهو الرواة «2»، و المراد أن يكون المرسل مسلماً.

و يؤيّده رواية سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمّي حين يرسله، أ يأكل ممّا أمسك عليه؟ قال: نعم؛ لأنّه مكلّب و ذكر اسم اللّٰه عليه. رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم إلى هشام بن سالم، عن عبد الرحمن بن سيابة «3».

(1) الأصل في اعتبار هذا الأمر الآية الشريفة «4» الدالّة على لزوم ذكر اسم اللّٰه عليه، و يدلّ عليه روايات كثيرة قد تقدّمت بعضها، و في رواية القاسم ابن سليمان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: إذا صاد الكلب و قد سمّى فليأكل، و إذا صاد و لم يسمّ فلا يأكل، و هذا «ممّا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 30، الاستبصار: 4/ 70، و كذا في المبسوط: 6/ 262.

(2) وسائل الشيعة: 16/ 273، طبع المكتبة الإسلاميّة بطهران، مع تعليقات للشيخ أبو الحسن الشعراني رحمه الله.

(3) الكافي: 6/ 208 ح 1، الفقيه: 3/ 202 ح 913، تهذيب الأحكام: 9/ 30 ح 118، الاستبصار: 4/ 70 ح 254، و عنها الوسائل: 23/ 360، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 15 ح 1.

(4) سورة المائدة: 5/ 4.

(5) الكافي: 6/ 205 ح 16، تهذيب الأحكام: 9/ 25 ح 100، الفقيه: 3/ 202 ح 914، و عنها الوسائل: 23/ 357، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 323

الرابع: أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه و عقره، فلو كان بسبب آخر كصدمه، أو خنقه، أو إتعابه، أو ذهاب مرارته من الخوف أو إلقائه من

شاهق أو غير ذلك لم يحلّ (1).

الخامس: عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته؛ بأن أدركه ميّتاً، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه. و بالجملة: إذا أرسل كلبه إلى الصيد، فإن لحق به بعد ما أخذه و عقره و صار غير ممتنع، فوجده ميّتاً كان ذكيا و حلّ أكله، و كذا إن وجده حيّاً و لم يتّسع الزمان لذبحه، فتركه حتّى

______________________________

و كذلك ورد في مورد النسيان رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا أرسل الرجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي، و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمّي «1».

و قد احتاط وجوباً أن تكون التسمية عند الإرسال لا متأخّرة عنه و لو قبل الإصابة، لاقتضاء الأصل ذلك، مضافاً إلى إشعار الروايات به «2».

(1) يعتبر أن يكون موت الصيد مستنداً إلى جرح الكلب المعلّم و عضّه و عقره، فلو كان بسبب آخر كصدمه، أو خنقه، أو تعبه، أو ذهاب مرارته و يعبّر عنها بالفارسية ب «زهره» من الخوف، أو إلقائه من شاهق أو نحو ذلك، لا يحلّ مقتوله؛ للتعبير بالقتل بالإضافة إلى الكلب، و قتله لا يتحقّق بالأُمور المذكورة، فلا يترتّب عليها الحلّية.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 206 ح 18، تهذيب الأحكام: 9/ 25 ح 102، الفقيه: 3/ 202 ح 915، و عنها الوسائل: 23/ 357، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 12 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 23/ 357 358 ب 12.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 324

مات. و أمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلّا بالذبح، فلو تركه حتّى مات كان ميتة. و أدنى ما يدرك ذكاته

أن يجده تطرف عينيه، أو تركض رجله، أو يحرّك ذنبه أو يده، فإن وجده كذلك و اتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلّا بالذبح. و كذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً، فجعل يعدو خلفه فوقف، فإن بقي من حياته زماناً يتّسع لذبحه لم يحلّ إلّا به، و إن لم يتّسع حلّ بدونه، و يلحق بعدم اتّساعه ما إذا وسع و لكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه؛ كما إذا اشتغل بأخذ الآلة و سلّ السكّين مع المسارعة العرفيّة، و كون الآلات على النحو المتعارف، فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ. و كذا لو كان لأجل لصوقه به بدم و نحوه. و من عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة و نحو ذلك، فمات قبل أن يمكنه الذبح.

نعم، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى، فلو وجده حيّاً و اتّسع الزمان لذبحه إلّا أنّه لم يكن عنده السكّين، فلم يذبحه لذلك حتّى مات لم يحلّ أكله (1).

______________________________

(1) قد وردت في هذا المجال و بعض خصوصيّاته روايات:

منها: صحيحة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه و لا يكون معه سكّين فيذكّيه بها، أ فيدعه حتّى يقتله و يأكل منه؟ قال: لا بأس، قال اللّٰه عزّ و جلّ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «1» الحديث «2»، و رواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين ظاهره التعدّد، و لكن ذكرنا

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 4.

(2) الكافي: 6/ 204 ح 8، التهذيب: 9/ 23 ح 93، و عنهما

الوسائل: 23/ 347، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 325

..........

______________________________

مراراً الاتّحاد و عدم التعدّد مع كون الراوي عن الإمام عليه السلام واحداً.

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته و لم يكن معك حديدة تذبحه بها، فدع الكلب يقتله، ثمّ كُلْ منه «1».

و منها: رواية ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصقورة و البزاة و عن صيدهما؟ فقال: كل ما لم يقتل إذا أدركت ذكاته، و آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف، و الرجل تركض، و الذنب يتحرّك، و قال: ليست الصقورة و البزاة في القرآن «2».

و المستفاد من جميع الروايات المرتبطة بهذه المسألة أُمور:

الأوّل: أنّه إذا أدرك الصائد الصيد قبل أن يقتله الكلب و أمكن له تذكيته من جهة وجود آلتها و عدم امتناع الصيد و الزمان الكافي لها يجب عليه التذكية، و كان ذلك أمراً مفروغاً عنه بين الرواة، و لذا لم يسألوا عن أصله، بل عن جهات أُخرى.

الثاني: أنّه إذا لم يكن معه آلة التذكية بوجه، أو كانت موجودة معه، و لكنّ الزمان لا يتّسع لأخذ الآلة و سلّ السكّين مثلًا مع وجود المسارعة العرفيّة يجوز له أن يرفع اليد عنه حتّى يقتله الكلب، ثمّ يأكل منه، و يلحق بذلك ما إذا لم يمكن التذكية لامتناع الحيوان منها.

الثالث: أنّ الملاك في إدراكه حيّاً الذي عبّر عنه في الرواية بآخر الذكاة تطرف العين، و تركض الرجل، و تحرّك الذنب، و أمّا ما في المتن من أنّه لو لم تقع التذكية لفقد الآلة فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى

الحرمة، فهو خلاف مرسلة

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 205 ح 934، و عنه الوسائل: 23/ 348، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 8 ح 3.

(2) الكافي: 6/ 208 ح 10، تهذيب الأحكام: 9/ 33 ح 131، الاستبصار 4: 73 ح 267، و عنها الوسائل: 23/ 350، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 9 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 326

[مسألة 4: هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة و المبادرة إلى الصيد من حين الإرسال]

مسألة 4: هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة و المبادرة إلى الصيد من حين الإرسال، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد و إن كان بعد امتناعه، أو من حين ما أوقفه و صار غير ممتنع، أو لا تجب أصلًا؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله. و أمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه. هذا إذا احتمل ترتّب أثر على المسارعة و اللحوق بالصيد؛ بأن احتمل أنّه يدركه حيّاً و يقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان و وجود الآلة، و أمّا مع عدم احتماله و لو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها، فلو خلّاه حينئذٍ على حاله إلى أن قتله الكلب و أزهق روحه بعقره حلّ أكله.

نعم، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع إليه و تعرّف حاله لزم لأجل ذلك (1).

______________________________

الصدوق المعتبرة الدالّة على أنّه إذا لم يكن معك حديدة تذبح بها فدع الكلب يقتله، ثمّ كُلْ منه، اللّهمَّ إلّا أن يقال بثبوت الشهرة على خلافها، و هو غير

معلوم.

(1) هل يجب على من أرسل الكلب للصيد المسارعة و المبادرة العرفيّة إلى الصيد بمجرّد الإرسال، أو من حين ما رأى الكلب قد أصاب الصيد و إن كان بعد امتناعه و كونه في مقام الفرار و التخلّص، أو من حين ما أوقفه و صار غير ممتنع، أو لا تجب أصلًا؟ فيه وجوه و احتمالات، و استظهر في المتن الوجوب من حين الإيقاف، فإذا أشعر به تجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله، و أمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها و إن

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 327

[مسألة 5: لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب]

مسألة 5: لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً حلّ أكله. نعم، يعتبر في المتعدّد صائداً و آلة أن يكون الجميع واجداً للأُمور المعتبرة شرعاً، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر، أو لم يسمّ

______________________________

كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

و لعلّ الوجه في عدم الوجوب قبل الإيقاف احتمال عدم رؤية الكلب الصيد، أو عدم إيقافه بعد الوصول إليه، خصوصاً مع كونهما مطابقين للأصل، و يساعده الاعتبار، فإنّ الإنسان لا يتمكّن عادةً من سرعة حركة الحيوان، خصوصاً مع كونها إلى جهات مختلفة، كما هو مقتضى طبع الإيصال إلى الصيد الممتنع بالأصالة.

و أمّا منشأ الوجوب من حين الإيقاف في صورة احتمال ترتّب أثر على المسارعة و اللحوق بالصيد، و إدراكه حيّاً و القدرة على ذبحه و اتّساع الزمان، فلأنّه يصدق عليه أنّه أدركه حيّاً، و قد مرّ أنّ الواجب في هذه الصورة هي التذكية و الذبح بالمعنى الأعمّ.

و أمّا

في صورة عدم ترتّب أثر على المسارعة و الأُمور المذكورة، ففي المتن أنّه لا إشكال في عدم وجوبها حينئذٍ، فلو خلّاه على حاله إلى أن قتله الكلب فقتله يحلّ له أكله. نعم، لا بدّ من إحراز كون زهاق روحه بسبب عقر الكلب و عضّه، لا بسبب شي ء من الأسباب المذكورة آنفاً، كالسقوط من شاهق و نحوه، و عليه فاللازم التسارع لإحراز ذلك، و إلّا فمقتضى القاعدة العدم، و لعلّ هذا ينافي ما تقدّم منه في المسألة السابقة من أنّ مقتضى الاحتياط، بل الأقوى أنّه لو كان المنشأ لعدم التذكية فقد الآلة فلا يحلّ الصيد، فتدبّر جيّداً. لكنّا ذكرنا أنّ مقتضى الرواية المعتبرة الحلّية في هذه الصورة أيضاً، فراجع.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 328

أحدهما، أو أُرسل كلبان أحدهما معلَّم و الآخر غير معلّم، فقتلاه لم يحلّ (1).

[مسألة 6: لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجماديّة إلّا ما قتله السيف أو السكّين]

مسألة 6: لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجماديّة إلّا ما قتله السيف أو السكّين، أو الخنجر، و نحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها، أو الرمح

______________________________

(1) لا دليل على اعتبار الوحدة، لا في الصائد و لا في الآلة الحيوانية، بل المعتبر هو الواجديّة للشرائط في صورة التعدّد كصورة الوحدة، و يدلّ على المطلوب نفياً و إثباتاً صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث صيد الكلب قال: و إن وجدت معه كلباً غير معلَّم فلا تأكل منه «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا أرسلت كلبك على صيد، و شاركه كلب آخر فلا تأكل منه، إلّا أن تدرك ذكاته «2».

و مرسلة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة

كلّها، و قد سمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً، فاشتركن جميعاً في الصيد؟ فقال: لا يؤكل منه؛ لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا «3».

و يؤيّده رواية عيسى بن عبد اللّٰه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: كُلْ من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيّب عنك فدعه «4». مضافاً إلى أنّ الحكم المذكور مقتضى القاعدة.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 203 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 26 ح 106، و عنهما الوسائل: 23/ 342، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 5 ح 1.

(2) الفقيه: 3/ 205 ح 934، و عنه الوسائل: 23/ 343، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 5 ح 3.

(3) الكافي: 6/ 206 ح 19، تهذيب الأحكام: 9/ 26 ح 105، و عنهما الوسائل: 23/ 343، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 5 ح 2.

(4) تهذيب الأحكام: 9/ 29 ح 117، و عنه الوسائل: 23/ 359، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 329

و السهم و النشّاب ممّا يُشاك بحدّه، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة؛ من غير فرق بين ما كان فيه نصل، كالسهم الذي يركب عليه الريش، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلز كان، حتّى الصفر و الذهب و الفضّة، و الأحوط اعتباره. و يعتبر كونه مستعملًا سلاحاً في العادة على الأحوط، فلا يشمل المخْيط و الشوك و السفود و نحوها، و الظاهر أنّه لا يعتبر الخرق و الجرح في

الآلة المذكورة؛ أعني ذات الحديدة المحدّدة، فلو رمى الصيد بسهم، أو طعنة برمح فقتله بالرمح و الطعن من دون أن يكون فيه أثر السهم و الرمح حلّ أكله.

و يلحق بالآلة الحديديّة المعراض الذي هو كما قيل خشبة لا نصل فيها، إلّا أنّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط، أو السهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه. و كيف كان، إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه و شوكها فيه و لو يسيراً، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ، و الأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد (1).

______________________________

(1) قد عرفت أنّ الآلة الموجبة لقتل الصيد قد تكون حيوانيّة، و قد تكون جماديّة، فاعلم أنّ الآلة الجماديّة إن كانت من الحديد فلا إشكال في حلّية الصيد المقتول بها، كالسيف، أو السّكين، أو الخنجر، و نحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها، أو الرمح، أو السهم، أو النشّاب ممّا يشاك بحدّه و يوجد الشوك فيه فيقتله، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة؛ من دون فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 330

..........

______________________________

و قد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار كونه من الحديد، و أنّ اعتباره يكون مقتضى الاحتياط، و المنشأ أنّه لا دليل على اعتبار كونه من الحديد، و سيأتي الجواز بالمعراض، و عليه فيشمل سائر الفلزّات بعد كونها سلاحاً قاطعاً أو شائكاً من أيّ فلز كان، حتّى الصفر و الذهب و الفضّة، فلو كان له سيف مصنوع من الذهب أو الفضّة كما

هو الموجود عند بعض السلاطين لا مجال للحكم بعدم الاكتفاء به بعد كون السيف آلة قاطعة؛ من حديد كان أو من غيره من الفلزّات، و الحكم في التذكية باختصاص الآلة بالحديد على فرضه لا يلازم التخصيص بالحديد هنا.

و في رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من جرح صيداً بسلاح و ذكر اسم اللّٰه عليه، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء، الحديث «1».

و في رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كُلْ من الصيد ما قتل السيف، و الرمح، و السهم، الحديث «2».

و غيرهما من الروايات الدالّة على أنّ القتل بمطلق مثل السيف من أيّ فلزّ كان موجب للحلّية و جواز الأكل من الصيد، كما أنّ مقتضى الإطلاق بعد تحقّق القتل بأحد هذه الأُمور أنّه لا يعتبر الجرح و الخرق بالآلة المذكورة.

و يلحق بالآلة الحديديّة، المعراض بأحد التفاسير الثلاثة المنقولة في المتن، فيدلّ

______________________________

(1) الكافي: 6/ 210 ح 2، الفقيه: 3/ 204 ح 930، تهذيب الأحكام: 9/ 34 ح 138، و عنهما الوسائل: 23/ 362، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 209 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 34 ح 137، و عنهما الوسائل: 23/ 362، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 16 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 331

[مسألة 7: كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محدّدة، و لا محدّدة غير الحديديّة قتلت بخرقها من المثقلات]

مسألة 7: كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محدّدة، و لا محدّدة غير الحديديّة قتلت بخرقها من المثقلات، كالحجارة و المقمعة و العمود و البندقة لا يحلّ مقتولها، كالمقتول بالحبائل و الشبكة و الشرك

و نحوها. نعم، لا بأس بالاصطياد بها، و كذا بالحيوان غير الكلب؛ كالفهد و النمر و البازي و غيرها، بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها، و لكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلّا إذا أدركه و ذكّاه (1).

______________________________

عليه طائفة من الروايات:

منها: رواية أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل «1».

و منها: مرسلة الصدوق، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول فيما قتل المعراض: لا بأس به إذا كان، إنّما يصنع لذلك «2».

و منها: غير ذلك من الروايات، و المستفاد من ملاحظتها مدخليّة المعراض في القتل بالجرح أو الشوك فيه، و أمّا غير المعراض فلا دليل فيه على اللحوق بعد عدم كونه حديداً محدّداً.

(1) الأصل في ذلك الروايات الواردة في هذا المجال:

منها: رواية سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عمّا قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال: لا «3».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 212 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 35 ح 134، و عنهما الوسائل: 23/ 370، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 22 ح 1.

(2) الفقيه: 3/ 203 ح 922، و عنه الوسائل: 23/ 372، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 22 ح 6.

(3) الكافي: 6/ 213 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 36 ح 151، و عنهما الوسائل: 23/ 373، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 23 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 332

[مسألة 8: لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالبُندقيّة مع اجتماع الشرائط]

مسألة 8: لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالبُندقيّة مع اجتماع الشرائط، بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة بحدّته على الأحوط، فيجتنب ممّا

قتل بالبندق الذي ليس كذلك و إن جرح و خرق بقوّته، و البندقة التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها (1).

______________________________

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سُئل عن قتل الحجر و البندق أ يؤكل منه؟ فقال: لا «1».

و منها: صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سُئل عمّا قتل البندق و الحجر أ يؤكل منه؟ قال: لا «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على عدم حلّية أكل الصيد المقتول بآلة جماديّة غير الحديديّة، و قد استدرك صورة الاصطياد بهذه الأُمور، بل بالحيوان غير الكلب، كالفهد و النمر و البازي و غيرها؛ بمعنى جعل هذه الآلات مانعة عن امتناع الصيد و فراره ثمّ إيقاع التذكية الشرعيّة عليه لتتحقّق الحلّية، ففي الحقيقة يكون القتل مستنداً إلى التذكية، لا إلى تلك الآلات.

(1) قد مرّ في المسألة السابقة حرمة الصيد إذا قتل بالبندق، و قد عرفت الروايات المتعدّدة الدالّة عليها، فاعلم أنّ هذه المسألة بمنزلة المستثنى منها، و محصّلها يرجع إلى نفي البُعد عن حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالبندقيّة،

______________________________

(1) الكافي: 6/ 213 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 37 ح 152، و عنهما الوسائل: 23/ 374، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 23 ح 3.

(2) الكافي: 6/ 213 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 36 ح 149، و عنهما الوسائل: 23/ 374، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 23 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 333

[مسألة 9: لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجماديّة وحدة الصائد]

مسألة 9: لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجماديّة وحدة الصائد، و لا وحدة الآلة، فلو رمى شخص بالسهم و طعن آخر بالرمح و سمّيا

معاً فقتلا صيداً حلّ إذا اجتمع الشرائط فيهما، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد، و رماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ (1).

______________________________

بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة، و مرجعه إلى أنّ البندق على قسمين:

الأوّل: ما كان معمولًا في السابق و في زمن صدور الروايات الناهية، و هو ما لم تكن محدّدة نافذة بسبب حدّتها، و لعلّه هو الذي يعبّر عنه في الفارسية به (تفنگ ساچمه اي) و كان أثره الخرق لا النفوذ.

الثاني: ما هو المتعارف في هذه الأزمنة ممّا تكون محدّدة نافذة؛ و هو الذي يعبّر عنه في الفارسية به (فشنگ) و الظاهر أنّ الروايات لا تكون ناظرة إلى هذا القسم؛ لعدم كونه متعارفاً في زمن صدورها، بل عدم وجودها فيه، و الشاهد عليه عطفه على الحجر، أو عطف الحجر عليه، حيث يدلّان على أنّ المراد بالبندق ما يكون مثل الحجر في تأثير ثقالته، لا في النفوذ بالحدّة، كما هو غير خفي، و كيف كان، لا دليل على عدم تأثيره في حلّية الصيد المقتول به.

(1) كما أنّك عرفت في الآلة الحيوانية عدم اعتبار وحدة الصائد و لا وحدة الآلة و الكلب «1»، كذلك لا يعتبر الأمران هنا أيضاً، من دون فرق بين ما إذا كانت الآلة الجمادية من نوع واحد أو من نوعين، كما إذا رمى شخص بالسهم، و طعن آخر بالرمح، بل إذا كان القتل مسبّباً عن الآلة الجماديّة و الحيوانية معاً؛ كما إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد و رماه آخر بسهم، فقتل بسبب الأمرين معاً يكون حلالًا، لعدم

______________________________

(1) في ص 328.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 334

[مسألة 10: يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانيّة]

مسألة 10: يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد

بالآلة الحيوانيّة، فيشترط كون الصائد مسلماً، و التسمية عند استعمال الآلة، و أن يكون استعمالها للاصطياد، فلو رمى إلى هدف، أو إلى عدوّ، أو إلى خنزير، فأصاب غزالًا فقتله لم يحلّ و إن سمّى عند الرمي لغرض من الأغراض. و كذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله. و أن لا يدركه حيّاً زماناً اتّسع للذبح، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلّا بالذبح، و الكلام في وجوب المسارعة و عدمه كما مرّ. و أن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد، فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل، أو وقع في الماء و استند موته إليهما بل و إن لم يعلم استقلال السهم في إماتته لم يحلّ. و كذا لو رماه شخصان فقتلاه و فقدت الشرائط في أحدهما (1).

______________________________

الدليل على اعتبار كون القتل مسبّباً عن إحدى الآلتين منحصرة.

و يدلّ على بعض المطلوب رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن ضبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل، ثمّ رماه غيره بعد ما صرعه؟ فقال: كل «1» ما لم يتغيّب إذا سمّى و رماه «2».

(1) يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانيّة؛ من كون الصائد مسلماً، و التسمية عند استعمال الآلة؛ لما عرفت «3» من كون ذلك

______________________________

(1) في القرب و المسائل و البحار و الوسائل 25: كله.

(2) قرب الإسناد: 278 ح 1105، و عنه الوسائل: 23/ 380، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 27 ح 2 و بحار الأنوار: 65/ 273 ح 2، و في الوسائل: 25/ 51، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح

5 عن مسائل عليّ بن جعفر باختلاف.

(3) في ص 321.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 335

..........

______________________________

بمنزلة الذبح الذي يشترط جميع ذلك في الذابح.

و من جملة الشرائط أن يكون استعمال الآلة بقصد الاصطياد، فلو رمى إلى هدف، أو إلى عدوّ، أو إلى خنزير فأصاب غزالًا فقتله لم يحلّ و إن فرضت التسمية عند الرمي لغرض من الأغراض، مثل الاستعانة باللّٰه لإذهاب عدوّه مثلًا، و كذا لو لم يقصد الرمي، بل أفلت من يده فأصابه فقتله.

و أن لا يدركه حيّاً زماناً قابلًا لوقوع الذبح الشرعي فيه، و إلّا فالواجب الذبح، و قد مرّ الملاك في الإدراك حيّاً و عدمه «1».

و كذا من جملة الشرائط استقلال الآلة المحلّلة في قتل الصيد، كاستقلال الكلب المعلّم فيه و لو لم يكن واحداً، فلو شارك الآلة المحلّلة غيرها في القتل لم تتحقّق الحلّية، و من ذلك ما لو سقط بعد إصابة السهم إليه من الجبل، أو وقع في الماء و كان موته مستنداً إليهما، و في المتن: بل و إن لم يعلم استقلال السهم في إماتته لم يحلّ، و الوجه فيه لزوم إحراز الاستناد و جريان أصالة عدم التذكية مع الشكّ، و كذا لو رماه شخصان فقتلاه و فقدت الشرائط في أحدهما، مثل الإسلام و ترك التسمية عمداً.

و يدلّ على بعض المقصود صحيحة حريز قال: سُئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أ يأكل منه؟ قال: إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل، و ذلك إذا كان قد سمّى «2».

و مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبياً فأصابه، ثمّ

______________________________

(1) في ص 324 325.

(2) الكافي: 6/ 210 ح 3،

الفقيه: 3/ 202 ح 917، تهذيب الأحكام: 9/ 34 ح 135، و عنهما الوسائل: 23/ 365، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 18 ح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 336

[مسألة 11: لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة]

مسألة 11: لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين و إن فعل حراماً و عليه الأُجرة، و يملكه الصائد دون صاحب الآلة (1).

[مسألة 12: الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب و الآلة مع اجتماع الشرائط كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره]

مسألة 12: الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب و الآلة مع اجتماع الشرائط كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره؛ سواء كان كذلك بالأصل،

______________________________

كان في طلبه فوجده من الغد و سهمه فيه؟ فقال: إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه، و إلّا فلا يأكل منه «1».

و رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من جرح صيداً بسلاح و ذكر اسم اللّٰه عليه، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء، الحديث «2»، و روايات كثيرة أُخرى دالّة على هذا المضمون.

(1) لا يشترط في حلّية الصيد المقتول بالآلة الحيوانيّة أو الآلة الجماديّة إباحة الآلة أصلًا، كما في باب الذبح، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين و إن ارتكب حراماً، لكنّه لا يرتبط بحلّية الصيد، فالواجب عليه الأُجرة إن كان له اجرة عند العقلاء، و يملكه الصائد دون صاحب الآلة، كما في قوله: الزرع للزارع و لو كان غاصباً، بناءً على أن يكون المراد هو غصب الأرض للزراعة، مع أنّ حلّية الآلة و عدمها لا دخل لها في الصيد المقتول بالآلة، و لا ربط لها به أيّ ارتباط فرض.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 210 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 34 ح 136، و عنهما الوسائل: 23/ 366، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) تقدّمت في ص 330.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 337

كالحمام

و الظبي و البقر الوحشي، أو كان إنسيّاً فتوحّش، أو استعصى، كالبقر المستعصي و البعير كذلك، و كذلك الصائل من البهائم، كالجاموس الصائل و نحوه. و بالجملة: كلّ ما لا يجي ء تحت اليد و لا يُقدر عليه غالباً إلّا بالعلاج، فلا تقع التذكية الصيديّة على الحيوان الأهليّ المستأنس؛ سواء كان استئناسه أصليّاً، كالدجاج و الشاة و البعير و البقر، أو عارضيّاً كالظبي و الطير المستأنسين، و كذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو، و فرخ الطير قبل نهوضه للطيران، فلو رمى طائراً و فرخه الذي لم ينهض فقتلهما حلّ الطائر دون الفرخ (1).

______________________________

(1) هنا ضابطتان لحلّية الصيد المقتول بالكلب و الآلة و عدمها مضافاً إلى الشرائط المتقدّمة، إحداهما في جانب الإثبات، و الأُخرى في جانب النفي.

أمّا الأُولى: فاللازم أن يكون الحيوان ممتنعاً مستوحشاً؛ من دون فرق بين ما إذا كان كذلك بالأصل كالظبي الوحشي و البقر كذلك، أو كان غير وحشيّ بالأصل فتوحّش أو استعصى، كالبقر و البعير المستعصيين، و كذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل «1».

و بالجملة: كلّ ما لا يجي ء تحت اليد و لو بإعمال القوّة، و لا يقدر عليه غالباً إلّا بالعلاج و التوطئة.

و أمّا الثانية: ما إذا كان الحيوان مستأنساً؛ سواء كان كذلك بالأصل، كالحيوانات المذبوحة عادةً، أو عارضيا، كما إذا صار الطير أو الظبي مستأنسين،

______________________________

(1) في مجمع البحرين: يقال: صال عليه؛ إذا استطال، وصال عليه صولة. و عليه فالمراد: الجاموس المستطيل و نحوه.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 338

[مسألة 13: الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم]

مسألة 13: الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم، فيحلّ بها أكله و يطهر جلده، تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً، فيطهر بها

جلده و يجوز الانتفاع به، هذا إذا كانت بالآلة الجماديّة، و أمّا الحيوانيّة ففيها تأمّل و إشكال (1).

______________________________

و في المتن عطف عليهما ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو و الامتناع و الفرار، و كذا فرخ الطير قبل النهوض للطيران مستقلا، و فرّع عليه أنّه لو رمى طائراً و فرخه الذي لم ينهض فقتلهما معاً حلّ الطائر القادر على الطيران دون الفرخ و إن كان عدم طيرانه لأجل فرخه.

(1) الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم القابل للتذكية كلّاً، فيتحقّق بها حلّية أكل لحمه و طهارة جلده كالتذكية بمثل الذبح، كذلك تقع على الحيوان غير مأكول اللحم إذا كان قابلًا للتذكية، و أثرها حينئذٍ طهارة جلده و جواز الانتفاع به بعد حصول الطهارة بالتذكية، لكن القدر المسلّم من ذلك ما إذا كانت بالآلة الجماديّة؛ مثل الذبح المتحقّق بالحديد.

و أمّا الآلة الحيوانيّة فقد تأمّل فيها في المتن و استشكل، و لعلّ منشأ الإشكال أنّ أكثر الروايات الواردة في التذكية الصيديّة سواء كانت بالكلب أو بالسلاح ناظرة إلى حصول الحلّية للّحم، و من الواضح اختصاص ذلك بالحيوان المأكول اللحم، و أمّا غيره فلم يدلّ عليه دليل معتبر، و مقتضى القاعدة عدم حصول التذكية له بغير الآلة الجماديّة و إن كان قابلًا للتذكية، فتدبّر جيّداً.

مضافاً إلى أنّ تعلّق الغرض بخصوص الجلد و جواز الانتفاع به في غاية الندرة؛ لأنّ الغرض يتعلّق نوعاً بأكل اللحم.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 339

[مسألة 14: لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان]

مسألة 14: لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان، فإن كانت الآلة غير محلّلة كالشبكة و الحبالة مثلًا يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس و محالّ التذكية، و كذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه

الحياة المستقرّة على الأحوط؛ بأن تكون حركته حركة المذبوح، و إن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية. و إن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط، فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلّا معاً، و إن بقيت الحياة المستقرّة حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس و محالّ التذكية، و يكون ميتة؛ سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا، و أمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية، و لو اتّسع لها لا يحلّ إلّا بالذبح (1).

______________________________

(1) لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان صغيرة أو كبيرة ففيه صورتان:

الصورة الأُولى: ما إذا كانت الآلة غير محلّلة، كالشبكة و الحبالة و مثلهما ممّا لا يجوز أن يصطاد به، فإن كان المقطوع بها هو الجزء الذي ليس فيه الرأس و محالّ التذكية يحرم بلا إشكال؛ لأنّ المفروض كون الآلة غير محلّلة، و عدم إمكان إيقاع التذكية على الجزء المقطوع؛ لأنّه ليس فيه الرأس و محالّ التذكية، و أمّا لو فرض كون الجزء المقطوع كذلك؛ أي مشتملًا على الرأس و محالّ التذكية، فإن كان فيها حياة مستقرّة و لم تكن حركته حركة المذبوح، فبعد وقوع التذكية بها تحلّ بها، و إذا لم تكن فيها حياة مستقرّة و كانت حركته حركة المذبوح كما سيأتي الكلام إن شاء اللّٰه تعالى في معنى الحياة المستقرّة «1» فقد احتاط في المتن بالحرمة، و لعلّ منشأ الاحتياط أنّ زوال حياته المستقرّة كان مستنداً إلى الآلة غير المحلّلة، و المفروض

______________________________

(1) في ص 373.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 340

[مسألة 15: يملك الحيوان الوحشي سواء كان من الطيور أو غيره]

مسألة 15: يملك الحيوان الوحشي سواء كان من الطيور أو غيره بأحد أُمور ثلاثة:

أحدها: أخذه حقيقة؛ بأن يأخذ رجله أو قرنه

أو جناحه، أو شدّه بحبل و نحوه، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد و التملّك، و أمّا مع عدم القصد ففيه إشكال، كما أنّه مع قصد الخلاف لا يملك.

ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها، كالحبالة و الشرك و الشبكة و نحوها إذا نصبها لذلك.

ثالثها: أن يصيّره غير ممتنع بآلة، كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران؛ سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم و الكلب المعلّم، أو من غيرها كالحجارة و الخشب و الفهد و الباز و الشاهين و غيرها، و يعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد و التملّك، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه، فلو أخذه شخص

______________________________

عدم إمكان وقوع التذكية؛ لأنّها غير محالّها.

الصورة الثانية: ما إذا كانت الآلة محلّلة، كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط، و قد فصّل فيه في المتن بأنّ زوال الحياة المستقرّة عن الجزءين إن كان مستنداً إلى هذا القطع يحلّ كلا الجزءين، و إن بقيت الحياة المستقرّة، فإن كان الجزء المقطوع غير الرأس و محالّ التذكية فهو حرام لأنّه ميتة؛ من دون فرق بين اتّساع الزمان للتذكية بالإضافة إلى الجزء الآخر الذي يشتمل على محالّ التذكية، و بين غيره، و إن كان مشتملًا على الرأس و محالّ التذكية فحلّيته متوقّفة عليها مع اتّساع الزمان لها، و بدون الاتّساع يحلّ؛ لأنّ مبنى جميع ذلك كون الآلة محلّلة، و زوال الحياة كان مستنداً إليها، و التوقّف على التذكية في غير هذه الصورة، فافهم.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 341

آخر بقصد التملّك ملكه (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة بيان الطرق التي تتحقّق ملكيّة الحيوان الوحشي

الممتنع بسبب إحداها و إن لم يعرض لها الموت، و بعبارة اخرى: كان الغرض من المسائل السابقة بيان الطريق إلى حلّية أكل لحم الصيد، أو عروض الطهارة و جواز الانتفاع به، و الغرض بيان طرق الملكيّة و إن لم يزهق روحه أصلًا، فقال: الطريق أحد أُمور ثلاثة:

أحدها: أخذه حقيقة، كما في الأمثلة المذكورة في المتن، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد و التملّك، كما في حيازة سائر المباحات التي تتحقّق ملكيّتها بسبب الحيازة. و مع عدم هذا القصد، فإن كان قاصداً للخلاف فلا إشكال في عدم حصول الملكيّة، و إن لم يكن قاصداً للخلاف أيضاً فقد استشكل فيه في المتن، نظراً إلى ما ذكرنا من اعتبار قصد التملّك في حيازة المباحات، و لا أقلّ من احتمال اعتباره المقتضي لعدم حصول الملكيّة مع عدمه.

ثانيها: وقوع الحيوان الوحشي الممتنع في آلة معتادة للاصطياد بها، كالشبكة و نحوها إذا كان الغرض من نصبها ذلك، كالحيتان الواقعة فيها.

ثالثها: أن يصيّره غير ممتنع بآلة، كالمثالين المذكورين في المتن، من دون فرق بين أن تكون الآلة من الآلات المحلّلة، كالكلب و السهم، أو من غير الآلات المحلّلة، كالحجارة و الخشب و مثلهما؛ لأنّ الغرض ليس بيان ما به يتحقّق حلّية الأكل في صورة زهاق الروح، بل بيان طريق حصول الملك، و هذا لا فرق فيه بين الآلتين. نعم، يعتبر في هذا أيضاً أن يكون الغرض من الآلة حصول الملكية، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لا تتحقّق الملكيّة و إن صار الحيوان غير ممتنع، فيمكن أن يأخذه آخر و يقصد تملّكه، فيصير مالكاً و إن حصلت مقدّمته بسبب فعل هذا

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 342

[مسألة 16: الظاهر أنّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان]

مسألة

16: الظاهر أنّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان و زوال امتناعه و لو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع، أو باتّخاذ أرض و إجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحّل فيها فتوحل، أو فتح باب شي ء ضيّق و إلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فأغلق عليها و زال امتناعها. و أمّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على امتناعها في البيت، فالظاهر عدم تملّكه به مع إغلاق الباب، كما أنّه لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّده، و كذا لو توحّل حيوان في أرضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد، فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه و إن عصى لو دخل داره أو أرضه بغير إذنه (1).

______________________________

الشخص، كما إذا سقط الحيوان من شاهق فانكسر بعض أعضائه فصار غير ممتنع، فأخذه إنسان بقصد التملّك.

(1) الظاهر أنّه يلحق بآلة الاصطياد في حصول الملكيّة مع قصد التملّك كلّ ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان و زوال وصف الامتناع عنه بالفعل، كالأمثلة المذكورة في المتن، التي منها فتح باب شي ء ضيّق، و إلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فأغلق عليها و زال امتناعها.

و أمّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على صفة الامتناع و الفرار، فاستظهر في المتن عدم حصول الملكيّة له بمجرّد ذلك و لو أغلق الباب؛ لأنّ إغلاق الباب يوجب أن تكون دائرة امتناعه أضيق، و أمّا أصل الوصف فهو بعد باق بحاله. نعم، إذا أخذ واحداً أو أزيد يصير مالكاً بالأخذ لا بسبب إغلاق الباب، كما أنّه لو جعل داره عشّاً للطير كالعصفور و نحوه لا يتحقّق بمجرّد ذلك الملكيّة ما لم

تفصيل الشريعة -

الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 343

[مسألة 17: لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه و وقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه]

مسألة 17: لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه و وقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه (1).

[مسألة 18: لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد و لم تمسكه الشبكة لضعفها و قوّته فانفلت منها لم يملكه ناصبها]

مسألة 18: لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد و لم تمسكه الشبكة لضعفها و قوّته فانفلت منها لم يملكه ناصبها، و كذا إن أخذ الشبكة و انفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع، فإن صاده غيره ملكه و ردّ الشبكة إلى صاحبها. نعم، لو أمسكته الشبكة و أثبتته ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجيّة لم

______________________________

يتحقّق الأخذ الموجب له، كما عرفت.

كما أنّه لو وحّل أرضه لا لأجل الاصطياد، بل لغرض آخر مترتّب عليه، كالتهيّؤ للزراعة و نحوه لا يصير مالكاً للحيوان المتوحّل فيها، بل يتوقّف تملّكه له على الأخذ بهذا القصد، و مع عدمه يجوز لشخص آخر الأخذ و التملّك و إن كان عاصياً بدخول أرضه أو داره بغير الإذن؛ لأنّه لا ملازمة بين الحرمة و عدم الملكيّة بوجه كما هو غير خفيّ.

و دعوى أنّ النهي يقتضي الفساد مدفوعة، مضافاً إلى منع الكبرى بمنع الصغرى؛ لأنّ متعلّق النهي هو التصرّف في ملك الغير، و الملكيّة متوقّفة على تحقّق الأخذ بهذا القصد، فلا ارتباط لأحد الأمرين بالآخر، فتدبّر.

(1) إذا سعى خلف حيوان ممتنع بمقدار صار موجباً لوقفه عن العدو و زال امتناعه لا يصير بمجرّد ذلك مالكاً له ما لم يتحقّق الأخذ الذي هو أحد الأُمور الثلاثة المملّكة المتقدّمة، و في هذه الصورة التي زال عنه الامتناع و لم يأخذه الساعي خلفه إذا أخذه غيره يكون أخذه موجباً لحصول الملكيّة له، فيصير هو المالك دون الساعي.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 344

يخرج بذلك عن ملكه، كما لو

أمسكه بيده ثمّ انفلت منها، و كذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع، فإنّه لناصبها، فلو أخذه غيره يجب أن يردّه إليه (1).

[مسألة 19: لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع، فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه لا بدخول الدار]

مسألة 19: لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع، فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه لا بدخول الدار، كما أنّه لو رماه و لم يثبته فرماه شخص

______________________________

(1) إذا وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد، و لكن الشبكة لم تقدر على إمساكه لضعفها و قوّة الحيوان، و لأجله انفلت منها، لا يكون مجرّد الوقوع بهذه الكيفيّة موجباً لصيرورته ملكاً لناصبها؛ لأنّ المفروض عدم قدرة الشبكة على الإمساك و الانفلات منها، فصار الحيوان كالأوّل، و كذا إن أخذ الحيوان الشبكة و انفلت معها من دون أن يزول عنه الامتناع، و في هذه الصورة إن صاده غيره يكون الصائد مالكاً له، غاية الأمر أنّه يجب عليه ردّ الشبكة إلى صاحبها الأوّل، و قد استدرك في المتن صوراً ثلاثاً:

الأُولى: ما لو أمسكته الشبكة و أثبتته ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجيّة، كما إذا غيّر إنسان وضع الشبكة بحيث صار موجباً لإمكان الانفلات.

الثانية: ما لو تحقّق الأخذ باليد الذي هو أحد الأُمور الثلاثة المتقدّمة، ثمّ عرض له الانفلات بعد ما صار ملكاً للآخذ الممسك.

الثالثة: ما لو ذهب بالشبكة، و لكن على وجه لا يعود امتناعه السابق، بل لا يكون له قدرة عليه، فإنّه حينئذٍ يكون ملكاً للناصب للشبكة، و لو أخذه غيره يجب أن يردّ الحيوان مع الشبكة إلى صاحبها الذي صار مالكاً له، كما هو غير خفيّ.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 345

آخر فأثبته فهو للثاني (1).

[مسألة 20: لو أطلق الصائد صيده، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه و لا يملكه غيره باصطياده]

مسألة 20: لو أطلق الصائد صيده، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه و لا يملكه غيره باصطياده، و إن قصد الإعراض و زوال ملكه عنه فالظاهر أنّه يصير كالمباح، جاز اصطياده لغيره و يملكه، و

ليس للأوّل الرجوع إليه بعد تملّكه على الأقوى (2).

______________________________

(1) لو رماه فأثّر في جرحه لكن لا بحيث يزول معه الامتناع، بل كان باقياً مع عروض الجرح أيضاً، فدخل مع هذا الوصف داراً لا يملكه صاحب الدار بمجرّد الدخول فيها، بل تحتاج الملكيّة إلى الأخذ الذي هو من الأسباب المملّكة كما عرفت «1»، فإن أخذه ملكه، و إلّا فلا، و كذلك لو رماه فأثّر في جرحه لكن لم يؤثّر في إثباته، لكن رماه شخص آخر فأزال عنه الامتناع فهو للثاني دون الأوّل، و الوجه فيه واضح بعد ملاحظة ما عرفت.

(2) لو أطلق الصائد صيده بعد صيرورته ملكاً له ففيه صورتان:

الاولى: ما لم يقصد الإعراض عنه و إن كان أطلقه، و في هذه الصورة لا يخرج الصيد عن ملكه لصيرورته ملكاً للصائد و لم يتحقّق الإعراض الموجب لزوال الملكيّة، و عليه لو اصطاده غيره بالإطلاق كذلك لا يملكه؛ لأنّ الشي ء الواحد لا يكون قابلًا لأن يكون له مالكان بتمامه.

الثانية: ما إذا قصد الإعراض و زوال ملكه عنه فالظاهر أنّه يصير كالمباح، فيجوز للغير اصطياده و تملّكه، كما أنّ الأمر كذلك في حيازة المباحات الموجبة

______________________________

(1) في ص 341.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 346

[مسألة 21: إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير]

مسألة 21: إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير و لو من جهة آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه، كما إذا كان طوق في عنقه، أو قرط في اذنه، أو شدّ حبل في أحد قوائمه، و لو علم ذلك لم يملكه الصائد، بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه، و إن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة. و أمّا الطير، فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما

علم أنّ له مالكاً، فيردّ إلى صاحبه إن عرف، و إن لم يعرف كان لقطة. و أمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد، إلّا إذا كان له مالك معلوم، فيجب ردّه إليه، و الأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً و لو من جهة وجود آثار اليد فيه و لم يعرفه أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير (1).

______________________________

لصيرورتها ملكاً له بالحيازة، لكنّه إذا أعرض عنه و قصد زوال ملكه يصير كالأوّل، فيجوز للغير الحيازة.

و ليعلم أنّه بعد اصطياد الغير له في المقام، و حيازة الغير في سائر المباحات الموجبين لصيرورته ملكاً للصائد الثاني أو المحيز كذلك لا يجوز للأوّل الرجوع، خصوصاً بعد كون مقتضى الاستصحاب بقاء زوال الملكيّة و عدم تأثير الرجوع في عودها، كما هو ظاهر.

(1) قد تعرّض في المسألة لحكم موردين:

الأوّل: الحيوان الذي يملك بالاصطياد غير الطير، و قد حكم في المتن بأنّ ملكيّته بالاصطياد إنّما هي فيما لم يعلم كونه ملكاً للغير؛ إمّا بالعلم الوجداني الذي يلحق به الاطمئنان العقلائي، و إمّا من جهة آثار اليد التي هي أمارة شرعاً و عرفاً على ثبوت الملك فيه لأحدٍ قبله، كما في الأمثلة المذكورة فيه. و أمّا في هذه الصورة

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 347

..........

______________________________

كالعلم أو ما بحكمه فلا يملكه الصائد بوجه، بل يجب عليه ردّه إلى صاحبه فيما لو كان معلوماً، و في صورة الجهل يترتّب عليه حكم اللقطة المذكور في محلّه.

الثاني: ما كان الحيوان الذي يريد تملّكه بالاصطياد طيراً، و قد فصّل فيه بين ما إذا كان مقصوص الجناحين، فيكون بحكم ما علم أنّ له مالكاً، فيردّ إلى صاحبه إن عرف، و إن لم يعرف كان لقطة، و

بين ما إذا كان الطير مالكاً لجناحيه فيتملّك بالاصطياد، إلّا إذا كان له مالك معلوم، فيجب ردّه إليه، و قد ورد في هذا المجال روايات متعدّدة:

منها: رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه «1».

و منها: موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد، و هو حلال لمن أخذه «2».

و منها: موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الطير يقع في الدار فنصيده و حولنا حمام لبعضهم، فقال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه، قال: قلت: يقع علينا فنأخذه و قد نعلم لمن هو، قال: إذا عرفته فردّه على صاحبه «3».

و منها: غير ذلك من الروايات.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 222 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 61 ح 259، و عنهما الوسائل: 23/ 389، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 37 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 223 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 61 ح 256، و عنهما الوسائل: 23/ 390، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 37 ح 3.

(3) مستطرفات السرائر: 57 ح 16، و عنه الوسائل: 23/ 390، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 37 ح 6 و البحار: 65/ 292 ح 56 و ج 104/ 251 ح 13.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 348

[مسألة 22: لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه]

مسألة 22: لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلًا، فيجوز لغيره صيده و يملك ما صاده، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها و إن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه،

و كذلك لو عشّش في بئر مملوكة و نحوها، فإنّه لا يملكه مالكها (1).

[مسألة 23: الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها]

مسألة 23: الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها، فمن أخذه من الجبال مثلًا و استولى عليه يملكه و يملك كلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسير بسيرة و تقف بوقوفه، و تدخل الكنّ و تخرج منه بدخوله و خروجه (2).

______________________________

ثمّ إنّه احتاط وجوباً في الذيل أن يعامل مع الطير أيضاً معاملة اللقطة إذا كان مالكه مجهولًا و لكن علم بوجوده و لو من جهة آثار اليد، و لعلّ الوجه فيه أنّه لا خصوصيّة للّقطة في ذلك، بل هي بمعناها الأعمّ شامل للطير أيضاً، فتدبّر.

(1) لو صنع برجاً لتعشيش الحمام كما هو المتداول المتعارف فعشّش فيه لم يكن مجرّد ذلك موجباً لملكيّة الحمام الذي يعيش فيه؛ لأنّ نفس صنع ذلك لا يكون من الأسباب المملّكة، خصوصاً لو لم يكن الغرض حيازة نفسه، بل حيازة زرقه و قصد تملكه، و عليه فيجوز لغيره صيده و يملك ما صاده، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها الآخذ و إن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه، و عليه فلو أخذه بأحد الوسائل الجديدة غير المستلزمة للدخول في البرج لم يكن هناك إثم أيضاً، و كذلك لو عشّش في بئر مملوكة و نحوها، فإنّ الجميع مشترك في عدم حصول الملكيّة لموجده بمجرّد إيجاده و تعيّش الطير فيه.

(2) الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها، فمن أخذه من الجبال مثلًا يملكه و كلّ ما هو أمير له و يسير بسيرة و يقف بوقوفه و يدخل الكنّ

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 349

[القول في ذكاة السمك]

اشارة

[القول في ذكاة السمك]

[مسألة 24: ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته]

مسألة 24: ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته؛ سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة و نحوها، فلو وثب على الجدّ، أو نبذه البحر إلى الساحل، أو نضب الماء الذي كان فيه، حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت، و حرم لو مات قبل أخذه و إن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى (1).

______________________________

المعبّر عنه في الفارسيّة (بكندو) و يخرج منه بدخوله و خروجه، و لعلّ الوجه في الكفاية التبعيّة الموجودة فيهم في جميع الحالات، بخلاف فرخ الطائر الذي يستقلّ إذا قدر على الطيران، و هذا يكشف عن عدم التبعيّة.

(1) ذكاة السمك الموجبة لحلّية أكل لحمه و إن لم تكن الطهارة متوقّفة عليها لعدم ثبوت نفس سائلة له حتّى تكون ميتتها نجسة بأحد أمرين:

الأوّل: إخراجه من الماء حيّاً و الموت خارج الماء.

الثاني: أخذه بعد خروجه منه قبل موته؛ سواء كان ذلك باليد أو بالآلة، و لا فرق في الخروج بين الأمثلة المذكورة في المتن. و يدلّ عليه رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سُئل عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ عليه؟ قال: لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه «1». و السؤال و إن كان ناظراً إلى اعتبار التسمية في صيد الحيتان و عدمه، إلّا أنّ الجواب دالّ على أنّ الملاك في الحلّية أخذه حيّاً، و مفاده عدم اعتبار التسمية بوجه، كما سيأتي في المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى، إلّا أنّ الأخذ حيّاً معتبر فيه، و مقتضى إطلاقه أمّا الإخراج من الماء حيّاً، أو أخذه بعد خروجه منه

______________________________

(1) الكافي: 6/ 216 ح 2، تهذيب الأحكام:

9/ 9 ح 29، الاستبصار: 4/ 63 ح 221، و عنها الوسائل: 23/ 385، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 33 ح 2 و ج 24/ 73، أبواب الذبائح ب 31 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 350

[مسألة 25: لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية]

مسألة 25: لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية، كما أنّه لا يعتبر في صائده الإسلام، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ؛ سواء كان كتابيّاً أو غيره. نعم، لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه، أو أخذه بعد خروجه و قبل موته، و لا يحرز ذلك بكونه في يده، و لا بقوله لو أخبر به، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها (1).

______________________________

كذلك، و عليه فلا دليل لأن يكون إدراكه حيّاً و لو كان ناظراً إليه موجباً للحلّية و تحقّق الذكاة، و يدلّ على هذا المضمون روايات متعدّدة أُخرى، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام مثل ذلك؛ يعني أنّه سُئل عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ عليه؟ قال: لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه. قال: و سألته عن صيد السمك و لا يسمّي؟ قال: لا بأس «1».

و رواية الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث إنّ زنديقاً قال له: السمك ميتة، قال: إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء، ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه، و ذلك أنّه ليس له دم، و كذلك الجراد «2». و روايات متعدّدة اخرى.

(1) أمّا عدم اعتبار الإسلام في صائد السمك

فلدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليه، و هناك روايات اخرى، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 9 ح 30، و عنه الوسائل: 24/ 73، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 31 ح 2.

(2) الاحتجاج: 2/ 238، قطعة من رقم 223 في سؤال الزنديق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، و عنه الوسائل: 24/ 75، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 31 ح 8 و البحار: 10/ 181 قطعة من ح 2 و ج 65/ 162 ذح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 351

[مسألة 26: لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد و لم يملكه السفّان و لا صاحب السفينة]

مسألة 26: لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد و لم يملكه السفّان و لا صاحب السفينة، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه. نعم، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها؛ بأن يجعل فيها ضوء بالليل، و دقّ بشي ء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها، فالوجه أنّه يملكها، و يكون و ثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً، فيكون به تذكيتها (1).

______________________________

عليه؟ قال: لا بأس به «1».

و أمّا اعتبار العلم بموته خارج الماء في صيرورته حلالًا فيما لو وجده في يد الكافر ميّتاً، و بعبارة اخرى: لزوم إحراز كون الإخراج حيّاً فيما كان في يد الكافر، فلدلالة رواية عيسى بن عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن صيد المجوس؟ فقال: لا بأس إذا أعطوكه حيّاً، و السمك أيضاً، و إلّا فلا تجوز شهادتهم عليه إلّا أن تشهده أنت «2».

و الظاهر أنّه ليس المراد هو الموت في يد المسلم، بل الموت خارج الماء و إن

لم يكن في يد المسلم، غاية الأمر أنّه لا تكفي شهادة المجوس عليه، بل اللازم مشاهدة نفسه إيّاها أو ما بحكم المشاهدة، بخلاف ما لو كان في يد المسلم، فإنّها أمارة على التذكية كسوق المسلمين الذي يتداول اشتراء الحيتان منه و إن لم تكن حيّة، كما هو غير خفيّ.

(1) لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ بمجرّد ذلك، لا للسفّان فيها

______________________________

(1) الكافي: 6/ 216 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 8 ح 28، الفقيه: 3/ 207 ح 951، و عنها الوسائل: 23/ 385، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 33 ح 1 و ج 24/ 73، أبواب الذبائح ب 31 ح 4.

(2) الكافي: 6/ 217 ح 8، تهذيب الأحكام: 9/ 10 ح 33، الاستبصار: 4/ 64 ح 229، و عنها الوسائل: 23/ 386، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 34 ح 1 و ج 24/ 76، أبواب الذبائح ب 32 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 352

[مسألة 27: لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع و احتبس فيهما ملكه]

مسألة 27: لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع و احتبس فيهما ملكه، فإن أُخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال، و كذا لو نضب الماء و غار و لو بسبب جزره فمات فيهما بعد نضوبه. و أمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان: أشرهما و أحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوّة، و لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً، و لم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه، فالأحوط الاجتناب عنه (1).

______________________________

و لا لصاحب السفينة؛ لأنّها حينئذٍ بمنزلة الساحل الذي

وثب سمكة عليه، و قد عرفت أنّ تملّكه يحتاج إلى الأخذ بقصد التملّك، و السفينة لا تكون آلة لاصطياد السمك نوعاً، بل لحمل الأشخاص أو الأشياء من طريق البحر أو ما هو بمنزلته.

نعم، لو فرض في بعض الموارد جعل السفينة أو قسمة منها آلة لاصطياد السمك كما في المثال المفروض في المتن فوثب السمك فيها، فاستوجه في المتن حصول الملكيّة بمجرّد الوثوب و إن لم يتحقّق الأخذ؛ لأنّ ذلك بمنزلة إخراجه حيّاً الموجب لحصول التذكية.

أقول: بل هو بمنزلة الآلة التي يتعارف بها اصطياد السمك، كالشبكة الموجبة لتحقّق حلّية ما وقع فيها.

(1) في المسألة صور:

الاولى: ما لو نصب شبكة كما هو المتعارف في هذه الأزمنة، أو صنع حظيرة في الماء لمنع السمك عن الخروج بعد الدخول فيها، فإن كان الغرض منهما الاصطياد للسمك، فكلّ ما وقع و احتبس فيهما ملكه مطلقاً و إن كان ميّتاً. نعم، في صورة الإخراج من الماء حيّاً يكون حلالًا بلا إشكال، و كذا لو نضب الماء و غار و لو

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 353

[مسألة 28: لو أخرج السمك من الماء حيّاً]

مسألة 28: لو أخرج السمك من الماء حيّاً، ثمّ أعاده إليه مربوطاً أو غير مربوط فمات فيه حرم (1).

[مسألة 29: لو طفا السمك على الماء و زال امتناعه بسببٍ]

مسألة 29: لو طفا السمك على الماء و زال امتناعه بسببٍ، مثل أن ضرب بمضراب، أو بلع ما يسمّى ب «الزهر» في لسان بعض الناس، أو غير ذلك، فإن أدركه شخص و أخذه و أخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ، و إن مات على الماء حرم. و إن ألقى «الزهر» أحدٌ فبلعه السمك و صار على وجه الماء و زال

______________________________

بسبب الجزر فمات في الشبكة أو الحظيرة يكون الحكم كذلك.

الثانية: صورة العلم بالموت في الماء في الشبكة أو الحظيرة، و فيه قولان: الأشهر «1» و الأحوط عدم الحلّية، بل نفى في المتن خلوّه عن القوّة، لكنّ الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ الموت في الشبكة أو الحظيرة بمنزلة الموت في اليد، إذ لا يكون المراد باليد الجارحة المخصوصة، بل ما يوجب السلطة على الحيوان و حبسه عن الامتناع و الفرار، و المفروض تحقّق ذلك بالإضافة إليهما، كما لا يخفى.

الثالثة: ما لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً و لم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه، فاحتاط في المتن وجوباً الاجتناب عن الجميع، لكن مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثانية التفصيل بين صورة العلم بوقوع الموت في الآلة فهو حلال، و غيره فهو حرام.

(1) لو أخرج السمك من الماء حيّاً ثمّ أعاده إليه، فمات فيه فهو حرام؛ من دون فرق بين أن يكون الماء مرتبطاً به أم لا، لعدم الفرق.

______________________________

(1) رياض المسائل: 12/ 125 126.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 354

امتناعه، فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه، فلو

أخذه غيره ملكه؛ من غير فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا، و إن كان بقصد الاصطياد و التملّك، فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له، فلا يملكه غيره بالأخذ. و كذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشي ء آخر كاستعمال آلة، كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء. و بالجملة: لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد و التملّك مطلقاً موجبة للملكيّة كالحيازة (1).

______________________________

(1) لو طفا السمك على الماء و وقع فوقه و زال وصف امتناعه و فراره بسببٍ، مثل المثالين المذكورين في المتن، فإن أدركه شخص و أخذه و أخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ، و إن مات على الماء فهو حرام.

و إن ألقى «الزهر» أحدٌ فابتلعه السمك و وقع على وجه الماء و زال امتناعه و فراره، فإن لم يكن عمله ذلك بقصد الاصطياد لم يملكه، فلو أخذه غيره ملكه؛ من دون فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا. و إن كان بقصد الاصطياد و التملّك، فنفى البُعد في المتن عن أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له بحيث لم يكن يحتج إلى الأخذ، فلا يملكه غيره بالأخذ، لسبق ملكيّته. و كذا إذا كان إزالة امتناعه بشي ء آخر، كاستعمال آلة؛ كالرمي بالرصاص فوقع على وجه الماء.

و بالجملة: فنفى البُعد عن أن تكون إزالة وصف الامتناع عنه مقروناً بقصد الاصطياد و التملّك مطلقاً موجبة للملكيّة كالحيازة.

و لكن ينبغي أن يعلم أنّ الملكيّة أمر، و حلّية اللحم أمر آخر، فإذا اشترى إنسان سمكة من مالكها يملكها بالشراء، لكن لو فرض موته في داخل ماء حوضه مثلًا لا يكون أكله حلالًا؛ لعدم أخذه من الماء حيّاً، كما عرفت أنّه الملاك

في حلّية أكل اللحم.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 355

[مسألة 30: لا يعتبر في حلّية السمك]

مسألة 30: لا يعتبر في حلّية السمك بعد ما أُخرج من الماء حيّاً أو أُخذ حيّاً بعد خروجه أن يموت خارج الماء بنفسه، فلو قطعه قبل أن يموت و مات بالتقطيع أو غيره حلّ أكله، بل لا يعتبر في حلّه الموت رأساً، فيحلّ بلعه حيّاً، بل لو قطع منه قطعة و أُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه؛ سواء مات الباقي في الماء أم لا. نعم، لو قطع منه قطعة و هو في الماء حيّ أو ميّت لم يحلّ ما قطعه (1).

______________________________

كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ الملاك هي الحلّية بالأصالة لا مطلقاً، فإذا غصب إنسان حيواناً و ذبحه على الطريق الشرعي يكون أكل لحمه حلالًا من حيث وقوع التذكية عليه، و إن كان حراماً من جهة الغصبية و التصرّف في مال الغير بدون إذنه، و عليه فحصول الملكيّة كالحيازة لا يستلزم الحلّية، بل الملاك في كلّ واحد منهما أمر مستقلّ عن الآخر، و لا ملازمة بينهما أصلًا، كما لا يخفى.

(1) المستفاد من الروايات الواردة في حلّية السمك هو أنّ الاعتبار بالإخراج من الماء حيّاً أو أخذه حيّاً بعد خروجه، في مقابل الموت في الماء، و أمّا أنّ موته خارج الماء لا بدّ و أن يكون مسبّباً عن نفس الكون خارج الماء، نظراً إلى أنّ السمك لا يعيش كذلك فلا، فلو قطعه قبل أن يموت و مات بالتقطيع حلّ أكله؛ لأنّ المفروض إخراجه من الماء حيّاً و وقوع الموت خارج الماء، بل لا يعتبر في الحلّية الموت خارج الماء أصلًا، بل يجوز ابتلاعه حيّاً، كما هو المعروف في معالجة بعض الأمراض بابتلاع صغار

الحيتان في حال الحياة، بل لو قطع منه قطعة خارج الماء و أُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه، سواء مات الباقي في الماء أم لا. نعم، لو قطع منه قطعة و هو في الماء سواء كان حيّاً أم ميّتاً لم يحلّ ما قطعه؛ لأنّ ظاهر الروايات أخذ الحوت من الماء حيّاً، لا قطعة منه و لو كانت كبيرة.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 356

[مسألة 31: ذكاة الجراد أخذه حيّاً؛ سواء كان باليد أو بالآلة]

مسألة 31: ذكاة الجراد أخذه حيّاً؛ سواء كان باليد أو بالآلة، فلو مات قبل أخذه حرم، و لا يعتبر فيه التسمية، و لا الإسلام، كما مرّ في السمك. نعم، لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً، و لا تجدي يده و لا أخباره في إحرازه (1).

______________________________

و يدلّ على بعض المطلوب رواية أبي أيّوب أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت، أتوكل؟ فقال: لا «1».

و رواية عبد الرحمن بن سيابة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن السمك يصاد، ثمّ يُجعل في شي ء، ثمّ يُعاد في الماء فيموت فيه؟ فقال: لا تأكله؛ لأنّه مات في الذي فيه حياته «2»، و غير ذلك من الروايات.

(1) الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة:

منها: صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الجراد نصيبه ميّتاً في الماء أو في الصحراء، أ يؤكل؟ قال: لا تأكله. قال: و سألته عن الدّبا من الجراد أ يؤكل؟ قال: لا، حتّى يستقلّ بالطيران. و في كتاب عليّ بن جعفر عن الدبا، هل يحلّ أكله؟ قال: لا يحلّ أكله حتّى يطير «3».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 217

ح 4، الفقيه: 3/ 206 ح 944، تهذيب الأحكام: 9/ 11 ح 41، و عنها الوسائل: 24/ 79، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 33 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 216 ح 3، الفقيه: 3/ 206 ح 945، تهذيب الأحكام: 9/ 11 ح 40، و عنها الوسائل: 24/ 79، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 33 ح 2.

(3) الكافي: 6/ 222 ح 3، قرب الإسناد: 277 ح 1099 و 1101، تهذيب الأحكام: 9/ 62 ح 264، مسائل علي بن جعفر: 192 ح 396، وص 109 ح 18، و عنها الوسائل: 24/ 87، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 37 ح 1، و في البحار: 65/ 194 ح 13 عن القرب و المسائل.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 357

[مسألة 32: لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحلّ و إن قصده المحرق.]

مسألة 32: لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحلّ و إن قصده المحرق. نعم، لو مات بعد أخذه بأيّ نحوٍ كان حلّ، كما أنّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد؛ بأنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف و ألقت أنفسها فيها، فاجّجت لذلك فاجتمعت و احترقت بها لا يبعد حلّيتها (1).

______________________________

و منها: موثّقة مسعدة بن صدقة قال: سُئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن أكل الجراد؟ فقال: لا بأس بأكله، ثمّ قال عليه السلام: إنّه نثرة «1» من حوت في البحر، ثمّ قال: إنّ عليّاً عليه السلام قال: إنّ الجراد و السمك إذا خرج من الماء فهو ذكيّ، و الأرض للجراد مصيدة، و للسمك قد تكون أيضاً «2».

و منها: رواية عمرو بن هارون الثقفي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

الجراد ذكّي فكُله، و أمّا ما مات في البحر فلا تأكله «3».

ثمّ إنّك عرفت «4» أنّه لو وجد السمك ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً، و لا يجدي يده و لا أخباره في إحرازه، كذلك الجراد مثله.

(1) لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد، لا يحلّ بذلك و إن كان قصد المحرق هذه الجهة، بل يحتاج إلى الأخذ باليد و موته بعده بأيّ نحو كان.

______________________________

(1) قال في مجمع البحرين: و النثرة للدوابّ: شبه العطسة، و منه الحديث: الجراد هو نثرة من حوت البحر، أي عطسته.

(2) الكافي: 6/ 221 ح 1، قرب الإسناد: 50 ح 162، تهذيب الأحكام: 9/ 62 ح 262، و عنها الوسائل: 24/ 87، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 37 ح 3 و في البحار: 65/ 201 ح 24 عن القرب.

(3) الكافي: 6/ 222 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 62 ح 263، و عنهما الوسائل: 24/ 88، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 37 ح 4.

(4) في ص 351.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 358

[مسألة 33: لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران]

مسألة 33: لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران؛ و هو المسمّى ب «الدبى» على وزن «عصا»؛ و هو الجراد إذا تحرّك و لم تنبت بعد أجنحته (1).

______________________________

نعم، لو فرض كون النار آلة لصيد الجراد، نظراً إلى أنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف و ألقت نفسها فيه، فأجّجت لهذا الغرض فاجتمعت و أُحرقت بها، فقد نفى البُعد عن حلّيتها.

و يؤيّده رواية عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سُئل عن السمك يشوى و هو حيّ؟ قال: نعم، لا بأس

به. و سُئل عن الجراد إذا كان في قراح، فيحرق ذلك القراح، فيحرق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال: لا «1». و الظاهر أنّ المراد بالقراح هي الآلة المعدّة لنضج المشويّات، و لعلّه الذي يعبّر عنه بالفارسية ب «ساج».

(1) وقع التصريح بذلك في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة في المسألة السابقة الدالّة على حرمة الجراد الذي لا يستقلّ بالطيران لصغره و أنّه هو المسمّى ب «الدّبى».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 62 ح 265، و عنه الوسائل: 24/ 88، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 37 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 359

[الذباحة]

اشارة

الذباحة و الكلام في الذابح، و آلة الذبح و كيفيّته، و بعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل:

[مسألة 1: يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه]

مسألة 1: يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أو غيره حتّى الكتابي على الأقوى، و لا يشترط فيه الإيمان، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب و إن أظهر الإسلام (1).

______________________________

(1) أمّا اشتراط أن يكون الذابح مسلماً أو ما بحكمه، كالمتولّد منه المحكوم بالإسلام، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه المتسالم عليه ظاهراً، بحيث يعدّ كأنّه من الضروريات عند المسلمين الروايات الكثيرة الدالّة عليه، و في جملة منها: أنّها هو الاسم، و لا يؤمن عليه إلّا مسلم «1»، نظراً إلى قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «2»، و في بعضها التصريح بأنّ المسيحي يقول باسم المسيح «3»، و في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 24/ 48 59، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، ب 26 ح 1، 6، 7، 10 و ب 27 ح 2، 4، 8، و 24.

(2) سورة الأنعام: 6/ 121.

(3) وسائل الشيعة: 24/ 49، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 26 ح 3 وص 53 ب 27 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 360

..........

______________________________

بعضها النهي عن ذبيحة اليهود و النصارى، و في بعضها تعابير اخرى «1»، و المستفاد من جميعها اعتبار الإسلام في الذابح.

فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أو غيره، كتابيّاً أو غيره، و نحن و إن اخترنا في بحث أعيان النجاسات طهارة الكتابي بالأصالة «2»، إلّا أنّ مسألة الطهارة أمر، و حلّية الذبيحة أمر آخر لا ارتباط بينهما.

و أمّا الإيمان، فلا دليل على اشتراطه و اعتباره،

خصوصاً مع ابتلاء الشيعة بأكل ذبيحة غيرهم في السفر إلى بيت اللّٰه الحرام و زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه و آله و أئمّة البقيع عليهم السلام، فالظاهر حلّية ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا من يكون محكوماً بالكفر و إن كان منتحلًا للإسلام، كالناصب و نحوه، و لا يختصّ عدم الحلّية بالناصب، كما يشعر به عبارة المتن.

و في رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: ذبيحة الناصب لا تحلّ «3».

و في رواية أُخرى لأبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: لا تحلّ ذبائح الحرورية «4».

و استثناء صورة الضرورة كما في رواية زكريّا بن آدم قال: قال أبو الحسن عليه السلام: إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه و أصحابك، إلّا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 24/ 48 66، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 26 و 27.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 207 233.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 71 ح 301، الاستبصار: 4/ 87 ح 332، و عنهما الوسائل: 24/ 67، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 2.

(4) تهذيب الأحكام: 9/ 71 ح 302، الاستبصار: 4/ 87 ح 333، و عنهما الوسائل: 24/ 67، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 361

[مسألة 2: لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك، فتحلّ ذبيحة المرأة فضلًا عن الخُنثى]

مسألة 2: لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك، فتحلّ ذبيحة المرأة فضلًا عن الخُنثى، و كذا الحائض و الجنب و النفساء و الطفل إذا كان مميّزاً، و الأعمى و الأغلف و ولد الزنا (1).

______________________________

وقت الضرورة إليه «2» فإنّما هو

بالإضافة إلى غير مثل الناصب، فالنهي محمول على الكراهة. كما أنّ رواية حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي «1»، لا بدّ من حملها على التقيّة؛ لعدم الفرق في الحرمة بين التسمية و عدمها.

ثمّ إنّ عدم اعتبار الإيمان في الذبح إنّما هو في الذبح العادي. و أمّا في الذبح الذي هو من العبادات، كالذبح في منى يوم النحر، فقد يقال باعتبار الإيمان، نظراً إلى عدم صحّة عبادة غير المؤمن، فلا تجوز استنابته للذبح في ذلك اليوم، و إن اخترنا الجواز بالكيفيّة التي ذكرناها في كتاب الحجّ «12»، فراجع، لكن عدم تحقّق الذبح العبادي لا يستلزم عدم تحقّق الذبح المحلّل للأكل و تحقّق التذكية، كما هو غير خفيّ.

(1) أمّا عدم اشتراط الذكورة في الذبح فيدلّ عليه روايات كثيرة:

منها: رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث، أنّه سُئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال: إذا كانت مسلمة فذكرت اسم اللّٰه عليها فكُلْ «13».

______________________________

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 70 ح 298، الاستبصار: 4/ 86 ح 330، و عنهما الوسائل: 24/ 67، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 5.

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 72 ح 304، الاستبصار: 4/ 87 ح 335، و عنهما الوسائل: 24/ 68، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 7.

(12) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج: 5/ 255 256.

(13) الكافي: 6/ 237 ذ ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 73 ذح 309، و عنهما الوسائل: 24/ 44، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 23 ح 6.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 362

..........

______________________________

و في صحيحة سليمان

بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال: إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّٰه على ذبيحتها حلّت ذبيحتها، و كذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة فذكر اسم اللّٰه، و ذلك إذا خيف فوت الذبيحة و لم يوجد من يذبح غيرهما «1».

و القيد المذكور في الذيل كبعض الروايات الظاهرة في الجواز في صورة الضرورة إنّما هو لأجل عدم وصول النوبة إلى المرأة و الغلام في غير هذه الصورة، و يؤيّده أنّ في بعض الروايات أنّه كانت لعليّ بن الحسين عليهما السلام جارية تذبح له إذا أراد، بل ورد ذلك في روايات متعدّدة «2».

و أمّا عدم اشتراط البلوغ، فيدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى ما ذكر روايات متعدّدة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن ذبيحة الصبي؟ فقال: إذا تحرّك و كان له خمسة أشبار و أطاق الشفرة، الحديث «3»، إذا تحرّك أي صار حَرِكاً، و الحَرِك ك «كَتِف»: الغلام الخفيف الذكي «4».

و منها: رواية مسعدة بن صدقة قال: سُئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن ذبيحة الغلام؟ فقال: إذا قوي على الذبح، و كان يحسن أن يذبح، و ذكر اسم اللّٰه عليها

______________________________

(1) الكافي: 6/ 237 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 73 ح 308، الفقيه: 3/ 212 ح 983، و عنها الوسائل: 24/ 45، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 23 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 24/ 43 45، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 23 ح 2 و 4 و 9.

(3) الكافي: 6/ 237 ح 1، الفقيه: 3/ 212 ح 981، تهذيب الأحكام: 9/ 73 ح 310، و عنها الوسائل:

24/ 42، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 22 ح 1.

(4) المنجد: 128، الصحاح: 2/ 1194.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 363

..........

______________________________

فكُلْ، الحديث «1».

و منها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار أُكلت ذبيحته «2»، و لعلّ التقييد بخمسة أشبار ليس لأجل خصوصيّة فيه، بل لأجل حصول القوّة على الذبح نوعاً عند ذلك.

ثمّ إنّ هذه المسألة لا ترتبط بمسألة شرعيّة عبادات الصبيّ و عدمها، التي هي من القواعد الفقهية؛ لأنّه لو لم نقل بالشرعية على خلاف ما اخترناه «3»، لكنّه لا يستلزم اشتراط البلوغ في الذابح، و عدم حلّية أكل لحم الحيوان المذبوح بذبح الصغير؛ لعدم الارتباط بين الأمرين، و عدم الملازمة في البين.

و أمّا عدم اعتبار عدم الجنابة فلروايات:

منها: موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: و لا بأس أن يتنوّر الجنب و يحتجم و يذبح «4».

و أمّا الاكتفاء بذبح الأغلف، فيدلّ عليه رواية مسعدة بن صدقة، عن جعفر عليه السلام أنّه سئل عن ذبيحة الأغلف؟ قال: كان عليّ عليه السلام لا يرى به بأساً «5».

و يدلّ على حلّية ذبيحة ولد الزنا رواية صفوان بن يحيى، قال: سأل المرزبان

______________________________

(1) الكافي: 6/ 237 صدر ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 73 صدر ح 309، و عنهما الوسائل: 24/ 42، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 22 ح 2.

(2) الكافي: 6/ 238 ح 8، و عنه الوسائل: 24/ 42، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 22 ح 3.

(3) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 341 356.

(4) الكافي: 3/ 51 ح 12، تهذيب الأحكام: 1/ 130

ح 357، الاستبصار: 1/ 116 ح 391، و عنها الوسائل: 24/ 32، كتاب الصيد و الذبائح ب 17 ح 2.

(5) قرب الإسناد: 50 ح 161، و عنه الوسائل: 24/ 32، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 17 ح 3 و البحار: 65/ 320 ح 20.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 364

[مسألة 3: لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد؛ ص: 364

مسألة 3: لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ و إن كان من المعادن المنطبعة؛ كالصفر و النحاس و الذهب و الفضّة و غيرها. نعم، لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها، أو اضطرّ إليه، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح؛ و لو كان قصباً أو ليطة أو حجارة

______________________________

أبا الحسن عليه السلام عن ذبيحة ولد الزنا قد عرفناه بذلك؟ قال: لا بأس به، و المرأة و الصبيّ إذا اضطرّوا إليه «1»، و يحتمل أن يكون القيد ناظراً إلى خصوص المرأة و الصبيّ، و قد عرفت أنّه في هذه الصورة لا داعي إلى كون أحدهما ذابحاً مع إمكان غيره كما هو الغالب، و على أيّ فلا دلالة للرواية على الاختصاص بصورة الضرورة؛ لأنّه معها يحلّ أكل الميتة من أيّ طريق تحقّقت، كما هو ظاهر.

كما أنّه يدلّ على حلّية ذبيحة الأعمى رواية ابن أُذينة، عن غير واحد رووه، عنهما عليهما السلام جميعاً: أنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح و سمّت فلا بأس بأكله، و كذلك الصبيّ، و كذلك الأعمى

إذا سدّد «2».

و أمّا عدم اعتبار الخلوّ من الحيض و النفاس، فلأنّ الذبح لا يكون عبادة حتّى يحتمل كونهما مانعين عنه، و قد عرفت أنّ عباديّة الذبح بمنى لا تستلزم عدم حصول الحلّية لو لم تقع عبادة، و في المرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه سُئل عن الذبح على غير طهارة، فرخّص فيه «3».

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 210 ح 969، و عنه الوسائل: 24/ 47، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 25 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 238 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 73 ح 311، الفقيه: 3/ 212 ح 982، و عنها الوسائل: 24/ 45، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 23 ح 8.

(3) دعائم الإسلام: 2/ 178 ح 643 و عنه مستدرك الوسائل: 16/ 139، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد ب 15 ح 1 و بحار الأنوار: 65/ 329 ح 59.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 365

حادّة أو زجاجة أو غيرها. نعم، في وقوع الذكاة بالسنّ و الظفر مع الضرورة إشكال، و إن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان، و الأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً، و إن كان الوقوع لا يخلو من قرب (1).

______________________________

(1) لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره لم يحلّ و إن كان من المعادن المنطبعة، كالأمثلة المذكورة في المتن، و أمّا الآلة المسمّاة ب «استيل» فقد حقّقنا من المتخصّصين المتمركزين في بعض الأمكنة التي فيها معدن الحديد بواسطة بعض الموثّقين من الروحانيّين: أنّها حديدة أيضاً لا شي ء آخر، غاية الأمر أنّها النوع الممتاز من الحديد، و قد حكى الواسطة عنهم أنّ كلمة «استيل» في لغة اللاتين

بمعنى الحديد الممتاز، و لذا أجبنا في جواب الاستفتاءات الكثيرة الواقعة مخصوصاً بلحاظ الذبح يوم النحر بجواز الاستفادة منها، خصوصاً مع شدّة الابتلاء بها و كثرة الاستفادة منها.

و كيف كان، يدلّ على انحصار الآلة بالحديد في حال الاختيار روايات كثيرة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذبيحة بالليطة و بالمروة؟ فقال: لا ذكاة إلّا بحديدة «1».

قال في مجمع البحرين: اللِّيطة هي قِشرُ القَصَبة و القناة. و قال فيه أيضاً: المَرْوُ حجارة بيضاء برّاقة تُقدَح منها النار «2».

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن ذبيحة العود

______________________________

(1) الكافي: 6/ 227 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 51 ح 211، الاستبصار: 4/ 79 ح 294، و عنها الوسائل: 24/ 7، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 1 ح 1.

(2) مجمع البحرين: 3/ 1664 و 1690.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 366

..........

______________________________

و الحجر و القصبة؟ فقال: قال عليّ عليه السلام: لا يصلح إلّا بالحديدة «1».

و منها: رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، أنّه قال: لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة «2».

و منها: رواية سماعة بن مهران قال: سألته عن الذكاة؟ فقال: لا تذكّ إلّا بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام «3».

و لكن في مقابلها روايات دالّة على الجواز بغير الحديد في صورة الضرورة.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكّيناً؟ فقال: إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك «4».

و منها: رواية زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل لم

يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به «5».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 227 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 51 ح 212، الاستبصار: 4/ 80 ح 295، و عنها الوسائل: 24/ 7، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 1 ح 2.

(2) الكافي: 6/ 227 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 51 ح 209، الاستبصار: 4/ 79 ح 292، و عنها الوسائل: 24/ 8، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 1 ح 3.

(3) الكافي: 6/ 227 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 51 ح 210، الاستبصار: 4/ 79 ح 293، و عنها الوسائل: 24/ 8، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 1 ح 4.

(4) الفقيه: 3/ 208 ح 954، الكافي: 6/ 228 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 52 ح 214، الاستبصار: 4/ 80 ح 297، و عنها الوسائل: 24/ 8، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 2 ح 1.

(5) الكافي: 6/ 228 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 51 ح 213، الاستبصار: 4/ 80 ح 296، و عنها الوسائل: 24/ 9، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 2 ح 3 وص 25 ب 12 ح 3.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 367

..........

______________________________

و منها: رواية محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام في الذبيحة بغير حديدة، قال: إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر «3».

و مقتضى الجمع حمل الطائفة الأُولى المطلقة على صورة الاختيار، بقرينة الطائفة الثانية الواردة في مورد الاضطرار، لكن الضرورة المسوّغة للذبح بغير الحديد من الأُمور المذكورة لا

بدّ أن تكون ناشئة إمّا من ناحية الحيوان لأجل الخوف على تلفه مع الصبر إلى القدرة على الحديد، و إمّا أن تكون جائية من قبل الشخص لأجل الاضطرار إلى أكل لحمه فوراً، و إلّا فمجرّد إرادة الذبح و لو مع عدم الضرورتين معاً غاية الأمر عدم وجود الحديد فعلًا، و من الممكن الوصول إليه بعداً لا تجوّز الذبح بغير الحديد، فتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّه استدرك في المتن وقوع الذكاة بالسنّ أو الظفر و لو في حال الضرورة، و استشكل فيه أوّلًا، و إن نفى الخلوّ عن الرجحان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ، و احتاط بالاجتناب مع الانفصال أيضاً، و إن نفى الخلوّ عن القرب في الوقوع في هذه الصورة.

و المنشأ دلالة بعض الروايات المتقدّمة على الجواز بالعظم في مورد الضرورة، و دلالة بعض الروايات على العدم و لو في مورد الضرورة؛ و هي الرواية المرويّة عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، أنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة و العود و أشباههما ما خلا السنّ و العظم «1»، فإنّها ظاهرة بقرينة

______________________________

(3) الكافي: 6/ 228 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 52 ح 215، الاستبصار: 4/ 80 ح 298، و عنها الوسائل: 24/ 9، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 2 ح 4.

(1) قرب الإسناد: 106 ح 363، و عنه الوسائل: 24/ 10، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 2 ح 5 و البحار: 65/ 321 ح 21.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 368

[مسألة 4: الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة]

مسألة 4: الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة: الحلقوم؛ و هو مجرى النفس دخولًا و خروجاً، و المري ء؛

و هو مجرى الطعام و الشراب، و محلّه تحت الحلقوم، و الودجان؛ و هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو

______________________________

أنّ عدم البأس بذبيحة المروة و العود منحصر بصورة الضرورة في أنّ السنّ و العظم لا يجديان في هذه الصورة أيضاً.

و الجمع بينهما على ما يظهر من المتن بالفرق بين صورتي الاتّصال و الانفصال لا شاهد له، إلّا أن يقال بأنّه في صورة الاتّصال لا يظهر فري الأوداج الأربعة نوعاً، و هذا مضافاً إلى أنّه خلاف المفروض لا دليل عليه، و إن ذكر صاحب الوسائل عقيب نقل هذه الرواية: لعلّه مخصوص بالعظم الذي لا يقطع الأوداج، أو محمول على الكراهة، و لعلّ الثاني أولى. و المحكيّ عن أبي حنيفة الفرق بينهما، فمنع في الأوّل و أجاز في الثاني «1»، و إليه أشار في المسالك، حيث قال في المحكيّ عنها: و ربما فرّق بين المتّصلين و المنفصلين؛ من حيث إنّ المنفصلين كغيرهما من الآلات، بخلاف المتّصلين، فإنّ القطع بهما يخرج عن مسمّى الذبح، بل هو أشبه بالأكل و التقطيع، و المقتضي للذكاة هو الذبح، و يحمل النهي في الخبر على المتّصلين جمعاً، انتهى «2». و في محكيّ الرياض احتاط بالمنع مطلقاً «3»، و الظاهر ما ذكرنا.

______________________________

(1) الخلاف: 6/ 23 مسألة 22، شرح معاني الآثار: 4/ 183 184، الحاوي الكبير: 19/ 33، المحلّى بالآثار: 6/ 137 مسألة 1052، النتف في الفتاوى: 147، المبسوط للسرخسي: 12/ 2، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: 3/ 422، بدائع الصنائع: 4/ 158 159، الهداية شرح بداية المبتدي: 4/ 397، بداية المجتهد: 1/ 468، المغني لابن قدامة: 11/ 43، الشرح الكبير لابن قدامة: 11/ 50، تبيين الحقائق لشرح كنز الدقائق: 5/ 290، اللباب في

شرح الكتاب: 3/ 227.

(2) مسالك الأفهام: 11/ 472.

(3) رياض المسائل: 12/ 96.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 369

المري ء، و ربما يطلق على هذه الأربعة: الأوداج الأربعة، و اللازم قطعها و فصلها، فلا يكفي شقّها من دون القطع و الفصل (1).

[مسألة 5: محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة]

مسألة 5: محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة، و اللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان

______________________________

(1) قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بوجوب قطع الأعضاء الأربعة: و لا يجزئ قطع بعضها مع الإمكان، و هذا في قول مشهور، و في الرواية: إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس «1»، و الظاهر أنّ المراد بها هي صحيحة زيد الشحّام السابقة، لكن في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج السابقة الواردة في مورد المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكِّيناً، قال عليه السلام: «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» و من البعيد اختصاص فري الأوداج بصورة الضرورة، بحيث يكون مرجعه إلى عدم الاعتبار في صورة عدمها، كما أنّ احتمال إرادة خصوص الودجين و لو من باب التجوّز خلاف الظاهر، و على فرض التعارض فموافقة الشهرة «2» التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مراراً تقتضي الأخذ بصحيحة ابن الحجّاج و الالتزام بفري الأوداج الأربعة، و إطلاقها على الحلقوم و المري ء مع أنّ المحيط بهما هو الودجان فقط إنّما هو لعدم إمكان القطع بدونه.

ثمّ إنّ التعبير بالقطع كما في بعض الروايات المتقدّمة، أو بالفري كما في البعض الآخر، يدلّ على أنّ المعتبر هو القطع، فلا يكفي الشقّ و الفصل من دون تحقّق عنوان القطع.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 205.

(2) مسالك الأفهام: 11/ 473

474، رياض المسائل: 12/ 97 98.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 370

ب «الجوزة» و جعلها في الرأس دون الجثّة و البدن، بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها، و لم يقع الذبح من تحتها، لم تقطع الأوداج بتمامها، و هذا أمر يعرفه أهل الخبرة، فإن كان الأمر كذلك، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته، كما أنّه يلزم أن يكون شي ء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت و انفصلت عمّا يلي الرأس (1).

______________________________

(1) لا شبهة في اعتبار إحراز فري الأوداج الأربعة في الحكم بالحلّية، و في المتن: أنّ اللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان ب «الجوزة» و جعلها في الرأس دون الجثّة و البدن إلخ، و قد ذكر صاحب الجواهر قدس سره بعد اعتبار فري الأوداج الأربعة كما ذكرنا، أنّه بقي شي ء كثر السؤال عنه في زماننا هذا؛ و هو دعوى تعلّق الأعضاء الأربعة ب «الخرزة» التي تكون في عنق الحيوان المسمّاة ب «الجوزة» على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع، أو لم يعلم بذلك و إن قطع نصف الجوزة، و لكن لم أجد لذلك أثراً في كلام الأصحاب و لا في النصوص، و المدار على صدق قطعها تماماً أجمع، و ربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك؛ و هم الذين أُشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح و يجيده «1»، انتهى.

و كيف كان، فلا دليل على اعتبار الأمر المذكور عدا لزوم إحراز فري الأوداج الأربعة فقط، و اللازم

الرجوع إلى أهل الخبرة، كما أنّه ذكر في الذيل أنّه يلزم أن يكون مقدار يسير من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت

______________________________

(1) جواهر الكلام: 36/ 109.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 371

[مسألة 6: يشترط أن يكون الذبح من القدّام]

مسألة 6: يشترط أن يكون الذبح من القدّام، فلو ذبح من القفا و أسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت. نعم، لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق؛ بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء و قطعها إلى الفوق، لم تحرم الذبيحة و إن فعل مكروهاً على الأوجه، و الأحوط ترك هذا النحو (1).

______________________________

و انفصلت عمّا يلي الرأس، و الوجه فيه واضح.

(1) أمّا اشتراط أن يكون الذبح من القدّام متفرّعاً عليه، أنّه لو ذبح من القفا و أسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح، فالظاهر أنّ الوجه فيه عدم استقرار الحياة مع الذبح كذلك حين فري الأوداج و قطعه، و لذا يتحقّق منه السرعة إلى قطع الأوداج قبل خروج الروح، و سيأتي البحث في ذلك مفصّلًا إن شاء اللّٰه تعالى موضوعاً و حكماً.

و أمّا لو تحقّق القطع من القدّام لكن لا من الفوق؛ بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء و قطعها إلى الفوق، فقد قال المحقّق في الشرائع: و يعني و كذا يكره أن تقلّب السكين فيذبح إلى الفوق، و قيل فيهما: يحرم، و الأوّل أشبه «1»، معلّلًا له في الجواهر بقول الصادق عليه السلام في خبر حمران: و لا تقلّب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق «2» «3»، و القائل بالحرمة بعض القدماء «4»، لكن الرواية قاصرة عن

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 206.

(2) الكافي: 6/ 229

ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 55 ح 227، و عنهما الوسائل: 24/ 10، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

(3) جواهر الكلام: 36/ 136.

(4) النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى: 584، المهذّب: 2/ 440.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 372

[مسألة 7: يجب التتابع في الذبح]

مسألة 7: يجب التتابع في الذبح؛ بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح، فلو قطع بعضها و أرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد، و لا يعدّ معه عملًا واحداً عرفاً، بل يعدّ عملين و إن استوفى التمام قبل خروج الروح منها (1).

[مسألة 8: لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذباحة]

مسألة 8: لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذباحة، فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة و لو يسيرة بعد الذبح و قطع الأوداج

______________________________

إفادة الحرمة لقرائن دالّة على ذلك، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي ترك هذا النحو أيضاً.

(1) الوجه في وجوب التتابع في الذبح و لزوم استيفاء قطع الأعضاء الأربعة قبل زهوق الروح أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ زهاق الروح لا بدّ و أن يكون مستنداً إلى قطع الأوداج الأربعة بتمامها، بحيث كان قطع كلّ عضو علّة ناقصة لتحقّق الزهوق، و عليه لو قطع بعض تلك الأعضاء و أرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي و لم يكن له أثر في الزهوق أصلًا حرمت، بل في المتن النهي عن ترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف، بحيث يعدّ عملين و إن كان استيفاء التمام قبل خروج الروح منها؛ لأنّ المنساق من الأدلّة و المنصرف منها كون الذبح الذي هو السبب في زهوق الروح عملًا واحداً و فعلًا فارداً، لا أعمالًا متعدّدة أو عملين كذلك، فالنهي عن ترك الاحتياط المذكور في محلّه، كما أنّ مقتضى الاحتياط صدور العمل الواحد من شخص واحد لا من شخصين أو أزيد، و لعلّه سيجي ء الكلام فيه.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 373

حلّت، و

إن كان لها حركة و لو يسيرة قبل الذبح ذبحت، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت، و إلّا فإن لم تتحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرُمت، و إن تحرّكت قبله و لم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال (1).

______________________________

(1) قال المحقّق في الشرائع: إذا قُطِعت رقبة الذبيحة، و بقيت أعضاء الذباحة، فإن كانت حياتها مستقرّة ذبحت و حلّت بالذبح، و إلّا كانت ميتة، و معنى المستقرّة، التي يمكن أن يعيش مثلها اليوم و الأيّام. و كذا لو عقرها السبع. و لو كانت الحياة غير مستقرّة؛ و هي التي يقضى بموتها عاجلًا، لم تحلّ بالذباحة؛ لأنّ حركتها كحركة المذبوح «1».

أقول: لا إشكال في أنّه إذا قطعت رقبة الذبيحة من القفا مثلًا، كما مثّل به في الجواهر «2» و بقيت أعضاء الذباحة، ففيه تفصيل بين صورة بقاء الحياة في الجملة و عدم البقاء، فيحلّ بالذبح و قطع الأوداج الأربعة في الصورة الأُولى دون الثانية.

إنّما الإشكال و الكلام في اعتبار مقدار الحياة، و قد عرفت اعتبار الحياة المستقرّة و تفسيرها في كلام المحقّق، و وافقه العلّامة في محكيّ التحرير و القواعد و الإرشاد «3»، و استظهر صاحب الجواهر من أكثر القدماء و جملة من المتأخِّرين حتّى المحقّق في النافع «4»، و صريح بعضهم الاكتفاء في حلّ الذبيحة بالحركة وحدها، أو مع خروج الدم المعتدل جمعاً أو تخييراً، من غير اعتبار

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 207، المسألة الثالثة.

(2) جواهر الكلام: 36/ 141.

(3) تحرير الأحكام الشرعية: 4/ 611، قواعد الأحكام: 3/ 322، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: 2/ 108.

(4) المختصر النافع: 358.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 374

..........

______________________________

استقرار الحياة بالمعنى المزبور «5».

و في المتن الاستشكال مع التحرّك و

عدم خروج الدم المعتدل، و الحكم بالحلّية مع الحركة و لو يسيراً و خروج الدم المعتدل. و قد حكي عن المبسوط أنّه مع اشتراطه لاستقرار الحياة ذكر أنّه قال أصحابنا: إنّ أقلّ ما يلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه، أو تركض رجله، أو يحرّك ذنبه، فإنّه إذا وجده كذلك و لم يذكّه لم يحلّ أكله «1»، بل عنه: روى أصحابنا: أنّ أقلّ ما يلحق معه الذكاة أن تجد ذنبه يتحرّك، أو رجله تركض، محتجّاً بذلك على تحريم الصيد إذا أدركه و هو مستقرّ الحياة و لم يتّسع الزمان لذبحه، قال: و هذا أكثر من ذلك «2».

أقول: و من البعيد جدّاً الحكم باختلاف الصيد و الحيوان المذبوح في ذلك.

ثمّ إنّ القائلين باعتبار الحياة المستقرّة قد اختلفت عباراتهم في تفسيرها، ففي عبارة الشرائع ما عرفت، و في بعض الكلمات مثل ذلك، مع أنّها في نفسها مجملة، فإنّ الجمع بين أن يعيش يوماً أو يومين، بل ربما يعزى أقلّ من ذلك إلى المشهور «3»، للاكتفاء بتعيّش نصف يوم، و بين أن يكون عدم استقرار الحياة راجعاً إلى أن تكون حركته كحركة المذبوح ربما لا يلتئم؛ لأنّ كون الحركة كحركة المذبوح لا تقتضي أن يكون مقابلها التعيّش و لو نصف يوم، و قد عرفت «4» أنّ الرواية

______________________________

(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: 11/ 122 و النراقي في مستند الشيعة: 15/ 418 423 و غيرهما على ما في الجواهر: 36/ 142.

(1) المبسوط: 6/ 260.

(2) الخلاف: 6/ 14 مسألة 10.

(3) تلخيص الخلاف: 3/ 219 مسألة 12.

(4) في ص 324 325.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 375

[مسألة 9: لو أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة و لم يقطع الأعضاء الأربعة]

مسألة 9: لو أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة

و لم يقطع الأعضاء الأربعة، فإن لم تبق لها الحياة حرمت، و إن بقيت يمكن أن يتدارك؛ بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت و قطع الأعضاء و حلّت، و استكشاف الحياة كما مرّ (1).

______________________________

الواردة في الصيد دالّة على أنّه إن أدركه مع الأوصاف المذكورة و اتّسع الزمان لذبحه فاللازم الذبح.

ثمّ الظاهر أنّ توصيف الحياة بالاستقرار لم يؤخذ في شي ء من الأدلّة شرطاً لتحليل الذبح، كما أنّ جعل الملاك هي الحركة و لو يسيرة مع خروج الدم المعتدل لا يوجد في شي ء منها. نعم، في رواية زيد الشحّام المتقدّمة «1»: إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به، و الظاهر أنّ المراد من خروج الدم هو الدم المعتدل المتعارف، و عليه فيمكن توجيه ما في المتن من أنّه مع اجتماع الحركة اليسيرة مع خروج الدم المعتدل يكون حلالًا، و إن تحرّكت مع عدم خروج الدم المعتدل ففيه إشكال، و الوجه في الإشكال عدم جعل المدار على خروج الدم المتعارف في شي ء من الأدلّة غير هذه الرواية.

و يبدو في النظر أن يقال: إنّ الملاك هي الأوصاف المتقدّمة المذكورة في الصيد؛ لعدم الفرق بينه و بين الحيوان المذبوح بوجه.

(1) لو أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة المذكورة في بعض المسائل السابقة بناءً على لزوم عدم كون الذبح من فوق العقدة و لم يتحقّق قطع الأعضاء الأربعة، فإن لم تبق له الحياة بالمعنى المتقدّم يصير الحيوان المذبوح بهذا النحو محرّماً، و إن بقيت له الحياة بحيث يمكن التدارك؛ بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت و قطع

______________________________

(1) في ص 366.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 376

[مسألة 10: لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان و أدركه حيّاً]

مسألة 10: لو أكل الذئب مثلا مذبح

الحيوان و أدركه حيّاً، فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها؛ بحيث لم يبق شي ء منها و لا منها شي ء، فهو غير قابل للتذكية و حرمت، و كذا إن أكلها من فوق أو من تحت و بقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن على الأحوط، فلا يحلّ بقطع ما بقي منها، و كذلك لو أكل بعضها تماماً و أبقى بعضها كذلك، كما إذا أكل الحلقوم بالتمام و أبقى الباقي كذلك، فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

الأعضاء حلّ الحيوان؛ لتحقّق التذكية الشرعيّة في حال الحياة المعتبرة على ما مرّ.

(1) في هذه المسألة فروض:

الأوّل: ما إذا أكل الذئب مثلًا تمام الأوداج الأربعة؛ بحيث لم يبق شي ء منها و لو واحداً، و لا منها شي ء و لو كان قليلًا، فهو غير قابل للتذكية، و يكون محرّماً بالكلّية؛ لأنّ المفروض عدم استناد زهوق الروح إلّا إلى الذئب فقط، و لا يكون محلّ التذكية باقياً بوجه.

الثاني: ما إذا أكل الذئب الأوداج الأربعة لكن لا بتمامها، بل بقي مقدار من الجميع متعلّقة بالرأس، لكن المأكول منها فوق العقدة المذكورة التي ذكرنا لزوم عدم كون الذبح من فوقها، فالحيوان حينئذٍ حرام أيضاً؛ لما ذكرنا، و لو فرض بقاء مقدار متّصلة بالبدن و كون محلّ أكل الذئب تحت العقدة، فاحتاط وجوباً في المتن بعدم حلّية الحيوان بقطع ما بقي من الأوداج و لو فرض اتّصاله بالبدن و كون محلّ

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 377

[مسألة 11: يشترط في التذكية الذبحيّة مضافاً إلى ما مرّ أُمور]

مسألة 11: يشترط في التذكية الذبحيّة مضافاً إلى ما مرّ أُمور:

أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح؛ بأن يوجّه مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة، فإن أخلّ به، فإن

كان كان عامداً عالماً حرمت، و إن كان ناسياً أو جاهلًا أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم. و لو لم يعلم جهة القبلة، أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط، و لا يشترط استقبال الذابح على الأقوى و إن كان أحوط و أولى (1).

______________________________

أكل الذئب تحت العقدة، و وجه الاحتياط بالحرمة الدالّ على الإشكال في الحلّية لزوم إحراز كون زهوق الروح مستنداً إلى فري الأوداج الأربعة بتمامها لا ببعضها، كما هو المفروض؛ لأنّ المنساق من الأدلّة ذلك.

الثالث: ما إذا أكل بعضها تماماً و أبقى البعض كذلك، كما في المثال المذكور في المتن، فلو قطع الباقي حينئذٍ مع الشرائط فقد استشكل فيه في وقوع التذكية عليه، و فرّع عليه النهي عن ترك الاحتياط، و الوجه فيه أيضاً ما ذكرنا، و لا مجال لقياس هذا بما إذا لم يكن للحيوان بعض تلك الأوداج من حين الولادة مثلًا، فإنّه لا ينبغي الإشكال في الحكم بالحلّية بقطع الباقي منها؛ لثبوت الفرق بين المقامين؛ بأنّ عدم بعض الأوداج لا أثر له في زهوق الروح أصلًا، بخلاف المقام الذي أكله الذئب و إن كان الفرض بعيداً في نفسه.

(1) يعتبر في التذكية أُمور:

أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح؛ بأن يوجّه مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة، و يدلّ عليه روايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ذبح ذبيحة،

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 378

..........

______________________________

فجهل أن يوجّهها إلى القبلة؟ قال: كُل منها. فقلت له: فإنّه لم يوجّهها؟ فقال: فلا تأكل منها، و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّٰه عليها. و قال: إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة

«1»، و قد نقلها في الوسائل في باب واحد ثلاث مرّات، مشعراً بأنّها روايات متعدّدة، مع أنّا ذكرنا غير مرّة عدم التعدّد في مثله.

و منها: رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سُئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال: لا بأس إذا لم يتعمّد، الحديث «2».

و منها: رواية عليّ بن جعفر في محكيّ كتابه، عن أخيه قال: سألته عن الرجل يذبح على غير قبلة؟ قال: لا بأس إذا لم يتعمّد، و إن ذبح و لم يسمِّ، فلا بأس أن يسمّي إذا ذكر، بسم اللّٰه على أوّله و آخره، ثمّ يأكل «3».

و المستفاد من مجموع هذه الروايات أنّ اعتبار الاستقبال بالذبيحة إنّما هو في صورة العلم و العمد، و أمّا صورة الجهل أو النسيان أو الخطأ في القبلة أو تعصّي الدابّة عن التوجيه إليها فلا يشترط فيها الاستقبال، و مثله الخطأ إلى القبلة في مقام العمل، هذا بالإضافة إلى استقبال القبلة بالذبيحة.

و أمّا بالنسبة إلى استقبال الذابح، فقد قوّى في المتن عدم الاشتراط و إن جعله أحوط و أولى، و الوجه في ذلك ظهور الروايات المتقدّمة في أنّ المدار هو استقبال

______________________________

(1) الكافي: 6/ 233 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 60 ح 253، و عنهما الوسائل: 24/ 27، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 14 ح 2.

(2) الكافي: 6/ 233 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 59 ح 251، و عنهما الوسائل: 24/ 28، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 14 ح 3.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 142 ح 164، و عنه الوسائل: 24/ 28، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 14 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 379

ثانيها:

التسمية من الذابح؛ بأن يذكر اسم اللّٰه عليها حينما يتشاغل بالذبح، أو متّصلًا به عرفاً، أو قبيله المتّصل به، فلو أخلّ بها، فإن كان عمداً حرمت، و إن كان نسياناً لم تحرم. و في إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان، أظهرهما الثاني، و المعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد؛ أعني بعنوان كونها على الذبيحة، و لا تجزئ التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر (1).

______________________________

الذبيحة و توجيهها نحو القبلة، و أمّا مثل قوله عليه السلام: «استقبل بذبيحتك القبلة» فلا دلالة له أيضاً إلّا على لزوم كون الذبيحة مستقبل القبلة، و أمّا جعل الباء بمعنى «مع» حتّى يكون مرجعه إلى لزوم استقبال كليهما فهو خلاف الظاهر، بل الباء للتعدية، كقوله تعالى ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ «1» و مثله، و مع ذلك يكون هو أحوط، خصوصاً مع احتمال دلالة بعض الروايات غير المعتبرة عليها.

(1) الأصل في اعتبار هذا الأمر قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «2». و كذا قوله تعالى فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «3» الدالّ على الجواز؛ لوقوعه في مقام توهّم الحظر، و يدلّ على ذلك أيضاً روايات:

منها: بعض الروايات المتقدّمة في الأمر الأوّل.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّٰه عليها «4».

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 17.

(2) سورة الأنعام: 6/ 121.

(3) سورة الأنعام: 6/ 118.

(4) الكافي: 6/ 233 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 60 ح 253، و عنهما الوسائل: 24/ 29، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 380

..........

______________________________

و منها: صحيحة أُخرى لمحمّد بن مسلم

قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يذبح و لا يسمّي؟ قال: إن كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً و كان يحسن أن يذبح، و لا ينخع، و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح «1».

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث، أنّه سأله عن الرجل يذبح فينسى أن يسمِّي، أتوكل ذبيحته؟ فقال: نعم، إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذبح قبل ذلك، و لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتّى تبرد الذبيحة «2».

و منها: صحيحة ثالثة لمحمّد بن مسلم في حديث، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ذبح و لم يسمِّ؟ فقال: إن كان ناسياً فليسمّ حين يذكر، و يقول: بسم اللّٰه على أوّله و على آخره «3».

ثمّ إنّه لو ترك التسمية، فإن كان عالماً عامداً فالظاهر الحرمة، بمقتضى ما عرفت من الكتاب و السنّة، كما أنّه لو كان ناسياً فلا إشكال في عدم الحرمة، و أمّا لو كان جاهلًا، فإن كان جاهلًا بالموضوع فهو ملحق بالناسي؛ لعدم الفرق بينهما، و إن كان جاهلًا بالحكم ففي إلحاقه بالعمد أو النسيان قولان، استظهر في المتن الأوّل، و لعلّه لشمول الإطلاقات له و عدم مساواته مع النسيان، خصوصاً مع بطلان القياس.

ثمّ الظاهر اعتبار وقوع التسمية بهذا القصد، فلا يجتزئ بالتسمية الاتّفاقية؛ لظهور الأدلّة في ذلك، خصوصاً كلمة «على» المذكورة في الآية.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 233 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 60 ح 252، و عنهما الوسائل: 24/ 29، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 15 ح 2.

(2) الكافي: 6/ 233 ح 3، الفقيه: 3/ 211 ح 979، تهذيب الأحكام: 9/ 59 ح 251، و عنها الوسائل:

24/ 29، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 15 ح 3.

(3) الكافي: 6/ 233 ح 4، الفقيه: 3/ 211 ح 977، تهذيب الأحكام: 9/ 59 ح 250، و عنها الوسائل: 24/ 30، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 15 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 381

ثالثها: صدور حركة منها بعد تمامية الذبح؛ كي تدلّ على وقوعه على الحيّ و لو كانت يسيرة، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اذنها أو ذنبها، أو تركض برجلها و نحوها، و لا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل، فلو تحرّك و لم يخرج الدم، أو خرج متثاقلًا و متقاطراً لا سائلًا معتدلًا كفى في التذكية. و في الاكتفاء به أيضاً حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين: من الحركة، أو خروج الدم المعتدل قول مشهور بين المتأخِّرين، و لا يخلو من وجه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط. هذا إذا لم يعلم حياته، و أمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال (1).

______________________________

(1) الأمر الثالث: من الأُمور المعتبرة في التذكية الذبحيّة صدور حركة من الحيوان بعد تماميّة الذبح؛ كي تدلّ على وقوعه على الحيّ.

قال المحقّق في الشرائع: الرابع يعني من الأُمور المعتبرة في التذكية الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة، و قال بعض الأصحاب: لا بدّ مع ذلك من خروج الدم «1»، و قيل: يجزي أحدهما «11»، «12» و أضاف إليه في الجواهر قوله: و ربّما حكي قول رابع، و هو اعتبار خروج الدم المعتدل خاصّة، و نسب إلى الشهيد في الدروس «13»، و هو

______________________________

(1) كالمفيد في المقنعة: 580 و الإسكافي، حكي عنه في المختلف: 8/ 325، و القاضي في المهذّب: 2/

428، و الديلمي في المراسم: 211 212 و الحلبي في الكافي في الفقه: 277، و ابن زهرة في غنية النزوع: 397.

(11) كالشيخ في النهاية: 584 و ابن إدريس في السرائر: 3/ 110 و العلّامة في التحرير: 4/ 624، و الفاضل الآبي في كشف الرموز: 2/ 352 353، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 388، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك: 11/ 485.

(12) شرائع الإسلام: 3/ 206.

(13) الناسب هو الشهيد الثاني في المسالك: 11/ 485 486.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 382

..........

______________________________

و هم قطعاً «1». و الروايات في هذا المجال كثيرة مختلفة:

منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كُل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع، و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «2» فإن أدركت شيئاً منها و عين تطرف، أو قائمة تركض، أو ذنب يمصع، فقد أدركت ذكاته، فكُله. الحديث «3»، و القائمة: الرِّجل.

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الذبيحة؟ فقال: إذا تحرّك الذنب، أو الطرف، أو الاذن فهو ذكيّ «4».

و منها: رواية رفاعة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، أنّه قال في الشاة: إذا طرفت عينها، أو حركت ذنبها فهي ذكيّة «5».

و منها: رواية أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها، أو تحرِّك أُذنيها، أو تمصع بذنبها فاذبحها، فإنّها لك حلال «6».

و منها: رواية أبي بصير يعني المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الشاة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 36/ 125 126.

(2) سورة المائدة: 5/ 3.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 58

ح 241، تفسير العياشي: 1/ 291 ح 16، و عنهما الوسائل: 24/ 22، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 11 ح 1.

(4) الكافي: 6/ 233 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 56 ح 235، و عنهما الوسائل: 24/ 23، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 11 ح 3.

(5) الكافي: 6/ 233 ح 6، تهذيب الأحكام: 9/ 56 ح 234، و عنهما الوسائل: 24/ 23، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 11 ح 4.

(6) الكافي: 6/ 232 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 57 ح 238، و عنهما الوسائل: 24/ 23، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 11 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 383

..........

______________________________

تذبح فلا تتحرّك، و يهراق منها دمٌ كثير عبيط؟ فقال: لا تأكل، إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا ركضت الرجل، أو طرفت العين فكُل «1».

و منها: رواية الحسين بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ جاءه محمّد بن عبد السلام، فقال له: جعلت فداك يقول لك جدّي: إنّ رجلًا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثمّ ذبحها، فلم يرسل معه بالجواب، و دعا سعيدة مولاة أُمّ فروة، فقال لها: إنّ محمّداً جاءني برسالة منك فكرهت أن أُرسل إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلًا فكلوا و أطعموا، و إن كان خرج خروجاً متثاقلًا فلا تقربوه «2».

و منها: رواية زيد الشحّام المتقدّمة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكّين، أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا

بأس به «3»، بناءً على أنّ المراد بالذيل بيان كيفيّة الذبح و لو كان بالحديد، لا بيان خصوصيّة الذبح بغير الحديد مع عدم إصابته، كما لا يخفى.

و منها: بعض الروايات الأُخر.

ق لت: إن قلنا بإمكان الجمع الدلالي بينها، نظراً إلى صراحة مثل رواية أبي بصير ليث المرادي في الدلالة على اعتبار كون الحركة بعد الذبح،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 57 ح 240، الفقيه: 3/ 209 ح 962، و عنهما الوسائل: 24/ 24، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 12 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 232 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 56 ح 236، قرب الإسناد: 44 ح 143 و عنها الوسائل: 24/ 25، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 12 ح 2.

(3) تقدّمت في ص 366.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 384

..........

______________________________

و أنّه مع عدمها لا يحلّ و إن كان يهراق منه دماً عبيطاً، و هي بمنزلة القرينة للتصرّف في ظهور الروايات الأُخر، أو أظهريّة دلالة رواية أبي بصير، مثل قوله: رأيت أسداً يرمي، فإنّ دلالة يرمي على كون الرامي رجلًا شجاعاً أظهر من دلالة لفظ الأسد على معناه الحقيقي، و هو الحيوان المفترس. و إلّا فإن قلنا بتعارض الطائفتين، فاللازم الأخذ بما دلّ على اعتبار الحركة؛ لموافقتها للشهرة الفتوائية المحقّقة «1»، بل المحكيّ عن الغنية إجماع الإماميّة عليه «2»، و في المتن: أنّ الاكتفاء بأحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور بين المتأخّرين، و نفى خلوّه عن الوجه، لكن قال: لا ينبغي ترك الاحتياط، و قد ثبت في محلّه أنّ الشهرة بين المتأخّرين لا تكون مرجّحة و لا قادحة، بل الملاك هي الشهرة بين القدماء.

ثمّ إنّ التعبير في هذا

الأمر الثالث بصدور حركة من الذبيحة لتدلّ على وقوعها على الحيّ و لو كانت يسيرة يغاير التعبير في الأمرين الأوّلين، فإنّهما ظاهران في الاعتبار في مقام الثبوت، و التعبير في هذا الأمر ظاهر في الاعتبار في مقام الإثبات، و لعلّه لذا ذكر في الذيل أنّه إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال، مع أنّ ظاهر جملة من الروايات المتقدّمة اعتبار هذا الأمر أيضاً في مقام الثبوت؛ بأن كانت الحركة المذكورة بعد تماميّة الذبح بجميع خصوصيّاته، و قد عرفت في مسألة الصيد «3» أنّ الواجب هو التذكية مع ثبوت هذه الأوصاف الظاهرة في الثبوت قبل الذبح، و لأجله يحتمل الخلط في كلماتهم.

______________________________

(1) رياض المسائل: 12/ 107.

(2) غنية النزوع: 397.

(3) في ص 320 325.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 385

[مسألة 12: لا يعتبر كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح]

مسألة 12: لا يعتبر كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن، كهيئة الميّت حال الدفن، و أن يضعها على الأيسر (1).

[مسألة 13: لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة، و أن تكون في ضمن البسملة]

مسألة 13: لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة، و أن تكون في ضمن البسملة، بل المدار صدق ذكر اسم اللّٰه عليها، فيكفي أن يقول «بسم اللّٰه»، أو «اللّٰه أكبر» أو «الحمد للّٰه» أو «لا إله إلّا اللّٰه» و نحوها. و في الاكتفاء بلفظ «اللّٰه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالّاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد إشكال. نعم، التعدّي من لفظ «اللّٰه» إلى سائر أسمائه الحسنى كالرحمان و البارئ و الخالق و غيرها من أسمائه الخاصّة غير بعيد، لكن لا يترك الاحتياط فيه، كما أنّ التعدّي إلى ما يرادف لفظ الجلالة في لغة أُخرى كلفظة «يزدان» في الفارسية و غيرها في غيرها لا يخلو من وجه و قوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربيّة (2).

______________________________

(1) أمّا عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح، فلأنّ مقتضى الدليل هو لزوم الاستقبال بالذبيحة إلى القبلة، و لا فرق في ذلك بين الوضع على الجانب الأيمن، كهيئة الميّت حال الدفن، و بين الوضع على الجانب الأيسر؛ لتحقّق الأمر المذكور في كلتا الحالتين.

(2) هل يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة، و أن تكون في ضمن البسملة، أم لا يعتبر ذلك؟ بل المدار صدق ذكر اسم اللّٰه عليها. كما عرفت قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1» فيكفي الأمثلة المذكورة في المتن.

______________________________

(1) سورة الأنعام: 6/ 121.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 386

[مسألة 14: الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه]

مسألة 14: الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه، و هو أن لا تكون مشرفة على الموت؛ بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم، كالمشقوق بطنه،

و المخرج حشوته، و المذبوح من قفاه الباقية أوداجه، و الساقط من شاهق و نحوها، بل المعتبر أصل الحياة و لو كانت عند إشراف الخروج، فإن علم ذلك فهو، و إلّا يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح و لو كانت يسيرة كما تقدّم (1).

______________________________

و في صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّٰه؟ قال: هذا كلّه من أسماء اللّٰه لا بأس به «1».

و قد استشكل في المتن في الاكتفاء بلفظ «اللّٰه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالّاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد، و إن حكي عن البعض الاجتزاء به «2»، لكنّ العرف يخالفه؛ لأنّه يجتمع مع إثبات نقص له تعالى، مثل عدم كونه واجب الوجود، و هذا بخلاف الأُمور المذكورة في الرواية، كما أنّها تدلّ في مقام التعليل على كفاية مطلق أسمائه تعالى المختصّة به، كالرحمان و البارئ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم، كما أنّ التعدّي إلى ما يرادف لفظ الجلالة من سائر اللغات كالفارسية و غيرها نفى خلوّه عن الوجه، و احتاط استحباباً بالترك، و الوجه في ذلك اختلاف اللغات في الأسماء المختصّة به تعالى، و لا دليل على كون التسمية في الذبح كالصلاة و نحوها من حيث اعتبار العربيّة و عدم الاجتزاء بغيرها.

(1) قد مرّ كلام المحقّق في الشرائع في اعتبار الحياة المستقرّة، و في تفسيرها

______________________________

(1) الكافي: 6/ 234 ح 5، الفقيه: 3/ 211 ح 978، تهذيب الأحكام: 9/ 59 ح 249، و عنها الوسائل: 24/ 31، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 1 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 11/ 476، مجمع الفائدة و البرهان: 11/ 119.

تفصيل

الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 387

[مسألة 15: لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح]

مسألة 15: لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار

______________________________

بالتعيّش يوماً أو يومين، و في بعض الكلمات بل و لعلّه المشهور: و لو نصف يوم، و تفسير الحركة غير المستقرّة بأن تكون الحركة كحركة المذبوح «1»، و قد عرفت أنّ الكلام قد يكون في مقام الثبوت، و قد يكون في مقام الإثبات «2». أمّا بحسب مقام الثبوت، فلا دليل على اعتبار استقرار الحياة بوجه و لو نصف يوم، فيقع الذبح على الموارد المذكورة في المتن مع بقاء الحياة و لو كانت عند إشراف الخروج.

نعم، في صورة الشكّ يكون الكاشف عن تلك الحياة المعتبرة الحركة بعد الذبح و لو كانت يسيرة، و يدلّ على أصل الحكم ما مرّ في باب الصيد من أنّه إذا أدركه و كانت الأوصاف الثلاثة المتقدّمة موجودة فيه يجب ذبحه لحلّية أكل لحمه «3»، و قد عرفت منّا وقوع الخلط ظاهراً في كلمات الأصحاب بين مقام الثبوت و مقام الإثبات، كما أنّه يرد على المتن أنّه لا وجه لتكرار المسألة مرّتين أو ثلاث مرّات، خصوصاً مع اختلاف النظر فيها و لو على نحو الإشكال لا الفتوى.

فالإنصاف أنّ المعتبر في مقام الثبوت هو أصل الحياة و لو كانت عند إشراف الخروج، و الكاشف عنها هو الأوصاف الثلاثة المتقدّمة «4»، فمع تطرّف العين و تركّض الرجل و تحرّك الذنب يعلم بعدم زهوق الروح، و مع العلم بعدمه يصحّ ذبحه و يحلّ أكله، فتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) في ص 373 375.

(2) في ص 384.

(3) في ص 324 325.

(4) في ص 324 325.

تفصيل

الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 388

أو ماء أو سقطت من جبل و نحو ذلك فماتت بذلك حلّت على الأقوى (1).

[مسألة 16: يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح]

مسألة 16: يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة. نعم، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك؛ بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر، أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح و وقعت عليه التذكية (2).

______________________________

(1) المعتبر في حلّية الذبيحة وقوع الذبح عليها المؤثّر في زهاق الروح و لو بالقوّة، فلو سبقه إلى ذلك أمر آخر بعد وقوع الذبح الشرعي بحيث كان المؤثّر بالفعل في زهاق الروح سابقاً على المؤثّر بالقوّة الذي يكون هو الذبح، فلا يستفاد من الأدلّة اعتبار عدمه، فإذا ذبح فوق جبل و سقطت منه و نحو ذلك فماتت بالسقوط و نحوه فلا دليل على اعتبار عدمه بعد وقوع الذبح المؤثّر في ذلك بالقوّة عليه، و لا ينطبق عليه عنوان المتردّية بعد كون المراد بها هو الساقط من غير ذبح أصلًا، بحيث كان الموت مستنداً إلى السقوط مطلقاً، و احتمال لزوم كون الذبح مؤثّراً قوّة و فعلًا يدفعه عدم الدليل، بل ظهور الدليل في الخلاف.

و في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: و إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار، أو في الماء، أو من فوق بيتك، إذا كنت قد أجدت الذبح فكُل «1».

(2) يختصّ الإبل من بين البهائم باختصاص تذكيتها بالنحر، كما أنّ سائر البهائم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 58 ح 16، تفسير العياشي: 1/ 291 ح 16، و عنهما الوسائل: 24/ 26، كتاب الصيد و الذبائح،

أبواب الذبائح ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 389

[مسألة 17: كيفيّة النحر و محلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً و نحوهما من الآلات الحادّة الحديديّة في لبّته]

مسألة 17: كيفيّة النحر و محلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً و نحوهما من الآلات الحادّة الحديديّة في لبّته، و هي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق

______________________________

و غيرها من الحيوانات القابلة للذبح يختصّ باختصاص تذكيتها المؤثّرة في الحلّية و الطهارة أو الطهارة بالذبح، فلو انعكس الأمر لا تصحّ، و يدلّ عليه من الروايات صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ذبح البقر من المنحر؟ فقال: للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: قال الصادق عليه السلام: كلّ منحور مذبوح حرام، و كلّ مذبوح منحور حرام «2».

و رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر، إنّما ينحرون في لبّة البقر، فما ترى في أكل لحمها؟ قال: فقال فَذَبَحُوهٰا وَ مٰا كٰادُوا يَفْعَلُونَ، لا تأكل إلّا ما ذبح «3».

ثمّ إنّه لو انعكس الأمر؛ بأن ذبح ما كان اللازم نحره، أو نحر ما كان اللازم ذبحه لا تحلّ بذلك، بل هي ميتة إلّا إذا عمل على طبق الوظيفة الأوّلية في حال بقاء الحياة المعتبر في التذكية المتقدّم سابقاً، و قد تردّد في الحلّية المحقّق في الشرائع، معلّلًا بأنّه لا استقرار للحياة بعد الذبح أو النحر «4»، و لكن عرفت منع اعتبار الأمر المذكور «5».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 228 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 53 ح 218، و عنهما الوسائل: 24/ 14، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 5 ح 1.

(2) الفقيه: 3/ 210 ح 968، و عنه الوسائل: 24/ 14، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 5

ح 3.

(3) الكافي: 6/ 229 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 53 ح 219، و عنهما الوسائل: 24/ 14، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 5 ح 2، و الآية في سورة البقرة: 2/ 71.

(4) شرائع الإسلام: 3/ 205.

(5) في ص 375.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 390

و الصدر، و يشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح، و في آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح، و تجب التسمية عنده، كما تجب عند الذبح، و يجب الاستقبال بالمنحور، و في اعتبار الحياة و استقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة (1).

[مسألة 18: يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلى القبلة]

مسألة 18: يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلى القبلة، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة و إن كان

______________________________

(1) في صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: النحر في اللبّة و الذبح في الحلق «1». و في رواية حمران بن أعين، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام المشتملة على نحر الإبل أيضاً قوله عليه السلام: و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه «2».

ثمّ إنّ الدليل على أنّه يشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة مضافاً إلى عموم الدليل في بعض الشرائط، كقوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «3» و إلى أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السلام: فاستقبل بذبيحتك القبلة، كما في الروايات المتقدّمة «4» أعمّ من النحر أنّه لم يقل أحد بالفرق بين الذبح و النحر من هذه الجهة أصلًا.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 228 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 53 ح 217،

و عنهما الوسائل: 24/ 10، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 3 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 229 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 55 ح 227، و عنهما الوسائل: 24/ 10، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 3 قطعة من ح 2.

(3) سورة الأنعام: 6/ 121.

(4) في ص 378.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 391

الأفضل كونها قائمة (1).

[مسألة 19: كلّ ما يتعذّر ذبحه و نحره إمّا لاستعصائه]

مسألة 19: كلّ ما يتعذّر ذبحه و نحره إمّا لاستعصائه، أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره، كما لو تردّى في البئر، أو وقع في مكان ضيّق و خيف موته جاز أن يعقره بسيف، أو سكّين، أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه و يقتله، و يحلّ أكله و إن لم يصادف العقر موضع التذكية، و سقطت شرطية الذبح و النحر، و كذلك الاستقبال. نعم، سائر الشرائط من التسمية و شرائط الذابح و الناحر تجب مراعاتها، و أمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة، و في الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان، أقواهما ذلك في المستعصي، و منه الصائل المستعصي دون غيره كالمتردّي (2).

______________________________

(1) كما عرفت أنّه يجوز في مثل الشاة في حال الذبح وضعها على الجانب الأيمن، و كذا وضعها على الجانب الأيسر، فاعلم أنّه يجوز نحر الإبل قائمة مقبلة إلى القبلة، و يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة، و إن كان الأفضل كما في المتن كونها قائمة.

(2) قال المحقّق في الشرائع: كلّ ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان، إمّا لاستعصائه، أو لحصوله في موضع لا يتمكّن المذكّي من الوصول إلى موضع الذكاة منه و خيف

فوته، جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها ممّا يجرح، و يحلّ و إن لم يصادف العقر موضع التذكية «1». و أضاف إليه في الجواهر: و لم يحصل الاستقبال «2».

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 207.

(2) جواهر الكلام: 36/ 140.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 392

..........

______________________________

أقول: يدلّ على ذلك روايات متعدّدة، كصحيحة محمّد الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم و سمّوا، فأتوا عليّاً عليه السلام، فقال: هذه ذكاة وحيّة و لحمه حلال.

و مثلها رواية عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1».

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: إنّ قوماً أتوا النبيّ صلى الله عليه و آله فقالوا: إنّ بقرة لنا غلبتنا و استصعبت (و استعصت خ ل) علينا، فضربناها بالسيف، فأمرهم بأكلها «2».

و رواية إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال: يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «3».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

ثمّ إنّه ذكر في الذيل أنّ الاجتزاء هنا بعقر الكلب فيه وجهان، و قد قوّى الاجتزاء بالإضافة إلى المستعصي دون المتردّي، و لعلّ الوجه أنّ المستعصي يكون كالممتنع بالذات؛ لعدم الفرق بين الامتناع بالذات، و بين الامتناع بالعرض لأجل الاستعصاء، و أمّا المتردّي فقد عرفت في بعض الروايات المتقدّمة لزوم طعنه بالحربة التي هي آلة جماديّة، و ذكر صاحب الجواهر قدس سره أنّه ربما ظهر من بعض هنا

______________________________

(1) الكافي: 6/ 231 ح 3 و 2، تهذيب الأحكام: 9/ 54 ح 225 و 224، الفقيه: 3/ 208 ح 957، و عنها الوسائل:

24/ 19، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 10 ح 1 و 2.

(2) الكافي: 6/ 231 ح 4، الفقيه: 3/ 208 ح 956، تهذيب الأحكام: 9/ 54 ح 226، و عنها الوسائل: 24/ 20، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 10 ح 3.

(3) الكافي: 6/ 231 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 54 ح 322، و عنهما الوسائل: 24/ 20، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 393

[مسألة 20: للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبّة و مكروهة]

مسألة 20: للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبّة و مكروهة.

فمنها: على ما حكي الفتوى به عن جماعة أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه و يطلق الأُخرى، و يمسك صوفه و شعره بيده حتّى تبرد، و في البقر أن يعقل قوائمه الأربع و يطلق ذنبه، و في الإبل أن تكون قائمة و يربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين، و يطلق رجليها، و في الطير أن يرسله بعد الذبح حتّى يرفرف.

و منها: أن يكون الذابح و الناحر مستقبل القبلة.

و منها: أن يعرض عليه الماء قبل الذبح و النحر.

و منها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح و النحر و مقدّماتهما ما هو الأسهل و الأروح و أبعد من التعذيب و الإيذاء له؛ بأن يساق إلى الذبح و النحر برفق و يضجعه برفق، و أن يحدّد الشفرة، و تُوارى و تُستر عنه حتّى لا يراها، و أن يسرع في العمل و يمرّ السكّين في المذبح بقوّة (1).

______________________________

المفروغيّة من جواز عقره بالكلب؛ لصيرورته بذلك حينئذٍ كالصيد، و ذكر أنّه قد تقدّم الإشكال منّا في ذلك بالنسبة إلى خصوص المتردّي «1»، و لعلّ وجه الإشكال ما ذكرناه

من الرواية، فتدبّر.

(1) للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبّة و مكروهة:

أمّا المستحبّة و إن لم يقع التصريح بها في كلامه، فهي أُمور مذكورة جملة منها في بعض الروايات، و لو فرض عدم اعتبارها، لكنّه لا يقدح في ذلك بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، و لو قلنا بشمولها للفتوى

______________________________

(1) جواهر الكلام: 36/ 140.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 394

و أمّا المكروهة، فمنها: أن يسلخ جلده قبل خروج الروح، و قيل بالحرمة و إن لم تحرم به الذبيحة، و هو أحوط.

و منها: أن يقلب السكّين و يدخلها تحت الحلقوم و يقطع إلى فوق.

و منها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر مجانس له ينظر إليه، و أمّا غيره ففيها تأمّل، و إن لا تخلو من وجه.

و منها: أن يذبح ليلًا، و بالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلّا مع الضرورة.

و منها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم. و أمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوط تركها، بل الحرمة لا تخلو من وجه. نعم، لا تحرم الذبيحة بفعلها على الأقوى. هذا مع التعمّد. و أمّا مع الغفلة أو سبق السكِّين فلا حرمة و لا كراهة لا في الأكل و لا في الإبانة بلا إشكال، و الأحوط ترك أن تنخع الذبيحة بمعنى إصابة السكِّين إلى نخاعها و هو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من

______________________________

التي لا يعلم مستندها تكون الدائرة أوسع، ففي رواية حمران بن أعين، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قوله: و إن كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره، و لا تمسكنّ يداً و لا رجلًا، فأمّا البقرة فاعقلها و أطلق الذنب، و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و

أطلق رجليه، و إن أفلتك شي ء من الطير و أنت تريد ذبحه أو ندّ عليك فارمه بسهمك، فإذا هو سقط فذكّه بمنزلة الصيد «1»، و الأخبار في هذا الباب عمدتها مذكورة في باب الذبح الذي هو من أحكام منى يوم النحر، فراجع.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 229 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 55 ح 227، و عنهما الوسائل: 24/ 11، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 3 ذح 2.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 395

الرقبة إلى عجز الذنب (1).

______________________________

(1) البحث في أصل المكروهات لا يكون حائزاً للأهمّية بعد إلغاء الخصوصية من قاعدة التسامح في أدلّة السنن، أو لرجوع المكروهات إلى المستحبّات، على خلاف ما هو التحقيق من وجوب ترك كلّ حرام، و حرمة ترك كلّ واجب، و مثلهما بالإضافة إلى المستحبّات و المكروهات، لما ذكرنا في محلّه من عدم ثبوت حكمين في مورد حكم واحد، أعمّ من الأمر أو النهي، لكن في المسألة أُمور ينبغي التعرّض لها:

منها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر مجانس له ينظر إليه، ففي رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تذبح الشاة عند الشاة و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه «1». و المورد و إن كان المماثل، إلّا أنّ التعبير بأنّه ينظر إليه لعلّه أعمّ.

و منها: إبانة الرأس قبل خروج الروح منه، فقد احتاط تركها، بل قد قوّى الحرمة التكليفيّة في صورة التعمّد و إن نفى الحرمة الوضعيّة، فقد وردت فيها صحيحة الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ذبح فتسبقه السكّين فتقطع الرأس؟ فقال: ذكاة وحيّة لا بأس بأكله «2». فإنّه

يظهر منها ثبوت الحرمة التكليفيّة مع عدم سبق السكّين، و لا محالة مع عدم الغفلة أيضاً.

و منها: نخع الذبيحة، فقد وردت فيه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام

______________________________

(1) الكافي: 6/ 229 ح 7، تهذيب الأحكام: 9/ 56 ح 232 وص 80 ح 341، و عنهما الوسائل: 24/ 16، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 16 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 230 ح 1، الفقيه: 3/ 208 ح 959، تهذيب الأحكام: 9/ 55 ح 229، و عنها الوسائل: 24/ 17، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 396

[مسألة 21: لو خرج جنين أو أُخرج من بطن امّه]

مسألة 21: لو خرج جنين أو أُخرج من بطن امّه، فمع حياة الأُمّ أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكله، إلّا إذا كان حيّاً و وقعت عليه التذكية، و كذا إن خرج أو أُخرج حيّاً من بطن امّه المذكّاة، فإنّه لا يحلّ إلّا بالتذكية، فلو لم يذكّ لم يحلّ و إن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزمان لها على الأقوى، و أمّا لو خرج أو أُخرج ميّتاً من بطن امّه المذكّاة حلّ أكله، و كانت تذكيته بتذكية أُمّه، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة، و قد أشعر أو أوبر و إلّا فميتة، و لا فرق في حلّيته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح، و بين ما ولجته و مات في بطن امّه على الأقوى (1).

______________________________

قال: سألته عن الذبيحة؟ فقال: استقبل بذبيحتك القبلة، و لا تنخعها حتّى تموت، و لا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها «1»، و مثلها رواية الحلبي «2».

(1) في هذه المسألة صور:

الاولى: ما لو خرج جنين أو أُخرج

من بطن امّه، فمع اتّصاف الامّ بالحياة أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكل الجنين، إلّا إذا كان حيّاً و وقعت عليه التذكية، و يشمله إطلاق مثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: و لا تأكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها «3».

الثانية: المفروض مع صيرورة أُمّه مذكّاة، فإنّ تذكية الامّ لا تؤثّر في صيرورة

______________________________

(1) الكافي: 6/ 229 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 53 ح 220، و عنهما الوسائل: 24/ 15، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 6 ح 1.

(2) الكافي: 6/ 229 ح 6، تهذيب الأحكام: 9/ 55 ح 228، و عنهما الوسائل: 24/ 16، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 6 ح 2.

(3) الكافي: 6/ 229 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 53 ح 220، و عنهما الوسائل: 24/ 12، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 397

..........

______________________________

الجنين حلالًا مع فرض حياته بعد الخروج أو الإخراج، لدلالة مثل الصحيحة المتقدّمة عليه، و لا فرق مع وصف الحياة في حال الخروج أو الإخراج في أنّ الحرمة مع عدم التذكية لأجل اتّساع الزمان لها و المساهلة في ذلك، أو لأجل عدم الاتّساع، و قياسه ببعض مصاديق الصيد المتقدّمة غير صحيح.

الثالثة: ما لو خرج أو أُخرج ميّتاً من بطن امّه التي وقعت التذكية عليه، و في هذه الصورة يحلّ أكل الجنين، و كانت تذكيته بتذكية أُمّه، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة، و قد أشعر أو أوبر، و إلّا فميتة، و يدلّ على ذلك روايات متعدّدة:

منها: رواية سماعة قال: سألته عن الشاة يذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر؟

قال: ذكاته ذكاة أُمّه «1».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن قول اللّٰه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «2»؟ قال: الجنين في بطن امّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أُمّه، فذلك الذي عنى اللّٰه عزّ و جلّ «3».

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولداً تامّاً فكُلْ، و إن لم يكن تامّاً فلا تأكل «4».

و منها: رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال في الجنين: إذا أشعر

______________________________

(1) الكافي: 6/ 235 ح 4، و عنه الوسائل: 24/ 33، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 18 ح 2.

(2) سورة المائدة: 5/ 1.

(3) الكافي: 6/ 234 ح 1، الفقيه: 3/ 209 ح 966، تهذيب الأحكام: 9/ 58 ح 244، و عنها الوسائل: 24/ 33، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 18 ح 3.

(4) الكافي: 6/ 234 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 58 ح 242، و عنهما الوسائل: 24/ 34، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 18 ح 4.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 398

[مسألة 22: لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على امّه]

مسألة 22: لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على امّه، و مات بعده قبل أن يشقّ بطنها و يستخرج منها حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها و لم يدرك حياته، بل و لو لم يبادر و لم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح، و إن كان الأحوط المبادرة و عدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف، و لو أخّر زائداً على المتعارف و مات قبل أن يشقّ

البطن فالأحوط الاجتناب عنه (1).

______________________________

فكُلْ، و إلّا فلا تأكل؛ يعني إذا لم يشعر «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال، و مقتضى الجمع بينها أنّ الملاك في حصول الذكاة للجنين في هذا الفرض هي التماميّة المتحقّقة بأن يشعر أو يؤبر، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ولوج الروح و عدمه، كما قوّاه في المتن.

(1) هذه هي الصورة الرابعة بعد الصور الثلاثة المتقدّمة في المسألة السابقة؛ و هي عبارة عن أن يكون الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على امّه و مات بعده قبل أن يشقّ بطنها و يستخرج منها.

و قد فصّل فيها في المتن بين ما إذا بادر على شقّ بطنها و لم يدرك حياته بالحكم بالحلّية فيها، بل مع عدم المبادرة، غاية الأمر عدم التأخير في شقّ البطن زائداً على القدر المتعارف في شقوق البطون بعد الذبح أو النحر و إن احتاط استحباباً بالاختصاص بالفرض الأوّل، و بين ما إذا أخّر الشقّ زائداً على القدر المتعارف، فتحقّق الموت قبل أن يشقّ البطن، فاحتاط وجوباً بالاجتناب عنه.

______________________________

(1) الكافي: 6/ 235 ح 5، قرب الإسناد: 76 ح 247، و عنهما الوسائل: 24/ 34، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 18 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 399

[مسألة 23: لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً]

مسألة 23: لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً و إن حرم بالعارض، كالجلّال و الموطوء بحريّاً كان أو بريّاً، وحشيّاً كان أو إنسيّاً، طيراً كان أو غيره و إن اختلف في كيفيّة التذكية على ما مرّ. و أثر التذكية فيها طهارة لحمها و جلدها و حلّية لحمها لو لم يحرم بالعارض. و أمّا غير المأكول من

الحيوان، فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه، لا من حيث الطهارة و لا من حيث الحلّية؛ لأنّه طاهر و محرّم أكله على كلّ حال. و ما كان له نفس سائلة، فإن كان نجس العين كالكلب و الخنزير، فليس قابلًا للتذكية. و كذا المسوخ غير السباع، كالفيل و الدبّ و القرد و نحوها. و كذا الحشرات و هي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض، كالفأرة، و ابن عرس، و الضبّ و نحوها على الأحوط الذي لا يترك فيهما و إن كانت الطهارة لا تخلو من وجه.

و أمّا السباع؛ و هي ما تفترس الحيوان و تأكل اللحم؛ سواء كانت من الوحوش كالأسد، و النمر، و الفهد، و الثعلب، و ابن آوى، و غيرها، أو من الطيور كالصقر، و البازي، و الباشق، و غيرها، فالأقوى قبولها للتذكية، و بها تطهر لحومها و جلودها، فيحلّ الانتفاع بها؛ بأن تلبس في غير الصلاة و يفترش بها، بل بأن تجعل وعاء للمائعات، كأن تجعل قربة ماء، أو عكّة سمن، أو دبّة دهن و نحوها، و إن لم تدبغ على الأقوى، و إن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة (1).

______________________________

و الوجه في الأوّل واضح؛ لأنّه مع فرض المبادرة أو عدم التأخير الزائد يصدق موت الجنين في بطن امّه، و كذا سائر التعابير الواقعة في الروايات، و في الثاني لا يكون الموت مستنداً إلى التذكية، بل إلى تأخير الشقّ.

(1) الحيوانات على قسمين

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 400

..........

______________________________

القسم الأوّل: الحيوانات التي يحلّ أكلها ذاتاً و إن كان قد يعرض لها الحرمة بالعرض بسبب، مثل الجلل القابل للاستبراء، و الوطء، و لا إشكال في وقوع

التذكية على مثل هذه الحيوانات و تأثيرها في الطهارة أو مع حلّية اللحم، و هذا لا فرق فيه بين أن يكون بحريّاً أو برّيّاً، وحشياً كان أو إنسيّاً، طيراً كان أو غيره، و إن وقع الاختلاف في كيفيّة تذكيته على ما تقدّم من أنّه قد يكون بالذبح، و قد يكون بالنحر، و أنّ الآلة المستفادة من ذلك قد تكون آلة جماديّة، و قد تكون حيوانيّة، كالكلب المعلّم على ما تقدّم، و لا ينافي الحرمة بالعرض لوقوع التذكية في هذا القسم؛ لأنّ أثر التذكية في مواردها لا يكون منحصراً بحلّية أكل اللحم غير المتحقّقة في هذا المورد المفروض، بل أثرها في مثله طهارة اللحم و الجلد و غيرهما من سائر الأعضاء، و الضابطة أنّ الحيوانات المحلّلة الأكل بالذات قابلة بأجمعها لوقوع التذكية عليها و إن عرض لها الحرمة، كما عرفت.

القسم الثاني: الحيوانات التي لا يحلّ أكلها ذاتاً، و لنقدِّم في هذا القسم مقدّمة؛ و هو أنّه ربما يقال: إنّ مقتضى أصالة عدم التذكية في الحيوانات التي يشكّ في وقوع التذكية عليها و عدمه عدم التذكية، و هي لا أصل لها، كما قرّرناه في تنبيهات مسائل البراءة من علم الأُصول «1»، و ذلك لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة؛ لأنّ الصلاحيّة و عدمها من عوارض الوجود، و هي لا تكون لها حالة سالبة متيقّنة إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، و في مثله تختلف القضيّتان المتيقّنة و المشكوكة؛ لأنّ السالبة في الأُولى بانتفاء الموضوع، و في الثانية بانتفاء المحمول، و مع هذا الاختلاف لا اتّحاد بين القضيّتين، كالاستصحاب في المرأة التي يشكّ في

______________________________

(1) معتمد الأُصول: 2/ 8 19.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 401

..........

______________________________

كونها قرشيّة حتّى

تكون صالحة لرؤية الحيض إلى الستّين، أم لا تكون كذلك لتصلح لرؤيته إلى الخمسين فقط، فإنّه لا مجال لاستصحاب عدم القرشيّة لأجل ما ذكرنا، و إن كان يظهر من المحقّق الخراساني قدس سره في كتابه في الأُصول في مباحث العامّ و الخاصّ الجريان «1»، لكنّ التحقيق العدم كما ذكرناه مراراً.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هذا القسم على نوعين:

الأوّل: الحيوانات الكذائيّة التي ليست لها نفس سائلة، فقد ذكر في المتن أنّ التذكية لا أثر لها، لا في الحلّية و لا في الطهارة، أمّا الحلّية، فلأنّ المفروض كونها محرّمة الأكل بالذات، و أمّا الطهارة فلحصولها مع عدم التذكية؛ لأنّها ليست لها نفس سائلة حتّى تصير طاهرة بإجراء دمها بالتذكية المناسبة لها.

الثاني: الحيوانات الكذائيّة التي لها نفس سائلة، و هي على قسمين: فتارةً تكون نجس العين، كالكلب و الخنزير، و أُخرى لا تكون كذلك.

أمّا الأوّل: فلا يكون قابلًا للتذكية؛ لأنّ أثر التذكية أمّا الطهارة، و إمّا مع حلّية اللحم، و كلاهما منتفيان بالإضافة إلى نجس العين؛ لأنّه لا تصير طاهرة بالتذكية بعد كونها نجسة في حال الحياة، و التذكية لا توجب تغيّر حاله إلى الطهارة، و أمّا عدم الحلّية فلأنّه المفروض، بل لا مجال لاجتماع النجاسة الذاتيّة مع الحلّية، مضافاً إلى أنّه ضروري أو كالضروري من المذهب أو الإسلام.

و يلحق بهذا القسم المسوخ غير السباع، و المشهور «2» على ما قيل: أنّه لا تقع عليها الذكاة، خصوصاً مع ملاحظة القائل بنجاستها، و في الجواهر عن المسالك أنّ

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 223.

(2) جواهر الكلام: 36/ 196.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 402

..........

______________________________

أجمع الروايات خبر محمّد بن الحسن الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: الفيل مسخ

كان ملكاً زنّاءً، و الذئب مسخ كان أعرابيّاً ديّوثاً، و الأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجرّيث و الضبّ فرقة من بني إسرائيل، لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم على نبيّنا و آله و عليه السلام، فتاهوا، فوقعت فرقة في البحر، و فرقة في البرّ، و الفأرة و هي الفويسقة، و العقرب كان نمّاماً، و الدبّ و الوزغ و الزنبور كان لحّاماً يسرق في الميزان «1». قال: و هذه المسوخ كلّها هلكت، و هذه الحيوانات على صورها «2».

ثمّ إنّ المشهور كما قيل: عدم قابليّة المسوخ للتذكية «3»، لكن عن المرتضى «4» و الشهيد «5» وقوع الذكاة عليها، بل في محكيّ غاية المراد نسبته إلى ظاهر الأكثر «6»، بل عن كشف اللثام إلى المشهور «7».

و التحقيق أنّه ليس في شي ء من النصوص ما يدلّ على القابلية، و لا ما يدلّ على

______________________________

(1) الكافي: 6/ 246 ح 14، علل الشرائع: 485 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 39 ح 166، و عنها الوسائل: 24/ 106، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 7.

(2) مسالك الأفهام: 11/ 517، جواهر الكلام: 36/ 197.

(3) جواهر الكلام: 36/ 196.

(4) يراجع مسائل الناصريّات: 99، حكى عنه في الشرائع: 3/ 210 و إيضاح الفوائد: 4/ 130 و المسالك: 516.

(5) الدروس الشرعيّة: 2/ 410.

(6) غاية المراد: 3/ 507، و فيها: ظاهر كلام الأصحاب.

(7) كشف اللثام: 2/ 257.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 403

..........

______________________________

عدمها. نعم، بعض أفراد المسوخ كالكلب و الخنزير لا تقبل التذكية

بعنوان كونه نجس العين كما عرفت، لا بعنوان كونه من مصاديق المسوخ، و قد عرفت أنّه لا مجال للتمسّك باستصحاب عدم القابليّة بعد كونها من عوارض الوجود، كما أنّه لا مجال للتمسّك باستصحاب الطهارة الثابتة في حال الحياة، أو قاعدة الطهارة بعد التذكية؛ لعدم إثباتهما لوقوع التذكية عليها.

و مثل المسوخ، الحشرات؛ و هي التي تسكن باطن الأرض، كالفأرة، و ابن عرس، و الضبّ و نحوها، فقد قال المحقّق في الشرائع: في وقوع الذكاة عليها تردّد أشبهه أنّه لا يقع «1»، و أضاف إليه في الجواهر قوله: وفاقاً للأكثر، بل المشهور «2»، و قد استدلّ عليها بأصالة عدم التذكية التي قد عرفت عدم جريانها على المختار.

و يؤيّده بعض الروايات الواردة في لباس المصلّي، مثل صحيحة عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟ قال: لا بأس بذلك «3»، مع أنّه لو لم تقبل التذكية تكون ميتة، و لا يجوز لبسها.

و دعوى انصراف لفظ الجلود الدالّ على العموم عن مثل المقام ممنوعة، و لعلّه لما ذكرنا نفى خلوّ الطهارة عن الوجه في المتن بالإضافة إلى المسوخ و الحشرات و إن نهى عن ترك الاحتياط فيهما، و لعلّه لأجل وقوع الشهرة كما مرّ.

و أمّا السباع؛ و هي التي تفترس الحيوان و تأكل اللحم، و قد تكون من الوحوش، و قد تكون من الطيور، كالأمثلة المذكورة في المتن، فقد قال المحقّق في

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 210.

(2) جواهر الكلام: 36/ 199.

(3) تهذيب الأحكام: 2/ 211 ح 826، الاستبصار: 1/ 385 ح 1560، و عنه الوسائل: 4/ 352، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 5 ح 1.

تفصيل

الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 404

[مسألة 24: الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة غير ما ذكر آنفاً تقع عليه التذكية]

مسألة 24: الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة غير ما ذكر آنفاً تقع عليه التذكية، فتطهر بها لحومها و جلودها (1).

______________________________

الشرائع: في وقوع التذكية عليها تردّد، و الوقوع أشبه «1». و تبعه الماتن وفاقاً للمشهور «2»، و يدلّ عليه موثّقة سماعة، قال: سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال: إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا «3». و ما ورد من النصوص في جواز استعمال جلد السّمور و الثعالب.

و رواية أبي مخلد السرّاج قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ دخل عليه معتّب، فقال: بالباب رجلان، فقال: أدخلهما فدخلا فقال أحدهما: إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس «4»، و كذا تدلّ عليه السيرة المستمرّة بين المتشرّعة في جميع الأزمنة و الأمكنة.

و ليعلم أنّ وقوع التذكية على السباع لا يلازم جواز الصلاة في جلودها بعد كونها غير مأكول اللحم، و لا تجوز الصلاة في أجزائه أصلًا، بل أثرها الطهارة، فيجوز الانتفاع بها في مثل الموارد المذكورة في المتن.

و أمّا الدباغ الذي سأل عنه الإمام عليه السلام في الرواية الأخيرة، فالظاهر أنّه لا دليل عليه؛ لقصورها سنداً و دلالةً و إن كان مقتضى الاحتياط رعايته.

(1) مقتضى العموم الشمول للآدمي أيضاً، مع أنّ الإجماع بل الضرورة على

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 3/ 210.

(2) مسالك الأفهام: 11/ 518.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 79 ح 339، و عنه الوسائل: 24/ 185، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 4.

(4) الكافي: 5/ 227 ح 9، و عنه الوسائل: 17/ 172، كتاب

التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 405

[مسألة 25: تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل]

مسألة 25: تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل، و كذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها، كالمحلّل، و في تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد و إشكال (1).

[مسألة 26: ما كان بيد المسلم من اللحوم و الشحوم و الجلود إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى يؤخذ منه و يعامل معه معاملة المذكّى]

مسألة 26: ما كان بيد المسلم من اللحوم و الشحوم و الجلود إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى يؤخذ منه و يعامل معه معاملة المذكّى، بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط، فحينئذٍ يجوز بيعه و شراؤه

______________________________

عدم قابليّته للتذكية و لو كان كافراً جائز القتل، إلّا أن يقال بالانصراف عنه.

و كيف كان، فالدليل على الظهور ما دلّ من النصوص بالعموم أو الخصوص، مثل صحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة على جواز الانتفاع بجلود الحيوانات المحلّلة الأكل مع ملاحظة أنّه لو لم تقع التذكية عليها تكون ميتة نجسة لا يجوز الانتفاع بها.

(1) الحيوان المحرّم الأكل القابل للتذكية إنّما تكون تذكيته في باب الذبح من حيث الكيفيّة و الشرائط هي التذكية في باب الحيوان المحلّل، فيعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه من دون فرق، و حرمة الأكل و حلّيته لا مدخليّة لهما في التذكية الذبحيّة أصلًا، أمّا التذكية بالاصطياد في الحيوان الممتنع أي الوحشي على ما تقدّم، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان بالآلة الجماديّة، فتكون كالمحلّل، و بين ما إذا كانت بالكلب المعلّم فقد تردّد فيه و استشكل.

و الوجه في الأوّل واضح، و في الثاني قصور أدلة الاصطياد بالكلب المعلّم عن الشمول للحيوان المحرّم، فيحتمل الاختصاص بالحيوان المحلّل، سيّما مع كونه مخالفاً للقاعدة ظاهراً.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 406

و أكله و استصحابه في الصلاة و سائر

الاستعمالات المتوقّفة على التذكية، و لا يجب عليه الفحص و السؤال، بل و لا يستحبّ، بل نهي عنه، و كذلك ما يباع منها في سوق المسلمين؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال، بل و كذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال، كما إذا كان اللحم مطبوخاً و الجلد مخيطاً أو مدبوغاً، و كذا إذا أُخذ من الكافر و علم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى، بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم.

و أمّا ما يؤخذ من يد الكافر و لو في بلاد المسلمين و لم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم، و ما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار أو كان مطروحاً في أرضهم، و لم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم و استعماله، يعامل معه معاملة غير المذكّى، و هو بحكم الميتة، و المدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين، بحيث ينسب عرفاً إليهم و لو كانوا تحت سلطة الكفّار، كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار، و لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: المأخوذ من يد المسلم لحماً كان أو شحماً أو جلداً مع عدم العلم بكونه من غير المذكّى يعامل معه معاملة المذكّى، و قد اشترط فيه في المتن على سبيل الاحتياط الوجوبي أن يتصرّف فيه ذو اليد تصرّفاً مشروطاً بالطهارة، أو بها و الحلّية، و يكفي مجرّد ذلك من دون لزوم الفحص و السؤال، بل عدم استحبابه، بل النهي عنه، و يدلّ عليه صحيحة الفضلاء الثلاثة أنّهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال:

كُلْ إذا كان ذلك في سوق

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 407

..........

______________________________

المسلمين و لا تسأل عنه «1». و مورد الرواية و إن كان هو سوق المسلمين، إلّا أنّها تدلّ على حكم هذا الفرع لعلّه بطريق أولى.

إن قلت: ما الفرق بين المقام، و بين اليد التي هي أمارة على الملكيّة كما هو المحقّق في محلّه، حيث لم يشترط هناك تصرّف ذي اليد فيما بيده تصرّفاً دالّاً على الملكيّة، و هنا قد اشترط و لو على سبيل الاحتياط التصرّف المتوقّف على التذكية؟

قلت: لعلّ الفرق أنّ الدليل الدالّ على أماريّة اليد على الملكيّة مطلق دالّ على ثبوتها كذلك و إن كان مقتضى الاستصحاب في جلّ الموارد لولا الكلّ العدم، و قد وقع التعليل في بعض الروايات بأنّه لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق «2»، و أمّا المقام فقد وقع تعليق الحكم بالجواز على رؤية البائع الصلاة فيه، و أنّه لا حاجة إلى السؤال عنه في هذه الصورة.

ففي رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «3»، بناءً على عدم كون المراد أنّ رؤية الصلاة قرينة على كون البائع مسلماً غير مشرك، و إلّا فالملاك هو إحراز إسلام البائع

______________________________

(1) الكافي: 6/ 237 ح 2، الفقيه: 3/ 211 ح 976، تهذيب الأحكام: 9/ 72 ح 306 و 307، و عنها الوسائل: 24/ 70، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

(2) الكافي: 7/

387 ح 1، الفقيه: 3/ 31 ح 92، تهذيب الأحكام: 6/ 261 ح 695، و عنها الوسائل: 27/ 292، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب 25 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام: 2/ 371 ح 1544، الفقيه: 1/ 167 ح 788، و عنهما الوسائل: 3/ 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 7.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 408

..........

______________________________

كما لا يخفى.

و كيف كان، فالدليل على اعتبار يد المسلم ما دلّ على اعتبار سوق المسلمين، لأنّ الظاهر كما أفاده في الذيل أنّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً، لا السوق الذي يكون في البلد الذي هو تحت سلطة الإسلام و حكومة المسلمين و لو كان جميع أهله أو أكثرهم مشركين غير مسلمين، و عليه فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم، غاية الأمر أنّه لا فرق بين ما إذا أُحرز إسلامه بالقطع، أو بني عليه للغلبة و نحوها.

الثاني: ما يباع منها في سوق المسلمين؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال بناءً على ما ذكرنا من أنّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال و لا يعلم أنّه مسلم أو كافر، فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه، و يكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعيّة عليه، خصوصاً مع اشتراط الاحتياط الذي ذكرناه، و إلّا ففي صورة كون البائع مشركاً فلا يجدي فيه كون أكثر أهل السوق مسلماً.

ثمّ إنّ عمدة الدليل على اعتبار السوق ثبوت القطع أو ضرورة الدين عليه، فإنّه من المسلّم ثبوت السيرة المستمرّة من زمان النبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام من غير ردع منهم على الانتفاع بالجلود و

أكل اللحوم من غير تفحّص و تتبّع عن أصل وقوع التذكية أو عن صحّة التذكية الواقعة، فينكشف من ذلك ثبوت دليل على الجواز و حاكم على دليل المنع.

الثالث: ما كان مطروحاً في أرض المسلمين و كان عليه أثر الاستعمال، كالأمثلة المذكورة في المتن، و قد ورد في هذا المجال رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سُئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها و خبزها

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 409

..........

______________________________

و جبنها و بيضها، و فيها سكّين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها، ثمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا «1». بناءً على لزوم تخصيصها بمثل ما يدلّ على اعتبار سوق المسلمين الدالّ على كون اعتبار البائع مسلماً على ما عرفت من معنى سوق المسلمين.

و كيف كان، فالرواية تدلّ على عدم المنع إذا كانت السفرة لمسلم بلا إشكال.

الرابع: ما كان مأخوذاً من يد الكافر و علم كونه مسبوقاً بيد المسلم مع رعايته الاحتياط المتقدّم، فإنّه لا فرق بين الأخذ من يد المسلم بلا واسطة، أو من يد الكافر مع الواسطة كما هو واضح.

الخامس: المأخوذ من يد الكافر مع عدم العلم المذكور، أو من مجهول الحال في غير سوق المسلمين، فإنّ الظاهر أنّ الحكم في مثله لزوم الاجتناب؛ لعدم ما يكون حاكماً على أصالة عدم التذكية التي هي الأصل الأوّلي في الشبهات الموضوعيّة، كما ظهر ممّا مرّ.

ثمّ إنّه قد حكي عن صاحب الوافية عدم جريان استصحاب عدم التذكية في

الشبهات الموضوعية، خلافاً للمشهور، نظراً إلى أنّ عدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة؛ لأنّه لازم الأمرين: الحياة، و الموت، و الموجب للنجاسة هو ملزومه الثاني دون الأوّل، و هو ليس له حالة سابقة، و المعلوم ثبوته في الزمان الأوّل هو الأمر الأوّل، و هو لا يكون باقياً في الزمان الثاني قطعاً «2».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 297 ح 2، المحاسن: 2/ 239 ح 1737، و عنهما الوسائل: 24/ 90، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 38 ح 2.

(2) الوافية في أُصول الفقه: 210.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 410

..........

______________________________

و يظهر من بعض أنّ هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي، و هو ممنوع جدّاً؛ لأنّ عدم التذكية لا يكون متّحداً مع الحيوان في حالتي الحياة و الموت، كالكلّي المتّحد مع أفراده، بل هو أمر عدميّ يقارن الحياة، و قد يقارن الموت.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره أجاب عن الفاضل التوني بما ملخّصه: أنّ الاستصحاب يجري في ذلك الأمر الندبي إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخر المقارن له، نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية، و كذا إذا لم يرد به إثبات ارتباط الموجود المقارن له به، نظير إثبات كون هذا الدم الموجود ليس بحيض باستصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً، أو عدم رؤيتها لدم الحيض حتّى يحكم عليه بالاستحاضة؛ لورود الدليل مثلًا على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن بحيض فهو استحاضة «1».

و يظهر من حاشية بعض الأعاظم على هذا المقام من كلام الشيخ أنّ استصحاب عدم التذكية يكون من قبيل استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً في عدم إثباته كون هذا اللحم غير مذكّى إلى أن

قال: فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللّحم مذكّى؛ كعدم حلّيته، و عدم جواز الصلاة فيه، و عدم طهارته، و غير ذلك من الأحكام العدميّة المنتزعة عن الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها، ترتّب عليه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه، فلا يحلّ أكله و لا الصلاة فيه، و لا استعماله فيما يشترط بالطهارة، و أمّا الآثار المترتّبة على كونه غير مذكّى؛ كالأحكام الوجودية

______________________________

(1) فرائد الأُصول: 2/ 641 643.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 411

[مسألة 27: لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ]

مسألة 27: لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ، و يستحلّ ذبائح أهل الكتاب، و لا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية، و كذا لا فرق بين كون الآخذ موافقا مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً، أو مخالفاً معه فيها إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربيّة دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك و إن لم يلزم رعايته عنده. و اللّٰه العالم (1).

______________________________

الملازمة لهذه العدميات؛ كحرمة أكله أو نجاسته، و بتنجيس ملاقيه، و حرمة الانتفاع به، و ببيعه أو استعماله في سائر الأشياء غير المشروطة بالطهارة؛ كسقي البساتين، و إحراقه على القول بها و غير ذلك من الأحكام المتعلّقة على عنوان الميتة أو غير المذكّى فلا «1».

و الظاهر تماميّة هذا الكلام و ثبوت التفكيك بين الآثار بنحو عرفت، و إن أجاب عنه جمع، منهم: سيّدنا المحقّق الأستاذ البروجردي فيما قرّرته من دروسه و مباحثه، من أراد التفصيل

فليراجع كتاب نهاية التقرير في بحث لباس المصلّي «2».

(1) قال المحقّق في الشرائع: و لا يشترط الإيمان، و فيه قول بعيد باشتراطه «3»، و هذا القول محكيّ عن الحلّي «4» و أبي الصلاح «5» و ابني حمزة «6»

______________________________

(1) حاشية فرائد الأُصول لآقا رضا الهمداني: 387 388.

(2) نهاية التقرير: 1/ 304 310.

(3) شرائع الإسلام: 3/ 204.

(4) السرائر: 3/ 106.

(5) الكافي في الفقه: 277.

(6) الوسيلة: 361.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 412

..........

______________________________

و البرّاج «1»، و عمدة الدليل على عدم اشتراط الإيمان مضافاً إلى السيرة المستمرّة و نفي الحرج «2» رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلّى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّٰه تعالى عليه «3».

و كذا روايات شراء الفراء و اللحم من سوق المسلمين «4»، و غير ذلك.

نعم، لا ينبغي الإشكال في الكراهة مع وجود المؤمن، لروايات كثيرة.

منها: رواية زكريّا بن آدم قال: قال أبو الحسن عليه السلام: إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه و أصحابك، إلّا في وقت الضرورة إليه «5»، و استثناء صورة الضرورة بعد وضوح أنّ المراد بها ليست هي الضرورة المسوّغة لأكل الميتة دليل على أنّ المراد بالنهي الكراهة، و منها غير ذلك.

و أولى منه أنّه لا يعتبر العلم بكون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً أو مخالفاً معه، بشرط عدم العلم بعدم رعاية ما تلزم رعايته على مذهب الآخذ، كما في المثال المذكور في المتن، و إلّا فمع العلم بعدم

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 439.

(2) جواهر الكلام: 36/ 93.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 71

ح 300، الاستبصار: 4/ 88 ح 336، و عنهما الوسائل: 24/ 67، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 3/ 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50، و ج 24/ 70، كتاب الصيد و الذبائح: ب 29 ح 1.

(5) تهذيب الأحكام: 9/ 70 ح 298، الاستبصار: 4/ 86 ح 330، و عنهما الوسائل: 24/ 67، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 5.

تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، ص: 413

..........

______________________________

الرعاية لم تتحقّق التذكية بنظر الآخذ حتماً، و قد عرفت «2» حكم ذبيحة الناصب و دلالة الرواية، بل الروايات على أنّه لا تحلّ ذبيحته. نعم، في رواية حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي «3». و لكنّ الظاهر أنّه لا فرق في عدم حلّية ذبيحة الناصب بين الصورتين كما عرفت، هذا تمام الكلام في كتاب الصيد و الذباحة.

______________________________

(2) في ص 361.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 72 ح 304، الاستبصار: 4/ 87 ح 335، و عنهما الوسائل: 24/ 68، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح ب 28 ح 7.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الوقف،الوصية،الأيمان و النذور،الكفارات،الصيد، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.